أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - تامر البطراوي - هل عملية التنمية الإقتصادية بطبيعتها سريعة أم بطيئة؟















المزيد.....

هل عملية التنمية الإقتصادية بطبيعتها سريعة أم بطيئة؟


تامر البطراوي

الحوار المتمدن-العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 23:13
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


العلاقات من حيث معدل التغير
هل عملية التنمية بطبيعتها سريعة أم بطيئة؟ هل آثار التنمية تظهر بشكل سريع أم على المجتمعات المتخلفة الإنتظار لفترات طويلة لحين ظهور آثارها؟ هل عملية الإنتقال من الهياكل الإقتصادية المتخلفة (الإنتاج والتوزيع والطلب...) إلى الهياكل الإقتصادية التنموية عملية تطورية بطيئة تتم على المدى الطويل (نظرية التغير التطوري)؟ أم أنها عملية ثورية سريعة التطور (نظرية التغير الثوري)؟.
يكاد يتفق الإقتصاد السياسي على أن عملية الإنتقال من الإقتصاد المتخلف إلى الإقتصاد التنموي المتقدم هي عملية تطورية مرحلية تتم من خلال مراحل ينتقل خلالها الإقتصاد من البدائية والتي يغلب عليها النشاط الزراعي وطرق الإنتاج البدائية إلى مراحل أكثر تقدمًا تتسم بشيوع التصنيع والتجارة وكثافة رأس المال الصناعي والتكنولوجي ، اتجاه سيؤكد على أن عملية التحول مرحلية بطيئة تنتقل خلالها الإقتصادات من مرحلة إلى أخرى خلال فترات طويلة المدى ونمو بطئ تطبيقا على عدة أنماط للتحولات الهيكلية ، حيث ترى كل نظرية أن التحول بنمط هيكلي معين هو محور الأساس والسمة المرحلية للتحول التنموي العام ، بينما اتجاه آخر سيرفض المدى البعيد للتحول والتراكم البطئ وسيؤكد على أن التحول والإنتقال من مرحلة إلى أخرى يتم بشكل ثوري يؤدي إلى التحول السريع.
فالتنمية تتم بشكل مرحلي بطئ من خلال التحول بشكل أساسي في الهيكل الثقافي (اللاهوتي، الميتافيزيقي، الوضعي) لدى سان سيمون ، وبالتحول بالهيكلي الوظيفي (الرعي، الزراعة، الزراعة والصناعة، الزراعة والصناعة والخدمات) لدى فردريك ليست ، وبالتحول بهيكل الأهمية النسبية لعوامل الإنتاج الأساسية (اقتصاد الطبيعة، اقتصاد العمل، اقتصاد رأس المال) لدى وليام روشر ، وبالتحول بالهيكل المكاني لعلاقات وحدات وعوامل الإنتاج (الإقتصاد المنزلي، اقتصاد المدينة، الإقتصاد القومي والدولي) لدى كلا من برونو هيلدبراند وكارل بوشر ، ماركس (1850) جاء بمراحله المؤسسية (البدائية، الإقطاع، الرأسمالية، الإشتراكية فالشيوعية) ولكن بفكر ثوري فاعتبر أن التحول هو عملية بنائية ثورية وليست نمو عضوي ، وهو ما أكد عكسه تمام هربرت سبنسر (1850) تطبيقا على الهيكل الثقافي (المجتمع المتجانس، المجتمع اللاتجانس) حيث اعتبر أن نمو الإقتصاد أشبه بنمو الكائن الحي لا يتم في صورة قفزات ، روزنشتاين (1941) رفض عضوية سبنسر ودعا إلى القفزة الرأسمالية واختصر التنمية في تطور هيكل علاقات عوامل ووحدات الإنتاج (من الإقتصاد محدود رأس المال غير المتكامل، إلى الإقتصاد كثيف رأس المال متكامل الوحدات والعوامل الإنتاجية) واعتبر جوهر التنمية هو إحداث ثورة متكاملة في هيكل رأس المال بضخ كمية كبيرة من رأس المال فيرتفع الإنتاج بالتكامل مع الطلب ويرتفع الميل الحدي للإدخار والإستثمار ، ولكن حينما اختصر روستو (1961) التنمية في التحول بالهيكل الوظيفي (الإقتصاد الزراعي، ظهور الصناعة، الزراعة والصناعة والخدمات، الإنتاج التكنولوجي وتميز التنظيم ، الإنتاج الوفير والوعي البيئيي) أكد مرة أخرى على التطور التنموي البطئ وعلاقات التحول العضوية.
