أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نضال الربضي - قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.















المزيد.....

قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 5572 - 2017 / 7 / 5 - 15:53
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.


--------------------------------
يأتي على الإنسان يومٌ ترتجف فيه الأرض حتى تُصبح الجبال رمالا متطايرة
بعد أن كانت حجارة صماء تغمرُ كل شيء
فلا يعود للعالم أي ملامح
فلا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع
-------------------------------
من مقدمة عرض "كثيبا مهيلا"، للفنانة الفلسطينية: يارا قاسم محاجنة، المعروض في مبنى كلية الفنون الجميلة، جامعة حيفا.

يتمثَّل الجسد الإنساني كمركز ٍ بؤري ٍّ أوحد للنشاطات الإنسانية: فعنه تصدر الأفكار، و في داخله تتولَّد المشاعر و تضَّرم، و بواسطته يأتي الفعل البشري، و عليه تحلُّ الأفعال البشرية أو الطبيعية. الانشغال بالجسد نتيجة ٌ حتمية؛ كونه الترجمة َ البيولوجية لماهية نوع: الإنسان العاقل، و بالتالي نقطة َ الدخول الوحيدة لفهم نوعنا. لكنَّه على أهميته العظمى من جهة ماهيته، لا يتلقَّى الاهتمام الكافي من جهة ِ توظيفه، بل و يُذهب إلى احتقارِه صراحة ً بأدلجة ِ النشئِ الصغير ابتداء ً على النظر إلى احتياجاته كـ: قذاراتٍ أو نجاسات ٍ أو امتحانات ٍ أو تجارب َ تستوجِبُ الصبر عليها و محاربتها و السعي لاجتثاثها، مرورا ً بما يكتسبُه المراهقون و من هم على أعتاب الرُشد من خطط ٍ و تدريبات ٍ روحية تكتسي بزخارف لفظية من كلمات ٍ مثل: النقاء أو الطهارة أو الثبات على الحق أو الانتصار للأخلاق أو الفوز بالجهاد الروحي، و ما تتسبَّبُ به من تعميق الوعي المشوه و الإدراك المَعيب للعلاقة ما بين أجسادهم و تلبية احتياجاتها الفطرية بطريقة حضارية و بين سلامة ِ صحَّتهم النفسية و توازنات ِ مشاعرهم الداخلية.

تختار ُ يارا قاسم أن تلقي الضوء على الجسد كـ: أرومة ٍ للفعل البشري و ثمرةٍ له في ذات الوقت، هذا الازدواجُ في وظيفة الجسد لا يعدوُ الترجمة َ الحرفية َ لماهيته البؤرية، لمركزيته السابقة لأي ِّ أدلجة، لمكانته التي لا يمكنُ تجاوُزها في أي ِّ نظام ٍ يرتكزُ على الواقع في تحديد شكل ِ علاقاته و استتباعاتها على كل المستويات. من المجتمع كأجساد تتلقى النساء الفعل على أجسادها، و تحمل ُ الأجساد ُ الأنثوية المفعول ُ بها الأجسادَ الذكورية َ الفاعلة، في رمزية ٍ عميقة تجلو استحقاقاتِ ذكورية الفعل، و ديمومة َ الألم المحفور ِ عميقا ً في الكيان الأنثوي المُتلقي، و العاجز ِ عن الدفاع، لكن ِ الفائق ِ في التعبير، و هو هنا: تعبير ٌ بصمت، فقط باستدامة ِ تدفُّق ِ الحياة في كيان الأنثى و بقدرتها على الاستمرار في الحياة. تعبِّر يارا عن عن هذا الاستمرار بفعل جر ِّ الأجساد، و عن الصمت: بفعل الاستمرار ِ السابق ِ نفسه، إنها تقدِّم الصمت و الاستمرار كوجهين لذات الألم في فعل واحد هو: جر الأجساد.

تتناثرُ الجُمل الخارجة ُ من فم الأنثى في عرض يارا قاسم كتمثيل ٍ لحالة: جيشانِ دافع، إنها هنا مُحرِّكُ الجرِّ و سببه، لكنها لا تصل في الحياة الواقعية للأنثى لمنزلة ِ صرخات احتجاج، إنما تبقى رافدا ً للصمت، أو وجها ً آخر له تراه هي لا سواها، وجها ً بصوت لكنه صامت، هذا التلاقي للنقيض مع النقيض، صمتا ً مع الكلام، و امتزاجُهُما معا ً، فالخروجُ بهوية ٍ واحدة ٍ هي: الصمتُ في حياة ٍ مُستدامة، يعكس ُ عُمق الألم السحيق عند الأنثى، الذي يقفُ نقيضا ً لـ ِ، و شاهدا ً على، الارتفاع ِ الشاهق لنقيض ٍ إنسانيٍّ هو: الحُلمُ بالحياة ِ السعيدة التي تتحقَّقُ فيها مُتطلبات ُ الجسد ِ الإنساني، و هو هنا في جندره الأنثوي المُتألم.

