أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالجواد سيد - الثورة الشيعية-ستانلى لين بول -ترجمة عبدالجواد سيد















المزيد.....



الثورة الشيعية-ستانلى لين بول -ترجمة عبدالجواد سيد


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 02:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تاريخ مصر فى العصور الوسطى- ستانلى لين بول-
الفصل الرابع- الثورة الشيعية969م
ترجمة عبدالجواد سيد

نشأت الثورة الكبيرة التى إكتسحت شمال إفريقيا قبل ستين عاما - و كانت قد إنتشرت الآن إلى مصر - من الخلاف القديم حول شرعية الخلافة. مات النبى محمد دون أن يحدد بشكل قاطع إسم خلف له وبذلك فقد أورث أتباعه نزاعاً لاينتهى. رفع نظام الإنتخاب – كما أُدخل آنذاك - الخلفاء الثلاثة الأول ، أبوبكر وعمر وعثمان إلى عرش المدينة ، ولكن ظل هناك أقلية قوية تصر على أن الحق الإلهى فى الحكم هو لعلى ، أسد الله ، وأول مهتد إلى الإسلام وزوج فاطمة إبنة النبى ووالد ذرية محمد الوحيدة من الذكور. وعندما أصبح على الخليفة الرابع فقد أصبح بدوره هدفاً للحسد والتآمر وأخيراً للإغتيال. أُبعد أولاد على – أحفاد النبى – عن الخلافة وإضطهدت أسرته بقسوة من قبل منافسيها الناجحين ، المغتصبين الأمويين. ووضعت مأساة كربلاء ومقتل الحسين ختم الشهادة على الأسرة المقدسة ، وأثارت حماس عاطفى مازال يثير إنفعال شديد فى العروض السنوية لمسرحية الآلام الفارسية. إن الصدع الذى فُتح على هذا النحو فى الإسلام ، لم يُغلق أبداً، وحتى اليوم فإن الكراهية بين السنة والشيعة ، أى بين الإختيار الشعبى وبين الحق الإلهى فى الحكم، لهو أشد مرارة مما كان بين البروتستانت والكاثوليك فى أيام الإضطهاد.
وضع نفى على الأساس للإنشقاق العضال الكبير، الذى قسم العقيدة المحمدية وحطم – بنفس الشكل – عُرف الإحسان بين أعضائها ، كما عرض الحقائق الفكرية للعقيدة للخطر.ففى الخارج كان من الطبيعى أن يُعطل من نشر الدين ، بالدليل الذى قدمه على عدم الإيمان بالرأى الآخر، والتنازع واللعنات المتبادلة بين فقهاء المذهب نفسه، أما فى الداخل فقد وضع الخلفاء فى موقف زائف ، لدرجة أنهم أصبحوا يمثلون مشهداً غريبا لرؤساء عقيدة حاكمين ، جعلوا من مزاعمهم الغير عادلة فى الحكم أكثر ضعفاً ، بإضطهاد ذرية مؤسس عقيدتهم وعرشهم والذين – ولكى يزيدوا المشهد تناقضاً – كانوا مضطرين لإن يضفوا وبشكل علنى كل فضيلة على أسرته ، التى بإقصائها فقط أمكنهم أن يتمتعوا بمزية أداء الخطبة. وهكذا فقد نفر ذلك الإنشقاق قلوب قسم كبير من الناس من رئيسهم الروحى والزمنى ، وغرس بذور لايمكن إستئصالها من الفتنة والتآمر والتمرد، ووضع المغتصب على عرش متمايل ، كان يمكن لصاحب الحق الشرعى أن ينزله عنه فى أى وقت ، ليتركه يحكم شعباً منقسماً بصولجان منكسر.
إن تاريخ الإنشقاق العلوى ، أو الشيعة ، يمكن أن يُقرأ فى مكان آخر، ولكن هنا يمكن لنا فقط أن نستعرض الروابط التى تربطه بغزو مصر من قبل الفاطميين. إمتلكت ذرية على – وبرغم خلوها بشكل عام تقريبا من صفات القادة العظام - إصرار وتفانى الشهداء ، وقد زادت معاناتهم من حماس وتعصب مؤيديهم. باءت كل المحاولات لإسترداد السلطة الزمنية بالفشل وإتكأ العلويون على السلطة الروحية للمرشحين المتتابعين من الأسرة المقدسة والذين نادوا بهم أئمة أو قادة روحيون للمؤمنين. وتدريجيا إكتسبت عقيدة الإمامة تلك معنى أكثر غموضا مؤيدا بتفسير مجازى للقرآن حتى أصبح يُنسب للإمام تأثير غامض والذى – وبرغم إختفائه عن العيون البشرية بسبب إضطهاد أعدائه – سرعان ماسيظهر علانية فى شخص المهدى المنتظر ليقتلع مفاسد الخلافة الكافرة ويحيى سلطان الذرية النقية للنبى. يعتقد كل المحمديين فى مهدى قادم ، مسيح سوف يسترد الحق ويمهد للمجئ الثانى لمحمد ومحكمة اليوم الآخر ولكن الشيعة حولوا ذلك التوقع إلى تفسير خاص. فقد قالوا بأن الإمام الحقيقى – وبرغم أنه غير مرئى للعين البشرية – يعيش أبدا وتنبأوا بسرعة ظهوره وأبقوا أنصارهم فى حالة تأهب لحمل السلاح فى خدمته. وبهدف مجيئه فقد نظموا مؤامرة نافذة فشكلوا جماعة سرية ذات مراحل تلقين متدرجة مستخدمين تعاليم كل العقائد والفرق الدينية كأسلحة فى الدعايا وأرسلوا دعاة إلى جميع أنحاء ولايات الإسلام كى يزيدوا عدد الملقنيين ويمهدوا الطريق للثورة الكبرى. ويمكننا أن نرى نجاحهم الجزئى فى الأعمال التخريبية للقرامطة والذين كانوا الآباء الحقيقيين للفاطميين. لم يكن لدى القادة والدعاة الرئيسيين أى شئ مشترك فى الواقع مع المحمدية. فبينهم وبين أنفسهم فقد كانوا صراحة ملحدين. كان هدفهم سياسيا وقد إستخدموا العقيدة فى أى شكل وكيفوها فى كل الصيغ كى يؤمنوا المهتدين والذين حملوا إليهم من تعاليمهم فقط ذلك القدر الذى كان يمكن لهم أن يتحملوه. كان هؤلاء الرجال مزودين بأسلحة الهداية بشكل مثالى - ربما غير مسبوق فى التاريخ - فقد كانوا يملكون التوسلات للحماسة والمجادلات للعقل والوقود لأعنف إنفعالات الناس والأزمنة التى كانوا يتحركون فيها. وقد جمعوا حقا بين البراعة الثقافية وإنعدام الضميرالمنسوب إلى اليسوعيين مع موهبة الديسيسين فى التنظيم الإجرامى. لم يكن هدفهم الحقيقى دينيا أو بناءً ولكن العدمية التامة. وقد إتخدوا مطلب أسرة على ليس لإنهم كانوا يعتقدون فى أى حق إلهى أو أى خلافة لهم ولكن لإنه كان لابد من رفع علم ما من أجل إثارة الناس.
