|
النقد والنقد الذاتي : لماذا ترفضهما نخبنا ؟
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5561 - 2017 / 6 / 24 - 17:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا يرفض البعض النقد ، ولماذا يرفض البعض الآخر النقد الذاتي ؟ هناك فرق بين النقد وبين النقد الذاتي . النقد هو ملاحظات التقويم التي يبديها البعض إزاء البعض الآخر . وهذا البعض مع البعض الآخر ، قد يكونان في نفس التنظيم ، او قد تجمعهما تجربة خاصة خارجة عن التنظيم ، لكن تجربة تدخل في الشأن العام ، بكل تصوراته ، وتجلياته المختلفة . كما قد يأتي النقد من شخص لشخص ، لمجرد سقوط الثاني في مثبطات ، وفي أخطاء سببت مشاكل ، ويرى الشخص الأول ، انه ما كان للشخص الثاني ان يسقط فيها لو اتبع بعض الإجراءات التي يعتبرها الشخص الأول مهمة وأساسية . فالنقد من شخص لشخص ، او من شخص لتنظيم ، او من تنظيم لتنظيم ، هدفه الإصلاح ، وتقويم الاعوجاج ، لتدارك الأخطاء ، وتفادي السقطة التي تنتهي بالفشل ، ان لم يكن الإفلاس . وإذا كان بعض الناس يقومون بالنقد ، ويرفضون القيام بالنقد الذاتي ، فان نقدهم هنا لا يعدو ان يكون غير استفزاز ، او تنقيص من الشخص موضوع النقد ، لأنه من غير المستساغ النظر الى سنم الناس ، وإغفال او تجاهل سنم صاحب النقد . هنا فان الحالة المترتبة عن ممارسة النقد ، تتحدد بطبيعة رد فعل الطرف الموجه إليه النقد ، أي سواء كان شخصا او كان تنظيما . فإذا كان الطرف الموجه إليه النقد يؤمن بالحق في الاختلاف ، وبوجهة النظر المغايرة ، وبتعدد الرأي والآراء والأحكام ، فانه سيعتبر النقد الموجه إليه يدخل في إطار التفاعل الثقافي ، او السياسي ، او الإيديولوجي الذي يغلي بالمجتمع ، ومن ثم سيشعر ان مكانته كشخص فاعل او كتنظيم ، هي ايجابية ، وان الطرف الآخر الذي صدر عنه النقد ، لو لم يكن يقدر ويحترم مكانته ، لتجاهله بالمرة ، لان كم حاجة قضيناها بتركها . كما ان الدعوة الى التصحيح والتقويم ، إذا صدرت عن احد أطراف التنظيم ، فالغرض منها الإصلاح ، بهدف الحفاظ على وحدة التنظيم التي هي قوته ، وفي نفس الوقت ،هي رغبة مٌعبّرٌ عنها باللاشعور لتفادي القطيعة ، وفي سبيل الاستمرارية . فالنقد البريء كسلاح ، تستخدمه الأشخاص الوازنة ، التي تتجنب السب ، والشتم ، والتنقيص ، والحط من الآخر لتدميره ، كما انه ينكب على الموضوع من إستراتيجية وتكتيك ، ويتفادى التشخيص والتّنْعيث . فهو المُجنِّبُ للغيّ ، والتمادي في الانتحارية المُؤْذية بالشخص او التنظيم موضوع النقد ، لذلك فهو دعوة الى التغيير الايجابي الفعّال ، وليس دعوة الى التغيير فقط من اجل التغيير ، تحت أملاءات الدولة او المتربصين ، لذلك فهو يؤمّن الاستمرارية ، والوحدة في الرأي والهدف والتكتيك ، للوصول الى الإستراتيجية العمل المشترك بين الجميع . اما النقد الذاتي ، فهو سلوك مراجعاتي ، وتقييمي للحصيلة ، وللتجربة ، حيث يتم دراسة وتحليل الايجابيات والسلبيات ، والمقارنة بينهما لرسم خريطة طريق جديدة للشخص او للتنظيم . وغالبا نجد ان سلاح النقد الذاتي يصدر