أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زين وآلان: الفصل الأول 5














المزيد.....

زين وآلان: الفصل الأول 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5985 - 2018 / 9 / 5 - 20:08
المحور: الادب والفن
    


ولكنها ليست " خدّوج "، على أيّ حال، مَن ستأخذ الشاب على غرّة وهوَ يتناول طعام الغداء مع صديقته الجديدة. كان النادل السمين قد رفعَ للتو طبقَيْ الطاجين من على الطاولة، متسائلاً ما لو رغبا باحتساء مشروبٍ ساخن. " زين "، لم يبدُ أنها سمعت الرجل. كانت ما تفتأ تروّح اللائحة أمام سحنتها المتكدّرة، الملمّعة بالعَرق جرّاء هذه الظهيرة، المعبقة بالحر القائظ. كان مجلسهما وراء الطاولة، الموضوعة على طرف مدخل المطعم، تظلله ستارة المشمّع الشبيهة بالخيمة. سائحة أجنبية، مرّت في اللحظة التالية حَذاء طاولتهما، مخلّفة أثراً من عطرها النسائيّ الفوّاح وانطباعاً رجالياً عن حُسن ردفيها، المكوّرين في بنطال ضيّق.
" حسناً، سنشربُ شاياً مغربياً بالنعناع "، خاطبَ الشابُ النادلَ. ثم راحَ على الأثر يُداعب سيجاراً بين أنامله الطويلة، الناعمة والناصعة. كان يهمّ بتناول ولاعته المذهّبة من جيب سترته الداخليّ، حينَ شدّه مشهدٌ جعلَ عينيه تتسعان دهشةً وذهولاً: إزاءَ برزخ الألوان، المشكّل هنالك على واجهات محلات الملابس على طرفَيْ مدخل السوق الجديد، كانت كتلة بشرية تتنقل في سَيْرٍ وانٍ مثير ـ كما كرة من أرجوان، تدحرجها فوق بساط اللهب يدُ جنيّ لا مرئيّ.
" يقيناً إنها تلك المرأة الغامضة ذات الثوب الأحمر، البرّاق! "، خاطبَ هذه المرة داخله في نوع من الارتياع. حركته التالية، حق لها أن تنقل مشاعره المَوْصوفة إلى الفتاة. وكان " سيامند " قد نهض من مكانه ملهوجاً، ليشير إلى النادل بيدٍ ما تنفكّ تمسك السيجار. أرسلت " زين " بدَورها نظرة متفحصة نحوَ تلك الجهة من الساحة، التي كانت عينا صديقها ترقبانها بانتباه شديد. ثم جاءها بعدئذٍ صوته، الأقرب إلى الصياح: " سأدفع الحساب. لا تغفلن عيناك عن مراقبة تلك المرأة ذات الثوب الأحمر، البادي نصفها الأسفل ثمة وراء ستارة محل الملابس ". ثم عادَ وسألها بعيدَ لحظة، فيما يناول النادل ورقة مالية: " أما تزال هيَ هناك؟ "
" لا، لم أرَ امرأتك المسحورة. وقد تكون تلك أية امرأة عابرة، فما من داعٍ لتثقب أذني! "، أجابته رافعة يديها إلى مستوى وجهها وكأنما لتصدّ عنها صوته الثاقب. بيْدَ أنه لاحَ كما لو لم يفهم ما قالته. ذلك أنه سألها، وعيناه متعلقتان بالجهة المعلومة، أن تنتظره قليلاً في مكانها ريثما يدقق عن قرب بشخصية المرأة. ثم أضافَ: " في وسعك شرب الشاي ". واستدار دونما أن يكمل جملته أو ينصت لجوابها، ليندفع باتجاه مدخل السوق الجديد. على أنها لم تمكث في مكانها، ونهضت تتبعه بلا أدنى تفكير.

