أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - قبلَ أن ينشقّ القمر















المزيد.....

قبلَ أن ينشقّ القمر


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 10:07
المحور: الادب والفن
    



البندقيةُ جائعةٌ كانت تبكي , رأسُها المتدلي بحزامٍ من كتفيهِ إلى أسفل ظهره , تنبعثُ منه رائحةُ بارودٍ قـنـّـنها البردُ .. رجلاه ُ يخطـّان ِعلى الرمل ِسنينَ قهرٍ وقصة َ مأساةٍ , البكاءُ بصمتٍ خيرٌ من الحديثِ حولها , لأنها أكبرُ من أن يصدقها عقلُ الإنسان .. الرمالُ تصافحُ قدميهِ , وتتمنى أن تضمهُ ضمن حباتها اللامعةِ , مع بندقيتهِ المنكسة لرأسها , وكأنها تريدُ أن تدفنَ نفسها في تلك الرمالِ, لأنها لم تـُصَبْ من قبلُ بعارِ الهزيمةِ .. رأسُها المعقودُ عليهِ خرقة ٌ خضراءُ أ ُقتـُطعتْ من بيرقِ الحسين , وخصلة ُشعرٍ طويلةٍ سوداءَ , شدتها حبيبتهُ لتعانقَ رقبة َبندقيتهِ يحاولُ البردُ إخمادَ حرارتهِ .. أختهُ قالت لهُ : إذا عدتَ شهيداً فلن أعتبَ عليك , واقتلني قبلَ وصولِ برابرةِ صدام إذا عدتَ منهزماً .
السماءُ ملبدة ٌ بغيوم ٍشريرة ٍتنذرُ بالمطرِ الأسودِ .. الشمسُ وراءَ الغيومِ تـنـزّ ُدما ًمن خاصرتها المطعونةِ بخنجر ٍعربي ٍمسموم , وهناك شقّ ٌبدأ َيتسعُ في جبهتها قبل ان ينشقّ القمر .. مهرة ٌعربية ٌبيضاءُ , تبرأتْ من عروبتها , فوجدتْ فارساً شريفاً اتجهَ بها صوبَ الغربِ , حيثُ تنامُ الشمسُ , تئنّ ُمن الجرحِ النازف ِفي خاصرتها .. سيفٌ مكسورٌ يصرخُ :[ ليس العارُ عليّ ولكن .. ] خيلٌ قتلى , ورجالٌ صرعى , وأسودٌ حيرى , يندبُها العزّ ُفتلبي الذلّ .. على جانبي الطريق آثارُ معاركٍ .. المسافة ُ بين مدينةِ النجف , عاصمة ُالعلمِ والثقافة ِوالسياسة , ومدينةُ الحيرة ِعاصمةُ المناذرة , خمسةَ عشر قرنا ًمن الزمان بمعاركها .. بخزيها .. بظلمها .. بعزها وانتصاراتها .. الخط ُ الأزرقُ الممتدّ ُ مع الأفقِ لبحرٍ يتلاشى على جانبه الأيمن , وصفوفٌ من النخيل التي تبدو كجيوشٍ جرارةٍ , تسيرُ سيراً بطيئاً في ليلةٍ هادئةٍ , على جانبه
الأيسر .. الدمُ والجوعُ والخوفُ والهزيمة ُ والدموعُ انهكته .. أراد ان يستسلم .. أحبّ الرمالَ.. شعرَ ان راحتـَهُ الأبدية َ ستكونُ تحتها .. أرادَ أن يجلسَ تمهيداً للنومةِ الأبديةِ , فاصطدمَ رأسُ بندقيتهِ بحصاةٍ ملقاةٍ فوقَ الرملِ .. التفتَ الى الوراءِ .. نظرَ الى رأس البندقية .. مازالت الخرقة ُ الخضراءُ , وخصلة ُ الشعر كوسامين يوشحان اسطوانتها , ومازالت كلماتُ اخته تنطلق من فوهتها .. وضعَ يده على جبهته .. أرادَ أن يبكي .. اعتصرَ نفسه .. حاول وحاول ولكنه شعرَ ان فـُصّي عينيه كحجرين خشنين نـَبـُتا في رأسه .. مـدّ يده لعله يعثرُ على لفافة تبغ ٍ , خبأتْ نفسها في احدى زوايا الجيب .. تلمسَ اشياءَ لينةٍ ورطبة .. قلـّبها .. حركها . . تحسسها فلم يعرف ماهيتها .. أخرجها فإذا هي بعضُ تـُميراتٍ ..
- إبني .. ولدي .. خذ معك هذا التمر فستأتي ساعة ٌ وتحتاج إليه ..
* أمي .. والدتي .. ياسيدة الأحبة ِسأعودُ .. فالنصرُ لنا .. ألا ترينَ هذه البيارقَ والبنادقَ ..
ألا ترينَ الرجال ؟!
- ولدي .. ان العدو جبانٌ ويائسٌ وبيده سلاحٌ فتاك ..
* أتخوفينني ؟!
