أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فريد العليبي - سلامة كيلة وشجرة بشار والغابة السورية .















المزيد.....


سلامة كيلة وشجرة بشار والغابة السورية .


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 5618 - 2017 / 8 / 23 - 15:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


التقيت سلامة كيلة خلال بعض زياراته المتكررة الى تونس وكانت لنا حوارات سادها الاحترام رغم الاختلاف أحيانا في الرؤى الفكرية والتوجهات السياسية ، وقد أتاح لى الاطلاع على مقال قصير كتبه في العربي الجديد يوم 10 أوت / أغسطس 2017 تحت عنوان >، العودة ليس فقط الى المواقف التي ضمنها اياه وانما أايضا الى مواقف أخرى سبقته مبثوثة في كتاباته فضلا عن استحضار تلك الحوارات للإحاطة بما هو أساسي في نظرته للمسألة السورية وتفاعلاتها التونسية بشكل خاص .

يكتب كيلة مقالات ومنها المقال المذكور في مواقع محسوبة على بعض الدول الخليجية ، وهذا ليس عيبا " في ذاته " عندما يتعلق الامر بكتابة لا تخضع لاستراتيجيات تلك الدول ، غير أن هذا الشرط مفقود في حالة كيلة فمقالاته بخصوص المسألة السورية تتماهى وتلك الاستراتيجيات، مثلما عليه الأمر في المقال الذي ألمحنا اليه، وعندما يواجه بالاستنكار يقارن نفسه بماركس وهو يكتب في جرائد برجوازية خلال القرن التاسع عشر ، وبينما كان ماركس يكتب في جرائد برجوازية وينشر كتبه في دور نشر برجوازية أيضا دون خضوع الي توجيه أباطرة السلطة والمال والإعلام، الذين كان عكس ذلك يكتب ضدهم فإن كيلة يكتب بما يتلاءم وسياسات تلك الدول ،خاصة في علاقة بالمسألة السورية كما قلنا ، ولا يقلل من شأن هذا الأمر حجته أنه يكتب منتقدا هذا التوجه أو ذاك لتلك الدول، التى تمتلك امبراطوريات اعلامية ومراكز بحثية ضخمة ونجحت في ضم عدد من " المثقفين " العرب الىها، فالرئيسي هو اندراج ما يكتبه ضمن التوجه العام لتلك الدول ، وهو توجه متصل بالتأثير في مجرى السياسات في الوطن العربي منذ اندلاع الموجة الانتفاضية الأخيرة، ومرتبط عضويا باستراتيجيات الهيمنة الامبريالية ، وكما هو معلوم فإن تلك المواقع الاعلامية والبحثية تدفع مقابل ذلك بسخاء . و يبدو أن كيلة وجد في ذلك ضالته فهو لا ينكر بحثه عن الكتابة في المواقع "الأكثر ادرارا للمال " كما يقول.

وقد تزامن ما كتبه ضد الاتحاد العام التونسي للشغل واليسار التونسي مع حملة تشنها حركة النهضة /الاخوان المسلمون في الاتجاه ذاته ، حيث تم استنفار المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي للافتراء والسب والشتيمة ، وشحن المريدين والأنصار وتعبئتهم ايديولوجيا وتحريضهم سياسيا، في نسخة مكررة لما مارسته أيام تصدرها حكم الترويكا وما أفضى اليه ذلك من حرق لبعض مقرات الاتحاد وصب النفايات أمام واجهات البعض الآخر ، وما تبعه من اغتيالات سياسية واستعمال الرصاص لقمع الاحتجاجات الاجتماعية، فزيارة وفد الاتحاد إلى دمشق قابلتها الحركة بما يشبه اعلان حالة طوارئ ولم يفعل كيلة بما كتبه غير صب الماء في طاحونة تلك الحركة بوعي أو بدونه.
