أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5430 - 2017 / 2 / 12 - 16:01
المحور: الادب والفن
    


المطرُ خارجاً، استهلّ معزوفته المعتادة في مثل هذا الوقت من بداية العام الجديد. وإنها لبداية مبشّرة بالخير، بحَسَب أهالي الضاحية، المتخوّفين من مواسم الجفاف. إلا نحنُ في هذا المنزل، المعزول والمتغرّب سواءً بالعلاقة الإجتماعية أو بطبيعة العيش.
" في حفلة رأس السنة الأولى، كلن كل شيء يوحي بأن العام المنصرم سيكون بداية عهد الدِعَة والطمأنينة والرخاء. أعني، بالنسبة لي وشقيقتي المسكينة. ولكننا كلانا، ما عتمَ أن وقعَ في مطبّ مهلكٍ "، قلت لإمرأتي مستهلاً بدَوري معزوفة مبيّتة. نطقي بهكذا حماقة، كان له داعٍ متصل بعزمي على مكاشفة " الشريفة " بأشياء لن تسرّها بحال. الحق، أنني لم أفعل ذلك بدافع الفضول وحده. إذ كنتُ متيقناً من استحالة دوام الحياة تحت سقفٍ واحد مع هذه المرأة، المتمددة إلى جانبي على السرير. ولكنني، في المقابل، لم أكن أبحث عن حجّة للهروب بعيداً. ربما كان هدفي أبعد وضاعة وحطّة، بغض الطرف عن مشروعيته: لقد كنتُ أسعى لإمتلاك وسيلة ضغطٍ مُجدية، بمقابل ما أمتلكته " الشريفة " من ذلك بعيد ولادة ابنتنا.
وهذه هيَ المرأة الماكرة، ترنو إليّ ملياً قبل أن تجيب في خفّة: " المطبّ المهلك، لم يكن سوانا؛ أنا وسيمو. أليسَ كذلك؟ ". ثم تابعت وهيَ تحدجني بعينين يفيض منهما وميضُ الكراهية: " لندَع شيرين بين يديّ الديّان، غافر ذنوب البشر. أما أنتَ، فأعلمُ إنك لن تغفر لي انتزاعك من رغد المقام لدى سوسن خانم. هذا، مع علمك بنفسك أنك لم تكن أكثر من مطيّة لتحقيق مآربها ". لم أحتمل نظرتها المسمومة. أدرتُ إلى الناحية الأخرى سحنتي، المتغلغل فيها الدمُ المتعكّر بشعور الخجل. على أنني مَن أراد فتح السيرة المخزية، فعليّ كان أن أستمرّ الخوض فيها وصولاً لذلك الهدف الموصوف.
" كلنا سيكون يوماً بين يديّ الله، ولكنني لا أظن أنه يغفر الذنوب الكبرى! "، أجبتها بهدوء وعلى الرغم من تبلبل فكري. كلماتي، بدت كما لو أنها كالمطر المنهمر في الخارج، المجبر رأسَ نخلة الزقاق الشامخة على الإنحناء. لقد أهتزت " الشريفة " إذاً من وقع كلماتي، مدركةً أنّ هنالك أشياء منذرة بالسوء تكمن وراءها. عندئذٍ تحوّلت هيَ إلى قطة رقيقة، كمألوف عادتها في أحوال شبيهة، لتقول لي في رقة: " إذا كان بوسعنا أن نسامح بعضنا البعض، فإنّ الله سيسامحنا.. "
" بشرط ألا يخدع واحدنا الآخر "
" حسناً، أنا أفهم من كلامك أنك تعتقد بكوني قد خدعتك؟ "