كان أحد هؤلاء الدعاة – والذى تخفى كتاجر – قد عاد إلى المغرب فى سنة 893م مع بعض الحجاج المغاربة والذين كانوا يؤدون مراسم الحج المقدسة فى مكة. وقد إستقبل بحفاوة من قبل قبيلة كتامة الكبيرة وسرعان ماإكتسب نفوذا طاغيا على البربر- وهو جنس يميل للخرافات بطبيعته – فتأثروا بسهولة بالشعائر الغامضة لتلقين المذهب الفاطمى والتعاليم العاطفية للداعى ومالحق بالأسرة النبوية من أذى والإنتصار المرتقب للمهدى. لم يرتبط المغرب كثيرا بالخلافة فى أى وقت. ولمدة حوالى قرن كان من الناحية العملية مستقلا تحت حكم مملكة الأغالبة والتى نفرت التجاوزات البربرية لحكامها المتأخرين رعاياها. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان العلويون قد أقاموا أنفسهم فى مملكة الأدارسة فى مراكش منذ نهاية القرن الثامن. كانت الأرض حبلى بالثورة فى كل إتجاه فكان نجاح عبدالله الشيعى - الداعى الجديد- سريعا بشكل غير عادى. ففى خلال سنوات قليلة أصبح يتبعه حوالى مائتى ألف رجل مسلح وبعد سلسلة من المعارك إستطاع طرد زيادة الله آخر أمراء الأغالبة من البلاد فى سنة 908م. وعندئذ أعلن الداعى الإمام عبيدالله خليفة شرعيا وقائدا روحيا للإسلام. و بصرف النظر عما إذا كان عبيدالله هذا أحد أحفاد على حقا أو لا، فالواقع أنه كان قد أُعد لدوره بعناية ووصل إلى المغرب متخفيا بشكل شديد وببعض الصعوبة وقد تبعته شكوك خليفة بغداد والذى كان – ولشدة قلقه – قد أرسل أوامر متكررة بالقبض عليه. والواقع أن الداعى المنتصر إضطر لإنقاذ قائده الروحى من سجن موحش فى سجلماسة ثم سجد أمامه فى خضوع داعيا إياه بالمهدى المنتظر وفى يناير سنة 910م دُعى للمهدى فى جامع القيروان بصفة الإمام عبيدالله المهدى أمير المؤمنين. كان ُعدد مهتدى الداعى من البربر كبيرا بدرجة لاتشجع على المقاومة أما القلة التى لم تتبعه فقد قتلت أو ألقى بها فى السجن. والواقع أن المهدى قد بدا آمنا فى سلطته لدرجة أثارت حسد مكتشفه (أبو عبدالله الداعى ) والذى وجد نفسه وقد أصبح لاشئ بعد أن كان كل شئ قبل حوالى شهر فقط من ذلك الوقت. كان إسترداد الفاطميين للخلافة بالنسبة إليه مجرد وسيلة لتحقيق هدف فقد إستخدم لقب عبيدالله كأداة للثورة قاصدا أن يمضى إلى أبعد مدى من فلسفته أى إلى فوضى إجتماعية وسياسية كاملة وتدمير الإسلام وإشاعة الأرض والنساء وكل مباهج الإباحية المطلقة. ولكن بدلا من ذلك فقد إبتلع صنيعته سلطته وذهبت كل خططه عبثا فبدأ فى تدبير الخيانة وإثارة الشكوك فى حقيقة المهدى والذى - وكما قدمه فعلا وتبعا للنبؤة – كان يجب أن يأتى بمعجزات ويظهر أدلة أخرى على رسالته المقدسة وبدأ الناس يطلبون علامة. وفى إجابته على ذلك قام المهدى بقتل الداعى.
كان أول خليفة فاطمى – وبرغم عدم خبرته - حاكما قويا لدرجة أنه إستطاع أن يستغنى عن التأييد الخطر لمكتشفه (الداعى) وقد ظل على العرش لحوالى ربع قرن وأسس سلطته – بشكل شبه مستمر - على القبائل العربية والبربرية والمدن المستقرة من حدود مصر إلى ولاية فاس فى المغرب كما ضمن ولاء حاكم صقلية المسلم وأنفذ حملتين إلى مصر والتى كان من المتوقع أن ينجح فى غزوها لولا إنشغاله بالثورات المتكررة فى المغرب. كان الحكام البعيدين وأحيانا كل قبائل البربر فى حالة من الثورة الدائمة وقد أدت المجاعة المروعة سنة 928-929م التى تزامنت مع الطاعون الآسيوى التى عادت به قواته من مصر إلى إضطرابات وثورات عامة شغلت تماما السنوات التالية من حكمه . ظلت الولايات الغربية من تاهرت وناقرت إلى فاس وماخلفها تخلع كل مظاهر الطاعة بشكل مستمر. كانت سلطته قد تأسست على الخوف بأكثر مما تأسست على الحماس الدينى رغم أن الحماس للقضية العلوية كان له نصيبه فى نجاحاته الأولية. فُرضت العقائد الشرقية الجديدة – كما كانت تسمى – بحد السيف أما هؤلاء الذين تجرؤو على المضى فى الطرق القديمة فقد نُكل بهم بشكل مخيف بحيث يكونوا عبرة للآخرين.
وحتى مفكرى المدن الكبرى الأحرار الذين تشاركوا مبادئ الداعى ( أبوعبدالله الشيعى) الباطنية لم يتم تشجيعهم ، وظاهريا – على الأقل – أصبح المهدى مسلما متشددا. وعندما بدأ الناس فى القيروان يضعون موضع التنفيذ نظريات الداعى المتقدمة والسخرية من كل قواعد الإسلام والإنغماس فى الحب والخمر ولحم الخنزير فقد تم منعهم بشدة. ظل البربر السذج يتداولون الإشاعات عن المعجزات المتوقعة من المهدى وذلك رغم أنه لم يظهر أى منها فى الواقع. وتم تأمين طاعة الولايات التى تم غزوها بمذابح وتعديات رهيبة لم يجرؤ السكان المروعين على إثارة أى اسباب لتكرارها على يد قادة المهدى المتوحشين.
تولى الخلافة بعد المهدى إبنه أبو القاسم – الذى كان قد قاد الحملتين على مصر - تحت لقب القائم (934 – 946م). وقد بدأ حكمه بنشاط حربى فأرسل أسطولا فى سنة 934م - 935م أغار على الساحل الجنوبى لفرنسا وحاصر وإستولى على جنوة ورسى على ساحل كالابريا حيث قام بذبح ونهب السكان وأحرق السفن واسر وسبى حيثما رسى. وفى نفس الوقت فقد أنفذ جيشا ثالثا إلى مصر ولكن يد الإخشيد القوية الذى كان يحكم مصر آنذاك – وأخوه عبيدالله - ومعهم خمسة عشر ألف فارس تمكنوا من رد العدو إلى خارج الإسكندرية وأوقعوا بهم هزيمة ساحقة فى طريق عودتهم إلى بلادهم. ولكن بالنسبة للجزء الأعظم من حكمه فقد كان القائم فى حرب دفاعية من أجل البقاء ضد تمرد أبو يزيد الخارجى الذى رفض التشيع ولعن المهدى وخليفته وأثار معظم بلاد المغرب والبربر ضد القائم وأخرجه من عاصمته وإقترب من وضع نهاية للخلافة الفاطمية. وقد كان بعد سبع سنوات فقط من الحرب الأهلية المتواصلة أن تلاشى تمرده الرهيب على اليد الثابتة والحكيمة للخليفة الثالث المنصور(946---953م) ذلك الرجل الشجاع الذى كان يعرف متى يضرب ومتى يسامح. وفى النهاية تم إخضاع أبويزيد وتم نزع جلده وحشو جسده بالتبن وأشهر فى قفص مع قردين مضحكين كتحذير للمتمردين.
