أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة















المزيد.....



قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 5166 - 2016 / 5 / 18 - 18:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في كتاب التنمية المستدامة
للخبير الدولي د. جفري ساكس


هل يمكن لسكان هذا العالم أن يعتاشوا من هذه الأرض وخيراتها دون أن يدمّروها ويدمّروا انفسهم في ذات الوقت؟ هذا السؤال هو لبّ ما يتناوله هذا الكتاب. وهو من تأليف د. جفري ساكس، استاذ جامعة كولومبيا ومدير "معهد الأرض" فيها والخبير الدولي في مجالات التنمية والتخطيط وتغيرات المناخ. كما يشغل منصب مستشار لسكرتير الأمم المتحدة. قال احد زملائه في تقييم هذا الكتاب، إنّه عشرة كتب في كتاب واحد! فهو معزز بالبيانات والأشكال والخرائط والصور لشرح وجهات النظر وتقييمها واقتراح الخطوات العملية القائمة على الثقة بقدرة التكنولوجيا والعلوم لتقديم الحلول المناسبة. وهو شامل بالغ الأهمية، لحدّ أنّني حين اطلعت على بيان بابا الفاتيكان حول اوضاع كوكب الأرض ووجوب حمايته من الدّمار، بدا لي أنّ البابا قد فرغ لتوه من الإطلاع على محتويات هذا الكتاب!
اسعدني جدّا ما قرأته حديثا عن بيانات عدد من المنظمات الدولية التي تشير إلى انخفاض هائل في معدل وفيات الأطفال تحت الخمسة اعوام حول العالم. تشير احصاءات منظمة الصحة العالمية ومنظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (يونيسيف) إلى انخفاض معدل وفيات الأطفال إلى اكثر من النصف خلال 25 عاما الأخيرة. لكنّ هذه الأرقام لا تزال أقلّ ممّا كانت الأمم المتحدة تستهدفه، وهو خفض اعداد الوفيات بمعدل الثلثين بحلول العام الحالي 2015. ومن المتوقع أن ينخفض عدد وفيات الأطفال للمرة الأولى من 12.7 مليون عام 1990 إلى 5.9 مليون خلال عام 2015. لكنّ وكالات الاغاثة تقول إنّه لا يزال هناك الكثير من التحديات التي تواجه الدول الأقل دخلا في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى.
على الرغم من ذلك الانخفاض الكبير في معدلات وفيات الأطفال، تشير ارقام منظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي وادارة الأمم المتحدة للسكان إلى وفاة 16000 طفل يوميا ممن تقلّ اعمارهم عن خمس سنوات حول العالم. وتشير الأرقام إلى أنّ نحو نصف وفيات الأطفال دون 5 سنوات تحدث خلال الأسابيع الأربعة الأولى بعد الولادة، بينما يموت نحو مليون طفل حول العالم في اليوم الأول لولادتهم. تقول بسترو، مساعدة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إنه "لتحقيق المزيد من النجاح في هذا الأمر لابد من التركيز على الوفيات التي تحدث عقب الولادة." اضافت أنّ الأمر يتطلب الإنتباه إلى الوفيات التي تحدث بسبب الاختناق أو حالات وجود بكتريا ضارة في انسجة الجسم التي قد تحدث بعد الولادة sepsis. إختتمت بالقول إنّه يجب تشجيع الرضاعة الطبيعية والتطعيم المبكر ضد الأمراض لزيادة مناعة الأطفال.(1)
من جهة اخرى افادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أنّ نحو 800 مليون شخصا في العالم لا يزالون يعانون من نقص التغذية المزمن. وذكرت الفاو في بيان لها، أنّ السنوات الـ 15 المقبلة تتطلب استثمارات إضافية، بمقدار 160 دولارا سنويا لكلّ شخص يعيش في براثن الفقر المدقع، من أجل بلوغ هدف القضاء على الجوع. هذا وكان خوزيه گرازيانو دا سيلفا، المدير العام للفاو، قد قال، امام زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: إنّ "الأمن الغذائي والتغذية