ترجع جذور التحليل التطوري لمجموعة من العلماء الكلاسيك كعالم الإقتصاد والإجتماع الفرنسي سان سيمون 1760 – 1825 (Saint Simon) والذي اعتبر أن المجتمعات تمر بالمرحلة اللاهوتية ثم المرحلة الميتافيزيقية ثم المرحلة الوضعية ، وعالم الإجتماع الفرنسي أوجست كونت 1798 – 1857 (Auguste Comte) والذي أكد على نفس الفكرة ، ومن فرنسا إلى ألمانيا حيث تأسست المدرسة الألمانية التاريخية في الإقتصاد على يد مجموعة من العلماء الأوائل الذين تبنوا الفكر التطوري للعلاقات الإقتصادية كالإقتصادي الألماني جورج فردريك ليست 1789 – 1846 (Friedrich List) والذي قَسَم بكتابه المنشور عام 1841 "الإقتصاد السياسي الكلي" (National System of Political Economy) مراحل النمو الإقتصادي إلى خمس مراحل وهي المرحلة الوحشية البربرية (بداية تاريخ التطور الإنساني) ، ومرحلة الرعي (استخدام الحيوانات من أجل الأغراض الحياتية والإنتاجية) ، المرحلة الزراعية ، المرحلة الزراعية الصناعية (ويأخذ فيها الاقتصاد الصناعي بالنمو إلى جانب الاقتصاد الزراعي) ، المرحلة الخامسة مرحلة التقدم (وتتميز فيها الزراعة والصناعة والتجارة بمستوى عال من التقدم) (عبد الرحمن ب.، 2013، صفحة 23) ، أما الإقتصادي الألماني وليام روشر 1817 – 1894 (Wilhelm Georg Friedrich Roscher) أستاذ الإقتصاد السياسي بجامعة غوتنغن أحد أهم وأوائل مؤسسي المدرسة الألمانية التاريخية في الإقتصاد ، فقد طرح خلال الفترة من 1845 – 1894 مؤلفه المتوسع "الإقتصاد السياسي الكلي" (great System der Volkswirthschaft) في خمس مجلدات والذي نشر الأول منها لأول مرة عام 1845 بعنوان "أسس الإقتصاد القومي أو الإقتصاد السياسي" (Die Grundlagen der National Ökonomie) (ROSCHER, 1878) وطرح خلاله منظوره التطوري للإقتصادات الكلية ، والذي شبه تطورها بمراحل تطور الكائن الحي ، وقسمها إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي الشباب والنضج والتقدم بالعمر ، المرحلة الأولى هي مرحلة الإقتصاد الطبيعي ويقوم فيها الإقتصاد على أساس العناصر الطبيعية كالمياه والغابات والمراعي وتتسم بانخفاض أعداد السكان ، المرحلة الثاني هي مرحلة إقتصاد العمل ويقوم فيها الإقتصاد بشكل أساسي على القوة العاملة ، المرحلة الثالثة هي مرحلة الإقتصاد الرأسمالي ويقوم فيها الإقتصاد بشكل أساسي على العوامل الرأسمالية والتي تتطور بدورها من مفهوم العبيد بالعصور القديمة إلى مفهوم التكنولوجيا الحديثة خلال الوقت الراهن (Krabbe, 2012, p. 23) ، أما الإقتصادي الألماني برونو هيلدبراند 1812 - 1878 (Bruno Hildebrand) فقد طرح رؤيته التطورية خلال كتابه المتوسع والمنشور عام 1848 بعنوان "الإقتصاد السياسي بالحاضر والمستقبل" (Die Nationalökonomie der Gegenwart und Zukunft) واعتبر خلاله أن المجتمعات تمر بثلاث مراحل للنمو الإقتصادي وهي مرحلة الإقتصاد المنزلي ، ومرحلة إقتصاد المدينة ، ومرحلة الإقتصاد القومي والدولي (G.R. Madan, 2003, p. 21) ، أما الإقتصادي الألماني كارل بوشر 1847 – 1930 (Karl Wilhelm Bücher) فقد قسم مراحل النمو الإقتصادي بكتابه المنشور عام 1893 "صعود الإقتصاد الوطني" (The Rise of the National Economy) إلى ثلاث مراحل وهي: مرحلة الإقتصاد الريفي (يقوم على الزراعة يتسم بقلة الإنتاج وتحقيق الإكتفاء الذاتي) ، ومرحلة الإقتصاد المديني (يغلب عليه نشاط تبادل السلع والخدمات ويقوم على أساس نمو القطاع الصناعي) ، ومرحلة الإقتصاد القومي المتكامل (وتقوم على أساس الإنسجام والتعاون ما بين الإقتصاد الوطني والدولي) (هنية، 2008، صفحة 74).
