أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مشعل يسار - شيوعيو إيطاليا وأخطاء الماضي















المزيد.....


شيوعيو إيطاليا وأخطاء الماضي


مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)


الحوار المتمدن-العدد: 5241 - 2016 / 8 / 1 - 09:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تقرير من حزب «COMUNISTI SINISTRA POPOLARE» هو المادة الأولى من سلسلة مواد عن تاريخ الحزب الشيوعي الإيطالي المفعم بالأمجاد والأخطاء كالعادة، وما آل إليه الحزب والدور الذي لعبه في تاريخ إيطاليا الحديث؟ ولماذا انتهى أقوى حزب شيوعي في أوروبا إلى العدم، إلى اللاوجود؟ وبم عاد على الشيوعيين الايطاليين تخليهم عن الماركسية اللينينية؟

الحزب زعيم المقاومة المناهضة للفاشية
لعب الحزب الشيوعي الإيطالي دورا إيجابيا حاسماً بلا شك في تاريخ إيطاليا. فمنذ إنشائه في 24 يناير 1921 انفصل بقوة عن المستنقع الراكد والعاجز، مستنقع الإصلاحية والتحريفية والانتهازية في الحزب الاشتراكي، الذي كبل الطبقة العاملة تارة بعبارات فارغة مفرطة في الثورية superrevolutionary ، وتارة بالموقف التصالحي التوفيقي في الممارسة العملية.
عام 1963- الشيوعيون الايطاليون في اسبانيا
كان الحزب الشيوعي الإيطالي على رأس المقاومة البروليتارية للرجعية البرجوازية والفاشية الساعية بقوة إلى السلطة. وكانت المساهمة التنظيمية والبشرية للحزب الشيوعي في النضال ضد الفاشية ضخمة حقا، بدءا من المحاولة الأولى للكفاح المسلح ضد الفاشيين - فرق "أرديتي ديل بوبولو ("شجعان الشعب")".
وفي ظل النظام النازي وحتى نهاية عام 1943 كان الحزب الشيوعي القوة السياسية الوحيدة في مناهضتها الفاشية في إيطاليا، والتي تحركت تحركا منظماً في ظروف السرية. وكانت تنشر بانتظام الصحف والنشرات وتوزعها. وكان الحزب ينظم أعمال المقاطعة في أماكن الإنتاج وعمليات التخريب المباشر للمنتجات العسكرية.
في مارس 1943، نظمت حتى قبل التوقيع على الهدنة مع الإنجليز والاميركيين إضرابات في أكبر مصانع تورينو وميلانو وجنوة. هذا الكفاح والخبرة العسكرية المكتسبة من قبل القادة والمقاتلين الحمر الإيطاليين خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) أمّنا الدور القيادي للحزب الشيوعي بين 1943-1945 في المقاومة المسلحة ضد الغزاة الألمان وخدمهم الفاشيين.
ويمكن أيضا أن يتم تقييم دور الحزب الشيوعي الإيطالي في ما بعد الحرب تقييما إيجابيا دون شك. فيكفي أن نذكر دوره في النضال من أجل السلام خلال الحرب الباردة، ولإقامة حكم جمهوري في إيطاليا والمساهمة في كفاح الطبقة العاملة من أجل ظروف عمل ومعيشة أفضل، وفي نضال الفلاحين الذين راحوا يستولون على الأرض من الملاك، وفي حماية الحقوق الديمقراطية للشعب ضد المحاولات المتكررة للرجعية من أجل القيام بانقلابات سنوات الـ60 والـ70 من القرن الماضي.
ولئن بقي الدستور الإيطالي دستورا برجوازيا في جوهره، فبفضل مساهمة وتأثير الشيوعيين اختلف كثيرا عن أي قانون أساسي تقليدي لدولة ليبرالية. فقد تضمن عناصر محتملة مناهضتها للرأسمالية.