والزراعة المستدامة، هي السبيل إلى تحقيق كامل الأهداف الإنمائية المستدامة بحلول عام 2030″-;-. أكد أنّ هدف “القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية، وتعزيز الزراعة المستدامة"، لا بد أن نسعى إلى بلوغه على وجه السرعة، وأن نُحرز تقدماً عاجلاً على هذه الجبهة، باعتبارها مفتاحا لتحقيق غير ذلك من اهداف التنمية المستدامة. واضاف، "إنّنا اخذنا على عاتقنا مهمة هائلة بحق، تبدأ بالتزام تاريخي، ليس فقط لتخفيف وطأة الفقر والجوع، وإنّما للقضاء عليهما على نحو مبرم ومستدام أيضا." اشار سيلفا إلى أنّ اربعة عشر من اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، ترتبط بمهام المنظمة تاريخيا.(2)
كما اطلعت على تقرير آخر عن دراسة حديثة صادرة عن المعهد الفرنسي للبحوث الديموغرافية اظهرت أنّ عدد سكان العالم سيقارب عشرة مليارات نسمة سنة 2050 مقابل 7.3 مليارات حاليا. وبينت هذه التقديرات التي ينشرها المعهد الفرنسي كلّ عامين في موازاة دراسات مشابهة تجريها منظمات دولية عدة بينها الأمم المتحدة والبنك الدولي، أنّ عدد سكان العالم ارتفع بواقع سبعة اضعاف خلال القرنين الماضيين ومن المتوقع استمراره في الارتفاع "إلى أن يصل ربما إلى 11 مليارا في نهاية القرن الحادي والعشرين." مع ذلك، فإنّ نسبة النمو السكاني في العالم تسجل تباطؤا. فبعد مستوى قياسي يفوق 2 % سنويا قبل خمسين عاما، تراجعت النسبة إلى النصف مذ ذاك (1.2 % في 2015) ومن المتوقع استمرارها في الانخفاض إلى حين تسجيل شبه استقرار في نسبة النمو السكاني في العالم خلال قرن. هذا التراجع في نسبة النمو يعود إلى تراجع نسبة الإخصاب، وهي 2.5 طفلا في المعدل لكلّ امرأة حاليا في العالم مقابل الضعف (5 أطفال) سنة 1950. لكنّ هذه النسبة تنطوي على تباينات كبيرة بحسب المناطق والبلدان. فأدنى معدلات الإخصاب مسجلة في البرتغال وكوريا الجنوبية (1.2 طفلا لكلّ امرأة) فيما اعلاها من نصيب نساء النيجر وهي (7.6 ) طفلا.

من المناطق التي لا يزال معدل الإخصاب فيها يفوق ثلاثة اطفال لكلّ امرأة، هناك في افريقيا وبعض بلدان الشرق الأوسط والمناطق الممتدة من افغانستان إلى شمال الهند مرورا بپاكستان. وتتركز في هذه المناطق النسب الأعلى من النمو السكاني العالمي خلال العقود المقبلة وفق المعهد الفرنسي للبحوث الديموغرافية.
لا تزال الصين اكبر بلدان العالم من حيث التعداد السكاني بوجود 1.4 مليار نسمة، إلا أنّ الهند (1.3 مليار) ستطيح بها لتحتل الصدارة على الأرجح قبل سنة 2030 بفعل معدل اخصاب أعلى (2.3) طفل لكلّ امرأة هندية في المعدل مقابل 1.7 طفل للنساء الصينيات. تضم قائمة اكبر سبعة بلدان من حيث التعداد السكاني في العالم، الصين والهند والولايات المتحدة وإندونيسيا والبرازيل وپاكستان ونيجيريا. وهذا يعادل ما مجموعه 3.85 مليار نسمة، أي اكثر من نصف عدد سكان العالم.(3)
في موضوع آخر، شهدت دول عدة في الشرق الاوسط خلال شهر سبتمبر من 2015 عواصف رملية كثيفة تسببت باصابة المئات من الاشخاص بحالات اختناق فضلا عن وفاة شخصين في لبنان حيث بدت مخيمات اللاجئين السوريين الاكثر هشاشة. افادت وزارة الصحة عن "ارتفاع عدد حالات الاختناق وضيق التنفس جراء العاصفة الرملية." قال الامين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان لوكالة فرانس برس إنّ العاصفة الرملية "تضرب في لبنان مرتين او ثلاث مرات سنويا، ولكن عادة في فصل الربيع اي شهري اذار/مارس ونيسان/ابريل، وهي ما تعرف برياح الخماسين. اما المستغرب اليوم فهو كثافتها".