خلال تلك الفترة كان قد بدأ يظهر إتجاه كارل ماركس 1818 – 1883 (Karl Marx) الثوري في الإنتقال المرحلي ، والذي رفض نظرية التغير الطبيعي واعتبر أن التطور هو عملية ثورية تحدث بالعلاقات الإقتصادية فينتقل الإقتصاد من مرحلة إلى أخرى ويتبعها تغيير في البنية الفكرية ، وقد ظهر ذلك الإتجاه بالعديد من مؤلفاته لاسيما أجور العمل ورأس المال (1847) الصراعات الطبقية في فرنسا (1850) نقد الإقتصاد السياسي (1859) ورأس المال (1867) ، فعملية التطور المرحلي هي عملية تغيير بنائي ثوري (Social revolution) فالمجتمعات من ناحية العلاقات الإقتصادية تمر بخمس مراحل أساسية هي: المرحلة البدائية ثم مرحلة الرق ثم مرحلة الإقطاع ثم المرحلة الرأسمالية وأخيرًا المرحلة الإشتراكية والتي تنتهي بالوصول للشيوعية التي يستطيع فيها الفرد إشباع حاجاته الأساسية بغض النظر عن نوع أو كم العمل الذي يقوم به ، ويكون انتقال المجتمعات من مرحلة إلى مرحلة من خلال حراك ثوري في بنية العلاقات الإقتصادية والتي تقود بدورها التغير في بنية العلاقات الثقافية والأيديولوجية ، أي أن الثقافة المجتمعية والسياسة العامة بنية فوقية تابعة ومترتبة على الإقتصاد كبنية تحتية (علاقات الإنتاج) ( نابي، 2014) ، لقد كانت نظرية ماركس التنموية مزيجًا هيكليًا مرحليًا يدمج ما بين الهيكل السياسي (نمط السياسة الإقتصادية والتي يتحدد على أساسها حرية عوامل الإنتاج ونمط السلطة العامة) والهيكل الثقافي (الثقافة المجتمعية والعادات والتقاليد والسلوكيات السائدة بالمجتمع) والهيكل المؤسسي (والذي يتحدد على أساسه توزيع ملكية عوامل الإنتاج ما بين القطاع الخاص والعام) ، حيث اعتبر أن التنمية هي هيكل الإنتاج المؤسسي الذي يسوده أو يشمله بعمومه القطاع العام ، أما من حيث متغير زمن علاقات التغيير أو التحول فقد اعتبره تطوري مرحلي ، إلا أنه تبنى خط التغيير الثوري في تفسيره الإنتقال المرحلي من مرحلة لأخرى ، وبذلك فالتنمية (التي يتحقق معها الرفاه العام) لدى ماركس هي تغير هيكلي مؤسسي (لصالح القطاع العام) من حيث متغير زمن علاقات التحول تطوري يحدثه التغيير الثوري بعلاقات الإنتاج (علاقات رأس المال الصناعي والعمل والأرض) فتنتقل من مرحلة إلى أخرى ، ومن حيث اتجاه أثر العلاقة فبنائي حيث يتبع تغير البنية الإقتصادية تغير البنية الفكرية بمضامينها السياسية والثقافية من مرحلة لأخرى ، لم يصف ماركس البنية الفكرية كمكون اقتصادي أو عاملاً إنتاجيا ، وإنما اعتبرها بنية منفصلة عن بنية الإقتصاد تابعة له ، كما أنه لم يتطرق للهيكل الوظيفي كما ستتبناه لاحقًا التطورية الجديدة.