إلا أن سياسة ما بعد الحرب التي انتهجها الحزب الشيوعي الإيطالي ونشاطها النظري والعملي خلال تلك السنوات، هي التي تجعلنا اليوم نتناول بالتفكير النقدي وبالنقد الذاتي أسباب عملية تدهور وانحطاط طويلة أدت في نهاية المطاف إلى تدمير الحزب لذاته.
تحليل لا يرحم لانحطاط الحزب
ما الذي أدى بحزب غرامشي الثوري (مؤسس الحزب االشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي-- المحرر) إلى هذا البؤس الفكري والأخلاقي وهذا الإفلاس السياسي لأتباعه حتى زواله في نهاية المطاف؟
من المستحيل إعطاء جواب على هذا السؤال بسيط ومريح كالقول بـ"خيانة" قادة الحزب. إنه ليتطلب بحثا مستفيضا وتحليلا لا هوادة فيه بل مؤلما في بعض الأحيان، لتجنب حدوث ذلك في المستقبل.
وقد بدأ حزبنا القيام بمثل هذا التحليل. وهو لا يخلو من صعوبة، وحتى من شيء من المقاومة من قبل أعضاء الحزب من جيل معين، أولئك الذين يعتبرون تولياتي (مؤسس وزعيم الحزب الشيوعي الإيطالي بالميرو تولياتي- ملاحظة المحرر) وبيرلينغير (سكرتير الحزب من 1972 إلى 1984. إنريكو بيرلينغير - المحرر) مثابة التجسيد الحي للأفكار الشيوعية، نوعاً من "رمز"، "أيقونة" لا يمكن أن تُخضَع لأي انتقاد. ومع ذلك، فإن هذه المسألة لا تحتمل المزيد من التأجيل.
لقد بدأت عملية التحلل الأيديولوجي والسياسي للحزب خلال الحرب بسبب بعض الاخطاء الكبرى لتولياتي في تقييم الوضع الناشئ وميزان القوى في البلاد وعلى الساحة الدولية.
في عام 1943، أجبر السير الكارثي للعمليات العسكرية الإيطالية على جميع الجبهات النظام الملكي - بعد الإنزال الذي قام به الحلفاء في صقلية – على للتوقيع على هدنة معهم واعتقال موسوليني. وكان رد فعل الألمان فوريا. فاحتلوا كل شمال ووسط إيطاليا. ففر الملك وحاشيته وذوو الرتب العليا في الدولة إلى الإنجليز والاميركيين هربا من انتقام الألمان تاركين البلاد لمصيرها، ولكنهم لم يتركوا احتياطياتها من الذهب التي أخروا معهم في أثناء الهروب. وتم تقسيم البلاد إلى قسمين حيث احتلت الجنوب قوات الحلفاء، والشمال والوسط الألمان.
***
عام 1944. تظاهرة في روما
في الشمال، قرر الحزب أن يذهب إلى الكفاح المسلح، وإلى تطوير عمله السري بغية التحضير لانتفاضة عامة ضد النازيين الألمان والفاشيين الطليان. وفي الجنوب "المحرر"، أو بتعبير أدق، المحتل من قبل الأنجلوـأميركان، بدأت الأحزاب المناهضة للفاشية تنشط علنا، بطريقة قانونية. وهناك تم إحياء هيئات سلطة الدولة الملكية الليبرالية السابقة لحكم الفاشيين مجددا واستعادة النشاط البرلماني. هذا الفرق الموضوعي في ظروف المعركة هو ما أدى إلى بعض الاختلاف في النهج، وتقييم الاحتمالات، وتحليل الوضع من قبل قيادة الحزب في كل من الشمال والجنوب.
