أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (2)















المزيد.....

انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (2)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5333 - 2016 / 11 / 4 - 22:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لايعترف كثيرون من المتعلمين المصريين (المحسوبين على الثقافة السائدة) بتأثير الثقافة القومية التى أبدعها الشعب عبـْـر تاريخه الطويل، وكذلك كيف صبغوا الدين (المسيحى والإسلامى) بثقافتهم القومية التى تأسستْ على التعددية ونبذتْ الأحادية (العروبية/ الإسلامية) ومن هنا كان دور الأدب فى إبراز وتناول هذا الجانب كما فعل عبد الحكيم قاسم فى قصته الطويلة (المهدى) مع ملاحظة أنه انتهى من كتابتها فى شهرسبتمبر77 وهوفى ألمانيا. وإذا كان العمل الإبداعى يختمرفى عقل ووجدان المبدع لعدة شهور وأحيانًا لعدة سنوات، فمعنى ذلك أنّ أحداث القصة كانت داخل عقله ووجدانه منذ أنْ كان فى قريته المصرية. خاصة أنّ التلميذ عبد العزيز واحد من شخصيات القصة. وهوأيضًا واحد من شخصيات روايته البديعة (أيام الإنسان السبعة) وهو كذلك شخصية عبد الحكيم قاسم.
هذه المقدمة سببها أنّ أحداث قصة (المهدى) تدورحول دورالإخوان المسلمين فى تحويل المعلم عوض الله من ديانته المسيحية إلى الإسلام. وإذا كان الأصوليون يحاولون (حتى لحظة كتابة هذه السطور) تحويل المسيحيين إلى الإسلام، فإنّ قصة (المهدى) كانت نبوءة متقدمة على تغلغل الأصولية التى ترى أنّ التقدم لن يتحقق إلاّ إذا تمتْ (أسلمة) المجتمع المصرى (أسلمة) تشمل كل مؤسسات الدولة و (كل) المواطنين.
المعلم عوض الله صانع شماسى. يستأجرحجرة فى بيت الست (جبونة) المسيحية. يعجزعن سداد قيمة الأجرة لعدم وجود زباين يصنع لهم الشماسى. يُقررالرحيل هو وزوجته وأطفاله. ويترك للست صاحبة البيت الأوانى النحاسية مقابل المتأخرمن الإيجار. ينتقل من قرية إلى قرية. يراه على أفندى. يسمع حكايته. وعندما علم منه أنّ صاحبة البيت هى الست (جبونة) المسيحية قال: قبّحها الله. قال ذلك رغم أنه رأى وشم الصليب على ذراع عوض الله. قاسم فى هذا المشهد يُقدّم شخصية الست (جبونة) بشكل فنى، إذْ أنها قبل أنْ يغادرعوض الله البيت دقت على باب حجرته. ردّ عليها عوض الله ((ياست. ليساعدنا الله)) فماذا فعلت جبونة؟ دارت على عقبيها وانسحبت وهى تقول ((لاتخجلوا من قدومى لكم. إنما أريد أنْ أطمئن عليكم)) (ص88) فإذا كانت هذه هى شخصية الست جبونة الحقيقية، فمن أين أتى اليقين لشخصية على أفندى فيدعوعليها ((قبّحها الله)) وأنها ألقتْ بالرجل وأسرته إلى عرض الطريق دون رحمة. وطردته شر طردة هو وأولاده؟ كل ذلك وعوض الله يمنعه خجله من الدفاع عنها. ويكتفى بمخاطبة نفسه أنه ((جلب الشتم على الست جبونة. لقد كانت طيبة وصدوقة ولم تؤذهم)) (من 95- 101)
من أين أتى اليقين لعلى أفندى فيتهمها بما ليس فيها؟ تكمن الإجابة عندما يُقررعلى أفندى استضافة عوض الله وأسرته فى بيته. للوهلة الأولى فإنّ الانطباع التلقائى هوأننا إزاء شخصية مُحبة للخير. فهل هذا صحيح؟ يقوم على أفندى بمهمة تسليم عوض الله إلى شعبة الإخوان المسلمين فى القرية لتتولى أمره. فما هومبررالإخوان المسلمين للقيام بهذه المهمة؟ يقول طلعت مسئول شعبة الإخوان للعمدة ((لقد إهتمتْ الشعبة بالرجل. فالمسلمون مأمورون بالحدب على (أهل الذمة) وأنْ يستألفوا قلوبهم للإسلام)) خاطب العمدة نفسه قائلا لها ((قبطى صانع شماسى. رجل من أهل الذمة. يُراد تأليف قلبه للإسلام. الشعبة والمجلس القروى والبلدة جميعًا. أى فأرسقط من السقف؟ يلهون به حتى ينفث الدم من أنفه. يُـلبّسونه رداء الجوالة ويسوقونه عارى الركبتين. هاتفـًا الله أكبر)) (104 ، 105) لقد تحققت نبوءة العمدة. ذهب إليه أعضاء الإخوان المسلمين فى الدارالجديدة التى خصّصوها له ولأسرته. قدّموا له مذكرات الداعية الأول للإخوان المسلمين. ونسخة من القرآن. سقط الرجل على المصطبة من فرط الإعياء. قالت له زوجته فلة ((لنخرج يامعلم. لنخرج من هنا)) فردّ عليها ((لقد فات الأوان يا فلة)) وقبل أنْ ينصرف أعضاء الإخوان فتحوا المصحف وطلبوا منه أنْ يقرأ ماورد فى سورة المائدة. وأشاروا على الآيتين 116 ، 117 فقرأ ((وإذْ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس إتخذونى وأمى إلهيْن من دون الله..إلخ)) قال الراوى ((لم يستطع المعلم أنْ يقرأ أكثر. ألقى برأسه على الحائط خلفه وانهمرتْ دموعه وهويتمتم: يايسوع المسيح. يا ابن الله. تمجد اسمك. كانت صياغة النص أكثرمما يطيق)) (110، 111)
كانت الخطوة التالية هى إشهارإسلام عوض الله فى المحكمة الشرعية. كان الرجل شديد الشحوب. ولكن الإخوان رأوا غيرذلك فهتف أحدهم ((لقد أضاء الإيمان وجهه)) لقد تحوّل عوض الله المسيحى إلى ولى من أولياء المسلمين. لدرجة أنّ الناس تصيح عندما يرونه ((الله أكبر)) وبعض النساء تقبّلن يده وتطلبن منه الدعاء. وعندما أخذه الإخوان إلى مقرالشــُعبة ((جُن الناس فرحًا وسيطرتْ عليهم فى التو فكرة أنه ولى من أولياء الله الصالحين. وإنكبوا عليه يحاولون تقبيل يده أوثوبه وتلمس دعوة صالحة منه)) وكان أعضاء الإخوان يتباهون لأنهم ساهموا ((فى هداية هذا الرجل إلى الإسلام)) ونتيجة ذلك فإنّ ((الإسلام يتقدم بفضل فتية آمنوا بربهم)) أما ((الممزقون الحائرون فلا يتقدم بفضلهم شىء)) يرون وهــْـمَ (التقدم) بينما الراوى يرصد (بلغة الفن) شوارع المدينة الرثة الفقيرة حتى النخاع من أية خدمات توفرلهم حياة إنسانة كريمة. ويصف الراوى أهل القرية وهم يتحرّكون فى موكب الإخوان المسلمين. وعلى إيقاعات دقات طبولهم العسكرية. يتحركون ((بسيقان ريفية مقشفة. فى سراويل قصيرة وجوارب مهلهلة. ووجوههم تحمل آثارسوء التغذية)) (133) كل هذا لايهم الإخوان. المهم هوأنّ ((الإسلام يتقدم)) وظهرالتقدم بالفعل إذْ أنّ النسوة أصبحنَ يحكينَ عن ((كرامات ولى الله عوض الله المهدى)) (135)
000
جدل العلاقة بين التعصب والتسامح. بين الأحادية والتعددية. جسّده الكاتب فى هذه القصة البديعة من خلال تعدد الأصوات. فإذا كان الإخوان المسلمون يتعصّبون لقناعاتهم، ذات الفكرالأحادى الذى يرى ضرورة (أسلمة المجتمع) فإنّ الشيخ سيد الحصرى (لاحظ أيها القارىء أنّ اسم الحصرى له دلالة فى وجدان المصريين بمراعاة أنه من جيل المقرئين الذين لم ينشغلوا بمسألة (الأسلمة) لأنهم كانوا جزءًا من منظومة الثقافة القومية المصرية التى أبدعتْ (الإسلام المصرى) وهوما أجمع عليه علماء علم الاجتماع) يقول الشيخ الحصرى ((نحن تستغرقنا شئوننا الصغيرة عن الانشغال بقضايا الكبار. إنّ الله قسّم الأفعال. وخليق بالعبد أنْ يختارأقلّها جلبة، حتى يكون سلام ولايؤرق القلوب الفزع)) وعندما وصله خبرالاحتفال بالشيخ عوض الله المهدى قال ((هذا الصخب الشديد يُثقل على القلب ويطلس البصيرة. لايستطيع الإنسان أنْ يرى ماوراءه من الخير)) ولما ردّ عليه على أفندى أنّ المُتحلقين حول عوض