- أعلمُ انك شبلُ ذلك الأسد , ولكن قلبي يخافُ عليك , وما هذا إلا زادُ الرجال الذاهبين الى المعارك .. ثم عانقتهُ وقرأت في أذنيهِ : [ إن الذي فرضَ عليك القرانَ لرادُكَ الى معادٍ ].. مالَ صفّ ُ الرصاصِ الممتدِ من كتفيهِ الى خاصرتيهِ .. أعادَهُ الى مكانهِ , وهويضعُ يدَهُ اليمنى على كتفِ والدته .. بناتُ الحي ينظرنَ الى المشهدِ .. لحظاتُ توديعٍ يُجلـّلها الحبُ الممتزجُ بالخوفِ تمرُ هنا وهناك .. حبيبتهُ تنظرُ اليه , وخصلةُ الشعرِ ترفرفُ بين يديها , فيما راحت تقبضُ على الخرقةِ الخضراءِ بقوةٍ , رغمَ الضعفِ والإصفرارِ الذي يبدو على وجهها من جرّاءِ الخوفِ والإضطرابِ .. مازالت الغيومُ الشريرةُ تنذرُ بالمطرِ الأسودِ , والغربانُ السودُ تحومُ فوقَ الغيمِ , وتحتَ الغيمِ بحثاً عن فطائسها .. السلاحُ يشكوُ الذلَّ والهزيمةَ .. والخيلُ بلا فرسان .. أكلَ تميراتهُ اللاتي امتزجنَ برائحةِ البارودِ والتبغِ الرخيصِ .. نهضَ مرةً اخرى , أخجلهُ إتكائهُ على العصى المفطورةِ من وسطها , فلم يتعود ان يتكيءَ على جراحِ الاخرين ..
واجهتهُ أولُ قطةٍ أليفةٍ , في أولِ زقاقٍ من أزقةِ المدينةِ الخاليةِ من أهلها , الذين هربوا بحثاً عن الأمان .. فمُها مصطبغ ٌ بدم ٍ أسود .. يبدو انها توحشت .. لاشيء سوى آثارَ دماءٍ تبدو واضحةً الى حدٍ مخيفٍ .. أنينٌ في أماكن مختلفة , ربما يكونُ لجياعٍ أو جرحى حبسهم الضعفُ .. وقعت عيناهُ على لافتةٍ لأحدِ المراكزِ الصحيةِ .. استدعاهُ نداءُ الجرحِ لدخولِ المركزِ , لعلهُ يعالجهُ فيواصلُ الطريق.. رائحةٌ كريهةٌ ومخيفةٌ تنبعثُ من نوافذِ المبنى وأبوابهِ المهشمةِ .. بعضُ القططِ ذواتِ الأفواهِ المصطبغةِ بدماءٍ سوداءٍ , تخرجُ مذعورةً بمواءٍ حادٍ يشقُّ الآذانَ , وهي تقفزُ من النوافذ والأبواب .. نباحُ الكلابِ في داخلِ المبنى , ينبعثُ بوحشيةٍ وعنفٍ مع الرائحةِ المخيفةِ .. كان لابد لهُ ان يدخلَ المبنى .. شعرَ بتسارعِ دقاتِ قلبهِ .. إذن لابدَّ ان تكونَ هناكَ جريمةٌ .. قتلى .. جثثٌ .. دماءٌ .. بعضٌ من قطعِ الزجاجِ والطابوقِ, وبعضُ أدواتِ الجراحةِ والأوراقِ تنتشرُ هنا وهناك .. دماءٌ على الحائطِ .. على الارض .. فوق السجلات والملفات المتناثرة في زوايا المبنى .. أراد ان يستخدم بعض الشاش لمعالجة الجرح فشك في تلوثه , فتركه باحثا عن سرّ الرائحة الكريهة .. تقدم قليلا ً .. نباحُ الكلاب يعلو ويزداد .. والقططُ تتقافز في كل اتجاه .. التفتَ إلى إحدى القاعات .. دخلها وإذا بأنيابِ الكلابِ , وهي تمزقُ
جثثاً ملقاةً بشكلٍ عشوائيٍّ هناك على أرضية القاعة .. أطلقَ النارَ .. تراجعت بعضُ الكلابِ .. صلاها بالنار .. تحرك بعضٌ من الزجاج المتهشم تحت أرجلِ كلابٍ جائعةٍ متوحشةٍ , فأحدثَ صوتاً يثيرُ الإنتباهَ .. نظرَ الى الخلفِ .. مجموعاتٌ من الكلابِ دخلت المبنى من النوافذِ.. هلهلتْ بندقيتُهُ من جديدٍ .. ثارتْ .. أطاحتْ ببعضٍ من رؤوسِ الكلابِ العفنةِ .. مزّقتها .. أرعبتها .. لم يبقَ في جعبتهِ سوى رصاصةٍ واحدةٍ إدّخرها للزمن , أو لكلبٍ ما قد يصادفهُ في الطريق .. غادرَ المبنى , ومازالت الكلابُ تخترقُ نوافذهُ من الخارج , وتتوافدُ عليه من اطراف المدينة , ومازالت الغيومُ الشريرةُ تنذرُ بالمطرِ الأسودِ .. والغربانُ السودُ تحومُ كاشباحٍ فوقَ الغيمِ وتحت الغيمِ تبحثُ عن فطائسها .. والشمسُ وراءَ الغيومِ تنزُّ دماً من خاصرتها المطعونة بخنجرٍ عربي مسموم .
جاسم المعموري