والسؤال الرئيسي كان: هل يجب على الحزب الشيوعي التعاون مع الحكومة المؤقتة الملكية في جنوب إيطاليا بهدف القيام بالمزيد من العمليات العسكرية في الشمال، من أجل تحقيق التحرير الكامل لباقي مناطق البلاد، أم أنه ينبغي عليه أن يخوض بالقدر نفسه المعركة مع النازيين الألمان ومع الملكية الخائنة؟ هل يناضل الحزب من أجل الهدف الاشتراكي الثوري، أم فقط من أجل التحرر "الوطني" من الألمان؟
بعد عودة تولياتي من موسكو تم حل هذه القضايا في المؤتمر الخامس الذي عقد في نابولي في أواخر عام 1943. وليس من دون مقاومة داخلية من جانب بعض الكوادر العسكرية والسياسية في الشمال صوتت أغلبية المندوبين لصالح اقتراح تولياتي وهو كان: تعليق قضية النظام الاجتماعي والاقتصادي المستقبلي في إيطاليا (اشتراكية أم رأسمالية) والشكل المستقبلي لنظام الدولة (ملكية أم جمهورية) مؤقتا حتى استكمال تحرير البلاد. تم فعل هذا من أجل توسيع الجبهة المناهضة للفاشية وجذب الاختصاصيين من الجيش الملكي، والعناصر المترددة أو المناصرة للملكية في تفكيرها إلى الكفاح المسلح المشترك.
ونتيجة لذلك، لم يدخل الحزب الشيوعي في الحكومة البرجوازية الملكية، لكنه تحول إلى التعاون معها في العمليات العسكرية. وهنا كان تولياتي محقا. وبالمناسبة، هذا النهج المعتمد كان يلبي توصيات ستالين والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي (البلشفي).
حدثت الأخطاء في وقت لاحق في إطار تنفيذ هذا النهج. دعونا نحاول تحليلها باقتضاب.
تعريف خاطئ للطابع الطبقي للمقاومة
تعريف غرامشي لعملية إنشاء دولة موحدة في إيطاليا كان بالقول إنها "ثورة غير ناجزة " بسبب الضعف الهيكلي للبرجوازية الإيطالية.
وبناء على هذا التحليل، وعلى الموقف من المراحل الوسيطة للتغيير الثوري، هذا الموقف ذي الشعبية المتزايدة في الحركة الشيوعية آنذاك، كان تولياتي (ومعه غالبية قادة الحزب) يفهم المقاومة المسلحة على أنها إنجاز الثورة الديمقراطية البرجوازية الموروثة أسبابها من القرن الماضي في الظروف الجديدة، أي في ظل مشاركة مباشرة ومنظمة في النضال ضد الفاشية من قبل الطبقة العاملة القائمة على رأس الجماهير الشعبية الواسعة.
وبالتالي، فإن نتائج المقاومة، في رأيه، كان يجب أن تكون لا إقامة ديكتاتورية البروليتاريا، بل عقد جمعية تأسيسية قوامها جميع القوى المناهضة للفاشية من أجل إنشاء الدولة الوسيطة، الانتقالية "الديمقراطية الشعبية". هذا الفهم للنضال ضد الفاشية، الذي وضعه تولياتي لأول مرة في المقدمة في عام 1929، عندما كان غرامشي مسجونا ولا يمكنه القيام بدور نشط في حياة الحزب، لم يؤيده جزء كبير من قيادة الحزب، برئاسة لويجي لونغو وبيترو سيكيا اللذين كانا ينشطان سرا في إيطاليا.
هذا النهج كان مثابة تشويه مباشر لفكر غرامشي الذي رأى في عمال وفلاحي ايطاليا القوة الدافعة للنضال ضد الفاشية. ففي فهم غرامشي، من الممكن واللازم الاطاحة بالفاشية من خلال انتفاضة مسلحة بهدف إقامة "حكومة العمال والفلاحين". وكانت تلعب حسب مفهومه الدور الأساسي لا أحزاب الائتلاف المناهض للفاشية، بل تنظيم البروليتاريا بالتحالف مع الفلاحين وغيرهم من الطبقات الكادحة غير البروليتارية. فوفقا لغرامشي، البروليتاريا تنجز الثورة البرجوازية الديمقراطية بعد الاستيلاء على السلطة وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا وليس بدلا منهما. الفرق بين موقفه وموقف تولياتي واضح.