عن الشخص او التنظيم الذي تعرض لتعثر ، او هزة ، او سقطة ، او فشل في الوصول الى المشروع ، وخاصة إذا كانت الضريبة المدفوعة الثمن ، جد باهظة كالمنفى او السجن . وإذا كان النقد يحصل غالبا أثناء الممارسة السياسية ، وفي خضم التفاعل بين المناضلين والمهتمين بالشأن العام ، والمشتغلين من اجل المشروع العام ، او عند التسبب في أخطاء ، او عند حصول انقسام عمودي او أفقي في التنظيم ، فان النقد الذاتي يأتي غالبا بعد اجتياز فترة قد تكون طويلة من الاشتغال ، وغالبا ما يأتي أثناء التواجد بالسجن او بالمنفى ، لأن الفاعل عند دخوله السجن ، او عند لجوئه الى المنفى هاربا من قمع البوليس ، يعيد رسم الخريطة والخطوات السابقة ، كما يعيد استرجاع المفاصل المحورية التي مر بها ، من التأسيس الى الاشتغال ، الى السجن ، او المغادرة خارج الوطن . ان المراجعات ، و التقييم في مثل هذه المرحلة ، تكون من اجل تقييم التجربة ، والتقييم هنا ، وبسبب الظروف النفسية التي أصبحت تتحكم في المبادرات ، وإعادة صياغة المفاهيم السياسة والتنظيمية ، قد تنتهي بِخُلاصتين أساسيتين لا ثالث لهما : --- الخلاصة الأولى ، هي اعتبار خط التنظيم صحيحا ، ولا يزال متماسكا ، وقويا ، وفاعلا ، ومتجاوبا من قبل الفئات المرتبطة به ، او من قبل الطبقات التي يمثلها ، وأن أخطاء تقنية هي سبب النكسة ، ومن ثم فالخط سليم ، وسيتعافى من نزلة البرد التي ألمّت به ، وأنها ذاهبة مثل سحابة الصيف . هنا فان التنظيم يحثّ على المواصلة ، وبإتباع نفس الطريق في الجمع بين التكتيك وبين الإستراتيجية . --- الخلاصة الثانية ، هي الاعتراف ، والإقرار بأن الخط خاطئ ، وتسبب في إفلاس التجربة ، ومن ثم يجب تغييره ، إمّا بخط جديد ، او بإدخال الإصلاحات الضرورية والجذرية على الخط الأول الذي أضحى متجاوزا ، او القطع نهائيا مع اية ممارسة سياسية ، او نشاط سياسي ، وركون الفاعل الى الهامشية ، والاختفاء بين العوام ، لان شروط حلقات النضال أصبحت مفقودة ، كما قد ينتهي الآمر هنا بحل التنظيم ، تبرئا من المسؤولية ، عمّا قد يحصل مستقبلا في دولة تبني كل مؤسساتها على القمع الدّوْلَتي ، من تنظيمي وإيديولوجي ، اي الدولة البوليسية القامعة التي مصيرها ، طال الزمن او قصر ، الى النهاية الحتمية . إذا عدنا للبحث في التجارب التي مرت ، سنجد ان النقد ، نقد شخص لشخص ، نقد فاعل لفاعل ، نقد شخص لتنظيم ، نقد تنظيم لتنظيم ، طغى على النقد الذاتي ، والسبب ان من السهولة توجيه النقد ، ومن الصعوبة القيام بالنقد الذاتي ، بسبب الأنانية المفرطة ، او بسبب التهرب من تحمل المسؤولية ، ورميها على الآخرين . ان ممارسة النقد الذاتي ، تعني إقرار واعتراف الشخص ، بعدم صواب خطه او منهجه . كما تعني الاعتراف والإقرار بالفشل ، الأمر الذي يجعل من صاحبه موزع بين فرضيتين : --- فرضية التراجع عن مواقف متقدمة ، الى مواقف رجعية او اشد رجعية . وقد يعني القطيعة النهائية مع الأطروحة الأولى ، والتّخلي نهائيا عن المشروع العام الذي وُظِّفتْ له الطاقات المهدورة ، لأنها لم تتقدم قيد أنملة بما