ومن ألمانيا إلى انجلترا حيث سيقوم عالم الإجتماع والإقتصاد الإنجليزي هربرت سبنسر 1820 – 1903 (Herbert Spencer) بإعادة صياغة أفكار المدرسة الألمانية التطورية بتطويع أفكار الإنجليزي تشارلز داروين اجتماعيا (الداروينية الإجتماعية) والتأكيد على أن علاقات التحول المرحلي هي علاقات نمو طبيعية بعكس ما أتى به ماركس ، ففي عام 1850 نشر سبنسر أول كتاب له بعنوان "الإستاتيكيا الإجتماعية" والذي انكر فيه ضرورة وأهمية التغيير الإجتماعي الثوري ، وشبه تطور المجتمع بفكرة نمو الكائن الحي وتطور أعضاءه (العلاقة الوظيفية العضوية) وربط ما بين تطور المجتمع وانتقاله من مرحلة التجانس إلى مرحلة اللاتجانس (تطور الهيكل الثقافي) ، واعتبر أن التطور الاجتماعي (Social Evolution) هو النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة ، تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة، دون طفرات في التقدم والتطور ، وبذلك فقد كانت نظرية سبنسر التطورية تتلخص في التغير التطوري (غير الثوري) الذي يلحق بالهيكل الثقافي المجتمعي ، والذي تتسم فيه علاقات التحول من حيث اتجاه التأثير بالوظيفية (بالتفاعل المتبادل) ومن حيث متغير الزمن بطول المدى ، رفض هذه النظرية (تماثل التطور بين الكائنات الحية والتطور الاجتماعي) العديد من العلماء كوليم أوجبرن، وجوردون تشايلد، وجوليان ستيورد...، ـمؤكدين على أن التطور البيولوجي في الكائنات الحية هو أمر حتمي ويسير في خط مستقيم لا يمكن تخطيطه أو تسريعه أو تهدئته، في حين التطور الاجتماعي أيضا حتمي ولكنه مخطط ، وسريع أوهادئ أو شامل أو جزئي ... الخ ، تشبيه النمو الإجتماعي بالنمو الحيوي أمر فيه نظر ، ذلك لأن الكائن الحيوي يمر بمراحل النشأة والنضج والتقدم بالعمر ثم الشيخوخة وهو أمر لا ينطبق على النمو الإقتصادي ، فنمو الكائن الإقتصادي لا ينتهي بشكل حتمي بالشيخوخة والوفاة ، بل قادر على النمو والتوسع والتراكم اللانهائي بخلاف نمو الكائن الحيوي ، أما الكائنات الإقتصادية التي يمكن تشبيهها بشيخوخة الكائن الحي فهي تلك الكائنات التي تتوقف قدرتها على التطوير والنمو.
رفض الإقتصادي البولندي بول روزنشتاين رودان 1902 – 1985 (Paul Narcyz Rosenstein-Rodan) النظرية الوظيفية لسبنسر ودعا إلى إحداث ثورة مقصودة بالهيكل الرأسمالي وهيكل الطلب الفعال ، فقد طرح في كتابه المنشور عام (1943) بعنوان "مشاكل التصنيع في شرق وجنوب شرق أوروبا" (Problems of Industrialisation of Eastern and South-Eastern Europe) نظرية "الدفعة القوية" أو "الدفعة الكبيرة" (Big Push) ، والتي تقوم على فرضية تكامل أو عدم قابلية التجزئة لكلاً من دالة الإنتاج ودالة الطلب ودالة الإدخار (مندور، 2015، صفحة 46) ، فمثلاً الفائدة من إنشاء سد لن تكتمل إلا بإنشاء حولها محطات توليد الطاقة الكهربائية ثم شبكات الصرف والري ومشروعات بنية تحتية لتعمير المناطق المحيطة...، وبالمثل على المستوى الوحدي فإن إنشاء أي مشروع إستثماري لن يتم مالم تتوافر ميزانية إنشائه بالكامل ، وهو ما ينطبق على المشروعات الكبيرة والضرورية المحركة للإقتصاد كصناعة الحديد والصلب والكيماويات والصناعات الثقيلة...