الله يتلون القرآن، قال الشيخ الحصرى ((هذا الصخب ينفى الحكمة عن القراءة. وهذا العنف فيه مظنة الإكراه)) وإذْ قال له على أفندى أنّ الرجل لم يُـكره. وأنه اختارالإسلام طواعية. فإنّ الشيخ الحصرى يرى فى الأمرإكراهــًا. وقال ((أجد سكة العبد للصلاح فى رب يعرفه ويرتضيه ويحبه)) وتصل قناعته بالجريمة التى ارتكبها الإخوان المسلمون والأهالى إلى درجة أنْ يرفض الصلاة معهم. ويقول إنّ البلد لاتصلى . بل تقيم مندبة هائلة. لذلك هويرحل إلى قرية أخرى ليصلى. ورغم أنه لم يُشارك الإخوان فى تحويل عوض الله من المسيحية إلى الإسلام، فإنه يرى السكوت مشاركة فى الجريمة فيقول ((لقد أسلمنا الرجل. كلنا فعل هذا)) (87 ، 125 ، 126 ، 136)
ورغم أنّ على أفندى هوالذى سلــّم عوض الله المسيحى إلى الإخوان المسلمين، فإنّ موقفه تغير فى نهاية القصة. وهذا التغيرلم يكن فجائيًا، إذْ أنّ الكاتب مهّد له بشكل فنى حيث قدّمه بصفته أحد المتصوفة. فإذا عرفنا أنّ المتصوفة ينبذون العنف والإكراه، صدّقنا على أفندى فى تحوله الأخير. خاصة والكاتب وضع على لسانه موقفه من الإخوان المسلمين. فهويرفض الإنضمام إلي تنظيمهم، ويفضل ((الاجتماع حول دلائل الخيرات وبردة الأباصيرى)) وعندما يتهمه الإخوانى طلعت بأنّ ما يفعله هو((هلوسة دراويش ووثنية)) يرد عليه بالشعر((أمرعلى الديارديار ليلى/ أقبل ذا الجداروذا الجدار/ وما حب الديارشغفن قلبى/ ولكن حب من سكن الديار)) فيقول له طلعت ((ياعلى أفندى إقرأ قرآنــًـا)) فردّ عليه ((إننى أملأ قلبى حبًا)) (100) لذلك كان موقفه طبيعيًا عندما اقتنع برأى الشيخ الحصرى الذى أدان ماحدث مع عوض الله المسيحى ودخوله الإسلام مكرهًا. ويختتم الكاتب هذا المشهد بأنْ مشى على أفندى والشيخ الحصرى ((منكسريْن ينشدان بلدًا آخر يُصليان فيه)) (136)
ورغم أنّ عبدالحكيم قاسم كتب هذه القصة عام 1977، فإنه تنبّأ فيها ببدايات التغلغل الأصولى، فنجد بعض أعضاء الإخوان يضعون على رؤوسهم الطاقية الباكستانية. ولهم علاقات قوية بدولة باكستان الإسلامية. وأحدهم عندما يخطب يملك مشاعرالناس. رغم أنه يشتم تخليهم عن كتاب الله بشكل موجع. وأنّ الإخوان ((رهبان بالليل فرسان بالنهار)) فى إشارة إلى أعمال العنف وإكراه المختلفين على تبنى معتقداتهم . وإذا كان أهالى القرية يعيشون فى الفقر والقذارة، فإنّ أعضاء الإخوان يعيشون فى رفاهية. فأحدهم يركب سيارة ويعيش فى مصر الجديدة ، عندما يراها القروى لأول مرة ، فهو يرى شوارع نظيفة واسعة. حسنة الإضاءة . ويدخل به الإخوانى عمارة لها باب زجاجى هائل ومصعد لامع والشقة شاسعة كقصر (118، 119) وإذا كان الفلاحون يعانون من سوء التغذية ، فإنّ الإخوان أصحاء ويأكلون بنهم أحسن الطعام من لحمة ومكسرات . ورغم هذه الرفاهية فى المعيشة ، فإنّ الراوى يلاحظ أنّ على وجوههم جهامة وقسوة وصرامة. وثمة ملامح عامة من العنف والخوار والجنون . ويجمع بينهم تشابه إثنولوجى عميق (132) فماذا يقصد الكاتب بالتشابه الإثنولوجى الذى يتميّز به الإخوان المسلمون ؟ إنّ الإثنولوجيا فرع من فروع الأنثروبولوجيا (( التى تهتم بدراسة الأجناس البشرية. سواء الموجودة الآن أو التى اختفت منذ عهد قريب . مع العناية بنوع خاص بالدراسات التحليلية المقارنة للشعوب البدائية)) (الموسوعة العربية الميسرة عام 1965 ص 52) فكأنّ الكاتب (بشكل فنى) يرى أنّ الإخوان المسلمين يعيشون بعقلية الشعوب البدائية رغم أنّ أجسادهم تعيش فى عصر العلوم والتكنولوجيا.