استنادا إلى هذا الموقف وأخذا له في الاعتبار، يضحي من السهل أن نفهم، كيف أخذت تكتسب المقاومة عند تولياتي، تدريجيا، طابع التحرر الوطني العسكري البحت. أما في الشمال المحتل من قبل الألمان فكانت قيادة الحزب تعتقد أن المقاومة يجب أن تكون ذات طابع طبقي بارز ومتميز. ولا ينبغي أن تنتهي إلى مجرد إعادة البرجوازية الليبرالية ومؤسساتها التى كانت قبل الحرب إلى مرابع السلطة. وكان يجري التحريض السياسي الدؤوب من قبل الحزب بين ابناء الطبقة العاملة بالتوازي مع العمليات العسكرية. وأدى ذلك إلى نجاح الإضراب في أكبر مصانع تورينو وميلانو وجنوة في شهر مارس 1944 في ظل الاحتلال الألماني الوحشي، وفظائع مجموعات الـ SS والعصابات الفاشية.
عام 1945. الفدائيون الحمر
حررت المدن الرئيسية في شمال إيطاليا ومناطق جبلية بأكملها نفسها بنفسها قبل وصول الإنجليز والاميركيين. وفي هذه المدن والمناطق تم تثبيت هيئات الإدارة الجديدة التي نشأت مباشرة من رحم الكفاح المسلح. وقد اختلفت من مؤسسات ما قبل الحرب الليبرالية بطريقة تمثيلها للطبقات الاجتماعية، فضلا عن أساليب إنشائها وقيامها بمهامها. فنموذجها كان يمكن أن يكون الأساس للدولة الجديدة ما بعد الحرب. إلا أن تولياتي اختار مسار الجمعية التأسيسية طريقاً لصياغة الدستور الجديد.
الانحراف عن اللينينية، واختيار سبيل للديمقراطية البرجوازية
بعد أن حطت الحرب رحالها حلت لحظة اتخاذ قرار بشأن شكل سلطة الدولة والنظام الاجتماعي والاقتصادي لإيطاليا الجديدة. رسميا، رئيس الدولة هو ولي عهد للمملكة. وهيئة السلطة المؤقتة هي لجنة التحرير الوطني ذات الهيكلية المركزية والأجهزة الطرفية.
وعلى النقيض من لجنة التحرير الوطني في شمال إيطاليا، كانت جميع أطراف الائتلاف المناهض للفاشية ممثلة في الهيكلية المركزية على قدم المساواة (لجميع الأحزاب عدد متساو من الممثلين)، ولم يكن تمثيلها متناسبا مع القوة الحقيقية والوزن الحقيقي لكل منها. ونتيجة لذلك، سيطرت على الهيكلية المركزية الأحزاب البرجوازية.
في عام 1945، كان الحزب الشيوعي الإيطالي يتألف من 2.5 مليون شخص، 500،000 منهم كانوا مسلحين وذوي تدريب عسكري. فكان الحزب الشيوعي الإيطالي الحزب الأول في البلاد من حيث التنظيم والقوة.
تشكلت في إيطاليا، في الواقع، ازدواجية السلطة: من جهة، في الشمال سيطرت لجنة التحرير الوطني، ومن جهة أخرى، في الجنوب، الحكومة البرجوازية الملكية. في مثل هذه الظروف، عمد تولياتي والأغلبية في قيادة الحزب إلى القبول غير المشروط بقواعد اللعبة الديمقراطية البرجوازية، أي وافقوا على اجراء استفتاء للاختيار بين النظام الملكي والجمهورية وعلى مسألة الاقتراع العام لانتخاب الجمعية التأسيسية (1946).