ويفسر رد فعل حركة النهضة بإدراكها خطورة مفاعيل تلك الزيارة التى ليس أقلها شانا فتح ملف ارسال ارهابيين الى سوريا وغيرها من البلدان ، ومن استتباعاته الكشف عن تورط شبكات اجرامية تجد منابع تمويلها في تلك الدول التى لا تزال توظف الشبكات الاعلامية لتغطية أنشطتها وتبرير أفعالها تارة بتوسل ايديولوجيا دينية سلطانية مثلما يفعل القرضاوي وأخرى بايدولوجيا هي اقرب الى خليط من ماركسية وقومية وليبرالية مهشمة مثلما يفعل كيلة . والغائية المحركة لذلك انما هي تبرئة مسبقة لتلك الدول من أى شبهة اجرامية تحوم حولها خاصة الآن وقد أضحت الملفات على الطاولة وحان وقت فتحها .
عملت حركة النهضة بقوة على افشال مشروع اعادة العلاقات مع سوريا ، ونجحت في ذلك داخل البرلمان ،عندما وجدت آذانا صاغية لدى كتلة نداء تونس اليمينية الليبرالية ، التى لا يخفى ارتباطها بمصالح تفرض عرقلة عودة تلك العلاقات ، فتونس الرسمية عضو في التحالف العربي الذى لا تروق له عودة تلك العلاقات الى سابق عهدها ، كما أن قوى دولية تعترض على ذلك ، وان كان رئيس الدولة التونسي ووزير الخارجية قد حاولا الالتفاف على ذلك بالاشتغال على جانب قانوني ، فطالما أن الرئيس السابق منصف المرزوقي لم يعلم الهيئات الدولة بقطع العلاقات فإنها لا تزال قائمة ، وبالتالي لا حاجة الى تصويت برلماني في الغرض ، وإن ما يمنع عودة السفير التونسي الى دمشق هو الوضع الأمني لا غير.
و تتنزل زيارة وفد الاتحاد في اطار هذه المعركة فالنقابيون يريدون القول أنه على خلاف تونس الرسمية فإن تونس الشعبية مع عودة العلاقات الدبلوماسية، ولكن كيلة لا يرى في ذلك إلا " النكاية بالنهضة " مقدما لنا اليسار والاتحاد في ثوب من لا سياسة له ولا برامج ولا مهام في علاقة بالمسألة السورية ،فهما يمارسان فقط النكاية ، مصطفا وراء تلك الحركة فهو معها في بقاء تلك العلاقة مقطوعة، متغافلا عن الضرر الذي لحق آلاف السوريين والتونسيين وحتى الفلسطينيين المقيمين في البلدين جراء ذلك ، فضلا عن رغبة غير خافية في أن يظل ملف ارسال من يسميهم كيلة " جهاديين" تونسيين الى سوريا مغلقا فعودة العلاقات من شأنها فتحه كما ذكرنا .
ويصل الاصطفاف اياه وراء تلك الحركة وأخواتها من المنظمات الاخوانية التى تمارس التقتيل والترويع في سوريا قمته عندما يعلن كيلة ببساطة أن " فكرة جهاد النكاح جرى تلفيقها في تونس وبعض قيادات اليسار التونسي تعرف ذلك "!!!!! يقول هذا دون تقديم أية حجة فالمهم تبرئة هؤلاء " الجهاديين " من ذلك الجرم الذى يمحوه بجرة قلم ، فهو ببساطة لم يوجد أصلا ، إنه " تلفيق تونسي " ، ثم ما الحاجة الى دليل واليسار التونسي على علم بذلك وربما بمشاركته ؟! ويمارس كيلة هنا غمزا ولمزا فاليسار يعلم ،وقد أجرم لأنه سكت على الأقل عن قول الحق أما هؤلاء " الجهاديين " المُفترى عليهم فهم أبرياء من تلك التهمة هكذا يصدر القاضي سلامة كيلة أحكامه ويغلق الملف ، ويسكت عن شهادات عشرات النساء في الغرض ، وسبي الآلاف و بيعهن وشرائهن في الأسواق ، فالمسألة أكبر من جهاد النكاح فهى تخص وضع المرأة في حرب رجعية مغلفة بالدين ، فهل بعد هذا نستغرب الغضب الذى يطفح به مقاله من مجرد الدعوة الى اعادة العلاقات بين سوريا وتونس ، وهو المدرك كما ألمحنا للهول الذي يستتبعه فتح ملفات تلك الحرب .
الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة عريقة في الكفاح ، وهى من القلائل في الوطن العربي التى حققت الارتباط بين النقابي والسياسي ، وكان لها مواقف وأفعال جيدة تجاه المسألة الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية ، حتى أنه لا يكاد يخلو فرع من فروعها من رفع الراية الفلسطينية ،عدا عن تنظيم الندوات والمعارض والمسيرات في صلة بتلك المسألة .
.و تاريخ تلك المنظمة ملئ بالتضحيات فقد قدمت شهداء وجرحى ومعتقلين بما في ذلك مؤسسها فرحات حشاد الذي قضى شهيدا برصاص الامبرياليين الفرنسيين ، وعندما أقرأ و أنا أحد منتسبيها وسبق لى تحمل مسؤوليات ضمن هياكلها ما كتبه كيلة تشهيرا بها لأن وفدا منها زار دمشق هذه الأيام ، لا أملك إلا التعبير عن أسفي ، فالاتحاد الذى حاصر نظام بن على مقراته وسجن بعض مناضليه وكانت فروعه المحلية والجهوية والمركزية خلال الانتفاضة الأخيرة خيمة تخرج منها المظاهرات وتعود اليها أصبح في عرف كيلة خادما لذلك النظام و داعما " لاحتلال بلد عربي ".
وبعكس ما يراه كيلة بخصوص تلك الزيارة نرى أن الاتحاد كان عليه القيام بها قبل ذلك بوقت طويل كما ننقد "اليسار الليبرالي" الذى اختلطت عليه السبل في البداية وهلل للثورة السورية المزعومة وأصدر بيانات في الغرض والآن يتخذ موقفا آخر أقرب الى مواقف "اليسار الثوري" ، وهو ما لا يمكن إلا الترحيب به.

والملاحظ أنه يخلط الأوراق عمدا عند الحديث عن الاتحاد ملمحا الى أن من زار دمشق هم قيادات الاتحاد ويعنى مكتبه التنفيذى الذى نقدنا الكثير من مواقفه وممارساته، بما في ذلك قربه من بورقيبة وبن على في وقت ما في صلة بتوازنات محلية بين الطبقات السائدة في تونس وبعده عنهما في وقت آخر ، ولكنه يتجاهل أن ذلك الوفد ضم مسؤولين نقابيين من الهياكل العليا والوسطى وهو يعبر الآن عن مزاج نقابي عام في تونس مناصر للشعب العربي السوري في صموده ضد الارهاب التكفيري وداعميه .
يستعمل كيلة مصطلح اليسار دون تدقيق يذكر فهو يضع تحت عنوانه كل " اليساريين " في تونس وهو العارف باختلافاتهم ، والتعميم مقصود هنا حتى يصل في الأخير الى اعلان موت اليسار برمته ، متناسيا أن بعض ذلك اليسار على الأقل كانت له دوما مواقف نقدية في علاقة بالمسألة السورية والقضايا العربية عامة ، فقد ندد في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بمجازر تل الزعتر وجسر الباشا والكرنتينة واغتيال كمال جنبلاط والتحالف مع الانعزاليين اللبنانيين ، وكان ضد توريث الحكام الحكم لأبنائهم وضد قمع الحريات وإغراق الكادحين في البؤس الخ ...ولكنه كان يرى أيضا الجانب الآخر من اللوحة فعندما تدمر سوريا والعراق وليبيا واليمن الخ .. فإنه يفضح الغزاة وأعوانهم وهذا ما يحصل اليوم .