" من ناحيتي، كنتُ أسعى لتثبيت زواجنا الشرعيّ في وقتٍ كانت فيه أمّك تدأب على إعادتك إلى خدمة أولئك الأغراب؛ أمثال مسيو جاك. إنني إذ تمسكتُ بك، على الرغم من كلّ شيء، فمن أجل هذه الابنة العاثرة الحظ.. "، قلتها وأنا أومئ بيدي نحوَ " خجي " الصغيرة. مضى نظرُ المرأة مع ايماءتي، قبل أن تتساءل مروّعةً: " لِمَ تتفوّه هكذا عن ابنتنا، وكما لو أن ثمة مصيبة ستحيق بها لا سمح الله؟ وماذا تريد أن تثبت، في آخر المطاف، من حديثك عن الخديعة؟ ". بدا أنّ خطتي كانت تسير بشكلٍ رائع، على ما فيها من دناءة بالأسلوب. لقد فقدت المرأة الماكرة زمام نفسها، آنَ ضربتُ على الوتر الحساس. قلت لها بنفس النبرة الهادئة، ولكن بحزم: " لا شيءَ سيئاً سيحيق بها، ما لو فكّرنا كلانا بعيداً عن الأنانية. أما بخصوص الخداع، فإنك خيرُ من يعلم بأنّ علاقتنا لم تتعدّ حدود المضاجعة... "
" آه، فأنتَ تعتقد بأنني خدعتك حينَ كتمتُ عنك موضوع حَبَلي؟ "، قاطعتني مستعيدةً مرة أخرى لهجة التهكّم المعتادة. بيْدَ أنها كانت ما ترين شاحبة من فرط التأثر، لما سببته لها من قلق. عند ذلك، ولكي لا أفوّت الفرصة السانحة، قمتُ لأجلب المخطوطة من مكانها داخل أحد أدراج الخزانة الخشبية. أخرجتُ حزمة الأوراق من حافظتها الجلدية، ورحتُ أقلّب فيها بتروّ ومهل. فعلتُ ذلك تحت أنظار امرأتي، التي كانت تتابع حركاتي في حيرة. يتعيّن التنويه، بأنّ " الشريفة " كانت تتوهّم قبلاً بأنّ تلكم الأوراق هيَ جزءٌ من نصوصي الأدبية، فلم تكن تعني لها شيئاً. على ذلك، كان مفهوماً أن يشملها بعض الدهشة لما رفعت رأسي عن الأوراق لأخاطبها بالقول: " إنها مذكرات شيرين، وقد سبقَ أن حصلتُ عليها من المحامي على أثر وفاتها ". ثم أردفت محدقاً في عينيها بنظرة منتصرة: " هل تريدين أن أقرأ شيئاً منها، يخصّك؟ ". أزداد شحوب وجهها، إلا أنها لم تنبس بكلمة. بدا لي كأنها فهمت كلامي برغبتي في الإنزواء للقراءة، مثلما أفعله كل ليلة. فلما عمدتُ إلى الإيضاح؛ وأنّ هدفي هوَ إسماعها ما تحتويه الأوراق من أمور تخصها، فإنّ ملامحها انقبضت بشدّة. قالت لي وصريرُ أسنانها يشفّ عن غضبة كاسرة، موشكة: " كان عليك أن تكون أكثر ذكاء، بما أنك تعرفني حقّ المعرفة. فلا تعمدن إلى هذه اللعبة، المبتذلة والسخيفة. كان الأجدى، أن تصارحني رأساً برغبتك في معرفة علاقتي مع شقيقتك. مع أن المفترض أنك ما تفتئ في فترة الحِداد على شيرين، ولا ينبغي خدشُ ذكراها؟ "
" بل إنني أرغبُ بمعرفة علاقاتكِ الأخرى، طالما أنّ فترة الحِداد على أبيك قد ولّت منذ أمدٍ بعيد..! "، أجبتها دون تروّ. الكلمات الأخيرة، أحسستُ بها مرتجفة وكما لو أنها خرجت من بئر لا قرار له. غير أن كلماتي كانت من القوة، أن هزّت أعماق المرأة المسترخية على سرير النوم. طفقت ساكتة لوهلةٍ، قبل أن تردّ بنبرة فيها ما فيها من إحباط ويأس وضياع: " أحقاً، أحقاً أنّ شيرين تحدثت عنه.. عن أبي ذاك، الصوريّ؟ ". نطقت أيضاً الجملة الأخيرة بنبرة مختلفة، ولو أنها أقرب للسخرية. ثم مضت " الشريفة " في كلامها إلى الموضع المطلوب، المحرَّم، كونها على الأرجح من التشوّش أن أعتقدت بأنها لا تفعل أكثر من تأكيد ما جاء في أوراق المخطوطة: " أما أبي، المفترَض أنه الحقيقيّ، فإنك قدمتَ من عنده للتوّ.. " .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 47
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3