( مستوخاة من احداث حقيقية ,
الزمان : آذار - 1991
المكان : الطريق بين النجف وأبي صخير )




#جاسم_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوء الادارة في المؤسسات الحوزوية
- ال سعود والانقلاب العسكري التركي الفاشل
- ياداعشي أين المفرْ
- من مذكراتي عن اهل الفلوجة الكرام .. *
- ستورقُ في الرمال لنا نمورُ
- نداء الى جميع الاحرار والمثقفين في العالم لشجب واستنكار اعدا ...
- مشتاق لك – شعر شعبي عراقي
- لو كشف لي الغطاء ما ازددت وطنية
- المسلمون ألد أعداء الاسلام
- تمرد ايها الشعب العراقي
- طغاة ال سعود يحمون الطغاة
- عيد المرأة عيد المحبة والرحمة
- امتنا تصنع تاريخا يكتبه الله بمداد من زعفران
- حلفاء الطاغوت وفتوى جديدة
- ثورة ليبيا واحتمالية المؤامرة
- اهمية عامل الحسم في الثورة الليبية
- عاجل : الى الشعب العراقي وقادته
- رسائل قصيرة الى الحكام في العالم ( 1) اوباما , خليفة , القذا ...
- السلام على شهداء مصر الطاهرين
- ياحسني لازم تمشي


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - قبلَ أن ينشقّ القمر