كان الفاطميون حتى ذلك الوقت يحملون سمات البربرية والوحشية ولم يبدو أنهم قد شجعوا الأدب أو التعليم ولكن ذلك يمكن تفسيره بأن الثقافة كانت ملكا للخلافة التقليدية بشكل رئيسى ولم يكن من الممكن لمثقفيها أن يتعاملوا مع خارج منشق. إحتفظت مدينة القيروان – والتى تعود إلى أيام الغزو العربى فى القرن الثامن – ببعض بقايا المبانى الرائعة ولكن بالنسبة لعواصمهم الأخرى أو مقرات إقاماتهم الملكية مثل المهدية التى أسست بين السنوات913-918م والمحمدية التى أسست سنة 924م والمنصورية - وهى موقع مدينة صبرا القديمة التى رُممت وأعيد تسميتها بالمنصورية سنة 948م - فلم تكن الأخيرتين سوى ضاحيتين للقيروان ولم يبق فى تلك المدن أى آثار للفن أو للعمارة لتشهد على ذوق مؤسسيها. وقد أخذ كل منها فى الإضمحلال بمجرد البدء فى بناء المدينة التالية لها. ومع ذلك فمع الخليفة الرابع – المعز - فاتح مصر(953-975م) فقد دخل الفاطميون مرحلة أخرى من تاريخهم.
لقد كان رجلا ذا مزاج سياسى ولد رجل دولة قادرا على فهم شروط النجاح وعلى إنتهاز كل فرصة فى صالحه. وقد كان أيضا عظيم الثقافة فلم يكن يكتب الشعر العربى فقط ويستمتع بآدابه ولكنه قد درس اليونانية وأجاد اللهجات البربرية والسودانية أيضا ويقال حتى أنه قد تعلم اللغة السلافية كى يتحدث مع عبيده من أوربا الشرقية. كانت بلاغته تدفع جمهوره إلى البكاء. وإلى موهبة فن الحكم أضاف كرمه الواسع كما كان حبه للعدل بين صفاته النبيلة الأخرى. وفى حدود مايمكن أن تقدمه الأفعال الظاهرية فقد كان مسلما متشددا من الطائفة الشيعية أما قول خصومه أنه كان فى الواقع ملحدا فى قلبه فيبدو أنه يرتكز على الإعتقاد بأن كل الفاطميين قد تبنوا المعتقدات الباطنية للدعاة الإسماعيلية.
عندما إعتلى المعز العرش فى إبريل سنة 953م ، كان لديه سياسة ولم يضيع أى وقت فى وضعها موضع التنفيذ. فقام أولا بزيارة رسمية خلال مملكته حيث زار كل مدينة مستقصيا أحوالها وإحتياجاتها عاملا على تحقيق سلامها ورخائها. تحدى المعز المتمردين فى حصونهم الجبلية حتى جعلهم يلقون سلاحهم ويركعون عند قدميه. وقد أرضى الرؤساء والحكام بالهدايا والمناصب وحصل على ولائهم فى المقابل. وعلى رأٍس وزرائه أقام جوهر الرومانى الذى كان عبدا من الإمبراطورية الشرقية وصل إلى منصب سكرتير الخليفة السابق ثم تمت ترقيته من قبل إبنه الآن إلى منصب الوزير وقائد القوات المسلحة. أرسل جوهر سنة 958م لإخضاع المغرب – العصى دائما. حققت الحملة نجاحا تاما وأخذت سجلماسة وفاس ووصل جوهر إلى ساحل المحيط الأطلسى. ووصلت جرار من السمك الحى والطحالب البحرية إلى العاصمة لتثبت للخليفة أن إمبراطوريته قد لامست المحيط ، آخر حدود العالم. و هكذا أصبح كل الساحل الإفريقى من المحيط الأطلسى حتى حدود مصر( بالإستثناء الوحيد لسبتة الإسبانية) خاضعا فى سلام الآن لنفوذ الخليفة الفاطمى.
عاد ذلك جزئيا إلى الإرهاق الذى سببه الكفاح الطويل أثناء فترات الحكم السابقة وجزئيا للتنازلات الحكيمة والتأثير الشخصى للحاكم الشاب القدير. كان المعز متسامحا وتصالحيا تجاه الولايات البعيدة ولكنه كان قاسيا تجاه عرب العاصمة. كانت القيروان تعج بالجماعات الساخطة من الشيوخ ورجال الدين المعادين بشدة للهرطقة الشرقية للفاطميين والذين كانوا على إستعداد دائم لإثارة الشغب. كان المعز مصمما على أن لايعطيهم أى فرصة وكان الحصار هو أحد إجراءاته القمعية. كانت طبلة تُقرع عند غروب الشمس فإذا ماوجد أحدهم خارج المدينة بعد ذلك كان عرضة ليس لإن يفقد طريقه فقط ولكن لإن يفقد رأسه أيضا. و مع ذلك فطالما ظلوا هادئين فقد كان يسير فيهم بالعدل ويحاول كسب تعاطفهم معه. وفى أحد مقابالاته ( التى سجلها المقريزى) فقد أظهر نفسه لوفد من الشيوخ مرتديا أبسط الملابس جالسا أمام مواده الكتابية فى غرفة بسيطة ممتلئة بالكتب . وكان يقصد بذلك أن يحررهم من فكرة أنه يعيش حياة خاصة من الرفاهية والترف. وبادرهم بقوله( أترون مايشغلنى عندما أكون وحيدا – إننى أقرأ خطابات ترد على من الشرق والغرب وأجيب عليها بنفسى ، إننى أنكر على نفسى كل مسرات العالم وأبحث فقط عن أن أحمى حياتكم و أزيد أطفالكم وأخزى منافسيكم وأرهب أعدائكم) ثم أعطاهم كثيرا من النصائح الجيدة وأوصاهم – بشكل خاص – بالإحتفاظ بزوجة واحدة قائلا لهم ( إمرأة واحدة تكفى رجل واحد) ثم ختم كلامه قائلا ( إذا ماإتبعتم ما أمرت به فأنا أثق أن الله ومن خلالكم سوف ينجح غزونا للشرق بنفس الطريقة التى منحنا بها الغرب).
كان غزو مصر هو هدف حياته بالفعل. فلم يكن حكم قبائل مشاغبة من العرب والبربر فى بلد فقير هو الطموح المناسب لرجل فى مثل قدرته. كانت مصر، بثروتها وتجارتها ومينائها العظيم وبسكانها المطيعين هى حلمه. وعلى مدى سنتين راح يحفر الآبار ويبنى الإقامات على الطريق إلى الإسكندرية. كان الغرب- ظاهريا – هادئا الآن ، ولكن بين مصر وبين أى أمل للمساعدة من الخلافة الشرقية وقفت جيوش القرامطة المدمرة. كانت مصر نفسها فى حالة بائسة من الفوضى. كان كافور العظيم قد مات وكان حاكمها الإسمى طفلا صغيرا. وقد اصبح الوزير جعفر إين الفرات مبغضا لدى الناس لما قام به من إبتزازات وإعتقالات. كان الجند فى حالة ثورة وقام مسئولو القصر الأتراك بالتمرد ونهب قصر الوزير وفتحوا حتى مفاوضات مع المعز.