لم تقتصر العاصفة الرملية على لبنان بل امتدت الى دول اخرى. واوضح احدهم أنّ "صورة فضائية حصل عليها مجلس البحوث العلمية من وكالة الفضاء الاميركية (ناسا)"، تظهر بوضوح أنّ العاصفة الرملية انطلقت من العراق، خاصة شماله، واتجهت نحو وسط لبنان وشماله ، شمال سوريا وشرقها، والجزء الجنوبي من تركيا. وبحسب قوله، فإنّ العاصفة الرملية قد تستمر لمدة 24 او 36 ساعة كحدّ اقصى في حال لم تساعد التيارات الهوائية على ابعادها وحتى تفكيكها او عبر حصول تعديل في الضغط الجوي.
في سوريا، ذكر وزير الصحة أنّ "مئات المواطنين المصابين بحالات الربو والتهاب القصبات التحسسي راجعوا المشافي والمراكز الصحية وتمّ تقديم الخدمات العلاجية اللازمة لهم". ودعا المواطنين، وخصوصا الذين يعانون من امراض تنفسية أو تحسسية، الى اتباع التدابير الوقائية لا سيما "تجنب البقاء لفترة طويلة في الاماكن المفتوحة وتغطية الانف والفم بقناع واق رطب".
في اسرائيل، جاء في بيان لوزارة حماية البيئة، أنّ الضباب ناتج عن العاصفة الرملية التي ضربت المنطقة من الجهة الشمالية الشرقية. واشار البيان الى أنّ مستوى التلوث في الجو مرتفع جدا في الشمال ومرج ابن عامر وغور الاردن والضفة الغربية والقدس وصحراء النقب. وغطي ضباب كثيف مدينة القدس ومناطق عدة من الاراضي الفلسطينية. وفي الضفة الغربية، اصيب العشرات بحالات اختناق وادخلوا الى المستشفيات. وقال مصدر من مكتب وزير الصحة الفلسطيني لفرانس برس "ادخلت عشرات الحالات اليوم الى المستشفيات نتيجة الاختناق من العاصفة الرملية التي تضرب المنطقة، ولم يتسن لنا لغاية الان معرفة العدد الدقيق".(4)
ننتقل من ميدان البيئة الى ميدان الطاقة، فنذكر ما شهدته العاصمة بيروت عن انعقاد فعاليات منتدى بيروت الدولي السادس للطاقة ولمدة ثلاثة ايام على التوالي. جرى ذلك بموازاة معرض كبير لتكنولوجيات الطاقة المتجددة. لقد استطاع المنتدى أن يرسل إشارات ثقة للجهات والمنظمات الدولية المانحة وفي مقدّمها البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، والاتحاد الأوروپي الحاضر بقوة ذلك العام من خلال مشاريعه المتعددة التي يتّم تنفيذها في لبنان وفي مقدّمها سيساف وميد ـ إنك. شهد المنتدى توقيع شراكات نوعية ومنها تحويل اسطح مجموعة محطات المحروقات الخاصة بشركة أي بي تي إلى طاقة شمسية لتوليد الكهرباء بتمويل مباشر من البنك الفرنسي. كما شهد المنتدى إطلاق جوائز "الوعي حول الطاقة"، دعا خلالها وزير الإعلام الى إعداد التشريعات اللازمة لتنمية مصادر الطاقة المتجددة وتحفيز الاستثمار وتشجيع البحث العلمي وتطوير الصناعة الوطنية في هذا المجال. واظهرت اجنحة المعرض نمو سوق الطاقات المتجددة لاسيما في الاستخدامات الشمسية. ركز المنتدى أيضاً في جانب من حلقاته على دور البلديات في موضوع توفير الطاقة.

