أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوال السعداوي - الطب النفسى والإلحاد














المزيد.....

الطب النفسى والإلحاد


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 06:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى كان أغلب زملائى بكلية الطب ينشدون التخصص فى فرع الجراحة فهو يقوم على التشخيص الدقيق للمرض، واستئصاله من الجسد، وكان للطبيب الجراح شخصية دقيقة مثل سن المشرط لا تعرف التردد أو الالتواء لكنها أيضا شخصية نرجسية استعلائية إلى حد الألوهية متعصبة لآرائها وعقيدتها أحادية التفكير لا تطيق النقد ولا النقاش أو الجدل.


اشتغلت بالجراحة سنوات قليلة ثم هجرتها قبل أن يتجه المشرط فى يدى الى عنق رئيس الجراحين بالمستشفى كان يعامل الأطباء الشباب كالعبيد فى عزبته، وكان يملك عزبة بالطبع فهى أحد أركان الحلم ، خمسة عين (عيادة، عربية، عمارة، عزبة، عروسة)، وتغلبت كرامتى على حبى للجراحة، واتجهت إلى فروع أخرى فى الطب لكنها لم تكن أحسن حالا من الجراحة بالإضافة إلى كونها أقل دقة أما الطب النفسى فلم يكن ينظر إليه كعلم حقيقى بل أقرب ما يكون الى الدجل فهو يتصدى لأمراض غامضة موهومة مجهولة السبب يكاد يشبه علم الكف وضرب الودع أو قراءة الفنجان، وأيضا كان الطبيب النفسى يعانى قلة المرضى نراه يركب معنا الأتوبيس أو السيارة المصرية ماركة رمسيس.

ثم تغير المجتمع المصرى بسرعة كبيرة منذ الانفتاح الاقتصادى والانغلاق الفكرى فى السبعينيات، ودخل الإيمان والكفر ضمن السلع بالسوق الحرة ومضاربات البورصة، وطغى استيراد البضائع الاجنبية على الإنتاج المصري، وانهمرت علينا المسابح وأحجبة النساء المستوردة، وتراكمت الأموال لدى الحكام ورجال الأعمال (القطط السمان) وازدادت الهوة بين الأغنياء والفقراء، ومعها المشاكل والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التى تم التجهيل بأسبابها السياسية الحقيقية، وتحولت فى أجهزة الإعلام إلى اضطرابات نفسية وأخلاقية يتنافس أطباء النفس على تشخيصها فهى خلل فى كيمياء المخ والهرمونات بسبب الاحباط أو الحقد الطبقى أو الإلحاد، وغياب الإيمان وعدم القناعة بالقسمة والنصيب فالأرزاق بيد الله يعطى من يشاء بغير حساب كما يعلن الرئيس المؤمن فى الإذاعات، وقد ينتج الإلحاد أيضا عن الفشل فى التكيف مع الواقع، والعجز عن تحقيق الاحلام المستحيلة، أو «الفوبيا» (تعنى الخوف) أصبح الفقراء يخافون المزيد من الفقر، وأصبح الأثرياء يخافون من قيام ثورة شعبية، وكان لابد من زيادة القمع السياسى والدينى لضمان الاستقرار هكذا لجأت السلطة الحاكمة للمشايخ ورجال الدين للتخويف من عقاب الله ، والى أطباء النفس للتخويف من التمرد على السلطة الأبوية فى الدولة أو العائلة، وازدهرت حياة المشايخ وأطباء النفس بازدياد الخوف والقلق، وانتشرت الفتاوى بعذاب القبر والثعبان الأقرع، والروشتات الطبية بمضادات الاكتئاب أو المنشطة لهرمونات السعادة والحب والإيمان ، هكذا نشأت طبقة عليا من المشايخ والدعاة الجدد وأطباء النفس امتلكوا العمارات والمليارات، وأصبحوا نجوم الإعلام والشاشات.

كنا نستقبل السنة الجديدة منذ يومين حين ظهر على الشاشة شيخ مرموق يتحدث عن ظاهرة الإلحاد الجديدة ويعتبرها مؤامرة أجنبية ماسونية ضد الإسلام تبعه طبيب نفسى مرموق اعتبر الإلحاد من الاضطرابات النفسية التى تصيب الشباب لأسباب مختلفة منها ضعف الوازع الديني، وتدهور الأخلاق بعد ثورة يناير وغياب السلطة الأبوية لسفر الأب الى الخليج أو فقدان الحنان الأمومى لانشغال المرأة عن واجباتها الأسرية بعملها البرانى أو طموحها الذاتي، وأخذ الطبيب المرموق يحلل نفسية الملحد قال إنه شخصية هستيرية أو باراناوية يعانى وسواسا قهريا يميل للتمرد والاستعلاء على السلطة الأبوية الحاكمة أو حتى الإلهية يميل إلى الشك والتساؤل والاختلاف عن الآخرين طلبا للشهرة (خالف تعرف)، وقد يكون مريضا بالفصام أو الخلل الشعورى أو اللاشعورى وغيرها من الاضطرابات الوجدانية.

كان معى مجموعة كبيرة من شباب وشابات شاركوا فى ثورة يناير يتمتعون بالصحة النفسية والجسمية أغلبهم من المتفوقين أو المبدعين فى مجالات مختلفة ضحكوا وهم يستمعون إلى الطبيب النفسى الذى تجاهل جميع الاكتشافات العلمية والفنية من الكهرباء إلى الكومبيوترات ومن السينما إلى السيمفونيات التى قامت بها عقول مبدعة متمردة بدأت بالشك والتساؤل وقد تقدمت شعوب متعددة شرقا وغربا، وأصبحت على قمة العالم دون أن تؤمن بالدين أو بالعقيدة التى نؤمن بها نتكلم كثيرا عن تجديد الفكر الديني، ولا نتكلم عن تجديد الفكر الطبى النفسى رغم العلاقة الوثيقة بينهما.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا الحسبة والإرهاب
- قشرة الحياء الهشة .. يا أنت ؟
- الفدائيون وهدى عبد الناصر
- سقوط العرش المصنوع بالقش
- ثقب فى جدار العقل
- ضباب الرؤية وضوء الماضى
- كُحل ثقيل.. عقل خفيف.. والضحك
- الصخرة العاتية تتحدى أى دستور
- لكنهم لم يعثروا عليها أبدا
- رقة الشاعرة وحاملة الأثقال
- نكهة الشاى الأخضر بالنعناع
- تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم
- ولم تسقط طائرة لندن
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى
- كتابك غير حياتى
- امرأة تكتب مصيرها بيدها
- وتظل النخبة المختارة تصفق


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوال السعداوي - الطب النفسى والإلحاد