حاول الحسين – إبن أخ الإخشيد - إسترداد النظام العام ولكن بعد ثلاثة أشهر من الحكم المتأرجح والذى لم يحظى برضى الناس عاد إلى ولايته فى فلسطين للتصالح مع القرامطة. وقد أضافت المجاعة التى نتجت عن إنخفاض النيل الإستثنائى فى سنة 967م إلى شقاء البلاد وجاء الطاعون – كالعادة – فى أعقاب المجاعة فمات فى ذلك مايزيد على ستمائة الف إنسان داخل وحول الفسطاط وبدأ السكان التعساء فى الهجرة إلى مناطق أكثر حظا.
نُقلت كل تلك الأمور كاملة إلى المعز بواسطة اليهودى المتمرد يعقوب بن كلس أحد رجال كافور المقربين سابقا والذى أبعد عن مصر بسبب حسد وإضطهاد الوزير جعفر بن الفرات وقد كان على دراية تامة بالحالة السياسية والمالية لوادى النيل. وقد شجعت تقاريره نية الخليفة الفاطمى على غزو مصر فدعى القبائل العربية إلى لوائه وجمع خزانة ضخمة قدرها المقريزى بنحو 24000000( أربعة وعشرين مليون ديناراً ذهبيا) كلها أُنفقت على الحملة ووزعت العطايا بسخاء بالغ على الجيش ثم وعلى رأس مايزيد على مائة ألف رجل مدججين بالسلاح والركائب يصاحبهم نحو ألف جمل وقطيع من الجياد تحمل الأموال والمؤن والذخائر زحف جوهر من القيروان فى فبراير 969م. وبعد أن إستعرض الخليفة القوات بنفسه قبل القائد يده وحدوة جواده. ومر كل الأمراء وكل رجال الحاشية على أقدامهم فى إحترام شديد أمام القائد المبجل للجيش الغازى والذى- وكآخر دليل على الرضى – إستقبل ثوب سيده وجواده كهدية. وأُمر كل حكام المدن الواقعة على الطريق للركوع على أقدامهم أمام سرج جوهر حتى حاول أحدهم عبثا تقديم رشوة كبيرة لتجنب تلك المهانة.
ملأ إقتراب هذه القوة الكاسحة الوزراء المصريين بالرعب بحيث أصبحوا يفكرون فقط فى الحصول على شروط مرضية. وقام وفد من الأعيان بقيادة الشريف أبوجعفر مسلم بزيارة جوهر بالقرب من الإسكندرية وطلبوا الإستسلام. وافق القائد على ذلك بدون تحفظات وفى خطاب تصالحى منحهم كل ماطلبوا. لكن الوفد لم يأخذ جيشه فى الإعتبار فما كانت القوات فى الفسطاط يمكن أن تقبل مثل هذه الإهانة وكان هناك حزب قوى مؤيد للحرب مال إليه كثير من الوزراء. وإستعدت المدينة للمقاومة ووقعت المناوشات مع جيش جوهر والذى كان قد وصل فى ذلك الوقت إلى مدينة الجيزة المقابلة فى يوليو من نفس السنة 969م. إقتحم جوهر الطريق عبرالنهر بمساعدة بعض القوارب التى أمده بها بعض الجنود المصريين وإنقض الغزاة على الجيش المعادى المنتشر على الضفة المقابلة وألحقوا به هزيمة ساحقة. وهربت القوات من الفسطاط فى رعب وناشدت النساء اللواتى هربن من منازلهن الشريف أن يستعطف الغازى. كان جوهر مثل سيده يميل دائما للرفق الحكيم فقام بتجديد وعوده السابقة ومنح عفوا عاما لكل من خضع. وفى فرط حماسهم قام الأهالى المبتهجون بقطع رؤوس بعض الجنود الرافضين وأرسلوهم إلى معسكر جوهر كدليل قوى على ولائهم. وركب منادى يحمل علما أبيض فى شوارع الفسطاط معلنا العفو مانعا النهب وفى الخامس من أغسطس من نفسة السنة 969م دخل الجيش الفاطمى بكل أبهة طبوله وأعلامه إلى العاصمة.
وفى نفس تلك الليلة وضع جوهر أساسات مدينة جديدة أو بالأحرى قد حصن قصرا صمم لإستقبال سيده. عسكر جوهر فى الصحراء الرملية الممتدة إلى الشمال الشرقى من الفسطاط فى الطريق إلى هليوبوليس – وهناك - وعلى بعد حوالى ميل من النهر رسم جوهر حدود المدينة الجديدة. لم يكن هناك مايعيق خططه فلم يكن هناك مبانى – بإستثناء دير العظام القديم – ولا أى زراعة بإستثناء المتنزه الجميل المسمى ( حديقة كافور). وتم تسوير مربع يمتد بطول الف ومائة ياردة من كل جانب بالأعمدة الخشبية و تشاور المنجمون المغاربة- الذين كان المعز يثق فيهم ثقة شديدة – فيما بينهم لتحديد الموعد المبارك للإحتفال بالإفتتاح.
عُلقت أجراس على الحبال الممتدة من عمود إلى عمود وتقرر أنه مع إشارة الحكماء أن يعلن دقها اللحظة المحددة التى يبدأ فيها العمال العمل. ومع ذلك فإن حسابات المنجمين قد إستبقها غراب حط على أحد الحبال وجعل الأجراس تجلجل والتى على أثرها ضُرب كل جاروف فى الأرض وفُتحت كل الخنادق. لقد كانت ساعة شؤم. كان الكوكب مارس(القاهر) فى الطالع ولكن لم يمكن إبطال العمل وعلى ذلك فقد سمى المكان على إسم الكوكب العدوانى (القاهرة) أى الحربى أو المنتصر على أمل أن يتحول الفأل النحس إلى عاقبة منتصرة. ويمكن أن يقال بإنصاف أن كايرو- كا أصبحت القاهرة تسمى بعد ذلك – قد تجاوزت كل الإجحاف التنجيمى. وعلى الفور أُسقط إسم الخليفة العباسى من خطبة الجمعة فى جامع عمرو القديم بالفسطاط وحُرمت الملابس العباسية السوداء وقام الواعظ – فى ملابسه البيضاء- بإلقاء خطبته بإسم الإمام المعز أمير المؤمنين مباركا على أجداده على وفاطمة وكل عائلتهم المقدسة كما تم تعديل النداء على الصلاة من المآذن تبعا للذوق الشيعى. وسرعان ماأرسلت الأخبار السارة إلى الخليفة الفاطمى على الجمال السريعة ومعها رؤوس القتلى. وضُربت العملة بالصيغ الخاصة بالمعتقد الفاطمى( على أشرف مبعوثى الله ووزير أفضل الرسل). ودعى الإمام معد الرجال للإعتراف بوحدانية الله بالإضافة إلى معتقدات العقيدة المحمدية الأخرى. وعلى مدى قرنين ظلت المساجد ودار ضرب العملة تعلن عن شعار الشيعة.