يبدو كيلة ضحية الهوس بالنهايات فقد بلغ الى مسمعه أن بعضهم قد قال بموت الاله والآخر بموت الانسان وثالث بموت الايدولوجيا الخ ... فقال هو بموت اليسار : "حينما قلت أن اليسار قد مات كنت أقصد هذه الكلمة، اليسار أصبح لا يمتلك رؤية حقيقية للواقع، أصبح يعيش بأوهام ثقافوية أو سياسية تجعله بعيدًا عن حركة الشارع والصراع الواقعي".
وحتى تنطلى " نهايته " يروج ترهات من قبيل أن الاتحاد العام التونسي للشغل يمثل البروليتاريا التونسية ، وأنه واليسار ينظران الى الجيش الروسي باعتباره الجيش الأحمر وأن سوريا يحكمها العمال والفلاحون ، فهل هذه تحاليل أم فذلكات ؟
و يتهم اليسار التونسي بأنه كان سعيدا بترحيل من سماهم جهاديين دون أدنى حجة ، ترى من هذا اليسار ؟ ومتى عبر عن تلك السعادة ؟ كيلة وحده يعلم ذلك لهذا نسأله الاجابة ، فهو لا يكتفي بالافتراء على بشار بأنه من جاء بالإرهابيين التكفيريين من أطراف الأرض الأربعة وسلحهم للقضاء على الثورة السورية المباركة قائلا : "النظام الذي أرسلهم وساعدهم، وأمدّهم بالأسلحة، بعد أن زرعهم في بيئة الثورة، لكي يسحقوا الشعب الذي ثار" ، وإنما يفترى على اليسار التونسي أيضا بأنه كان سعيدا بذلك الترحيل !!! قائلا > ، هذه المرة لا يستبدل كيلة التحليل بالفذلكة بل بالافتراء فمن يصدق ان اليسار سعيد باكتساب أعدائه وهم من يسميهم كيلة " الجهاديين " خبرة قتالية ؟
يعير كيلة عن ماركسية رثة ،لا تمتلك ناصية المعرفة والمنهج ، تلقي الأحكام على عواهنها ،ولأنه لا أحد يلتفت اليها تحليلا ونقدا فإنها تتمادى في غيها ، مستغلة ذلك لقول أى شئ يدور في خلدها ، و في ظل انحسار الماركسية النقدية جراء حالة الزجر العامة التى يشهدها الوطن العربي والعالم كله وجدت تلك الماركسية المبتذلة المجال فسحيا لتعبث وترتع كما تشاء ، فالساحة الثقافية العربية خالية أو تكاد من نقاش فكري رصين على خلاف ما كان عليه الحال خلال الستينات والسبعينات حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي /قارن ذلك بالحوارات التى كان تحفل بها على سبيل الذكر بعض مجلات الثورة الفلسطينية وجمعها فيصل دراج في كتابه حوار في علاقات الثقافة والسياسة .
لقد كانت متوارية عن الانظار وضعيفة التأثير، و ساهمت عولمة وسائل الاتصال في رواجها حيث ظهرت مواقع الكترونية تنشر الرداءة المعرفية على مدار الساعة ، وظهر أدعياء كانوا يتكلمون سابقا في الحانات فيتكفل آخرون بإسكاتهم باللكمات كما قال امبيرتو ايكو ، أما الآن فإنهم يتكلمون دون رادع في جرائد ومواقع صفراء تشترى التفاهة بالدولار، ومن بين مهامها وأد الماركسية والاستعاضة عنها بأخرى مشوهة وصناعة نجوم تنطق باسمها .
ويندرج ما يكتبه كيلة ضمن هذا الاطار فهو.يزين على صعيد النظرية كلامه بالماركسية في نفس الوقت الذي يدس فيه السم في الدسم فستالين وماو تسي تونغ لا علاقة لهما بالماركسية ، و هما من أورثا الماركسيين العرب منهجية تبسيطية ، ولينين مخطئء في بعض ما قاله حول الامبريالية، لذلك يتكفل هو بإصلاح ما اعوج في افكاره ، مقدما نفسه في ثوب صاحب فتح مبين في الماركسية لم يسبقه اليه الأوائل ، ضاربا عرض الحائط بموروث نظري زاخر بالأفكار والمفاهيم وتجربة عملية غنية بالدروس. ومن هنا فإنه لا علاقة لكلامه بالماركسية وإنما هو محاولة لدفنها فكيلة يعيش على فتات ايديولوجى فيه ما هو ليبرالي وما هو اخواني وما هو اصلاحى ، إنه مرق عديم المذاق وجد في صحراء الفكر العربي المقحوطة مجالا لينبت ، ولكنه نبت عاقر.