جريمة ُ انتهاك الأنثى، و عمق ألمها، و شبحُ الأحلام ِ الإنسانية ِ المشروعة بالسعادة، تتكاثفُ في تركيز ٍ بالغ في الجُمل ِ المُقتضبة التي تنطقها الأجساد. عمق ُ الألم هو ذاتُه عمق الصدمة حين يكونُ الفاعل المُتسبِّبُ في حفر هوَّة الألم ذات َ المسؤول ِ المؤتمن ِ على تشيدِ جبال السعادة، إننا هنا أمام َ حالة ِ نقيض ٍ ثالثة: هي حالة ُ فعل ِ نقض ِ الوظيفة، تحويل ِ الأدوار، إفساد ِ ماهية ِ المفروض، و انتهاك ِ المقدَّس الأنثوي، عبَّرت عنهم يارا بجمل ٍ تبقى في الذاكرة ِ للأبد: "أبوي ما اغتصبني أبوي ساعدني"، يقف فعل ُ الاغتصابُ نقيضا ً لفعل ِ المساعدة، شاهدا ً على فساد الفعل، انتهاء ِ الأمل، احتفار ِ وادٍ سحيق ٍ من الألم، و ارتباط ٍ أبدي للفاعل مع المفعول بها، في لوحة ٍ سريالية سوداء للنفس البشرية التي يجبُ عليها أن تُكمل الحياة، لكن باستحقاقات ِ قوَّة ِ فعل ِ الماضي، لا كما كان يجب باحلامٍ سعيدة صارت مُحطَّمة.

هذا الغوصُ الصاخب في صمت ِ الضحايا تطلبُـه فداحةُ الثمن ِ الذي تدفعُه الأنثى في نفسها، و يدفعُ إليِهُ غيابُ النموِّ النفسي الجمعي السليم للمجتمع ِ ككل، و الذي كأفراد ٍ مُجتمعين مستمرِّين في نشاطاتهم اليومية لن يستطيع َ أن يُفكِّكَ العلاقات المُتشعِّبة َ بين مُتبادلي الفعل فيه ثم يُعيد هندستها ليبنيها على أساس ٍ جديد إلَّا حين َ يتعرَّضُ لضوء ٍ ساطع ٍ على أشدِّ مناطقِه إعتاما ً بواسطة ٍ الضحايا أنفسهِن َّ أو بقوَّة ِ من يقدرُ على فهمهن َّ من نفس الجندر، لكي يصعد التشخيص ُ و الحلُّ من أعماق ٍ دُفنت فيها الصرخات، لكنَّها ما زالت ترتبط ُ بخيوط ٍ حيَّة مع الضحايا.

سحب ُ الجثث بالخيوط نبشٌ للماضي الذي يستحضرُ نفسهُ في الحاضر المُعاش و يلقي بظله على المستقبل، بصمت، إنه نبش ٌ فنِّي ٌ مرئي في عرض ٍ خاص، لأحمال ٍ غير مرئية ٍ واقعية في عرض ٍ حياتي ٍّ عام. إننا هُنا أمام المقدرة ِ الفائقة لما هو خاصُّ صادم على استنهاض ِ الحلول لنقيضِه العام ِّ المقبول المسكوت عنه، هي إذا ً حالة ٌ فريدة لنقيض ٍ يُرادُ له أن يُنتج َ نقيضه، لصمت ِ الأجساد المجرورة المارَّة بهدوء الذي يقصد ُ أن يُفجِّر صرخة َ الأنثى المقهورة بصخَب ٍ مجنون. إننا أمام َ عالم ِ الأنثى المُنتَهَكة التي ستصيغُ من انتهاكِها ثورتَها ضد الصمت هندسة ً جديدة و بُنىً مُستحدثة ً، للعلاقات ِ بين الأفراد، الأمرُ الذي سيؤدي بالضرورة لأشكال ٍ جديدة لأنماط التفاعلات تكون ُ الأنثى فيها صاحبة السيادة على نفسها و مُستقبلها، و تستطيع أن تكبرُ يدا ً بيد مع، و ندا ً لند لـ: الذكر، و هما الذان يشكِّلان في فضاء الفعل البشري جندرين مُتكاملين. مشهدُ صرخة ِ الألم عند يارا نبوءةُ عن تكاملِ الجندرين، بأداة ِ الجر ِّ و السحب الصامت، إنه كشف ٌ عن ممكن ٍ يتوقف ُ عنده ُ العرض، لكننا نجد ُ تمامهُ عند جبران خليل جبران في مشهدِ مختلف ٍ من حيث القصة و الحبكة و الرواية، هو مشهد التقاء مريم المجدلية بيسوع،،،

