أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم جبران - شعر محمود درويش-تراث قومي .. ارتفع إلى العالمية















المزيد.....

شعر محمود درويش-تراث قومي .. ارتفع إلى العالمية


سالم جبران

الحوار المتمدن-العدد: 5685 - 2017 / 11 / 1 - 14:38
المحور: الادب والفن
    


شعر محمود درويش-تراث قومي .. ارتفع إلى العالمية
بقلم سالم جبران

(كلمة القاها سالم جبران في يوم دراسي عن محمود درويش في تشرين أول 2008 احتفظت بنسخة من الكلمة في ملفاتي ولم ينشر عنها الا خبرا بإطار الخبر عن اليوم الدراسي، وجدتها قبل أيام بين اوراقي لأهميتها كشهادة من أقرب أصدقاء محمود درويش أقدمها للقراء كوثيقة كتبها سالم جبران أقرب الأصدقاء لمحمود درويش، واحد الأصدقاء الوحيدين الذين قابلهم درويش قبل سفره لإجراء عملية القلب في الولايات المتحدة والتي توفي على اثرها ، سالم جبران توفي في كانون أول 2011-نبيل عودة)

محمود درويش، النقي البريء مثل طفل أسطوري، كان في الوقت نفسه ذكياً خارقاً، شغوفاً بالمعرفة والاطلاع. كان طول حياته العاصفة والغنية لا يجيب على كلام قبيح يصل إلى مسامعه ولم يدخل في حياته في مساجلات مع مهاجمين أو حاقدين أو حاسدين إلى أن أجبر كل هؤلاء على الصمت.
كانت حياته كلها، من شبابه الغض إلى آخر حياته، متركزة في أمر واحد: الانطلاق إلى أمام، الانطلاق إلى أعلى، الإبحار الدائم في عالم الشعر الذي كان بالنسبة له بحراً بلا حدود وسماءً في اتساع الأبدية. كان الشعر هدف حياته، بل كل حياته، كان الشعر هو العمل وهو البهجة وهو الحلم، كان الهدف الذي صغُرت أمامه كل الأهداف الأخرى، على الإطلاق.
ربما تظنون، أيها الأخوات والأخوة، إنني أتكلم بالعاطفة، ونحن ما زلنا على مساحة قصيرة زمنياً من الحادث المفجع بفقدان محمود، ولكني أقول لكم إن موقفي من محمود كإنسان، كصديق، وبشكل خاص موقفي من عاصفته الشعرية لم يتغير بعد وفاته.
لقد رأى محمود درويش في العشرين سنة الأخيرة من حياته احتضاناً قوياً وحباً جارفاً ليس بين الفلسطينيين جميعاً فقط، بل بين العرب في المشرق والمغرب. كان بإمكانه أن يُلقي الشعر ساعات أمام الألوف المؤلفة، في استاد رياضي أو ساحة جامعة، والشعب يستمع بسعادة ويصفق تصفيقاً ذكياً، ارتباطاً بالنشيد أو بالمعاني أو بالإشارات الذكية. كان محمود يندمج مع الناس، مع بحر الناس، وكان الناس يندمجون معه كأنما هو هم جميعاً.
سوف ينشغل النقاد والباحثون طويلاً بالسؤال الكبير: ما هو سر هذا الحب الجارف، هذا التعاطف، هذا الاندماج الشعبي الهائل مع شعر محمود درويش، ما هي الملامح التي جعلته بطلاً قومياً في حياته؟ ما الذي جعله يوحِّد الأمة التي مزقتها الانقلابات وحطمها العجز وضربها طغيان الأنظمة الشرسة والفاسدة معاً؟
لنقل أولاً إن محمود درويش هو معجزة اجترحتها الأقلية الفلسطينية التي بقيت في الوطن، داخل الكيان الإسرائيلي. وكان المخطط أن نفقد الأرض وأن نفقد الهوية وأن نفقد اللغة وأن نفقد الذاكرة. ولكننا صرنا مثل الحجر الذي رفضه البناءون فصار حجر الزاوية مما جعل البطل الفلسطيني ماجد أبو شرار الذي اغتالته إسرائيل في ايطاليا يقول: أنتم الباقون على التراب الوطني جزءاً من التراب الوطني أشرف ما في الأمة العربية قاطبة. هذا هو المشهد الخارق الذي صوَّره محمود درويش وطوّره وعبَّر عنه شعرياً وروحياً، وهذه المأثرة صارت إنسانية وعالية بفضل الشعب كله وبفضل العبقرية الشعرية لمحمود.
يجب أن يقال إن محموداً صار إلى ما صار إليه ليس فقط بفضل المضامين، بل أيضاً وأساساً بفضل التجربة الشعرية اللغة الشعرية الحافلة بالميزات الهامة المتداخلة: اللغوية والموسيقية والإبحارات الخيالية والصور المدهشة التي ابتكرها وثابر على تطويرها طول حياته..
اسمحوا لي أن أذكر أنني رافقت محموداً منذ اليوم الأول في الدراسة الثانوية في كفرياسيف. كان أنيقاً ورشيقاً وجميلاً ومعتزاً بلا غرور. كان إذا غلط في كتابة كلمة لا يشطبها فقط، بل يبدأ بكتابة كل الصفحة من جديد، وعندما ينتهي العمل يكون بدون تشطيبات إطلاقاً. كانت صفحة الكتابة التي تخرج من تحت يديه نظيفة، متناسقة، مريحة للعين، مثل محمود نفسه.