ومن بين أفكاره ومصطلحاته أن " زمن الاستعمار انتهى (عدا في فلسطين، والآن في أفغانستان) و الآن هناك تبعية " وأن "العالمية هي الكوسموبوليتية " ولا ينسى أن يتحفنا بتقسيمه الامبرياليات الى غبية وذكية ، كما يتحدث عن دول عالمثالثية في إعادة انتاج كاريكاتورىة لنظرية العوالم الثلاث لصاحبها الصيني دنغ سياو بنغ ولكن دون ذكرها ، فروسيا امبريالية صاعدة وأمريكا إمبراطورية آفلة، لذلك يركز نيرانه على الصاعدة أما الافلة فلا ضرر منها طالما هى بطبعها زائلة !!!! لهذا نجده يخصص ثلاثة أرباع ما يكتبه للتشهير بروسيا وجرائمها الخ ...أما أمريكا فيخصص لها ما تبقى رفعا للعتب لا أكثر، بل إنه يلومها لأنها باعت سوريا لأمريكا ، وكان عليها الاحتفاظ بها لنفسها ، كيف لا وحصانها في سوريا ونقصد الجيش الحر قوة وطنية وثورية والإرهابيين التكفيريين " جهاديون "؟!! مُبررا للرجعية والامبريالية جرائمها بدعوى أن الخطر الآن هو روسيا ،ممارسا الانتقائية فروسيا تريد قاعدة عسكرية دائمة ، ويسكت على قواعد أمريكا وما أكثرها وبعضها في تلك البلدان الراعية لـ "الثورة السورية المباركة ".
ويبدو كيلة ضحية لتوهماته النظرية ، فطالما التناقض الرئيسي هو مع الامبريالية الروسية الصاعدة فإن كل من يعاديها في صف الثورة ، أما من يسير معها فهو من الثورة المضادة ، مخرجا السياسات /التاكتيكات الرجعية في ثوب ثوري ، وعندما لا تروق سياسات ما له ، يستل سيف الترهيب الايديولوجى ، فهؤلاء خونة وعملاء وماركسية سوفياتية وضحايا المنطق الصوري والمنهج الستاليني الماوي التبسيطي الخ .. .
على صعيد المنهج فإن كيلة عوضا عن استخلاص "الحقائق " من الوقائع العينية فإن ميتافزيقيته تجعله ينظر الى الظواهر السياسية باعتبارها ثابتة لا تتغير، فالنظام السوري ظل هو هو على حاله دون تغيير يذكر ، في ظل أزمة وحرب غيرت حتى الحجر ، متناسيا أن جزء من ذلك النظام وهو الأثير على قلبه فر الى الخليج وأوربا وأمريكا ، فأين خدام وحجاب وآل طلاس وغيرهم كثير من كبار التجار والعسكريين والسياسيين والإعلاميين ؟؟ انه يتجاهل التغيرات التى تجري حوله أو هو يضع ضمادات على عينيه كى لا يراها فلا تفسد عليه مبدأ الهوية الأرسطي الذى يكرر أنه تحرر منه، بينما يرى أن النظام هو النظام والثورة هي الثورة كما كانت وهى كائنة وسوف تكون ، تماما كما كان عليه الحال في الأيام الأولى لولادتها ، فهو لا يدرك انحطاطها وتفسخها ، فلا شئ تغير ولا يمكن لأى تحول أن يطال تلك " الثورة " حتى ولو كان الجولاني والبغدادي في قيادتها !!!! انه يفصل بين الأشياء كما ذكرنا رغم تداخلها وتشابكها ، الثورة مستمرة هكذا يلهج كيلة وعليكم عدم افسادها ، اتركوها وشأنها ، بينما تغرق سوريا في الوحل أمام أعيننا وهو لا يريدنا أن نقدم ولو دعما معنويا لشعبها ، ويستكثر على الاتحاد واليسار في تونس حتى مجرد المطالبة بإعادة العلاقات معها .