انبرى خبراء المركز اللبناني لحفظ الطاقة على إعداد وصياغة الخطة الوطنية للطاقة المتجددة بعدما كانت محاورها سابقاً من ضمن محاور الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة. إلا أنّ مجموعة التطورات الإيجابية والإنجازات العملية التي تحققت، استدعت ترتيب الأولويات التي تضمن تحقيق هدف الحكومة اللبنانية في العام 2020 وجعله هدفاً منظوراً قابلاً للتطبيق، وكذلك الذهاب برؤية واحدة إلى مؤتمر الأطراف 21 في باريس.(5)
في مقالة نشرتها احدى الصحف، تساءل الكاتب حبيب معلوف عن علاقة المطالب البيئية بالسياسة. هذا هو السؤال الذي تسأله بعض الاتجاهات المتحمسة والمتسرعة في الحراك الشعبي والمدني. وبرأيه فإنّ هذا الاتجاه ليس مستغربا جدّا في تاريخ الحركة البيئية. فثقافة الابتعاد عن السياسة واعتبار الاتكال على الحملات الخاطفة هي الثقافة التي روجت لها حملات Green Peace العالمية عبر تاريخها، وقد تأثر بها شباب كثر في كلّ انحاء العالم. فاذا كانت الحملات هي للفت الانظار الى القضايا او المشكلات كما في الحراك المدني الاخير حول قضية النفايات وانتشار روائحها المتجمعة والمتراكمة في الطرق، ما كان هناك من حاجة الى ذلك لانّ الرائحة هي نفسها تقوم بهذا الدور. امّا اذا كانت للإزعاج والإحراج، فهذا معقول ولكنه غير كاف للضغط باتجاه ايجاد الحلول، لا سيما المستدامة منها، او للتغيير بشكل عام.
وبرأيه ايضا أنّ منظمات مثل گرينپيس، نجحت في لفت الانظار في حملاتها الى قضايا صغيرة وإجبار مؤسسات على القيام بإجراءات صغيرة لتحسن نشاطها الإنتاجي، الا أنّها لم تنجح في تغيير الانظمة والاقتصاديات المؤثرة سلبا على الانظمة البيئية وعلى ديمومة الموارد، بديل استمرار التدهور البيئي وحال الكوكب على جميع الاصعدة. يختتم بالقول إنّ ايديولوجيا البيئية تدافع عن شروط الحياة وديمومتها وتهدف الى الحفاظ على مقومات هذه الحياة كمصلحة عليا للنوع الانساني والتي تتجاوز الصراعات والمصالح التقليدية.(6)
في مقالة اخرى يجزم افرام رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في بيروت بارتفاع حتمي في نسب التلوث الجرثومي في الأنهر والمجاري المائية وصولا الى مصبات الأنهر عند البحر في بيروت، من جراء تدفق اكوام النفايات في المجاري والأنهر المائية واختلاط محتوياتها مع المتساقطات التي تذهب مياهها في مسارب مياه الامطار. وهو يعتقد أنّ اختلاط مياه المتساقطات مع اكوام النفايات يؤدي حتما الى ارتفاع حجم التلوث الجرثومي في الانهر والمجاري المائية في بيروت. وهذا ستؤكده بالأرقام اية فحوص جديدة، حسبما يشير رئيس المصلحة المذكورة الذي يتحدّث عن وصول هذا الاختلاط ما بين المجاري المائية واكوام النفايات الى الشواطئ في بيروت التي تُعدّ المصبّ الأخير لكلّ مجاري الامطار والانهر التي يُخيّل للكثيرين بأنها باتت مجرى للنفايات وليست للمياه، حسب قوله.
