أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - في قلق التّلفيظ الشّعري














المزيد.....

في قلق التّلفيظ الشّعري


محرز راشدي

الحوار المتمدن-العدد: 5236 - 2016 / 7 / 27 - 22:00
المحور: الادب والفن
    


في قلق التّلفيظ الشّعري
إنّنا ننطلق في جملة الملاحظات هذه انطلاقة ارتجاليّة قلقة، من مدخل الانهمام بقضايا العلامة الشّعرية بصفتها صناعة، ورؤيا، وتشكيلا يزاوج بين المستويين، ومن جهة التّطورات الحاصلة في صلب المتن الشّعري عبر مساراته المختلفة.
أمّا السّياق الحضاري الّذي يندرج فيه الفعل الشّعري الحديث، فهو كذلك "على قلق" لأسباب فلسفية – رؤيويّة عميقة، ولاعتبارات حضاريّة لا تختلف في درجة العمق، لعلّ أهمها الحروب الكونيّة، والقيامات الحديثة، والرّؤى الجحيميّة المهيمنة على المشهد، ومن ذلك المشهد الشّعري بصفته خطابا مندرجا في التّاريخي، ومتورّطا في تشابكاته، وإن ترفّع عنه، وارتفع به في أحايين كثيرة.
وفي هذه الحال، استفاق الشّاعر على الانحرافات الكبرى، إن في مستوى القيم والمبادئ التي تسوس العالم الحديث، وإن في مستوى الوسائط الرمزية المعبّرة عن الإنسان فردا وجماعة.
وإنّه خطير الانحراف الذي مسّ منزلة الإنسان في ظلّ تعاليم الفردانيّة، إذ بات يواجه مصيره منفردا، يكافح الفظاعة والرّعب في عراء الوجود، ويستعذب الميتة، ويموت على طريقة الذّئب في صمت متوحّد.
ومن موقع آخر، إنّ مطلب الرّبح والمردوديّة، واستشراء النّزعة الكلبيّة لتحقيق الثّروة وتكديسها، وإهمال الإنساني، والتّفويت في الكينوني، وإسقاط المعنى في النّسيان، قد أفرز حداثة شعريّة ضديدة تلهج بالمنسيّ، وتستدعي الغياب، وتستحضر المقدّس، بل من أولويّات الشّاعر الحديث أن يعبّد طريق القداسة، ويمسك بأثر المقدّس ويرشد إخوانه من البشر إليه.
وفي ظلّ هذه الظّلال الّتي تحجب الرّؤيا، وتعتّم على الرّائي، وتزرع في النّفس بذور القلق، وتؤبّد المناحي العدميّة، استوى الشّاعر مأخوذا بهذه الهواجس، أو هي متلفّعة بكيانه الهشّ، ومنه إلى الخطاب تسرّبت، وفي القصيدة استقرّت، وعلى أديم الورق ارتسمت وأثّرت في المعمار الشّعري.
إنّه معمار يحمل دلائل مهندسه، فالقصيدة أتون فيه تحترق مراكب الشّاعر، وعلى أعتابه تصدأ معاول القراءة الكسولة وتتفتّت.
فهي قصيدة "مثقّفة" أو "عالمة" تبتغي – بصيغة الإلزام – قارئا "حاذقا" بل مثقّفا، لأنّه يخوض في خطاب تكتظّ في موقده المعارف والرؤى، وتتزاحم الألسن، وتتنادى الأصوات من مآت عديدة، وتطلّ الرّؤوس من جهات متعدّدة، والقارئ في مفترق الجبهات.
وينضاف إلى ما سبق، أنّ القصيدة احتفت بالرّفض، ومن أماراته رفض المعنى المكتمل، بل إنّنا في حضرة المعنى المنقوص، وفي ضيافة التّعمية والعمى الدّلالي أيضا، وهذا أمر مربك، ويُسجّل في دفتر الخروقات، والانزياحات العنيفة.
وحينئذ، يتعثّر تلفيظ الخطاب، ويتمرأى مترعا بالأخاديد، ومستقرّا للثّقوب، ومنزلا للفجوات...والعلل في ذلك ما ذكرنا وما لم نذكر، إذ يغصّ الشّاعر بالألحان، ويتراءى له المبنى معقلا للمعنى مثلما هو الأمر عند الرّومنطيقيّ، أو حسب العبارة الشّهيرة "كلّما اتسعت الرّؤيا ضاقت العبارة"، وربّما تخيّر الشّاعر عن اضطرار وكره السّكوت سبيلا، فالصّمت "مشنقة العصر" (عبد الصّبور) والشّاعر الصّامت ليس بالضّرورة شيطانا أخرس، بل يمكن أن يكون رافضا ومناوئا لمناويل الكلام السّلطوي المتكبّر.
وجماع القول في ذلك، إنّ الضجّة المخنوقة، والعبارة المثقوبة، أو المقعّرة الجوفاء العصيّة عن الامتلاء إنّما هي دليل جوع أنطولوجي دفين (مجاعة روحيّة بلغة الشّابي)، يقيم في النّفس البشريّة، ويتربّع على عرشها، وينبجس في الملفوظ عيّا وثقلا في اللّسان، واستغلاقا على المتكلّم، وإرتاج القول على القائل، ويسيح على المرئيّ / المكتوب، فيتبدّى محوا وشطبا وطلسما يُعمّي الدّلالة، ويُعمّم دروب التّيه، ويورّط القارئ في المتاهة حيث يتذوّق أفانين اللّعب، ويتلذّذ اللّعبة، ولعلّه يصير شريكا في صناعة شفرتها حينما يحسن الإصغاء.



#محرز_راشدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكلمة نبوءة مبتورة
- الخربشات: الدالّ المتوحّش والمدلول السّديميّ
- فائض المعنى وحصار المبنى
- الشاعر صاحب الهويّات الجوفاء
- محنة الألم عند السياب أو النبي الكسيح
- الشاعر الرّومنطيقيّ آدميّ شقيّ
- الألم مشكلا إنسانيّا
- الرّمز في الخطاب قديما وحديثا
- مفهوم الشّاعر النّبيّ في الكون الشّعري الرّومنطيقيّ
- القَصِيدَةُ اللَّعُوبُ وَالقَارِئُ زِيرُ النُّصُوصِ
- الجنون: من الحفر الايتمولوجي إلى الأنساق التّحويليّة.
- يوتوبيا الشّعر العربي الرّومنطيقيّ أو النّبيّ الطّائر
- الشّعر والسّحر: كيمياء الشّعر


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - في قلق التّلفيظ الشّعري