كان ذاك الخيار محفوفا بالمخاطر. ففي تلك الأثناء كانت الأمية هي السائدة في إيطاليا. وكانت للكنيسة السيطرة الإيديولوجية التامة على أغلبية السكان، وخاصة في المناطق الريفية.
ونتيجة لذلك، مرت مسألة إقامة الجمهورية بصعوبة بالغة في الاستفتاء، ولم يحصل الحزب الشيوعي في الانتخابات إلا على المركز الثالث بعدد أقل بكثير من الأصوات قياسا لما حصل عليه الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي، اللذان كانا من الناحية التنظيمية أضعف بكثير من الحزب الشيوعي.
الانتهازيون اليمينيون في قيادة الحزب عمدوا إلى تبرير النتيجة غير المتوقعة بزعم أن الحزب لم يكن ليتقن بعد تكتيكات العمل الشرعي غير السري. وها نحن اليوم نرى أن هذا لم يكن صحيحا. فالحزب نشط قبل هذا لمدة ثلاث سنوات في العمل بصفة قانونية وعلنية في إقليم جنوب إيطاليا، وفي الشمال أيضا لم يتوقف العمل السياسي للحزب بين السكان، حتى في أثناء النزاع المسلح.
كان السبب في هزيمته شيئا آخر: لم يكن من أمل في الانتصار في صراع يتم في ساحة اختارها العدو الطبقي، وعلى أساس قواعد فرضت على الحزب فرضاً. ففي اللعبة المسماة بـ"اللعبة الديمقراطية" البرجوازية لا تهم لا المواقف ولا البرامج، الشيء الرئيسي هنا هو الأموال المستثمرة في الحملة، والضغوط الخارجية، والسيطرة الإيديولوجية على السكان. فتسليم المواقع الشيوعية هذا من دون قتال يرجع، في رأينا، إلى انحراف الخط السياسي لتولياتي موضوعيا عن اللينينية.
القماءة (crétinisme) أو البلاهة البرلمانية للحزب الشيوعي الإيطالي
قدم الشيوعيون، بطبيعة الحال، مساهمة كبيرة في صنع للدستور الجمهوري لإيطاليا. فهو كان مختلفا عن جميع الدساتير السابقة له بما كمن في بنوده من توجهات تقدمية: فهو اعتبر العمل أساس الجمهورية، وتوخى مصادرة الملكية الخاصة، ودورا نشطا للدولة في توفير المساواة المادية للمواطنين، وتفوق مصلحة الدولة والمصلحة العامة على الخاصة، وهلم جرا .. ولكن الدستور بحكم الواقع بقي برجوازيا. فعبارة "السيادة تعود للشعب وهو يمارسها من خلال البرلمان"، على الرغم من أنها تميز السلطة التشريعية عن كل السلطات الأخرى، لا تفتأ تحتوي على كل الغموض غير العلمي لمقولة "الشعب" إذ لا تأخذ في الاعتبار انقسامه إلى طبقات ذات مصالح متعارضة.
ومبدأ التقسيم المناطقي في انتخاب البرلمان يضمن أصلا غلبة ممثلي البرجوازية فيه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدستور يتسم بطابع برنامجي طوعي بدلا من أن يتسم بالطابع الإلزامي: فيكفي تأجيل تنفيذ تعليماته لكي يؤدي هذا إلى تجميد الفكرة العامة المقصود تجسيدها برمتها.
غير أن تولياتي كان، مع ذلك، على قناعة بأن استمرار التحالف المناهض للفاشية ودور الاتحاد السوفيتي في الساحة الدولية سيفضيان إلى تهيئة الظروف للسير في خطى تقدمية نحو الاشتراكية "سلميا" من خلال "إصلاحات هيكلية" و"توسيع رقعة الديمقراطية من خلال النضال البرلماني" تدريجيا.