كان يطالع في سن مبكرة جداً. لقد أخذ عشرات الكتب من أستاذنا العظيم، أستاذ اللغة العربية المرحوم مطانس مطانس، كما أخذ الكتب من مثقفين مخضرمين من كفر ياسيف. قرأ محمود الياس أبو شبكة ومارون عبود وعلي محمود طه وأحمد زكي أبو شادي وسعيد عقل ومجموعة "أبولو" المصرية، وهو لم ينهِ الصف العاشر. كما اهتم معلمنا مطانس مطانس أن نقرأ كتب طه حسين وأحمد أمين. وكان يقول لنا: "مَن يقرأ أدب النهضة وفكر النهضة، يهزم الحكم العسكري ويحافظ على الجذوة القومية والإنسانية متوهجة".
لقد بدأ محمود في سن مبكرة بكتابة الغزل، وهذا طبيعي. ولكنه لم يلبث أن بدأ بكتابة الشعر الوطني الرقيق الغنائي، شعر الحنين إلى القرية السليبة وإلى كروم الزيتون وإلى البئر المصادرة وإلى الحصان المسروق وإلى تهاليل جدته وأمه.
كان واضحاً أن الشعر لم يكن بالنسبة له أداة للظهور أو للتغني بفلسطين أو بالقرية، أو بالاعتزاز القومي، بل كان الشعر هدفاً بحد ذاته. كان يِفرغ ذاته ويجسِّد ذاته، ويجد ذاته كلها من خلال التجربة الشعرية. أحسسنا كلنا أن الشعر بالنسبة له هو مشروع حياة وقضية حياة. كانت حياته هي الشعر والشعر هو كل حياته.
وعندما انتقلنا إلى الصحافة، إلى "الاتحاد" و"الجديد" و"الغد" في أوائل الستينات، لم يحاول أن يندفع إلى الكتابة السياسية المباشرة. وحتى عندما كتب مقالاً ذا طابع قومي أو سياسي كان المقال بلغة الشاعر وحس الأديب ونفسية المثقف الذي يرى في الكلمة هدفاً لا أداة ويرى الحياة في شمولية إنسانية أوسع من السياسة، أية سياسة.
هناك اتفاق أن محمود درويش هو شاعر فلسطين، شاعر المأساة وشاعر الحلم. وهذا صحيح. ولكن محموداً لم ينزلق إلى الشعارات، وإلى الحماسة الإنشائية، استجداء للتصفيق أو للشهرة الرخيصة، بل كان، طول الوقت، إنسانياً حالماً، شكّل تعامله مع الكارثة الفلسطينية، تحدياً مدهشاً أمام التفكير الصهيوني الرسمي وأمام محاولات إنكار المحرقة الفلسطينية.
محمود لم يبك، لم يحرض، لم يكره بل قال لليهود وللعالم إننا كفلسطينيين نريد أن نعيش أحراراً على أرضنا الوطنية، مثل كل الشعوب، لا نِهدد بل نريد إسقاط التهديد الذي يحاصر الإنسان الفلسطيني حياةً وثقافةً وحلماً إنسانياً.
محمود لم يعش يوماً في غيتو فلسطيني بل عاش في العالم الرحب، وكان واثقاً أن العالم يفهمنا، من الطبيعي أن يفهمنا وفي الوقت نفسه حوَّل التراجيديا الفلسطينية إلى ناقوس يدق فوق ضمير العالم منادياً ومجنداً للحق والحرية.
بودي أن أمس باختصار قضية تتعلق بالتجديد الشعري عند محمود. محمود نادراً ما كتب قصيدة عمودية كلاسيكية بل كتب شعراً حديثاً، شعر التفعيلة. وكان مجدداً فيه. ولكن قام بتجديد خارق من حيث قوة الموسيقى من ناحية، وثانياً من حيث ارتباط محمود مع المناخات الكلاسيكية.
هناك حشد من الإشارات في شعر محمود من القرآن الكريم ومن التوراة اليهودية ومن الإنجيل المسيحي ومن الثقافات القديمة للشعوب الشرقية مما يجعله مواطن العالم. كما أن في شعر محمود إشارات هائلة إلى الشعر القديم وحتى تراكيب جمله فيها عبق من الشعر الجاهلي والأندلسي لغنائيته الساطعة.
ولعل أهم ميزات شعر محمود أنه بالوزن الرقراق والقوافي المتعانقة والصور الشعرية قد رفع ذوق الملايين العربية وكان لقاؤه مع الناس لقاء المغني الشعبي الأسطوري، يطرب الناس بشعره ويطربونه هم بالتفاعل الحار الساطع.
وبحق قال الموسيقار اللبناني الفذ مارسيل خليفة: "أنا لا ألحن شعر محمود، وكل ما أفعله أنني أكتشف ألحان محمود لشعره وأصوغها موسيقياً".
إن شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية جميعا وحركة الثقافة العالمية، سوف يشعرون بغياب محمود. والعزاء الوحيد، الذي ليس لنا سواه، هو أن التراث العظيم لمحمود درويش سوف يبقى أبداً تراثاً عربياً وعالميا حيَّاً وزاداً روحياً لشعبنا الفلسطيني الطامح والمكافح في سبيل حياة إنسانية شريفة وآمنة وسعيدة.
أنا واثق أن شعر محمود درويش سيعيش آلاف السنين بعده، وسوف يساهم في صياغة النفسية الثقافية والروحية والغنائية لشعبنا. وبهذا المعنى، حقاً لا مجازاً، فإن محمود درويش لم يمت، ولن يمت.