أعد جوهر نفسه – فى الحال – لإسترجاع الهدوء وتخفيف معاناة الشعب المضروب بالمجاعة. وأرسل المعز سفنا محملة بالحبوب لتخفيف بؤسهم ولكن حيث ظل سعر الخبز بأسعار المجاعة مع ذلك فقد قام جوهر بجلد الطحانين علانية وأنشأ مركزا لبيع الحبوب وأجبر كل تاجر أن يبيع حبوبه هناك تحت أعين مفتش الحكومة(المحتسب). وبرغم مجهوداته فقد إستمرت المجاعة لسنتينٍ كما إنتشر الطاعون بشكل خطير بحيث تعذر دفن جثث الموتى سريعا وكان يُلقى بها فى النيلٍ وقد إستمر هذا الوضع حتى شتاء سنة 971-972م حين عاد الرخاء وإختفى الوباء. وكالعادة فقد إضطلع النائب بدور شخصى فى كل الوظائف العامة(يقصد جوهر نفسه). ففى كل يوم سبت كان يجلس فى البلاط – يساعده الوزير إبن الفرات - والقاضى ومهرة المحامين (الشهود) لسماع القضايا والإلتماسات وإقامة العدالة. ولضمان الحياد فقد عين لكل إدارة من إدارات الدولة مسئول مصرى وآخر مغربى. وقد ضمن حكمه الحازم والعادل السلام والنظام . ولم يضيف القصر العظيم الذى كان يبنيه والجامع الجديد – الأزهر - الذى بدأ تأسيسه فى سنة 970م وإنتهى منه سنة 972م إلى جمال العاصمة فقط ولكنه وفر أيضا فرص عمل لعدد لامحدود من الحرفيين.
قبل سكان مصر النظام الجديد بلامبالتهم المعهودة. ولكن ضابط إخشيدى فى مقاطعة البشمور فى الوجه البحرى قام – فى الواقع – بتحريض الناس على الثورة ولكن لم يكن من شأن مصيره أن يشجع الآخرين. فقد طورد إلى خارج مصر وقُبض عليه على ساحل فلسطين وهناك – وكما سُجل بشكل قاتم – أعطى زيت السمسم ليشربه لمدة شهر حتى إنسلخ جلده وعندئذ تم حشوه بالقش وعُلق على دعامة كعبرة لمن يعتبر. و عدا هذا الإستثناء فقط فإننا لم نقرأ عن أى أحداث شغب ولإنتفاضات طائفية وأصبح الإستسلام كاملا عندما وضع أنصار الملكية المعزولة – والذين قُدر عددهم بنحو خمسمائة آلاف رجل – أسلحتهم. إستقبلت البعثة التى أرسلت إلى جورج ملك النوبة - لدعوته لإعتناق الإسلام وإنتزاع الجزية المعتادة - بحفاوة وتم دفع الأموال المطلوبة ولكن دون التحول إلى الإسلام. وإستجابت مدينتا الحجاز المقدستان مكة والمدينة – حيث وزع ذهب المعز بحكمة قبل عدة سنوات - إلى كرمه ونجاحه بإعلان سيادته فى المساجد وقدم الأمير الحمدانى الذى سيطر على سوريا الشمالية طاعة مماثلة للخليفة الفاطمى فى حلب ، حيث كان يُعترف بسلطان العباسيين حتى ذلك الوقت. ومع ذلك فإن سوريا الجنوبية – والتى كانت تشكل جزءً من المملكة الإخشيدية – لم تستسلم للمغتصبين دون مقاومة. كان الحسين مازال مستقلا فى الرملة مما إضطر جعفر بن فلاح قائد جوهر للدخول معه فى معركة. وهُزم الحسين وشُهر مكشوف الرأس فى الفسطاط تلاحقه إهانات العامة ليرسل فى النهاية ومعه باقى أفراد عائلة الإخشيد إلى مكان ما ببلاد المغرب. أما دمشق معقل الأرثوذكسية الإسلامية فقد إستولى عليها جعفر بعد مقاومة ضعيفة وأُعلنت فيها العقيدة الفاطمية رغم سخط وإشمئزار سكانها السنة.
وسرعان ماإجتاج سوريا طاعون أسوء من الغزو الفاطمى. وعندما وجد القائد القرمطى الحسن بن أحمد الملقب بالأعصم أن الأموال التى كان يبتزها من مداخيل دمشق مؤخرا قد توقفت فجأة عزم على إنتزاعها بقوة السلاح. والواقع أن الفاطميين قد خرجوا من نفس تلك الحركة وكان مؤسسهم يعتنق نفس الفلسفة الدينية والسياسية مثل الحسن الأعصم نفسه ، ولذلك فلم يهتم الأعصم بهم ، كما جعلته معرفته بأصلهم أقل إستعدادا لتقديم طاعته لدعاوى الولاء للأئمة الجدد والذى كان يشير إليهم بإحتقار بالدجالين وأعداء الإسلام. وقد حاول أن يحصل على تأييد الخليفة العباسى ولكن المطيع(الخليفة) أجاب بأن الفاطميين والقرامطة كانوا سواء بالنسبة إليه وأنه لاعلاقة له بأى منهما. ومع ذلك فإن أمير العراق البويهى قد زود الحسن الأعصم بالسلاح والمال كما ساهم أبو تغلب - الحاكم الحمدانى لمدينة الرحبة الواقعة على الفرات- بالرجال وهكذا وبتأييد القبائل العربية فى أوقيا وطايا وغيرها زحف الحسن على دمشق حيث أباد الفاطميين وقتل قائدهم جعفر بن فلاح. وعلى الفور بدأ لعن المعز علانية على المنبر فى العاصمة السورية وسط رضى السكان الحذر والذين كان عليهم أن يدفعوا بسخاء لمسرات القرامطة.
ثم زحف الحسن على الرملة - تاركا الجيش الفاطمى المكون من إحدى عشر ألف رجلا محصورا فى يافا - وقام بغزو مصر. فاجأت قواته مدينة القلزم الواقعة على رأس البحر الأحمر ومدينة الفرما (بلوزيوم) القريبة من البحر المتوسط وذلك على طرفى الحدود المصرية وأعلنت مدينة تينيس خروجها عن الفاطميين وظهر الحسن فى هليوبوليس (عين شمس) فى أكتوبر 971م. كان جوهر قد حصن العاصمة الجديدة بخندق عميق تاركا مدخلا واحدا فقط أغلقه ببوابة من حديد. وقد سلح المصريين وكذلك القوات الإفريقية (المغربية) وأرسل جاسوسا لمراقبة الوزير بن الفرات خشية أن يتورط فى خيانة. وتم إستدعاء أشراف العائلة العلوية إلى المعسكر – كرهائن – لضمان حسن تصرف السكان. وأثناء ذلك كان يجرى إغراء قادة العدو برشاوى ضخمة. حاصر الحسن القاهرة لمدة شهرين ثم وبعد إشتباك غير حاسم إكتسح البوابة وشق طريقه عبر الخندق وهاجم المصريين على أرضهم. كانت النتيجة هزيمة قاسية وتراجع الحسن إلى القلزم تحت غطاء الليل تاركا معسكره وأمتعته لينهبها الفاطميون والذين حال دخول الليل بينهم وبين مطاردته مطاردة دامية. أظهر المتطوعون المصريون شجاعة غير متوقعة فى القتال وأُسر كثير من أنصار المملكة السابقة الذين كانوا مع الأعداء. وهكذا فإن الخطر الداهم الذى كاد أن يقتلع الإحتلال الفاطمى من مصر لم يواجه بحزم فحسب ولكنه حتى تحول إلى ميزة، فلم يعد هناك مزيد من التآمر لصالح الإخشيديين وإستردت تينيس من إرتدادها المؤقت وإحتلت بواسطة التعزيزات التى أرسلها المعز على عجل بقيادة إبن عمار نجدة لجوهر مما إضطر الأسطول القرمطى الذى كان يحاول إسترداد ذلك الحصن للتسلل هاربا تاركا سبعة سفن وخمسمائة أسير. أما يافا التى كانت مازلت تقاوم بصلابة أمام المحاصرين العرب فقد أُسعفت بواسطة القوات الإفريقية (المغربية) التى أُرسلت من القاهرة وتمكنت من إعادة الحامية لكنها لم تجرؤ على الإحتفاظ بالموقع. ولجأ العدو إلى دمشق بينما تشاجر قادته بين بعضهم البعض.