مسألة استيلاء البروليتاريا على السلطة أزيحت بدايةً إلى أجل غير مسمى بحجة أنه لا تتوافر شروط الثورة البروليتارية، ثم انتسيت بكل بساطة. وصار شعار الحزب هو "الدفاع عن الديمقراطية والدستور اللذي ولدته المقاومة"، أي بعبارة أخرى حماية الدولة البرجوازية والنظام البرجوازي. ولقد أدان المكتب الإعلامي للأممية الشيوعية (الكومنفورم) مرارا موقف الحزبين الشيوعيين الإيطالي والفرنسي، متهما إياهما بحق بـ"البلاهة البرلمانية".
الانتقادات الآتية من الشمال
لم يكن الكل داخل الحزب، أيضا، متفقا مع موقف تولياتي وأغلبية القيادة، لكن لم تكن هناك معارضة داخلية بالمعنى الدقيق للكلمة بسبب التقيد الصارم بالانضباط الحزبي. وقد اعترضت على النهج الجديد بشكل خاص الكوادر الآتية من الشمال الإيطالي، تلك التي مرت بتجربة العمل السري والمقاومة. وكان الشخص الرئيسي بين غير الموافقين هو بيترو سيكّيّا.
ويمكن أخذ فكرة عن إخلاصه في موقفه الثوري من خلال الاقتباسات التالية من خطب ومداخلات سيكيا في اجتماعات المكتب السياسي واللجنة المركزية:
"أنا لا يمكن اتهامي بأني غير مخلص للحزب، إذا كنت لا اتفق مع مفهوم الطريق الإيطالي إلى الاشتراكية. فعندما أصبحت شيوعيا كان الحزب الشيوعي يطرح مهمة تعزيز الكفاح المسلح والاستيلاء على السلطة اهتداء بمثال ثورة أكتوبر. بطبيعة الحال، يمكن للحزب الحفاظ على نفس الاسم، وليس فقط تغيير سياساته، بل أيضا استراتيجيته، وبعض مبادئه الأساسية. ولكن لا يمكن أن يطلب من أولئك الذين أصبحوا شيوعيين أن يقبلوا النهج الجديد ويتبعوه لأنهم دخلوا الحزب حين كان بسترشد مبادئ أخرى. ذلك أن كثيرين منا ربما ما كانوا ليصبحوا شيوعيين لو أن الحزب كان ينهج الخط الذي ينهجه اليوم".
... "إن الظروف لا تنشأ ولا تتطور بشكل عفوي، من تلقاء ذاتها ... كنا نعارض بشدة أي شكل من أشكال التريث والانتظار. لا يمكننا انتظار لحظة الانتفاضة، بل من الضروري للتحضير لها. والظروف يتم إعدادها وهي تتغير فقط في غمار النضال ".
لقد حلت حركية الصراع الطبقي بسرعة كبيرة مسألة ازدواجية السلطة لصالح البرجوازية في عام 1947، فتم استبعاد الشيوعيين من الحكومة تحت ضغط الأميركيين، وبدأوا يطردون الثوار من الأجهزة الأمنية، ويُحِلون النازيين محلهم مجددا.
الحزب لم يتحرك ولم يبد أي رد فعل إزاء هذا الأمر، فيما دان المركز الحزبي محاولات المقاومة من جانب الكوادر الفدائية المحلية وراح يعاقب عليها بالفصل من الحزب. وقد اعترض سيكيا على سكوت الحزب هذا بالقول: "إن هناك بين الانتفاضة المسلحة والتسيّب الكامل عددا من خيارات النضال".