وفق منطق سلامة كيلة لا جديد تحت الشمس، لا شئ تغير، كل شئ على حاله وسيظل كذلك ، انها النظرة الجوهرانية للظواهر ، فضلا عن عدم تحديد التناقض الرئيسي ولا طبيعة المرحلة التى تمر بها سوريا والأمة العربية قاطبة ، والتركيز على جانب واحد من جوانب المسألة ، وذلك في نفس الوقت الذي يُزخرف فيه كلامه بالديالكتيك المادي، وينسى أنه لا يمكن أن يصدقنا الناس فقط لأننا نقسم أمامهم بالديالكتيك بينما نمارس أمام أعينهم الميتافيزيقا 1 .
يرد كيلة الغابة الى إحدى شجراتها فشجرة النظام السوري حجبت عنه الغابة السورية بأكملها، فالرجل في ذهنه أن كل من يتضامن مع سوريا ويزورها هو بالضرورة متضامن مع النظام ، والطريف أنه يناقض نفسه فالنظام لم يعد موجودا "أنهم يذهبون إلى دمشق لدعم نظامٍ لم يعد قائماً أصلاً " ، فهناك قالب جاهز في ذلك الذهن يفصل الوقائع على قده ، بما يذكر بسرير بروكست في الأسطورة اليونانية، في نفس الوقت الذي يصيح فيه لست دغمائيا ، أما أنتم ايها اليساريون الستالينيون الماويون المسفيتون أتباع الأممية الثالثة في مرحلتها الثانية فلكم الفناء .
الوضع في سوريا مُركب ، وهناك عوامل كثيرة ضمنه متداخلة فيما بينها ، وهى في حالة حركة دائبة وتحولات سريعة ، ولكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون ادراك ذلك الوضع في كليته فسوريا ساحة تتجمع فيها أغلب التناقضات التى تتحكم بعالمنا اليوم ، ولكن معالم اللوحة الأساسية تقول أن الامبريالية والصهيونية والرجعية تستهدف اليوم سوريا والعرب قاطبة باعتبارهم أمة مضطهدة بالتدمير ، مما يعنى أن التناقض الرئيسي الغالب على ما عداه انما هو التناقض بين الامبريالية والشعب وعلى أساس هذا التناقض ينبغي ترتيب المهام السياسية وهى وطنية ديمقراطية بآفاق اشتراكية في جوهرها.
لا يدرك كيلة من المنطق الأرسطي إلا مبادئه الثلاث : الهوية والثالث المرفوع وعدم التناقض بينما الأورغانون الأرسطى أوسع من ذلك بكثير ، وهو يعتبر تارة هذا المنطق قديما وطورا يوصفه بأنه ابن القرون الوسطى، ويقدم نفسه على أنه ناقد له فالأخذ به هو السبب في أزمة الماركسية العربية ،وينسى أنه حتى ابن تيمية نقد المنطق الارسطي وكتب في الرد على المنطقيين ، معتبرا أن المنطق الأرسطي لا فائدة فيه، ولا يوصل إلى أية حقيقة( ابن تيمية ،الرد على المنطقيين ).
