أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مظهر محمد صالح - البقرة فريزن :بين امستردام و مزرعة المسيب الكبير














المزيد.....

البقرة فريزن :بين امستردام و مزرعة المسيب الكبير


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5891 - 2018 / 6 / 2 - 03:47
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


البقرة فريزن :بين امستردام و مزرعة المسيب الكبير

مظهر محمد صالح
لم انس تلك اللحظات الجميلة في مدينة امستردام الهولندية عندما قضينا يوماً شديد الريح مشبع بالامطار ولكن معتدل البرودة في اطراف تلك المدينة الجميلة، حيث تنتشر طواحين الهواء ومراعي الابقار الهولندية، انه كان اليوم الاول من شهر كانون الاول 2011. اذ حدثني الدليل السياحي الذي رافقني الى تلك المزارع عن طبيعة ونوعية الابقار الهولندية المدرة للحليب، وقال انها ابقار (فريزن) الشهيرة. وان هذا الاسم يعود لمقاطعة صغيرة الحجم قليلة السكان في هولندا يتحدث اهلها من مربي هذه الابقار لغة معقدة جداً لا يفهمها حتى الهولنديين انفسهم، ويتكلم بها اهل تلك المقاطعة الصغيرة حصرياً، و تعد تلك اللغة مرتكز ثقافتهم وتواصلهم الاجتماعي بما في ذلك اداء طقوسهم الدينية ومناهج تعليم ابناءهم. انها لغة (فريزن) وهي من اللغات الأوروبية النادرة جداً والتي ينفرد التكلم بها بضعة الاف من سكان مقاطعة فريزن وحدهم حقاً لا غيرهم. وعادت بي عجلة الزمن الى الوراء وانا اتطلع الى منظر الابقار الجميل وتذكرت تلك الزيارة الميدانية الرائعة التي قمنا بها في اواخر ستينيات القرن الماضي الى مزرعة مشروع المسيب الكبير وهي من مشاريع الدولة الزراعية النموذجية التي اقيمت منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما اصطحبنا استاذنا في الاقتصاد الزراعي ونحن طلبة في الجامعة وقتذاك، للتعرف على ذلك المشروع الانتاجي المهم وادراك اهمية الزراعة في مستقبل العراق الاقتصادي وان الارض تتكلم لغة العراق التي تحدثت عنها حضارة مدنيتا بابل وان انتاجا من المحاصيل والغلال العملاقة مازلنا نتطلع اليه حاضراً ومستقبلاً بعد ان اكل الملح خصوبة تربتنا والتهم التصحر عمقها و بنهم عظيمين. واللافت في الامر ان مشروع المسيب الكبير كان يضم في ذلك الوقت مزرعة واسعة لتربية الابقار، وان معظم ابقارها كان من نوع (فريزن). حيث اجرى موظف الحقل درساً تطبيقياً على الكيفية التي تذهب بها الابقار الهولندية الى مستودعات الحليب بغية حلبها. وكانت اشارة البدء هي اطلاق منبه (جرس) بنبرة موسيقية هولندية معينة، واستجابة لذلك قامت القطعان الهولندية وقتها (التي تعي لغة فريزن وثقافة تلك المدينة الهولندية بالغريزة والتعلم حتى وان كانت تعيش في وسط العراق) بالاصطفاف وبانتظام اثار اعجابنا نحن الطلبة، اذ دخل القطيع جميعه بهدوء رويداً رويدا، فاصطفت البقرة الاولى ثم جاءت بعدها الاخرى وهكذا صوب مستودعات الحليب لتأخذ كل بقرة دورها امام جهاز الحلب الميكانيكي. وقد استدركنا بعد ان دخلت جميع تلك الابقار ذلك المستودع المنظم النظيف الجميل، ببقاء شلة من الابقار النائمة التي لم تستجب لاشارات قطيع الفريزن الهولندي مما اثار شجوننا واستغرابنا! وقد توجهت بالسؤال الى الموظف الزراعي المعني بحقل الابقار وقلت له: لماذا لم تستجب تلك الابقار السبعة المتبقية للاشارات الصوتية والتوجه فوراً الى مستودع الحليب كغيرها؟ فأجاب الموظف المسؤول ان هذه الابقار هي من سلالات محلية لا تعرف لغة ابقار الفريزن وذات طبيعة عالية على التمرد في الاندماج مع ابناء جنسها من القوميات الاخرى، ولا ترغب تعلم الاشارات الصوتية والذهاب الى مستودعات الحليب برفقة زميلاتها الهولنديات! وتعجبنا على درجة عصيان تلك الابقار المفعمة بالوطنية التي ظلت تكافح الثقافة الاستعمارية الهولندية ولا تستجيب لاشاراتها حتى لا يستغل حليبها من جانب من هب ودب! استعدت ذاكرتي ثانيةً في امستردام لاستمع الى الدليل السياحي قبل ان اغادرها في تلك الزيارة الرائعة للمراعي والمروج الخضراء المحيطة بالمدينة، وقد ذكر لنا الدليل السياحي سراً غريبا مفاده: ان الشعب الهولندي نفسه يرفض تعلم لغة سكان (فريزن) لصعوبتها ومحدودية التعامل بها، على الرغم من سهولة اشاراتها في مشروع المسيب الكبير! وعندها قلت في نفسي ان تعصب معظم الشعب الهولندي في عدم تعلم لغة فريزن قد ياتي كي لا يحلبه احد حليبه من سكان فريزن نفسهم وهم المنافسين الاشداء في موضوع غزارة الحليب! وربما تماثل الناس في سلوكهم مع سلوك ابقارنا المحلية في مشروع المسيب الكبير التي رفضت هي بنفسها الانصياع لاشارات لغة فريزن والاستجابة الى من هب ودب ليسلبها مخزون حليبها الغالي والنفيس! وعندها ادركت مدى غرابة عناد الشعب الهولندي في عدم تعلم لغة الفريزن وغرابة عناد الابقار العراقية في مقاومة تعلم اشارات الفريزن الموسيقية ولماذا هذا الاصرار كله في مقاومة ثقافة البقرة فريزن وهي واحدة من اكبر المخلوقات ادراراً للحليب على وجه الارض؟ لا نعلم. ولله في خلقه شؤون في تساوي الشعب الهولندي والابقار العراقية في هذه الغطرسة!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمامة المحزنة
- ديوان الحكومة القديم
- مفارقة اسيا
- متجر الماس:أغنياء وفقراء
- انغولا والنفط الملعون...!!
- الشاي الأسود والسكر الابيض
- نهاية الموديل الاقتصادي للقيصرية الروسية
- المقاصة الدراسية وازمة الهوية
- الخمر والأغلبية الصامتة!
- ‎امرأة من حديد!
- عالم مسطح ..!!
- القمامة و صندوق النقد الدولي
- الرقص مع الذئاب..!
- مسابح العنصرية
- العبودية في القرن الحادي والعشرين!
- تقسيم العمل..ثروة أم اغتراب؟
- غزوة المتحف..!
- ليلة الهروب
- صبي تحت الشمس..!
- النفط والحليب من دين واحد


المزيد.....




- المغرب وفرنسا يسعيان لتعزيز علاقتهما بمشاريع الطاقة والنقل
- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مظهر محمد صالح - البقرة فريزن :بين امستردام و مزرعة المسيب الكبير