في ظل ذاك الوضع، توجه سيكيا، وهو المسؤول عن المسائل التنظيمية، إلى موسكو، حيث ناقش في لقاء سري مع ستالين وجدانوف وغيرهما من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي (البلشفي) القضايا الحرجة في سياسة الوحدة الوطنية التي انتهجها تولياتي. وفي وقت لاحق، في عام 1950، اقترح ستالين نقل تولياتي من منصب الامين العام للحزب الشيوعي الإيطالي إلى منصب أمين الكومنفورم، وهو ما كان من شأنه أن يؤدي إلى انتخاب سيكيا باعتباره الرجل الثاني في الحزب، لمنصب الأمين العام للحزب. وقبلت قيادة الحزب الشيوعي الإيطالي اقتراح ستالين، لكن تولياتي رفض. وهكذا، لم يتغير الوضع في الحزب.
وقد أدى ذلك في النتيجة إلى أن الحزب قلب رأسا على عقب، باسم "الطريق الوطني إلى الاشتراكية"، دور العام والخاص، وبدأ يتنكر عمليا للقوانين العامة لتطور الرأسمالية والدولة البرجوازية، والثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا. وأدى الانحراف عن النظرية اللينينية للدولة يسفر عن قبول كارثي للنزعة البرلمانية والديمقراطية البرجوازية، مثابة القاعدة الوحيدة الممكنة للنضال. وهكذا، أعطى الحزب المشروعية للشرعية البرجوازية.
عام 1969. "الخريف الساخن"
مواقف تلك الفترة بالذات أسست لكل مبادئ الشيوعية الأوروبية، مع فرق واحد فقط هو أن تولياتي لم ينكر أبدا رسميا الماركسية اللينينية ولم يقطع العلاقات مع الاتحاد السوفيتي والديمقراطيات الشعبية في شرق أوروبا، ولم يُشِد أبدا بحلف الناتو ولم يتوقف عن النضال من أجل خروج إيطاليا منه، وبعكس ذلك كل هذا فعله في وقت لاحق برلينغوير (الأمين العام الجديد للحزب – المحرر) وجماعة الشيوعية الأوروبية Eurocommunists.
دعونا مرة أخرى نقتبس من سيكيا رأيه في الفهم الصحيح للعلاقة بين الأحزاب الشيوعية: "البعض يشدد بقوة على مفهوم الاستقلالية الكاملة. أنا على العكس من ذلك أفهم الاستقلالية في إطار الوحدة الأيديولوجية والسياسية للحركة الشيوعية العالمية. لذلك كنت دائما ضد صيغة تعدد المراكز وأعتبرت العلاقات الثنائية دائما غير كافية".
حول منظمة حلف شمال الأطلسي: "أكرر أن الخطر لا يتأتى من مختلف المنظمات الفاشية شبه العسكرية، والتي مع ذلك يجب أن تحل وتضرب وتدمر، وهو ما كان يمكن القيام به بسهولة ... الخطر الرئيسي لا يتأتى أيضا من مؤامرة الأمير بورغس، الذي بالطبع يجب أن يدان على الجرائم التي ارتكبها وعلى محاولته [محاولة الانقلاب في 7-8 ديسمبر، 1970] .... فلا ينبغي لنا أن نكون ضحية خدعة كهذه. يجب علينا أن نفسر بكل وضوح للجميع أن الخطر الأكبر الذي يمكن أن يصبح خطرا دراماتيكيا مثيرا في حال نزاع دولي، يتأتى تماما من ولاء إيطاليا لحلف شمال الأطلسي الذي تأكد مرة أخرى".
عام 1973 - التردّي والانحطاط الطبقي
بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، لعب دورا هاما في في عملية تحلل الحزب الشيوعي الإيطالي الانحطاط التدريجي للتكوين الطبقي لقيادة الحزب. ففي المؤتمر الثامن للحزب (1956) أخرج من اللجنة المركزية تحت ذريعة توسيع وتجديد الهيئة القيادية 25٪ من كوادر العمال وكوادر حرب العصابات. وتم استبدال هذه الكوادر بمثقفين وكوادر أخرى انضمت إلى الحزب بعد عام 1945.
