أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهار رضا - العمر واختلاف الثقافات















المزيد.....

العمر واختلاف الثقافات


بهار رضا
(Bahar Reza)


الحوار المتمدن-العدد: 5539 - 2017 / 6 / 2 - 22:18
المحور: الادب والفن
    


العمر واختلاف الثقافات
أتساءل أحياناً أي الوحدات هي الأنسب لقياس العمر، أتكون وحدات قياس المسافات أم الأوزان أم الكتل أم الحجوم أم الكثافة؟ لقد عدت من الموت المحتوم عدة مرات، عدت لعالم لا يشتت بؤسه سوى حب والدتي وإخوتي، عدت بمعجزات كل الكتب الميتافيزيقية مجتمعة، عدت لاحتضن آلامي واغلق عليها قفصي الصدري.
احتفلت ببلوغي سن الأربعين وأنا فاتحة قفصي الصدري للشمس، حيث أطلقت جميع آلامي، تلك التي وبعد اتفاق السلام الذي ابرمته معها تحولت إلى بجعات جميلة تزورني أحيانا في مواسم الهجرة، تغني لي أغنية الرضا فأطبطب على أجنحتها وأطمئنها بأنني أعرف مكانها وأشعر بوجودها وبأنني بخير.
بعد خيبات كبيرة ونجاحات أكبر، لا أرى اليوم في حياتي السابقة والتي تشبه حياة معظم البشر، سوى ساحة حرب ضروس يخرج منها الجميع خاسرون، حرب من أجل الحصول على شهادة دراسية، الحصول على العمل ، بناء منزل ، شراء أثاث أو سيارة جديدة. أشياء دون روح تشبه في ماهيتها مخلوقات الديمنتور في عالم هاري بوتر، كي تظهر للوجود عليها أن تتغذى على ألذ اللحظات في حياتنا، كالنار في صيف قائض، تأكل الزرع الأخضر لتبقى مشتعلة، هناك غنيمة وحيدة أنا مستعدة لأن أشن حرب بسوس لسبع حيوات من أجل الظفر بها، عائلتي الصغيرة، لكن حتى هذه الغنيمة لم أكسبها عن طريق الحرب ! بل نتيجة للحب.
هناك من يفوز في وقت متأخر بتعلم درس الالتفات على الحروب، وأنا أعتبر نفسي من الفائزين، عندما تخطيت عتبة الأربعين متلفتة لتوديع تلك المرحلة العمرية بمنديل أبيض، رأيت خلفي بوضوح منظر حياتي المغفلة وحماقة القتال في ساحة كان من الممكن تركها والانشغال بأمور حلوة، رفعت ذلك المنديل كراية بيضاء ورميت جميع أسلحتي لأعود بروح طفلة ترى في كل شيء لعبة، هناك من سيقول إنها مراهقة متأخرة، وأنا أقول بأن هذا القول هو الهراء بعينه، لأن المراهقة هي الإحساس بالزهو والتفوق على الجميع، بينما أنا على يقين بأنني أجهل الكثير، وأعرف بأن ذراع القدر أطول وأقوى من ذراعي، وأعرف بإدراكي الحسي، في حالة نشوب أية مواجهة بيني وبين القدر، فما عليَّ إلا أن أعود لأصولي الحيوانية والتظاهر بالموت حتى يبتعد أو يعتدل مزاجه، فأعود لممارسة نشاطي دون استنزاف قواي في مسألة لا جدوى منها.
بعد الاربعين، لم أعد أشبه نفسي التي كنت، أصبحت مكملة لتلك المرأة ، متصالحة مع ذاتي، أصبحت أعشق يومياتي، فساتيني التي أشتري بعضها من (البالة) كي أكون مميزة بها ، جسدي، وزني ، شعري المجعد ،بشرتي الحساسة، جروحي، جنوني ،غبائي ،غضبي ،ضعفي، عبثيتي ، مطبخي ، طريقة أكلي المقززة، ثرثرتي، بعد الأربعين ينتهي القلق وتبدأ الحياة، هذا ما يقاسمني إياه الكثير من سكان هذا البلد.
كانت الساعة الثالثة ظهراً من أحد تلك الأيام الصيفية الدنماركية العذبة، كنت في طريقي إلى المنزل بعد نهاية العمل عندما طلب مني الشرطي توبياس أن أساعده في ترجمة تحقيق أولي لطالب لجوء أفغاني، وهذا النوع من التحقيق لا يستغرق أكثر من عشرين دقيقة كحد أقصى، يتم من خلاله إدراج المعلومات الشخصية في ملف البيانات، علاوة على بيانات عن الطريقة التي وصل بها طالب اللجوء، وكذلك نبذة مختصرة عن سبب طلب اللجوء، كنت مرتدية يومها كالعادة سروال (جينز) و(تيشرت) أبيض وحذاء كونفرس رياضي، وكان وجهي خالياً من أية مساحيق، وكان شعري المجعد الكثيف على جسدي النحيل يجعلني أشبه بعرائس براتز، وكان هو يرتدي كما أرتدي ، أعرف عنه بأنه يقاربني في السن، وأعرف بأنه وبعد أن هجرت غرائزهما، هو وزوجته، غرفة النوم وتمددت مكانها صداقة جميلة، انفصلا عن بعض كزوجين واستمرا كصديقين، ليرتبط هو بشابة تصغره بسبعة أعوام، يقدم لها حكمة ما بعد الأربعين وتقابله بعطاء لاعقلانية وأنوثة نساء اجهضن حذر سن العشرين .
ذهبت مع توبياس إلى صالة الانتظار، وكان هناك شفقة الله ينتظرنا بكل مرح، وكأننا مجموعة أصدقائه القدامى وقد جئنا لنصحبه بسيارتنا الجيب المكشوفة في نزهة سفاري عالم الحيوان المفتوحة. شفقة الله رجل من الهزارة ضئيل الحجم، تركت اشعة الشمس آثار مخالبها على بشرته القمحية الملساء ، ولديه شعر جميل كثيف على فروة رأسه، ويحمل وجهه ملامح مغولية كلاسيكية، كان هو أيضا يلبس ما نلبس من بنطلون جينز و(تيشرت) أبيض وحذاء كونفارس، للحظات تصورت أننا فريق كشافة وسنذهب في رحلة تخييم كما تصور هو، أو كما تصورت أنا ما تصوره.
ذهبنا أنا وتوبياس وشفقة الله إلى مكتب توبياس غير الواسع، وبعد أن جلس توبياس على مكتبه وأنا وشفقة الله نقابله على كرسيين مريحين، اتضح بأن شفقة الله رجل أمي ويجهل تاريخ ميلاده، ولكنه يعرف بأن سنه ثلاثة وعشرين عاما ، هذا ما أخبرته به والدته والتي كتبت عدد السنين داخل مصحف، وأما سبب طلبه اللجوء فهي جارتهم المتزوجة من رجل مسن، حيث حاولت استدراجه لمعاشرتها، استقدمته إلى البيت بحجة القيام بإصلاحات فيه باعتباره السمكري الوحيد في المحلة، وحالما دخل البيت، همت به وخلعت عنه سرواله عنوة، وحين دخل زوجها عليهما فجأة، كان شفقة الله عاري الرجلين فيما كانت هي بكامل ملابسها، وبذلك تسببت في هروبه من البلد بعد أن تصور الجميع بأنه رجل مغتصب. وكان السؤال الآخر عن سن الجارة وسن زوجها، فكان جواب شفقة الله سريعاً ومباشراً ((هي تقريبا في سني لكن هو رجل طاعن في السن)) وكرر توبياس السؤال عن سن الرجل وكان جواب شفقة الله ((رجل مسن، مسن للغاية))، وكأنه يسال لأول مرة، كرر توبياس سؤاله عن سن الزوج العجوز وكان الجواب مستنسخاً ((كان رجلاً مسناً))، وبعد إصرار طويل استمر حوالي عشر دقائق بدا خلالها شفقة الله وكأنه يتعمد إخفاء حقيقة سن الرجل، نطق بصوت شخص مكره على اجتناب معصية ((يجب أن لا أكذب فهناك الله سيحاسبني، لا أعرف كيف أحدد لك سنه ولكن هو مسن، لدرجة أن له موطيء قدم في القبر ))، وبدا توبياس مرتاحاً لهذا المكسب وبروح فرحة قال له ((جيد شفقة الله، كي لا تغضب الله، أعطيني سناً تقريبياً لزوج الجارة)) أجاب شفقة الله بجزع إبراهيم لذبح إسحق، بعد أن استغفر ربه عدت مرات (( كيف أشرح لك هذا؟ أقول لك بأنه رجل طاعن في السن وله موطيء قدم في القبر، فتعود لتسألني عن سنه؟ حسناً، قد يكون بين الأربعين والخامسة والأربعين)).