الامر المؤكد في نتائج فحوص مختبرية على مياه آبار جوفية دلت على وجود تلوث جرثومي وكيمائي تتصاعد ارقامه وحجومه سنة بعد سنة. يقدم افرام عينة من نتائج الفحوص المختبرية التي تجري بشكل مستمر في مختبرات المصلحة على نوعية المياه، ودلت آخر نتائج الفحوص المخبرية على وجود تلوث جرثومي وكيميائي داخل مياه الآبار.هذا التلوث حسب افرام لا ينحصر وجوده على المجاري المائية او الطبقات الجوفية انما يتسرّب ايضاً وبكلّ تأكيد الى المنتجات الزراعية التي تُروى على نطاق واسع بهذه المياه الملوثة التي تنقل هذه الملوثات الى الخضار وهذا مؤكد أيضا بالأرقام على مدوّنات نتائج الفحوص المخبرية للسلع الزراعية.
في المفهوم الطبي، فإنّ استعمال هذه المياه الملوثة في عملية الشرب او الاستعمالات الشخصية دونه اضرار صحية تلحق بمستعمل هذه المياه إن كان في الشرب او سواه من الاستعمالات الأخرى، وفق ما يؤكد الدكتور رياض القرعاوي. يفسر التلوث الجرثومي اسباب ارتفاع حالات الاصابة في التيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي والظهور المتكرر لأوجاع المعدة وحالات التقيؤ، وهي حالات مرضية ترتبط بالتلوث الجرثومي، حسبما يجزم القرعاوي.(7)
في موضوع آخر، ضربت الأمطار والسيول المنطقة العربية واغرقت مدنا فيها. فبحسب تقارير محلية، تتواصل معاناة المصريين من اهالي محافظتي الإسكندرية والبحيرة، بسبب تدفق السيول التي تهدد العديد من مناطق المحافظتين، التي ادت إلى إغراق الشوارع، وامتلاء المناطق المنخفضة بمياه الأمطار وخلو الشوارع من المارة وانقطاع التيار الكهربائي في عدد من القرى والمدن. حدث ذلك فيما غرقت شوارع العاصمة عمان وبعض المدن الأردنية خلال ساعة واحدة فقط إثر هطول امطار رعدية غزيرة سببت سيولا وحالة من الذعر اجتاحت الأردنيين. وداهمت مياه الأمطار والسيول الجارفة بعض المنازل مسببة وقوع حالات وفاة وبعض الإصابات وغمرت عددا من الأنفاق وأدت إلى إغلاق الشوارع، بينما تشكلت الكثير من البرك جراء انغلاق منافذ التصريف في الشوارع متسببة بإعاقة الحركة المرورية. تناقل الأردنيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من الصور التي تجسد الفشل الحكومي في الاستعداد لمثل هذه الحالات، بينما عبر آخرون عن سخطهم من البنية التحتية للبلاد والاستعدادات التي قالت امانة العاصمة عمان إنّها جاهزة.
في اليمن، اكدت مصادر طبية في محافظة حضرموت، وفاة خمسة اشخاص وإصابة 32 آخرين جراء الأمطار والسيول التي سببها إعصار تشابالا. وقالت المصادر إنّ السيول تسببت في تدمير العديد من المنازل في المحافظة، فيما اسفرت الأمطار الغزيرة عن سقوط اسقف المنازل على ساكنيها. وتسببت السيول والامطار الناتجة عن الإعصار بإلحاق اضرار كبيرة في البنية التحتية وشبكات الكهرباء والهاتف والإنترنت، إضافة إلى إغلاق الطرقات.(8)
هذا وقد نبهت باحثة مصرية من عواقب وخيمة لتلوث الكائنات البحرية الدقيقة بساحل البحر الأحمر، قائلة إنّها لن تمر دون نتائج خطيرة على الحياة في المحيطات بشكل عام. وتعد الدراسة إحدى الدراسات القليلة التي تقوم بدراسة الحياة البحرية الميكروبية على طول ساحل البحر الأحمر المصري والأولى التي تقدم تحليلا شاملا لهذه المجتمعات الميكروبية. تقول غادة مصطفى "يعدّ فريقنا هو أول فريق يقوم بمسح ساحل البحر الأحمر المصري لفحص المجتمعات الميكروبية التي تعيش في مواقع مختلفة".
