وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5764 - 2018 / 1 / 21 - 01:50
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الانحياز الى لاهوت الرجاء
من كتاب (لاهوت التحرير :التاريخ والسياسة والخلاص ),ترجمة جان رزق الله , الاب جون الدومنيكاني , من سلسلة اللاهوت المسيحي -2- يطلب الكتاب من دار الاكويني – دير الدومينيكان – القاهرة – ط1-2016 – يطلب من بغداد من الكتبي ستار محسن – ابو بلال – مكتبة ودار نشر سطور – بغداد – شارع المتنبي.
( لاننا في الرجاء نلنا الخلاص )من رسالة القديس بولس الى كنيسة روما (8:24).
تقديم مختصر :
بقلم الاب دوجلاس ماي
( لقد كانت تنشئتي في الاكليريكية تتطلب مني قراءة مقتطفات كثيرة من مختلف كتاب اللاهوت الذين كانوا يكتبون من وجهة نظر لاهوت التحرير ...
نتج هذا اللاهوت عن تفكير اللاهوتيين الكاثوليك في اميركا اللاتينية حول اوضاع الفقر والاستبداد في عقد السبعينات وماتلاه في القرن العشرين .يترجم هذا اللاهوت تعاليم المسيح على ضوء الاوضاع الاقتصادية والسياسية غير العادلة , الموجودة في العالم مستخدمين النقد الماركسي الى جانب الاناجيل ليقدموا ردا انسانيا .وبغض النظر عن الطريقة التي يرى بها المرء يسوع والاناجيل ,هنالك مباديء اساسية للعدالة الاجتماعية موجودة في لاهوت التحرير يمكن اعتبارها كلاسيكية وشاملة . وفي اعتقادي يمكن ان تفيد هذه المباديء في بناء الامة في العالم العربي ).
الان وبعد خمسين عاما تتجدد في الطاقة عندما ارى البابا فرنسيس يشدد على تعاليم الكنيسة الاجتماعية ويقبل لاهوت التحرير .بهذه الروح اضع نتائج الزمن والمجهودات والمساعدات المادية بين يدي رهبنة الاخوة الواعظين ( الدومنيكان )لكي ينشروا او يوزعوا هذا الكتاب باللغة العربية وكلي امل في ان يعزز الفكر والعمل في عملية بناء الامة في العالم العربي .
ان المسيح والاناجيل يقدمون لنا رؤى قيمة تحتاج اليها العائلة البشرية ,بغض النظر عن تبعيتهم للايمان المسيحي ام لا ,بدون اي نظرة سلبية نحو نظم المعتقدات الاخرى .اؤمن بان العمل على جعل العالم ان يصبح على شاكلة المسيح بدلا من جعله مسيحيا , سيجعل العالم اكثر انسانية ويجعله يحقق الصورة التي خلقها الله عليها.
يشدد ارنست بلوخ على جوهر الرجاء الحق في الحياة الانسانية في احد اهم اعماله (مبدا الامل ) .فالامل كما يراه بلوخ تعبير عن تطلعات الانسان الى حياة افضل في المستقبل , وليس مجرد عالم مثالي من صنع الخيال .يستند بلوخ في نظريته عن الامل الايجابي الى ماقاله ماركس في اطروحاته الاولية المعارضة لفكر فيورباخ :
(لقد اكتفى الفلاسفة بتفسير العالم بشتى الطرق ,غير ان الاهم هو العمل على تغييره).يرى بلوخ ان للانفعال العاطفي شكلين: الشكل الاول وهو الانفعال المجتمعي ,يحدث في الواقع المحيط بالانسان مثل الحقد او الطمع ,بينما الشكل الاخر هو الانفعال التطلعي الذي ينعكس في المشاعر الانسانيةالتي تتنازع بين الياسوالامل .
يعطي الشكل الاخير دفعة نحو المستقبل , وبالاخص الشعور بالامل , تلك الخاصية التي لايختبرها سوى الكائن البشري , لانها محررة لذاته الانسانية .
الامل هو الوعي الاستباقي بامكانيات طوباوية . ولكن هذه الطوباوية المثالية هي التي تحرك الانسان نحو الانتقال من الوعي الاستباقي الى المعرفة العقلية , ومنها الى انفعال قصدي يحرك الانسان نحو النور ,متحررا من ظلمة الحتمية التاريخية , دون ان ينفصل عن صيرورة التاريخ .
يرى مولتمان ان استعلان ( اعلان )الله بالمفهوم الكتابي يختلف عن المفهوم الذي عرفته الفلسفة اليونانية , فيقول ( ظهور الله ليس ظهورا للحاضر الازلي )الذي ينحصر في اعلان ماهو موجود , بل هو ظهور يحدثنا عن اله ات من اجلنا نحن البشر , فيجب علينا نحن البشر ان ننتظره برجاء نشط .
