أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الدخول إلى قلب المدينة ح2














المزيد.....

الدخول إلى قلب المدينة ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5390 - 2017 / 1 / 2 - 06:28
المحور: الادب والفن
    


توجهت حافلتنا من المطار صوب الفندق الذي أخبرنا المرشد السياحي أنه سيكون في الجيزة مقابل منطقة الهرم تماما، هذا يعني أننا سنكون بعيدا جدا عن قلب المدينة التي أحببتها وتمنيت أن أسكن روحها وروحها تسكنني، لا بأس فالأرض كلها مصر والقاهرة لا تغيرها الجغرافية هنا في الجيزة مجاور الهرم سأستنشق عبق التاريخ الأقدم التأريخ الذي يفتح دفاتره القديمة في كل نظرة لهرم خوفو الكبير، لكل خطوات المجد الذي صنعه العبيد والفقراء والمساكين وعامة الشعب وقيده السلطان باسمه حلالا زلالا، وكأنه يحصد ما زرع الأخرون من غير أعتراض، لقد كرهت السطو والسرقة والتحايل على الحقيقة خاصة إذا كان السارق لا يحترم إنسانيته والمسروق منه صامت لا يستطيع أن يسترجع ما نسبه الأخرون لهم، لذا فأنا أكره التاريخ الذي يكذب ويعلق النياشين على صدور لم يمسسها تعب ولا نصب ولم تلوح وجوهها الشمس بحرارتها الغاضبة.
الطرقات من المطار حتى الفندق توحي لي أول شيء أن هذا الشعب العظيم شعب جميل لأنه يقبل بكل شيء ومتسامح في مزج الحاضر الجديد مع القديم التأريخي، عمارات شاهقة في بناء حداثي وطرز معمارية متنوعة فيها لمسات التمدن ولمسات التجديد تجاورها أبنية بسيطة أقل ما تسمى أنها شعبية أو على الأقل متواضعة في طرازها المدني، لكن الجميع هنا تأتلف لأسكان الملايين التي تغمر مساحة العاصمة بكل ما تحتاج من عمل وطاقات، شوارعها المعلقة والمجسرات جنبا لجنب مع طرق وشوارع القاهرة القديمة، لا يغني هذا الزحام الرهيب من أن تستمع بوجه مصر الحضاري، مررنا على شواهد نعرفها وإن لم نراها مسبقا رأي العين ولككنا سمعنا وقرأنا وشاهدناها على وسائل الإعلام والأعلان وفي مشاهد السينما والتلفزيون، إنها هي مصر أم الدنيا، مصر البهية أم طرحة وجلابيه، مصر التي كتبت على وجه الأرض أنها المنارة القديمة التي شعت وأشعت على شعب الله في أرضه البيان والجمال والعمران والفن والأسرار التي لا تنتهك بسهولة.
كان بودي أن أقطع هذه الطرقات والشوارع والجسور مشيا على الأقدام أسألها وأستفسر منها عما أريد، لعلها تصارحني عن حقيقة الإنسان والألم الذي تحمله من أجل أن يبقى في قضية قد لا تهمه إن بقي أو رحل، ولكنه مجبر على البقاء ومجبر على الرحيل وترك بين هذه وتلك يتلقى الصفعات بلا عنوان وأحيانا بعناوين يجهل حقيقة أكثرها، المهم في حكاية الأرض مع الإنسان حكاية جنون ومجنون وظلم وحزن وشيء قليل من أمل، وإن كنت أرداد يقينا أن الأمل هذا أيضا واحدة من الخدع التي يضحكون فيها على الإنسان وهم يعلمون أن لا فرصة أخرى، إنها وهم الحياة ووهم الممات ووهم العود والخلود لأجساد في كل خلية منها قصة ظلم وقصة أنتهاك لحرمة الوجود.
كانت نظراتي تذهب بعيدا في كل إغماضة جفن وأن أسترد بعض القصص والحكايات عن الشطار والدراويش والحرافيش وغيرهم من ما جادت به حكايات الخيال الشعبي، خيال المأته والشاطر حسن وعروسة النيل والنبي يوسف وأخوته، وعن محمد بني أبي بكر وعمرو بن العاص ومالك الأشتر، عن السيدة زينب والست نفيسة والمرسي أبو العباس، عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين والمنفلوطي، عن مقهى الفيشاوي وخان الخليلي ومكتبة مدبولي، عن طلعت حرب وصلاح سالم وعبد الناصر ومحمود المليجي في فلم الأرض، وصديقي عوضين جاد الله عوضين الذي عرفته من أكثر من أربعين سنه وهو يحكي لي قصة هجرانه الصعيد وهروبه للقاهرة ثم للعراق وهو لا يدري أنه سيعود يوما ليرى زوجته التي لم يدخل فيها إلا ليلة واحدة وحدث ما حدث.
كان منظر الهرم يبدو لنا ونحن نسلك طريق الفيوم وصولا إلى أول طريق مصر إسكندرية الصحراوي، كان الهرم مهيبا كأنه شاويش الحراسة الذي يحمي مصر وأهل مصر وهو رابض على الأرض خوفا من أن تميد بأهلها، وأخيرا أيها الجبل من العرق والدوم والأرواح التي فنيت كي تبني لمصر بعض أقتصادها الذي تعيش منه ومن ما يأت إليها بهذا العنوان، تسألت أليس من حق الذين دفنوا وأحلامهم وأعمارهم من أجل بناء شعار مصر القديم الجديد أن تشيد لهم مصر الحديثة تمثال أو تجعل لهم ذكرى يمكن أن تنفع أجيالها القادم في زمن شبيه بهذا الزمن، لماذا يبنون أهل البلد ألاف الكنائس والمساجد والمعابد لرموز لم تقدم لمصر بقدر ما قدم هؤلاء المساكين لها عبر التأريخ، أردت أن أقول لمن أراه غائصا بالدين لحد أذنيه أذهب وقبل أثار أقدام من بنى لك الأهرامات وأبي الهول وغيرها وفاء بدل من أن تعبد من لم يعطي إلا البؤس والخوف والمزيد من الدم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدخول إلى قلب المدينة ح1
- أزمة الهوية الدينية ... الألحاد والتكفير
- رسالة من الفرات إلى النيل النبيل
- الخوف والتردد في نقد التابو (المحرم المقدس) ودوره في تحرير ا ...
- حوار صامت 33 الأخير
- حوار صامت 32
- بين الحرية السياسية وحقوق الإنسان نقتل مرتين
- صوت الصمت العالي
- حوار صامت 31
- حوار صامت 30
- حوار صامت 29
- حوار 28
- حوار صامت 27
- زهرة مدائن النور
- حوار صامت 25
- حوار صامت 26
- حوار صامت 24
- حوار صامت 23
- نستنسخ خيبتنا لنموت
- حوار صامت22


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الدخول إلى قلب المدينة ح2