، والتي تتطلب توافر رؤوس أموال ضخمة دفعة واحدة ، الناتج الذي يتم إنتاجه لابد وأن يقابله طلب بشكل كامل ، ولذلك يجب أن يوجه الإنتاج لتلبية الطلب بشكل كامل ، وذلك بهدف رفع مستويات الدخول فيرتفع الميل الحدي للإدخار والإستثمار ، ولكي تحدث تلك العملية التي يخرج خلالها الاقتصاد من دائرة الفقر والتخلف لا بد أن تكون برامج التنمية ضخمة متلاحقة حتى يمكن التغلب على القصور الذاتي للاقتصاد الراكد ودفعه نحو مستويات أعلى للإنتاج والدخل، وأن يكون للحكومة دورا أساسيا في إعداد مشروعات التنمية لضمان زيادة الدخل بقدر يكفل زيادة الطلب الفعال، ومن ثم نجاح المشروعات في مجموعها، ويؤكد روزنشتاين رودان من أجل نجاح نموذجه على ضرورة توافر رؤوس الأموال من مصادر داخلية وخارجية ، وهو أول ما يؤخذ على نظرية الدفعة الكبيرة أن الإشكالية الرئيسية للدول النامية هي ضعف قدرتها على ضخ استثمارات ضخمة سواء من مصادر محلية أو أجنبية ولذلك فهي تقدم حلاً يصعب تطبيقه عمليًا ، النقد الثاني الذي يمكن أن يوجه إلى هذه النظرية أنها تقوم على أساس ضخ استثمارات ضخمة لإنشاء هيكل إنتاجي متقدم ومتكامل ، ولم تقم على أساس تطوير هياكل الإنتاج المتخلفة ولذلك فهي تبقى على إشكالية إزدواجية القطاعين المتقدم والمتخلف وتزيد من تعميق الهوة بينهما.
وبعد عقدين من الزمان تقريبا على نظرية الدفعة القوية لروزنشتاين قام أستاذ الإقتصاد الأمريكي بمعهد ماستشوستس (Massachusetts) بمدينة كامبريدج بولاية ماستشوستس بالولايات المتحدة "والت روستو" 1916 - 2003 (Walt Whitman Rostow) بإعادة إحياء نظرية الكلاسيك التطورية مرة أخرى ولذلك تعرف نظريته بالتطورية الجديدة ، والتي قدمها بحثه الشهير والمنشور عام 1960 والمعروف "بنظرية مراحل النمو الإقتصادي" (The Stages of Economic Growth: A non-communist manifesto) ، وقد عُين على إثرها مستشارًا للسياسات الإقتصادية للرئيس الأمريكي جون كيندي عام 1961 مما ساهم في انتشار نموذجه لمراحل التنمية بشكل كبير ، لقد روستو رفض الخط الثوري لتطور هياكل الإنتاج وتبنى خط التطور التدريجي لسبنسر ، حيث اعتبر أن عملية التنمية الإقتصادية بالدول النامية تتم من خلال تحول تدريجي بهياكل الإنتاج الوظيفية عبر خمس مراحل أساسية وهي: أولًا مرحلة المجتمع التقليدي وهي المرحلة التي يسودها اقتصاد شديد التخلف ويغلب عليها الطابع الزراعي منخفض الإنتاجية ، ثانيًا "مرحلة التهيؤ للإقلاع" ويتم في هذه المرحلة تدفق الإستثمارات في البنى التحتية وظهور القطاع الصناعي الذي تبدأ العمالة في الإنتقال إليه من القطاع الريفي ، ثالثًا "مرحلة الإقلاع" وتتسم هذه المرحلة بالاهتمام بشكل كبير بكافة القطاعات الإقتصادية الزراعية والصناعية والتجارية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، رابعًا "مرحلة النضوج" وهي المرحلة التي تصبح خلالها الدولة متقدمة اقتصاديًا بإستكمال نمو كافة القطاعات الاٌقتصادية بالدولة ، حيث يصبح الريف أكثر تطورًا وتصبح الصناعة قادرة على المشاركة في خلق التكنولوجيا الحديثة ويتضح خلالها الانفصال البيِّن بين دور الرأسمالي الذي يملك ولا يُدير وبين المنظم الذي يدير ولا يملك ، خامسًا "مرحلة الاستهلاك الوفير" وهي المرحلة التي يتحقق خلالها الرفاهية الإجتماعية والإقتصادية ، ويتحول اهتمام المجتمع خلالها نحو تحسين نوعية الحياة والمحافظة على البيئة ، ويؤخذ على نظرية روستو أن هذه المراحل لم تثبت تاريخيا ، كما أنه لم يوضح كيفية الإنتقال من مرحلة لأخرى ، بالإضافة إلى البناء البنيوي لعلاقات الإنتقال من مرحلة إلى أخرى ، فقد افترض أن الإنتقال إلى المرحلة التالية يستلزم ضرورة المرور على المرحلة السابقة وهو مالم يحدث في كثير من حالات التحول التنموي بالوقع العملي.