يرى مولتمان ان لاهوت الرجاء لاينفصل عن لاهوت قيامة المسيح, بل ( ان قيامة المسيح من بين الاموات هي ايضا قيامة الانسانية الجديدة التي لم تكتمل بعد).
يشير اللاهوتي الانجيلي روبيم الفيس الى ان الوعد الالهي في راي مولتمان هو القوة القادرة على تجاوز الزمن الحاضر وان نظرة مولتمان تشبه تشبه فكر ارسطو عن قانون السببية حيث الله المحرك الاول , الذي يحرك التاريخ نحو المستقبل بدون ان يكون الله حاضرا في داخل هذا التاريخ.
ان موت يسوع هو حاضرنا المحفوف بالالام , وقيامته هي الرجاء المتجذر في ممارسة حياتية هو الذي ينتصر على الموت . الرجاء الذي لايتجسدفي الحاضر ويتجاوز الواقع نحو الافضل , سيتحول الى وهم مستقبلي يحكمه الخوف من تغيير الواقع . يجب علينا ان نكون حذرين حتى لاتتحول مسيحانية الابدية الى مسيحانية مستقبلية .ربما تنحاز الاولى الى نسيان العالم , ولكن الاخرى ,وهذا هو الاخطر سوف تهمل الحاضر الذي تثقله وطاة القهر والظلم , ولا يحركها النضال من اجل الخلاص.
لقد قدم اللاهوتي الكبير مولتمان اهم الاعمال اللاهوتية المعاصرة . قدم منهجا جديدا للاهوت الرجاء ,ضخ حياة جديدة في التفكير بشان جوانب مختلفة للوجود المسيحاني .فهو من بين امور اخرى يعد منهجا يساعدنا على ان نتغلب على التداعي بين جوهر الايمان المسيحي والخوف من المستقبل ,والذي يعتبره مولتمان , عن حق ,احد العناصر التي يتاثر بها الكثير من المؤمنين .
الرجاء هو ان ننفتح بتواضع روحي مثل الاطفال ليوميات الحياة ,فهو النعمةالتي اعطاها الله لنا لكي نستنكر الظلم , لكي نحتج ضد كل الاشياء التي تحتقر كرامة الانسان وحقوقه ,لكي نناضل من اجل السلام وتحقيق الاخوة الانسانية .ولذلك فالرجاء هو تلك القوة الدافعة والمحررة في داخل التاريخ .ان الرجاء هو تلك الهبة الالهية التي تسير في خطاها نعمتا الايمان والعطاء , وليس العكس . الا ان المكانة الاكبر لرجاء منفتح بثبات وثقة للمستقبل لن تتحقق الا عندما يجد الرجاء جذوره في الحاضر,وعندما يتجسد في خبرات الاحداث اليومية بين الابتهاج بالقضاء على الظلم والتحررمن كل اشكال العبودية .ولقد كان البير كامو على حق عندما عبر عن الرجاء في سياق مماثل بقوله :
(يكمن الكرم الحقيقي تجاه المستقبل في اعطاء الحاضر باكمله ).
ختاما :
ترفض كنائس لاهوت التحرير في اميركا اللاتينية سياسات النيوليبرالية الراسمالية في ظل العولمة الاقتصادية والتي تزيد من تبعية دول القارة الى الغرب , وتستنكر الكنيسة تدابير منقوصة لاينتج عنها سوى تعزيز سياسة الاستغلال الراهنة والتي تزيد من حالة التبعية للغرب .ولقد جاء اعلان كهنة بيرو بمساعدة الكرادلة بانه لابد من تغيير اسس هذا النظام وهذا لايتحقق الا في سياق الانتقال من توصيات صندوق النقد الدولي وهذه تمثل تبعية مستترة ولكنها ليست اقل تاثيرا في معاضتها لتحرركامل قارة امريكا الجنوبية.
كما اكد كهنة كولومبيا تنديدها بالراسماليةالاستعمارية الجديدة حيث انها غير قادرة على حل مشكلات مجتمعات امريكا اللاتينية .
كما اكد كهنة كولومبيا تمسكهم بالخيار الاشتراكي للقضاء على جميع اشكال استغلال الانسان لاخيه الانسان , اشتراكية تتلائم ومعطيات التاريخ والطابع المنفرد لشعب كولومبيا .كما اكد كهنة الارجنتين بان الاشتراكية وحدها تستطيع تحقيق انماء حقيقي في اميركا اللاتينية , فهي القيم الاكثر توافقا مع القيم المسيحية والعدالة والسلام .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