ومن خلال مقارنة عينات من المناطق الآمنة من التلوث ومن الأماكن الأخرى الملوثة بشكل كبير، بما في ذلك الموانئ والمنتجعات السياحية، وجد الفريق أنّ التلوث قد غير بالفعل من بنية الميكروبات في هذه المواقع مما قد يسبب بشكل محتمل ضرر بيئي خطير. إنّ أحد الأمثلة البارزة للدراسة هي بحيرة الطاقة الشمسية في طابا. تضيف مصطفى، "لقد تم توثيق وجود مستويات عالية من الطحالب الخضراء والزرقاء، التي تعد مصدرا هاما لإصدار الأوكسجين. ولكن من خلال بحثنا، قمنا بأخذ عينات خلال عامين مختلفين ولم تكشف العينات عن وجود أيّ من تلك البكتيريا في تلك البحيرة على الإطلاق. ممّا يشير إلى أنّ التلوث في المنطقة تسبب في تغير بيئي رئيسي ستكون له عواقب بيئية خطيرة في المستقبل".
اوضحت مصطفى أنّ التلوث في مصر والعالم سيسبب عواقب بيئية خطيرة، مثل تعطيل النظام البيئي البحري الذي يؤثر سلبا على تطور الكائنات الحية الدقيقة، "يجب علينا النظر في التأثير العالمي للتلوث والتصنيع على الساحل المصري. إنّ أيّ تلوث في البحر الأحمر يضاعف بشكل كبير وذلك لصغر حجم البحر فهو محاط بالأرض بشكل كبير ويتسم ببطء دوران المياه وتحيطه ثمان بلدان. كما أنّ الأنشطة مثل التنقيب عن النفط وبناء المنتجعات السياحية تؤثر بشكل مباشر على البيئة وعلى الحياة في البحر الأحمر وعلى طول الساحل".(9)
في طرف آخر من العالم تأتي اخبار البيئة مختلفة عمّا في منطقة الشرق الأوسط، وهي ليست عن العواصف الرميلة والبيئة واكداس القمامة. لقد امتدت الفيضانات إلى انحاء اليابان فاقتلعت منازل من ساساتها ودمرت اخرى في انهيارات ارضية بعدما فاضت مياه مزيد من الأنهار، ممّا تسبب في فقد 25 شخصا على الأقل واجبر اكثر من 100 ألف على الفرار. ولا تزال التحذيرات قائمة من امطار غزيرة في بعض مناطق شمال اليابان لكنّ مياه الفيضانات بدأت تنحسر في مدينة جوسو بعدما اسقطت اشجارا وجرفت مساكن باصحابها في بعض الأحيان. قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية الوطنية إنّ الطائرات المروحية حلقت فوق مدينة أوساكي ذات الطابع الريفي إلى حدّ بعيد على بعد نحو 350 كيلومترا شمالي طوكيو حيث غمرت مياه نهر شيبوي البنيّة حقول الأرز والمنازل بينما كان رجال الانقاذ ينقلون الناس بقوارب مطاطية.

شهدت بعض المناطق في اليابان ضعفي كمية الأمطار التي تسقط عادة في سبتمبر خلال 48 ساعة فقط، وسببت اسوأ الفيضانات في البلاد منذ اكثر من 60 عاما. انشأت الحكومة مركزا للطوارئ وقال رئيس الوزراء إنّ الأمطار التي "لم يسبق لها مثيل" خلقت اوضاعا طارئة. وعملت نحو 51 طائرة مروحية وقرابة 6000 رجل انقاذ حتى الليل لانتشال المحاصرين في المنازل. هذا وقالت شركة تويوتا للسيارات إنّها اوقفت الانتاج في ثلاثة مصانع بشمال شرق اليابان، وإنّه لم تحدث أية اضرار بأيّ من منشآتها.(7)
في البرازيل، ادى انهيار سدين في منطقة مناجم إلى قطع مياه الشرب عن ربع مليون نسمة فضلا عن تراكم رواسب برتقالية كثيفة بالمسطحات المائية قد تؤدي إلى الاضرار بالمنظومة البيئية عدة سنوات قادمة. وأدى انهيار السدين في منجم لاستخراج خام الحديد بجنوب شرق البلاد إلى مقتل عدد من الأشخاص علاوة على نزوح 500 شخص عن ديارهم. أدّى ذلك الانفجار إلى تدفق كميات هائلة من المياه المحملة بنفايات معدنية حجمها 60 مليون مترا مكعبا، وانتشارها لمسافة نحو 500 كيلومترا. قارنت رئيسة البرازيل هذه الكارثة بحادثة التسرب النفطي الذي حدث في خليج المكسيك عام 2010، ووصفتها وزيرة البيئة البرازيلية بأنّها كارثة بيئية.