ومع ذلك فلم تحطم تلك الهزيمة القائد القرمطى ففى السنة التالية كان يجمع السفن والعرب لغزو جديد. أما جوهروالذى كان يحث سيده منذ وقت طويل على أن يحضر ليحمى غزوه فقد أشار إلى الخطر الداهم لهجوم ثان من عدو قد نجح سابقا فى شق طريقه بشجاعة إلى بوابة القاهرة. أجل المعز رحلته لإنه لم يستطع الوثوق بأمان فى ولاياته الغربية أثناء غيابه ولكنه عند إستقبال تلك الأنباء الخطيرة فقد قام بتعيين يوسف بلقين بن زيرى من قبيلة صنهاجة البربرية ليقوم كنائب له فى بلاد المغرب وغادر المعز المنصورية إلى سردانية بالقرب من القيروان فى نوفمبر 972م ( حيث سلم يوسف بن بلكين ملك إفريقية) ومن هناك تقدم على مهل عن طريق قابس وطرابلس وأجدابيا وبرقة حتى وصل إلى الإسكندرية فى مايو التالى.ٍ وهنا إستقبل الخليفة بعثة تتكون من قاضى الفسطاط وبعض الشخصيات البارزة والذين اثارهم إلى حد البكاء بفصاحته وحديثه الصالح. وبعد شهر من ذلك التاريخ كان يعسكر فى حدائق الدير القريب من الجيزة حيث رُحب به بإجلال من قبل خادمه المخلص جوهر الذى ظل قانعا بحجب نفسه فى ظل سيده.
كان دخول الخليفة الجديد إلى عاصمته الجديدة مشهدا مهيبا. كان معه كل أبنائه وإخوته وأقاربه وحُملت أمامه كل توابيت أجداده. أضيئت الفسطاط وزُينت لإستقباله ولكن المعز ماكان ليدخل العاصمة القديمة للخلفاء الغاصبين فعبر من الروضة على الجسر الجديد الذى أقامه جوهر وتقدم مباشرة إلى مدينة القصر القاهرة. وهنا ألقى بنفسه على وجهه وقدم شكره لله.
ولكن كان مازال هناك محنة لتجتاز قبل أن يُمكنه إعتبار نفسه آمنا. كانت مصر موطنا لكثير من الأشراف أو ذرية على ثابتى النسب وقد جاء هؤلاء بجرأة - يقودهم ممثل لعائلة طاباطابا الشهيرة- لفحص مصداقية نسبه. كان على المعز أن يثبت أحقيته للإمامة المقدسة الموروثة من على بشكل يرضى هؤلاء الخبراء بعلم الأنساب. وتبعا للقصة فقد دعى الخليفة حشدا كبيرا من الناس ودعى الأشراف للظهور ثم سحب نصف سيفه قائلا (هذا نسبى) ثم نثر ذهبا على الحاضرين قائلا ( وهذا حسبى). لقد كان ذلك – على الأرجح – أفضل مايمكن له أن يقوله. لقد كان يمكن للأشراف فقط أن يعلنوا رضاهم التام على هذا الدليل المقنع وإنه لمن المؤكد على أى حال أنهم وبصرف النظر عما قد يكونوا قد إعتقدوا فى زعم الخليفة فإنهم لم يعترضوا عليه. إكتست جدران العاصمة بإسمه وهتف الناس الذين إحتشدوا فى أول ظهورعلنى له بمديح على والمعز. ومن بين الهدايا التى قُدمت له كانت هدايا جوهر فاخرة على نحو خاص وقد مهدت فخامتها للسجلات التالية لثروة الفاطميين العملاقة. وقد إحتوت على خمسمائة حصان بسروج وألجمة ملبسة بالذهب والكهرمان والأحجار الكريمة وخيام من الحرير وقماش من الذهب تحملها جمال ذات سنامين وجمال عربية وبغال وجمال حمل وصناديق مزخرفة تمتلئ بأوانى من الذهب والفضة وسيوف ذات مقابض من الذهب وعلب من الفضة المحفورة تحتوى على أحجار ثمينة وعمامة مرصعة بالجوهر وتسعمائة صندوقا تمتلئ بعينات من كل ماتنتجه مصر من بضائع.
وفى يوم العيد أو الإحتفال الذى يعقب الصيام ( عيدالفطر التركى لسنة 973م) أدى الخليفة الصلاة بنفسه على رأس حشد من الناس ثم ألقى خطبته من على المنبر. وقد إستعرض مواهبه الكهنوتية ومست حماسته فى تلك المناسبة كل القلوب. وعندما إنتهى الإحتفال رجع المعز إلى القصر على رأس قواته يخفره أبنائه الأربعة فى الدروع ويتقدمه فيلان حيث مد وليمة لضيوفه. وقد بنى ذلك القصر الذى يساوى مدينة تقريبا – فهو نواة القاهرة الحديثة – وكما رأينا على بعد مسافة قليلة من العاصمة القديمة الفسطاط ورغم أنه كان يسمى أحيانا (بالمدينة) فلم يكن فى الواقع سوى قلعة ملكية فسيحة مخصصة بشكل حصرى لإستخدام الخليفة وحريمه وعياله الكثيرين ولحرسه وفرقه العسكرية المختارة وموظفييه الحكوميين. كان السياج الفسيح للقلعة أرضا ممنوعة على الجمهور وحتى السفراء من الدول الأجنبية (أرسل الإمبراطور الرومانى الشرقى سفارات إلى جوهر والمعز) كانوا مطالبين بالترجل خارجها وكان يتم إصطحابهم إلى حضرة الخليفة بين الحراس بنفس الطريقة التى كان يتم بها ذلك فى البلاط البيزنطى والعثمانى. كانت الأبنية الرئيسية هى القصر الشرقى الكبير( أو قصر المعز) مقر الإقامة الشخصى للخليفة حيث كان يحتفظ بحريمه وأطفاله وعبيده وخصيانه وخدمه والذين كان يقدر عددهم فيما بين ثمانية عشر ألف إلى ثلاثين ألف فرد ثم القصر الغربى الأصغر أو منزل الأنس والذى كان منفتحا على حديقة كافور الفسيحة حيث كان يوجد مضمار لأغراض تدريب البلاط . كان القصران منفصلان بميدان يسمى( بين القصرين) حيث كان يمكن إستعراض حوالى عشرة آلاف من القوات ومازال ذلك الإسم محتفظا به فى جزء من منطقة سوق النحاسين. كما كان هناك ممر تحت الأرض يربط القصرين والذى كان يمكن للخليفة أن يمر من خلاله دون إنتهاك ذلك الإعتزال الغامض الذى كان جزءً من شخصيته المقدسة. وبالقرب من القصرين كان يوجد الضريح الكبير حيث ترقد عظام أجداده الفاطميين والتى أحضرها معه من القيروان والجامع الأزهر حيث إعتاد الخليفة على إمامة صلاة الجمعة بصفته أمير وقائد المؤمنين.