فى مشهد الختام يستسلم عوض الله للإخوان كما استسلم يسوع لليهود وللرومان. وهو فى هذا الاستسلام يكتفى بما يراه خلف جفنيه. أى أنه غائب عن الحاضر المادى الماثل أمام عينيه. يسمع دقات قلبه تقول إنّ ((الساعة قد اقتربت. وابن الإنسان يُسلم إلى أيدى الطغاة. وعندما يلحظ أحد شبان الإخوان حالته ويقول إنّ الرجل مريض. يرد طلعت ((لابد أولا أنْ يتم الاستعراض الذى تنتظره حشود الإخوان)) فتقدم ثلاثة منهم ((أحاطوا بالمحموم الذى أسلمهم جسده دون أية معارضة وهو يرتعد)) بينما كانت شفتاه تتحركان بصراخ يرتد إلى داخله ولا يسمعه أحد غيره . وخلف جفونه مشاهد من الكنيسة التى وعاها فى شبابه. وعندما قال طلعت ((لابد من لف العمامة على رأسه)) رنّ الصوت داخل عوض الله ((وضفــّـر العسكر إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه وألبسوه ثوب أرجوان)) وعندما تتضاعف الحمى يرى الجنود والقائد وخدام اليهود وقد قبضوا على يسوع . وبينما كان عوض الله يجر قدميه بالأرض ، انطلقتْ الزغاريد ، فانتبه قليلا وفتح عينيه. ولكن الحمى عاودته فصوّرتْ له أنّ هؤلاء الناس هم جمهور الشعب الباكى فى كنيسة كفر سليمان . وعندما وصلوا إلى مقر شعبة الإخوان ، أعطاهم يدًا طرية محمومة وهو يتمتم والزبد على جانبىْ شفتيْه. ورغم منظره البائس فإنّ الإخوان ركبوا سيارة جيب ومعهم مكبرات صوت يذيعون منها شعاراتهم . وعندما اقترب الموكب من الجامع ، والناس المحيطون بالمهدى يزدادون كثافة وجنونًا ، وعاصفة الغبار تزداد كثافة والشمس تدق مسامير محماة بالنار فى جبين عوض الله ، يترنّح على الفرس . وإذْ ينزلوه عند باب المسجد ينكفىء على وجهه فاقد الوعى تمامًا . وكالنار فى الهشيم تنطلق فى الناس حرقة ((لقد مات المهدى)) والناس حوله يجلسون على الأرض يُهزونه ويربتون على صدغيْه دون جدوى . فجأة تتسلل فلة من وسط الجموع . ألقتْ بنفسها على زوجها . وفى لحظة كأنما غرق هدير الجماهير فى بئر ليس له قاع . صمتٌ يطن بعمق والناس ترى فلة تأخذه فى صدرها وتـُـصلى بحرقة ((باسم الرب يسوع المسيح . وترسم على صدرها علامة الصليب)) (130- 137)
***
لا أميل إلى الكتابة عن الأخطاء اللغوية والنحوية. ولكن عبد الحكيم قاسم أرغمنى على ذلك لكثرة الأخطاء فى قصته البديعة (المهدى) وذلك بمراعاة أنه قارىء للتراث العربى . وكان دائمًا يدافع عن اللغة العربية . ويجنح كثيرًا فى استخدام الكلمات التى لا يستخدمها أحد فى العصر الحديث ، مثل استخدامه لكلمة (تكأكأ) حول (ص121) بدلا من الكلمة الشائعة تجّمع حول (وهى عربية أيضًا) وعندما وجدتُ الأخطاء اللغوية والنحوية فى معظم صفحات القصة ، تذكــّرتُ طه حسين الذى دافع عن اللغة العربية ومع ذلك كتب ((إنّ اللغة العربية عسيرة. لأنّ نحوها مازال عسيرًا. ولأنّ كتابتها مازالت عسيرة)) أما عن النحو فهو يتمنى لو أعفى المتعلمين منه (مستقبل الثقافة فى مصر- دار الكتاب اللبنانى – بيروت المجلد التاسع عام 1973 من ص 246- 311)