يجب على مستوى الممارسة السياسية ،او الإيديولوجية ، او التنظيمية . ( منظمة 23 مارس ) ( حركة 3 مارس ) ( المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي في يناير 1975 ) . --- وفرضية السخط التي قد تصل الى إدانة التجربة ، بذريعة التبرؤ نهائيا منها . وفي كلتا الحالتين او الفرضيتين ، تكون النتيجة تعميق الاختلاف بين رفاق الدرب الوحيد ، وقدماء المناضلين الذين سيتحولون الى أصنام بشرية متكلسة ، تزكي وتفعل فعلتها ، في أية قطيعة ، او انشقاق ،او انقسام الذي سيُحول رفاق الأمس الى أعداء اليوم . وإذا كان النقد المسؤول يعبر عن الرقي السياسي ، والممارسة الحضارية ، والأخلاق السياسية ، فإن ممارسة النقد الذاتي تعبر عن أسمى درجات المسؤولية في أوجهها المٌتبصرة . كما أنها اكبر دليل ساطع على النضج الفكري الثقافي الذي بلغه صاحب النقد الذاتي . وبالرجوع الى تاريخ الفعل السياسي ، المرتبط بالشأن العام ، سنجد ان الأحزاب الشيوعية ، والماركسية ، والثورية ، هي من ابتكرت سلاحي النقد والنقد الذاتي ، ثم لحقتها بعد ذلك تنظيمات الاستلام السياسي المختلفة ، وهو ما عرف في حينه بالمراجعات التي كانت تحدث داخل السجون . وهي مراجعات كانت تنتهي بالقطيعة مع التجربة الأولى ، والانخراط في تجربة ثانية ترسم خريطة طريقها السلطة التي حفّزت على مثل هذه المراجعات ، بدعوى الإدماج والقطع مع الغلو والتطرف ، كما أنها كانت تنتهي غالبا في الارتماء في أحضان السلطة التي كفّروها في زمن ولّى . ألم ترفض منظمة الى الأمام ، ومن داخل السجن ، الإقرار بالفشل الذي اعترف به ابراهام السرفاتي ، رافعة شعار " لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو " ، وهذا كان موقفا رافضا للنقد الذي وجهه التيار الإصلاحي – التّحْريفي داخل التنظيم ابتداء من سنة 1979 ، ورفضا للنقد الذاتي الذي طالب بممارسته بعد مراجعات على مستوى الخط العام ، وعلى مستوى التكتيك ، خاصة الموقف من الشبيبة التعليمية التي اعتبرها " طليعة تكتيكية " . واختصارا ، يعتبر النقد والنقد الذاتي ، سلاحا يعكس قمة الممارسة الحضارية والفكرية التي تهدف الى ترتيب المسؤولية ، والاستعداد لتحملها . فالشخص او التنظيم الذي يوجه نقدا لرفيق ، او لفاعل ، او لتنظيم آخر ، هدفه ليس الإذمام او التنقيص ، لأنه لو كان الأمر كذلك ، لما صدر النقد ، و لاكتفى المكتفون بالتجاهل . لكن هدفه الإصلاح ، والتقويم ، ومعالجة الأخطاء ، للحفاظ على استمرارية التجربة ، ومواصلتها الى الهدف الأسمى ، وإنجاحها لبلوغ الاستراتيجية . والشخص الفاعل او التنظيم الذي يقوم بالنقد الذاتي ، يُدلّلُ على شعوره بتحمل المسؤولية في الوقت العصيب ، عن طريق اعترافه بمكامن الخطأ ، ومكامن الصواب ، ومن ثم فان الهدف من اية مراجعة ، يبقى إعادة البناء من جديد ، على أنقاض البناء القديم الذي قد يكون انهار وتآكل ، بسبب الظروف المختلفة ، من أحكام قمع ، اعتقالات ، اختطافات ، سجون ، محاكمات ، وصراعات بسبب مواقف . وما دامت الغاية من النقد والنقد الذاتي ،هي التقويم ، والإصلاح ، وإعادة البناء لضمان الاستمرارية ، للوصول الى الهدف المنشود ، فالسؤال يصبح : لماذا تتهرب نخبنا ، وترفض سلاح النقد والنقد الذاتي ؟ لماذا تعتبر النقد المسؤول ، سبا ، وشتما ، وذمام ، وتنقيص ، ولماذا تعتبر النقد الذاتي مزعجا ، لانه اعتراف بالفشل ، واعتراف بالإخفاق الذي أصاب التجربة ، التي تبقى في جميع الأحوال مجرد تجربة ؟ ان هذه المفارقة العجيبة التي لا تزال تفعل فعلتها ، لاحظناها في التقييمات المختلفة ، مساندة مؤيدة ، ومعارضة ، للحراك الذي يجري اليوم بالريف ،وبعموم المغرب . بل وصل الاختلاف في التقييم ، الى التسبب في تحويل الاختلاف الى عداوة ، مع العلم ان أصل الصراع ، هو حول مشروع يحكمه الفكر ، وليس حول أشخاص تطغى عليهم الأنانية والذاتية ، وحول كيفية إدارته وليس ضده . فبدون نقد مسؤول ، وبدون نقد ذاتي ، يستحيل انجاز الطفرة النوعية ، لبلوغ القفزة النوعية . وسيظل الجميع يدورون في حلقة مفرغة ستخنق الإسلامي ، كالشيوعي ، كالماركسي .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيادة قطر في الميزان
-
حدود العلاقة بين السياسي والمثقف
-
تقرير تحليلي -- حراك الريف يعري هشاشة الانفتاح الديمقراطي ال
...
-
تحليل لعبة الانتخابات بالمغرب
-
الحق في الإختلاف
-
لتفادي السكتة الدماغية بالمغرب
-
وحدة الشعب ووحدة الارض -- المغرب الكبير --
-
عقد البيعة والدستور . اين تتجسد مشروعية الملك عند ممارسته ال
...
-
حتى لا ننخدع : هل جبهة البوليساريو منظمة ثورية واشتراكية ؟
-
بعد الآن هل لا يزال من يشكك في المغربية الصحراء
-
حين يتم تحويل الهزيمة الى نصر . قرار مجلس الامن 2351 حول مغر
...
-
بيان مناضلين بجيش التحرير والمقاومة المغربية حول مغربية الصح
...
-
الصراع المغربي الجزائري ، صراع حضارة وهوية وتاريخ
-
الصحراء المغربية . حين تكالب على قسعتها الضباع
-
ويسألونك عن مناضلي الصف الوطني التقدمي الحر .. قل .. هؤلاء
-
شعوب الشرق مثل الشعوب العربية تعشق الدكتاتورية وتتغزل بدكتات
...
-
ملاحظات وتعقيب عن تقرير الامين العام للامم المتحدة السيد انط
...
-
مغادرة المغرب
-
رمي المناضلين في السجون بملفات مطبوخة
-
الإنفتاح المشبوه والاجماع المخدوم . انفتاح على الصدفيات واجم
...
المزيد.....
-
شاهد أوّل ما فعلته هذه الدببة بعد استيقاظها من سباتها الشتوي
...
-
تحليل: بوتين يحقق فوزاً مدوياً.. لكن ما هي الخطوة التالية با
...
-
نتنياهو يقول إنه يبذل قصارى جهده لإدخال المزيد من المساعدات
...
-
روسيا.. رحلة جوية قياسية لمروحيتين حديثتين في أجواء سيبيريا
...
-
البحرية الأمريكية تحذر السفن من رفع العلم الأمريكي جنوب البح
...
-
صاروخ -إس – 400- الروسي يدمر راجمة صواريخ تشيكية
-
إجلاء سياح نجوا في انهيار ثلجي شرقي روسيا (فيديو)
-
الطوارئ الروسية ترسل فرقا إضافية لإنقاذ 13 شخصا محاصرين في م
...
-
نيوزيلندا.. طرد امرأتين ??من الطائرة بسبب حجمهن الكبير جدا
-
بالفيديو.. فيضان سد في الأردن بسبب غزارة الأمطار
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|