#بهار_رضا (هاشتاغ)       Bahar_Reza#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد والموت والصور
- الى نوال السعداوي
- الثامن من اذار بين مطرقة النصوص الدينية وسندان الافكار الذكو ...
- اسوةً برخصة قيادة السيارة أطالب برخصة لقيادة الأسرة .
- هل سيقف الكلداني والاشوري لينشد لكردستان (اي رقيب)؟
- (حنة يا بوية رفاگه..ولو فر گتنة الليالي لازماً يا بوية نتلاگ ...
- الى رغد صدام
- الداعشي هل حقاً هو جاني؟ أم مجني عليه؟ أم الاثنين معاً؟
- ولابد ما تجي الغبشة.
- ولد الخطيئة
- حبال الوهم
- حب من طرف واحد (أغنية الملحن عمر هادي ,ما لحگنة )
- جمعة مباركة
- دهشة الله وصفين
- الرجل ذو الكرش الكبيرة
- مفردة الحب والمنطق
- بين قرابين الاديان الابراهيمية والنرجسية .
- غائيهم حتى يعود (بغداد ابنتي الغائبة)
- نحتاج بين الحين والآخر أن نبوح بأوجاعنا لشخص غريب. كي يحملها ...
- يوم وأربع رجال.


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهار رضا - العمر واختلاف الثقافات