،،، في لحظة َ تفتُّحِ وعيها السعيد الذي صار حرَّاً، عندما تقول: " في ذلك اليوم، ذبح َ غروبُ عينيه الوحش الذي كان فيَّ، فصرت ُ امرأة، صرت ُ مريم، مريم المجدلية"،،،،

،،، بعد أن قال لها يسوع: "إن جميع الرجال ِ يُحبُّونك ِ لأجل ذواتهم، أما أنا فأحبُّك ِ لأجل ِ ذاتكِ"

يارا قاسم، الفنانة ُ الفلسطينية ُ الأصيلة، تحملُ إلينا حُلم َ كل ِّ أنثى، أن تكون محبوبة ً لأجل ِ ذاتها، أن تكونَ حُرَّة ً كفراشة، كنسر، كأنثى، دون خيوط، و دون أجساد ٍ تتعلَّق ُ بها، دون جر ِّ و سحب، مملوءةً بروح الخفَّة ِ عند نيتشه، تلك الروحُ التي تنفرُ من الثَّقل، لان الأنثى، الوجه الجندري الثاني للإنسان ِ الأعلى، لا يجب إلَّا أن تكون نفسها!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوح في جدليات - 21 - صوتُ صارخ ٍ في البشرية.
- قراءة في العلمانية – 5 – المنظومة الأخلاقية – 3 – القيم الذا ...
- قراءة في العلمانية – 4 – المنظومة الأخلاقية – 2.
- قراءة في العلمانية – 3 – المنظومة الأخلاقية.
- عن فاطمة عفيف.
- قراءة في العلمانية – 2- المنظومة الشاملة.
- بوح في جدليات - 20 – دجاجاتٌ على عشاء.
- لن يسكت هؤلاء – و ستبقى الحجارة تصرخ!
- قراءة في الوجود – 9– عن الوعي، الإرادة و أصل الأفعال.
- قراءة في الوجود – 8– عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 2
- قراءة في الوجود – 7 – عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 1
- للمرأة في يوم عيدها - تحية المحبة و الإنسانية.
- شكرا ً أبا أفنان و لنا لقاء ٌ في موعد ٍ مناسب.
- عن اللغة العربية و دورها في: بناء الهوية و التعبير عن الثقاف ...
- اعتذار للأستاذ نعيم إيليا - دين ٌ قديم حان َ وقت ُ سداده.
- قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.
- قراءة في اللادينية – 9 – القتل بين: الحتمية بدافع الحاجة و ا ...
- إلى إدارة موقع الحوار المتمدن.
- عن هزاع ذنيبات
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 10 – ما قبل المسيحية – 5.


المزيد.....




- بعد أيام من وفاة امرأة في حادث مماثل.. دبّ يصيب 5 أشخاص في ...
- أرقام صادمة.. 63 امرأة يُقتلن في كل يوم تستمر فيه الحرب بغزة ...
- منحة المرأة الماكثة في البيت الجزائر 2024 أهم الشروط وخطوات ...
- المرأة المغربية في الخارج تحصل على حق استخراج جواز سفر لأبنا ...
- الشريعة والحياة في رمضان- الأسرة المسلمة في الغرب.. بين الان ...
- مصر.. امرأة تقتل زوجها خلال إعدادها مائدة إفطار رمضان
- الإنترنت -الخيار الوحيد- لمواصلة تعليم الفتيات في أفغانستان ...
- لماذا يقع على عاتق النساء عبء -الجهد العاطفي- في العمل؟
- اختبار الحمض النووي لامرأة يكشف أن أسلافها -كلاب-!
- تزامنا مع تداول فيديو ظهور سيدة -شبه عارية-.. الأمن السعودي ...


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نضال الربضي - قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.