وعن حجم وبهاء القصر الكبير يتحدث المؤرخون العرب وقد حبسوا أنفاسهم. فنحن نقرأ عن أربعة آلاف غرفة وعن البوابة الذهبية التى تُفتح على القاعة الذهبية وعن السرادق الفخم حيث كان الخليفة - جالسا على عرشه الذهبى - يحيط به حجابه ووصفائه ( كانوا من الإغريق والسودان بشكل عام) يراقب من خلف ستار مزركش بالذهب إحتفالات الإسلام وعن قاعة الزمرد بأعمدتها الرخامية الجميلة والديوان الكبير حيث كان يجلس فى أيام الإثنين والخميس فى نافذة تحت قبة وعن الرواق حيث كان يستمع كل مساء إلى المضطهدين والمظلومين الذين كانوا يأتون إلى أسفل الشرفة ويصرخون بعقيدة الشيعة حتى يسمع شكواهم ويمنحهم المواساة.
والواقع أن هذا الوصف ينطبق على القصر الفاطمى فى عصور تالية ومع ذلك فهو حقيقيا فيما يخص الجزء الرئيسى من قاهرة المعز. فقد خطط المعز كل المبانى بنفسه إلى أصغر تفصيلة كما عمل جوهر لأكثر من ثلاث سنوات ليحقق تصميمات سيده. إن غزارة الثروة والفخامة النفيسة للبلاط يمكن الإستدلال عليها من إشارات كثيرة. فقد تركت إحدى بنات المعز عند موتها خمسة أكياس من الزمرد وكمية هائلة من الأحجار الكريمة من كل الأنواع وثلاثة آلاف آنية محفورة ومرصعة وثلاثين ألف قطعة من التطريز الصقلى وتسعين حوض وإبريق من الكريستال الخالص وقد إستخدم أربعون رطلا من الشمع لختم غرفها وخزائنها. وقد تركت إبنة أخرى عند وفاتها ثروة تقدر بإثنين مليون وسبعمائة ألف دينار كما تركت إثنى عشر ألف ثوبا مختلفة. وقد بنت زوجته مسجدا بالقرافة وأنفقت مبالغا كبيرة على زخرفته وقد صممه معمارى فارسى كما رسم الأسقف والجدران فنانون من البصرة. وقد طلب المعز نفسه أن تُصنع قطعة من الحرير فى توستار بفارس لتمثل بالذهب والألوان خريطة للعالم والتى كلفته إثنين وعشرين ألف دينار. فإذا ماكانت الهرطقة الفاطمية قد أحبطت الثقافة والأدب فقد شجعت الفن ولم يؤثر التحيز ضد تمثيل الأشياء الحية الذى قيد الرسامين الأرثوذكس(التقليديين أو السنة) فى عمل المنشقين( الشيعة) الذين سرعان ما تبنوا الأفكار الفارسية. وقد حرض الوزير الفاطمى اليازورى( أنظر ص 142) إثنين من رسامى العراق ضد بعضهما البعض فقام احدهما (القصير) برسم فتاة ترقص فى رداء أبيض بدت وكأنها تتراجع داخل قنطرة سوداء وقام منافسه( إبن العزيز) بجعل فتاته فى رداء قرمزى تبدو وكأنها تخرج من القنطرة الصفراء خلفها. إن مثل ذلك التصميم ماكان ليحتمل من قبل خليفة عباسى. وليس هناك من شك فى أن نشاطا فنيا عظيما قد ساد فى زمن الحكم الفاطمى والذى قد تطور فى صقلية وأيضا فى مصر. إن علبة الجواهر العاجية الشهيرة( التى تعود إلى مدينة بيوكس) بزخارفها الفضية المحفورة التى تمثل ببغاوات وطيور أخرى عليها نقوش فاطمية وكذلك الصندوق العاجى الذى يعود إلى سنة 970م فى متحف فيكتوريا وألبرت فربما يعود أيضا إلى عمل فنانيهم. وتحمل فازة ضخمة من الكريستال فى خزانة سان مارك بفينيسيا إسم العزيز ، إبن المعز. وقد أنتج( فى عصر الفاطميين) فخار ذو بريق معدنى وزجاج كما إشتُهرت أنوال مصر. وقد صنعت الإسكندرية والقاهرة حريرا رقيقا لدرجة أن ثوبا كاملا كان يمكن أن يمرر من خاتم إصبع. وقد إشتهرت أسيوط بقماش العمائم الصوفية و إشتهرت البهنسا بأصوافها البيضاء و دبيق بالحرير ودمياط – بالطبع - بالبفتة. وفى تنيس حيث كان إنتاج المصنع الملكى محفوظ كلية للعائلة الفاطمية فقد صنعوا بالإضافة إلى الأقمشة القطنية الناعمة القماش القزحى الجميل المعروف بإسم بوقالمون أو (الحرباء) والذى كان يُستخدم للسروج والمحفات الملكية.
وبالإضافة إلى المصنوعات الوطنية فقد كان هناك طلب مرتفع فى القاهرة على الأعمال الفنية لفارس وآسيا الصغرى وصقلية. ومع ذلك فلم يكن المعز مسرفا وقد مزج بحب الأشياء الجميلة وعى حذر بالحفاظ على قوته وتطويرها. وكان قد ورث أسطول من صقلية أغار على ساحل إسبانيا سنة 955م وإستولى على كثير من الأسرى والغنائم. وقد رد خليفة قرطبة – الناصر الكبير – بإرسال سفنه إلى تونس حيث أحرقت ميناء صغير بالقرب من بونا ونهبت الساحل المغربى.
أدى الإستحواذ على الموانئ المصرية إلى خطط بحرية أكبر. فبُنى حوض لصناعة السفن فى المكس - الموقع السابق لبولاق كميناء للقاهرة – حيث تم بناء ستمائة سفينة هناك وهى أكبر اسطول شهدته مصر منذ الغزو العربى. وقد حوفظ على الجيش – بعناية - فى درجة عالية من الكفاءة كما لم يهمل الخليفة أى وسيلة لكسب إحترام رعاياه. وقد إشتهرت محاكم المعز بالعدل وقد إهتم إهتماما شخصيا بكل تفاصيل الإدارة فأعلن إرتفاع النيل كما كان يُسجل فى المقياس وترأس إحتفال فتح خليج القاهرة وأسعد الناس بالكسوة الحريرية المطرزة بالذهب( الشمسية) التى كانت تُعد للكعبة فى مكة والتى كان يسمح للعالم كله برؤيتها فى عيد الأضحى والتى كانت أكبر بأربعة مرات من أى غطاء( كعبة) آخر أمر به العباسيون أو حتى كافور. ومن الواضح – وكما إعتقد الناس – أن هذا الخليفة كان نموذجا للتقوى الشديدة.