نظريتي النمو الخارجي لروبرت سولو (1956) ، والنمو الداخلي لبول رومر (1986) وروبرت لوكاس (1988) وروبرت بارو (1990) ، أكدتا على أن عملية التنمية تتحقق من خلال النمو المتوازن على المدى الطويل والذي يحدث خلاله تراكم وتكثيف مستمر في رأس المال والمستوى التكنولوجي والمعرفي.
لقد كانت دائما الرؤية المتعلقة بجوهرية هياكل التحول مرتبطة وبشكل مباشر مع معدل التغير ، ففي حين ارتبطت الهياكل الوظيفية والثقافية والمعرفية وهياكل العلاقات المكانية لعوامل ووحدات الإنتاج بنظريات التغير طويل المدى ، فإن التنمية التي تم محورتها حول تطور الهياكل المؤسسية والرأسمالية ارتبطت بنظريات التحول الثوري السريع ، ولذلك فمعدل التحول التنموي أمرًا معقدا يرتبط بشكل كبير بوضع متغيرات الإقتصاد الداخلية والخارجية والتوصيف الكمي والكيفي للفجوة التنموية.


البطراوي، تامر (2016). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]



#تامر_البطراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنمية الإقتصادية مفاهيم وتساؤلات
- التواصل البيئي: الأرض على طاولة المناقشات مرة أخرى ولكن من م ...
- حوار التنمية بين الشمال والجنوب بالعقدين الأول والثاني
- نظرية التنمية الإقتصادية - الجزء الأول
- نظرية الثورة على التبعية للرأسمالية الإمبريالية: الإرهاصات ا ...
- قراءة أكرونولوجية للتحولات المفاهيمية للسببة التراكمية والدا ...
- روشتة مختصرة للخروج من الأزمة الإقتصادية المصرية الحالية
- ماكليلاند والدافعية للإنجاز.. دفع الهمم نحو التميز والتفوق و ...
- هايجن ورؤية ثقافية لتغيير المجتمعات النامية..
- الدرجة التحصيلية والإضافة العلمية ما بين النظرية والتطبيق وع ...
- ذِكرياتٍ فاحشة وآمالٍ لامُوحِشة
- السائحة (لا عفيف)..
- عاهرةٌ في حَيِّنا
- مقاربة أبستمولوجية
- الأصول النظرية لمفهوم العلم
- النظرية الإقتصادية الكلية مُقاربة تأصيلية
- المدرسة الإقتصادية للإسلاميون الجُدد
- مناقشة لبعض مواد الدستور المصري
- دستورية موضوع الهوية (دراسة مقارنة)
- الحُقبة الماركنتيلية الجذور السياسية والثقافية وانعكاساتها ع ...


المزيد.....




- مصر تبيع أراض جديدة بالدولار
- روسيا.. مالك -كروكوس- يكشف تكلفة إعادة بناء القاعة المحترقة ...
- ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية
- إنتاج الآيس كريم في روسيا يسجل مستوى قياسيا
- العراق يوقع عقدا لاستيراد الغاز من إيران لمدة 5 سنوات
- بسبب ضغط مبيعات العرب.. البورصة المصرية تتعرض لخسارة كبيرة
- المغرب يطلق خطة لمد أنبوب للغاز مع أوروبا
- %37 نمو التبادل التجاري بين إيران والصين خلال شهرين
- هل وجدت مصر فعلا مخرجا من أزمتها الاقتصادية؟
- خد راحة واستمتع.. موعد إجازة عيد الفطر 2024 للقطاع العام وال ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - تامر البطراوي - هل عملية التنمية الإقتصادية بطبيعتها سريعة أم بطيئة؟