وقد تسارع الانحطاط الطبقي للحزب بفضل قرار المؤتمر الثالث عشر (في عام 1972 انتخب بيرلينغير إلى منصب الامين العام) إخضاع الخلايا الحزبية في مراكز الإنتاج (أماكن العمل) لمنظمات الحزب المنطقية. وبما ان المنظمات المنطقية كان يسود فيها العنصر البرجوازي الصغير، فقد هبطت بشدة نسبة المندوبين من العمال في المؤتمرات.
عام 1976
إذا ما أضفنا إلى كل ذلك:
1. تخلي جماعة الشيوعية الأوروبية Eurocommunists صراحة عن الماركسية اللينينية لصالح انتقائية غير محددة، الكل فيها على بعض من الحق، وليس من الواضح من هو على خطأ.
2. إدانة شديدة للتجربة الإيجابية في مجال بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، والتي أصبحوا يساوونها كلياً بالقمع وليس غير.
لأصبح من السهل أن نفهم لماذا لم يعد للحزب وجود.
الشيوعيون الايطاليون، مثل طائر الفينيق، يولدون اليوم من جديد من تحت الرماد. فهناك حاجة ملحة لنشاطهم الثوري لأجل إطاحة للرأسمالية التي استنفدت دورها التاريخي. وقد أخذنا في الاعتبار أخطاء الماضي، وتعلمنا الدرس. وان الحزب سوف يبذل كل جهد ممكن حتى لا يتم تكرارها.

الحلقة التالية ستكون عن الشيوعيين الايطاليين المعاصرين
المصدر: موقع "روت فرونت" (الجبهة العمالية المتحدة الروسية) http://www.rotfront.su/%D0%BA%D0%BE%D0%BC%D0%BC%D1%83%D0%BD%D0%B8%D1%81%D1%82%D1%8B-%D0%B8%D1%82%D0%B0%D0%BB%D0%B8%D0%B8-%D0%B8-%D0%BE%D1%88%D0%B8%D0%B1%D0%BA%D0%B8-%D0%BF%D1%80%D0%BE%D1%88%D0%BB%D0%BE%D0%B3%D0%BE/
وموقع حزب العمال الشيوعي الروسي:
http://rkrp-rpk.ru/content/view/10850/82/

ترجمة وتقديم مشعل يسار



#مشعل_يسار (هاشتاغ)       M.yammine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تُعرِض العروس التركية عن حبها الأول؟
- هل يكون التحدي الأطلسي في وارسو نذير حرب عالمية ثالثة؟
- المنشفي تروتسكي ووقائع ثورة أكتوبر
- لا ترتبك يا رفيقي!
- من القصيدة الملحمة -فلاديمير إيليتش لينين- - عام 1924 لشاعر ...
- سلطة النهب
- في مثلِ هذا اليومِ هبَّتْ ريحهمْ
- جهل النظرية باب إلى الانتهازية!
- روسيا ذاهبة لتبقى!!
- مصالحهم ليست مصالحنا
- حول قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تشديد العقوبات ضد كوريا الدي ...
- الحرب السورية وموقف الشيوعيين من التدخل الأميركي والروسي
- رد على منتقدي الدعوة للتضامن مع جمهورية كوريا الديمقراطية ال ...
- إلام يمتدحون ويتغنون بهذا الذي -يوقف روسيا على قدميها-!
- لينين ك-مدمر- للاتحاد السوفيتي وبوتين ك-جامع- له!!!!!
- لنفهم كوريا ولندافع عنها
- بيان - حول التفجير التجريبي للقنبلة الهيدروجينية في جمهورية ...
- طلقة تحذيرية
- التقدم العلمي والتقني واهتراء المجتمع في ظل الرأسمالية ومهام ...
- الإرهاب سلاح الامبريالية


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مشعل يسار - شيوعيو إيطاليا وأخطاء الماضي