وأثناء ذلك كان خطر الغزو القرمطى مازال يراوح مكانه حيث قاموا بمحاولة للإستيلاء على تنيس لكنها فشلت ولم يقوموا بعد ذلك بأى تحركات أخرى. حاول المعز التفاوض مع رئيسهم ولكن فى رده على رسالته التصالحية كتب الحسن( من الحسن بن أحمد الأعصم ، لقد إستلمت خطابك الملئ بالكلمات ولكن الخالى من المعنى ، وسوف أُجيب عليه). كان الحسن عند كلمته ففى ربيع سنة 974م ظهر القرامطة مرة أخرى عند هليوبوليس وهناك ، وبعد أن إنضم إليهم أنصار الإخشيديين والمنافسين العلويين ، إنتشروا فى كل أنحاء مصر فى موجة من أعمال التدمير. كان المعز مستعدا لهم ولكن قواته لم تكن كافية للدفاع. إستطاع إبنه عبدالله بقوة من أربعة آلاف رجل هزيمة وقتل بعض منهم فى بعض الإشتباكات فى الدلتا لكنه لم يستطع منع تقدم الجيش الرئيسى من التقدم نحو القاهرة حيث إستطاعوا دفع المدافعين عن خندقها إلى المدينة. وفى موقفها المحصور خلف الأسوار لم تتمكن قوات الخليفة من دفع العرب حتى إستطاع المعز تدبير رشوة رئيس قبيلة بنى طى – أقوى حلفاء القرامطة- بمبلغ مائة ألف دينار ضُربت من الرصاص وماء الذهب لذلك الغرض حيث لم يكن هناك ذهب كافى فى الخزانة. هجر البدوى الخائن قائده فى المعركة التالية وأُجبر الحسن على الهرب وتم الإستيلاء على معسكره ونُهب كما ذُبح ألف وخمسمائة من أتباعه. وسرعان ما بُعث بعشرة آلاف رجل إلى سوريا حيث كان القرامطة – ولحسن الحظ – قد ضعفوا بسبب تحاسد قائديهم والذى قام أحدهم بتسليم الآخر إلى الفاطميين فوضعوه هو وإبنه فى قفصين خشبيين وبعثوا بهما إلى مصر. وتوقف الوباء القرمطى ولكن دمشق ظلت ضحية للشقاق والفوضى لبعض السنوات. ولم يستطع الخصى ريان – والذى كان قد إستولى على طرابلس من الرومان لصالح المعز وكان الآن قد أرسل إلى دمشق – أن يحفظ المدينة من الأمير التركى أفتجين الذى إسترجع إسم الخليفة العباسى وأعطى العاصمة السورية والإقليم المحيط بها بعض السلام والحكم الرشيد.
وأثناء ذلك كان خصى آخر قد إستولى على بيروت مع القوات الفاطمية وقد أحضرت تلك الخسارة زمسكيس( الإمبراطور البيزنطى) إلى سوريا وسرعان ماقدم له أفتجين فروض الطاعة ودخل معه فى معاهدة.ولكن ريان هاجم من طرابلس وأوقع بهم هزيمة ساحقة إنسحب الرومان على أثرها.
أضاءت أخبار ذلك الإنتصار، وحقيقة أن إسمه أصبح يُقرأ فى الصلوات فى مكة والمدينة مرة أخرى ، الأيام الأخيرة من حياة الخليفة المعز الذى توفى فى حوالى عيد الميلاد(الكريسماس) لسنة 975م فى السادسة والأربعين من عمره. تميزت سنتى إقامة المعز فى القاهرة بكثير من الإصلاحات. كان المعز قد عين اليهودى إبن كلس (يعقوب إبن كلس) وإبن عسلوج كمديرين عامين للأراضى فأزال بضربة واحدة قوى وأرباح جامعى الضرائب. كان هذان المسئولان ، يجلسان يوميا فى دار الإمارة الملاصقة لجامع إبن طولون مقررين ضرائب العشور ومقيمين الأراضى ومشرفين على الضرائب والجمارك والعشور والجزية والأوقاف وكل نواحى الدخل مطالبين بالمتأخرات وفاحصين بدقة كل الشكاوى والمطالب. كانت نتيجة ذلك زيادة كبيرة فى الدخل. أصبحت كل الضرائب تُدفع بالعملة الفاطمية الجديدة وتماما أزاح الدينار المعزى – المقدر بحوالى خمسة عشر ونصف درهم – الدينار العباسى الذى كان يستخدمه الإخشيديون مما سبب خسائر كبيرة للسكان. وفضلا عن ذلك فقد أصبحت الضرائب تُجمع بشدة حيث كان المعز متحمسا لإسترداد المبلغ الضخم الذى أنفقه على غزو مصر والتى لم تكن حتى ذلك الوقت قد إستجابت لتوقعاته كمنجم للذهب. وبرغم ذلك فقد بلغت الضرائب فى يوم واحد فى الفسطاط خمسين ألف دينار وأحيانا كانت تصل إلى مائة وعشرين ألف دينار وقد بلغت ذات مرة فى تنيس ودمياط والأشمونين حوالى مائتى ألف دينار فى يوم واحد.
وفى إدارته القصيرة لرعاياه المختلطين فى مصر أظهر المعز الحكمة والعدل. وقد منع قواته الإفريقية من الإختلاط بالمقيمين فى العاصمة وأسكنهم بالخندق بالقرب من هليوبوليس ليمنع المشاجرات. وبالطبع فلم يكن من الممكن منعهم من دخول الفسطاط أثناء النهار ولكن فى كل مساء كان مناد يطوف بالمدينة ويحذرهم بالخروج منها قبل هبوط الليل. لم يكن المعز كارها للأقباط وقد وضع واحدا منهم على رأس الجمارك ، أولا فى مصر ثم فى فلسطين ، حيث حظى برعاية وعطف الخليفة. والواقع أن المشكلة الطائفية الوحيدة التى واجهها كانت من إستيراده نفسه(يقصد الصراع بين الأتراك والمغاربة الذى حدث بعد ذلك). كان من الطبيعى أن تجعل نجاحات الفاطميين الشيعة أكثر تأسيسا وعلى ذلك فقد إحتفلوا بيوم إستشهاد الحسين فى العاشر من المحرم – وهو يوم يكرهه البوليس حتى فى بومباى الآن - بعلانية غير مألوفة فى القاهرة فى سنة 973م وزاروا مقابر السيدة نفيسة وأم كلثوم – من الأسرة الشريفة - فى حشود كبيرة وأهانوا أصحاب الحوانيت السنة فى خضم حماسهم. أمكن منع حروب الشوارع بإغلاق البوابات فى ساعات مناسبة مما فصل أحياء المدينة المختلفة. وقد أظهرت تلك الحادثة أن الثورة الشيعية كانت لم تزل مرفوضة من قبل قطاع كبير من السكان ، وسوف نرى كيف أنه حتى بعد قرنين أمكن إسترجاع العقيدة السنية التقليدية بإجماع مثير للدهشة.



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ البابوية القبطية المبكر-ستيفن ديفيز-ترجمة عبدالجواد سي ...
- تركيا وروسيا وإسرائيل ، ثورة دبلوماسية، أم مؤامرة جديدة؟
- وداعاً 30يونيو
- الإتحاد الأوربى والمشروع الإسلامى
- حضارة بابل وخرافات الخمينى
- عصر الأنوار والحروب الدينية
- مصر والبحر المتوسط
- فى ذكرى جيفارا المصرى، شهدى عطية الشافعى
- أقليات الشرق وخداع الحداثة
- الشرق الأوسط وصراع الحضارات
- مابعد الدين والقومية
- تاريخ الشرق الأوسط-تأليف بيتر مانسفيلد-ترجمة عبدالجواد سيد
- ملحمة جلجاميش وجذور الفكر الدينى
- مختصر تاريخ مصر فى العصور القديمة
- الحلف السعودى الإسرائيلى المصرى والشرق الأوسط الجديد
- ثورة المعرفة والصراع الطبقى
- المسيحية من الإستبداد ، إلى الإصلاح ، الى الثورة العلمانية
- أساطير العهد القديم وأصل الإسلام
- محمد والقبائل والرسالة المزعومة
- صلاح الدين بين السنة والشيعة


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالجواد سيد - الثورة الشيعية-ستانلى لين بول -ترجمة عبدالجواد سيد