#سالم_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاشق النهر
- السلطات المحلية على حافة الانهيار-
- متى ننتقل من صراخ الشعارات إلى العمل النشيط والعقلاني؟
- ما الغرابة في تدنِّي مكانة اللغة العربية؟!!
- النمو الاقتصادي في إسرائيل- الأرباح للأغنياء فقط!
- العنصرية المعادية للعرب تتضاعف في إسرائيل
- تيارات فاشية وعنصرية.. ونازية تحت سطح المجتمع الإسرائيلي
- تسعون عاماً على وعد بلفور-أين هم وأين نحن؟
- أصحاب الأرض غرباء
- إسرائيل تخطط وتستعد والعرب.. يشاهدون -باب الحارة-!
- فضائح في إسرائيل وفضائح في العالم العربي!
- براك يساري نكتة
- في ظل الأوضاع الظلامية- تذبل المبادرة والإبداع!
- أكبر جريدة في إسرائيل: إسرائيل دولة عنصرية!
- من حزب استيطاني كولونيالي- إلى حزب ..على الإنترنت!
- التخلص من الدكتاتوريات
- حالة الطقس في إسرائيل
- كتب الدين والطبيخ
- العالم العربي مستعمرة أمريكية أم وطن للعرب الناهضين؟!
- دولة يهودية وعنصرية


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم جبران - شعر محمود درويش-تراث قومي .. ارتفع إلى العالمية