وهكذا يشهر نقد المنطق الصوري في وجه كل من يناقشه على نحو تسلطي، مرتديا معطف المنطق الديالكتيكي للفتك بمناظريه، وهو مثله في ذلك مثل كل المُماحكين الايديولوجيين المعاصرين الذين يذكروننا بالمتكلمين الاسلاميين والسفسطائيين اليونانيين ، يفتش عن عصا يهش بها على خصومه فيجدها في المنطق ، ولكن هل له اطلاع على ذلك المنطق ؟ أشك في أنه قرأ أرسطو ولا حتى الفاربي وابن رشد والغزالي فهو يكتفي بخطاطات تعميمية عن ذلك المنطق ،ويتدعم ذلك الشك عندما نراه في مجال الفلسفة يخبط خبط عشواء ، فهو لا يعرف حتى متى عاش ابن رشد والغزالي والمسافة الزمنية الفاصلة بينهما ، فبينما رد ابن رشد على الغزالي بعد خمس وثمانين عاما فقط مطط هو المساحة الزمنية لتصبح قرنين !!! فالمرجح ان ابن رشد كتب تهافت التهافت سنة 1180 بينما يعود تهافت الغزالي الى سنة 1095 ( أنظر تحقيق محمد عابد الجابري لكتاب ابن رشد تهافت التهافت) ، يقول كيلة " ردّ الفكر الأصولي الإسلامي بالحرب ضد الفلسفة، وهذا ما قام به الإمام أبو حامد الغزالي حينما حرّم الفلسفة وصارت العلوم هي علوم الدين. بعد قرنين من الزمان رد على ذلك ابن رشد ".
والغزالي الذي حارب الفلسفة هو برأيه فيلسوف ، ولو وقف الأمر عند هذا الحد لهانت وقلنا إن الرجل بحكم تكوينه الأكاديمي الذي لا يتجاوز الاجازة في العلوم السياسية لا دراية له بتلك المسائل ، ولكنه عندما يمارس التخليط والهذيان في مجال الفلسفة ويدفع بما يكتبه الى قراء يقول لهم أن هذه هى الماركسية الجديدة ويصدقه بعضهم فإن الأمر لا يخلو من مخاطر نظرية وعملية ، لنقرأ الفقرة التالية ونحكم على ما يأتية كيلة في مجال الفلسفة فوفق وجهة نظره يري " ابن رشد أنه لا تعارض أو تناقض بين العقل والنقل، بين الفلسفة والدين، على العكس من ذلك هما شكلان لحقيقة واحدة. هنا ابن رشد وضع العقل في مواجهة الدين " ففي الجملة الواحدة هناك رأيين متناقضين فهل وفق ابن رشد بين الفلسفة والدين أم فصل بينهما ؟ كيلة يرى الاثنين معا !!!
وهو لا يُضحى بالفلسفة فقط على مذبح ذلك التخليط بل بالسوسيولوجيا أيضا ، وعندما يعد قارئه بتقديم قراءة سوسيولوجية للإرهاب فإنه يفاجئه بتقديم قراءة سيكولوجية مبتذلة فالإرهاب من منظور سوسيولوجيا كيلة سببه الكبت جنسي !! يقول " يجب أن نبحث في هذه الظاهرة ( الارهاب ) من منظور سوسيولوجي وليس من منظور ديني، لأن الشاب البسيط المهمش الذي يريد أن ينتحر من أجل الجنة، حينما نحلل الأمر نفسيا نجد أن هذا الأمر هوس جنسي ، لأن البيئة التي يعيش فيها هي بيئة قهر وكبت في مجتمع عالمي مفتوح، الحل لدى هذا الشخص أن يوهم نفسه أن هناك جنة يفجر نفسه من أجل الوصول إليها."
أما في الاقتصاد السياسي فحدث ولا حرج، اذ يرى أن تطورا قد حصل عربيا فالمجتمع العربي أصبح رأسماليا ومطلبه هو تحديد " دور الماركسية في مجتمع رأسمالي تابع " أما كيف حدث ذلك التطور من الاقطاعية إلى الرأسمالية التابعة " فلا يُعلمنا كيلة عنه شيئا ،والمفارقة التى يعيشها العرب اليوم حسب رأيه أن المجتمع أصبح رأسماليا دون أن يحقق الثورة الديمقراطية، يقول " صار الوطن العربي رأسماليا دون أن يحقق الثورة الديمقراطية " ومهمة الماركسية لدى العرب " أن تنهض بالثورة الديمقراطية فإن دورها الثوري هذا هو الخيار الوحيد الممكن ، من أجل تحقيق التقدم الصناعي وبالتالي الاقتصادي الاجتماعي والثقافي السياسي " سلامة كيلة ، مشكلات الماركسية في الوطن العربي، ويبدو أنه عندما رأى الانتفاضات العربية وقد اندلعت اعتقد أنها الثورة الديمقراطية إياها ، وعندما جاءت الظلامية بفظائعها تصور أنها الثورة وقد بلغت قمتها ،محتفظا بسرير بروكست ، ولكن دون التوقف عن التشهير بالدغمائية والدغمائيين الأرسطيين الشكلانيين !!.