***
ساعة الظهيرة في المدينة القديمة، خلالها تنتاب " زين " مشاعر الخوف والوحشة. إذ تقفل معظم المحلات في الدروب الجوانية، لينعم أصحابها بقيلولة في منازلهم. تخلو الأزقة تقريباً من مخلوقات الله، ربما باستثناء القطط، المتنازعة مع بعضها البعض على الغذاء المتوفر في حاويات القمامة. عندئذٍ يخرجُ من مخابئهم وأوكارهم سُقُطُ متاع القوم، ليستفردوا بأيّ عابر سبيل سائحاً كان أو مواطناً غريباً. وإنّ الفتاة وجدت نفسها في أحد تلك الدروب المشبوهة، فيما كانت تتبع صديقها، مستمدةً بعضَ الشجاعة من خطاه الرجولية الواثقة. مع أنها في غاية القلق بسببه، ولا غرو، كونها تراه لأول مرة في هكذا حالة من التوتر والانفعال ـ كمن يلاحق طيفاً، أو سراباً مستحيلاً.
متاهة هذه الدروب، كانا قد استهلا التوغل فيها مذ خروجهما من السوق الجديد، المنفتح مدخله على ساحة جامع الفنا. ثم تتابعت الأسواق، أو تداخلت بعضها ببعض، وغالبيتها تحمل أسماء غريبة غير مألوفة لسمع الشاب: " سمارين "، " سماتا "، " شرتان "، " لارزال "، " تترازم " و" زرابيا ". هذا الأخير، بحَسَب ما عرفه " سيامند " لاحقاً، كان طوال قرونٍ سوقاً للعبيد؛ إلى أن أبطل هذه التجارة الخسيسة، المستعمرون الفرنسيون، وذلك مع بداية توسعهم من الساحل باتجاه البوادي الداخلية.
سارا إذاً خِلَل دروب المدينة الهرمة، تحت شمسها اللاسعة حيناً وحيناً آخر في ظلال مداخلها وبواكيها وأقواسها وقناطرها. في مقابل الأصوات المنعدمة، أو الخافتة، هيمنت الروائح على سيرهما، وتنوعت، ليداعب أنفيهما على التوالي عبقُ العطور والأعشاب والأرغان والعرعر والجلود والأقمشة وغيرها من منتجات ومصنوعات الرحب والأسواق.
" كأني بنا نقترب من مدرسة بن يوسف؟ "
قال لها صديقها ما أن خرجا من تحت قوس أحد مداخل الدروب، وكان ضياء النهار يكاد يعشي عينيه. ثم أضافَ مشيراً بيده إلى نهاية البقعة السماوية، المرتفعة عن سوية أرضية الدروب المفضية إليها: " هنالك كما تعلمين، يقع رواق الفنون "
" نعم، أعلمُ ذلك بالطبع. ولكن ما لم أدرك مغزاه، إنما إصرارك طوال ساعة على ملاحقة تلك المرأة مع كوننا ضيّعنا أثرها مذ وقت دخولها إلى ساحة الرحبة الكبيرة؟ "
" وإنه احتمال كبيرٌ، أن تكون الشريفة تقودنا إلى الرواق. لأنها ثمة التقت لأول مرة مع شقيقيّ كليهما؛ مع شيرين وفرهاد! "، أجابها وكان لا يزال على الحالة نفسها من التوتر والانفعال.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زين وآلان: الفصل الأول 4
- زين وآلان: الفصل الأول 3
- زين وآلان: الفصل الأول 2
- زين وآلان: الفصل الأول 1
- خجي وسيامند: الفصل السابع 5
- خجي وسيامند: الفصل السابع 4
- خجي وسيامند: الفصل السابع 3
- خجي وسيامند: الفصل السابع 2
- خجي وسيامند: الفصل السابع 1
- خجي وسيامند: الفصل السادس 5
- خجي وسيامند: الفصل السادس 4
- خجي وسيامند: الفصل السادس 3
- خجي وسيامند: الفصل السادس 2
- خجي وسيامند: الفصل السادس 1
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 5
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 4
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 3
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 2
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 1
- خجي وسيامند: بقية الفصل الرابع


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زين وآلان: الفصل الأول 5