ملحوظة ثانية لا أستطيع منع نفسى من ذكرها. إنّ عبد الحكيم قاسم الذى أدان التعصب الدينى فى هذه القصة البديعة ، انتهى نهاية مغايرة ، عندما انضم إلى صحيفة الشعب لسان حال الحزب الأصولى بقيادة إبراهيم شكرى . هذه النزعة الأصولية جعلته يكتب على لسان كمال بطل قصة (رجوع الشيخ) أنّ ((أمتنا على حال من الفضل لا تدانيها فيه أمة أخرى من الأمم)) (ص67 ، 73) وهذا الإيمان بالمطلق الذى يرى أنّ أمته أفضل الأمم لم يقابله صوت آخر يعترف بالنسبى ، الذى يؤكد أنّ لكل أمة مزاياها . خاصة وأنّ المطلق هو الطريق إلى التعصب والأحادية . فلماذا هذا التغير؟ وكيف تم ؟ أسئلة يصعب الإجابة عنها . ولكن تحول عبدالحكيم قاسم يشير إلى أنّ الفكر الأصولى مسّ عقل الكاتب المبدع الموهوب الذى أدان الأصولية وانحاز للعقل وللتعددية ، ووعى مفردات الشخصية المصرية ، عندما جعل الطفل عطية أحد أبناء على أفندى يقول لأبيه عند رحيل عوض الله المسيحى من بيتهم ((إلى أين يأخذون عمى عوض الله يا بابا ؟)) (109) الطفل يرى أنّ عوض الله عمه. ويبكى عند رحيله من منزلهم . وهذا المشهد المكتوب بشكل فنى ، فيه تلخيص للشخصية المصرية ، حيث كنا ونحن صغار (قبل الهجمة الأصولية) نقول لأى جار لنا ( يا عمى ) حتى لو كان من ديانة غير ديانتنا . بل إنّ عبد الحكيم قاسم كان على وعى بأهمية نبذ الأحادية وتعميق التعددية عندما وضع على لسان العمدة هذه الجملة الدالة عندما علم أنّ الإخوان المسلمين يقومون بتحويل عوض الله من ديانته المسيحية إلى الإسلام ، فقال ((الناس لا تطيق المخالف ، ولو كان واحدًا فى أربعين ألفــًا . هذا رهيب)) (106) أى أنّ هذه القصة البديعة كانت ترسم بشكل فنى العلاقة الجدلية بين التعصب والتسامح . التسامح الفلسفى المؤسس على أنّ من حق كل إنسان أنْ يعتقد ما يشاء . وليس من حق أى إنسان فرض معتقداته على المختلفين معه. ولعلّ إيمان عبد الحكيم قاسم بالتعددية هو الذى جعله يختار اسم إيزيس الإلهة المصرية رمز الوفاء والمحبة . وهى التى أحبّها كل المصريين القدماء بغض النظر عن معتقداتهم ما بين (آمون) و (رع) إلخ أطلق عبدالحكيم قاسم اسم إيزيس على إحدى بناته . والدلالة الأعمق أنه أهداها قصته البديعة (المهدى)
000
قصة المهدى – ضمن كتاب (الهجرة إلى غير المألوف – ديوان قصص) دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – عام 1986 . وكذلك قصة (رجوع الشيخ)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب
- الأقليات الدينية والثقافة السائدة
- كيف كسر الولاء للدين مصطفى كامل
- هل البديهيات تحتاج إلى توضيح ؟
- هل يستطيع البشر التخلص من الغيبيات ؟
- هل الدين - أى دين - قابل للتجديد ؟
- الأدب الروائى ومقاومة الأصولية الإسلامية
- أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة
- هل اختار (الله) شعبه أم العكس ؟
- تناقضات الديانة العبرية (2)
- هل توجد أدلة مادية على ما جاء فى العهد القديم ؟
- هل للعرب مساهمة فى العلوم الطبيعية ؟
- الصراع بين العلم والخرافة
- هل تعلم العرب شيئًا من (التفكير العلمى) ؟
- هل عاش توفيق الحكيم فى البرج العاجى ؟
- المثقف المُتأدلج والمثقف الحر
- هل يمتلك المثقف إرادته وهولصيق بالسلطة؟
- هل المصريون عرب ؟ سؤال متناقض
- مصارعة الثيران ومصارعة الإنسان للإنسان
- الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952 (1)


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (2)