كثيرا ما يتذمر كيلة من أن منتقديه لا يقرأون ما كتبه ويحكمون عليه فقط من خلال شائعات حوله ، وعندما نصغي لتذمراته ونقرأ ما يكتبه نُفاجأ بأحكام غريبة ، فهو الذى يكتب مثلا أن خير الدين التونسي صاحب فتاوى تحرم كل شئ ، واصلا بينه وبين ابن تيمية وفتاويه التكفيرية ، فقد كتب يقول " وجاء إلينا ابن تيمية وخيرالدين التونسي بفتاوى هائلة تحرّم كل شيء" ، ترى هل قرأ أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ؟ هل تأمل مضامينه قبل اصدار هذا الحكم وهو الذى كتب عن النهضة المجهضة ؟ ان الأمر لا يتعلق هنا بتخليط فقط بل بتزوير وعلى سلامة كيلة أن يحمد ربه لأن كثيرين لم يقرأوا كتبه وإلا لرموها في النار غير آسفين عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ نلفت عناية القارئ هنا الى أننا نستعمل مفهوم الميتافزيقا في دلالته الماركسية كما وردت على سبيل الذكر عند أنجلس ولينين وماو تسي تونغ وجورج بوليتزار حيث يكتب ماو على سبيل المثال في مقاله " في التناقض " ما يلي : " نحن نقصد بالنظرة الميتافزيقية أو نظرة التطور المبتذل الى العالم ، النظر الى العالم بصورة منعزلة ،جامدة ،وحيدة الجانب ، إن دعاة هذه النظرة يعتبرون أن جميع الأشياء في العالم ، جميع أشكالها وفصائلها منعزلة بعضها عن بعض الى الأبد وثابتة لا تتبدل بصورة أزلية .. " .



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليق على خطاب السبسي خلال العيد الرسمي للمرأة
- حول التحوير الوزاري المحتمل في تونس وعلاقة الحكومة باتحاد ال ...
- عن ميشال بوجناح والصهيونية والتطبيع الثقافي في تونس.
- هادي علوي وتفاح نايف حواتمة
- حقوقنا وحقوقكم : رسالة سريعة الى مُطبعين في مجال الثقافة.
- حملة استعراضية على الفساد في تونس
- الأزمة في تونس من المسؤول عنها وهل يمكن الخروج منها ؟
- -تسريبات - تونسية
- بعض ملامح الوضع السياسي في تونس :حوار مع وكالة أنباء الأناضو ...
- ملاحظات سريعة حول الوضع في تونس الآن
- أية علاقة بين اتحاد الشغل والحكومات المتعاقبة في تونس ؟
- فريد العليبي - المفكر التونسي وأستاذ الفلسفة في الجامعة التو ...
- حوار حول الشورى والديمقراطية
- درس عظيم من يوم النزول العظيم
- بعد نصف ساعة نعود إلى فلسطين .
- ابن رشد و المرض في الدين
- ذبيح عيد الأضحى الجعد بن درهم .
- بتهمة الاعتداء على المقدسات صُلب الحلاج و أحرق حيا .
- برنارد هنري ليفي و السفير المقتول في بنغازي .
- سلفادور ألندي في ذكراه .


المزيد.....




- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...
- جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل ...
- كيف اتفق صقور اليسار واليمين الأميركي على رفض دعم إسرائيل؟


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فريد العليبي - سلامة كيلة وشجرة بشار والغابة السورية .