يقول العلماء إنّ المترسبات، التي قد تحتوي على مواد كيميائية تستخدم في المنجم لتنقية شوائب خام الحديد، قد تؤدي إلى تغيير مسار القنوات المائية مع زيادة كثافة المياه فضلا عن تراجع المحتوى الاوكسجيني في المياه مع خفض خصوبة ضفاف الأنهار والرقعة الزراعية التي تمر بها المياه الملوثة المتدفقة. وفي الوقت الذي اكّد فيه ملاك المنجم مرارا بأنّ هذا التدفق ليس ساما، لكنّ علماء البيولوجيا وخبراء البيئة لا يوافقون على ذلك. أمرت السلطات المحلية العائلات التي نزحت عن المنطقة بالاغتسال جيدا والتخلص من الملابس التي التصقت بها الأوحال الناتجة عن التدفق. وقال كليمنس لاشيسفكي استاذ علوم الجيولوجيا بجامعة ميناس جيريس الاتحادية بأنّ الأوحال قتلت بالفعل الحياة البرية ومن قبيل تبسيط الأمور القول إنّها لا تمثل مخاطر بيئية. ثمّ اضاف إنّه مع كثافة تدفق الأوحال فانها ستؤدي إلى صعوبة عمليات الزراعة مع تراكم مزيد من الطمي على قيعان الأنهار والقنوات ما يغير من تركيبة المياه. ومن بين المواد المحتمل وجودها ايثير الأمين التي يشيع استخدامها في مناجم البرازيل لفصل السيلكا من خام الحديد وهي مادة لا تتحلل بسهولة وذات تأثيرات سامّة للكائنات البحرية مع قدرتها على رفع درجة حموضة المياه الضارة بالبيئة.(8)
اودت الكوارث الطبيعية التي تزداد وتيرتها، بحياة 600 الف شخصا في الاعوام العشرين الماضية، بحسب ما اعلنت الامم المتحدة. وشددت الامم المتحدة على ضرورة التوصل الى اتفاق دولي حول المناخ في القمة الدولية في باريس. جاء في تقرير نشره مكتب الامم المتحدة للحدّ من مخاطر الكوارث أنّه منذ العام 1995 اودت الكوارث المناخية بحياة 606 الف شخصا، أي ما معدله ثلاثون الف شخص سنويا. وبحسب التقرير، تخطى مجموع المتضررين من الفيضانات والعواصف الشديدة والظواهر المناخية القصوى 4.1 مليار شخصا، منهم من اصيبوا بجروح، ومنهم من فقدوا مساكنهم، ومنهم من اصبحوا بحاجة لمساعدات عاجلة. وتقع الغالبية العظمى من الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية (89%) في الدول الفقيرة.
يشير التقرير الذي شمل السنوات العشرين الاخيرة الى أنّ الكوارث المناخية تزداد وتيرتها، خصوصا الفيضانات والعواصف الشديدة، محذرا من ان يتواصل ارتفاع هذه الوتيرة في العقود المقبلة. وشكلت الفيضانات وحدها 47% من الكوارث المناخية بين العامين 1995 و2015، واثرت على 2.3 مليار شخصا غالبيتهم الساحقة (95%) تعيش في دول آسيوية. امّا العواصف العاتية فأسفرت عن مقتل 242 الف شخصا في هذه المدة. وسجل اكبر عدد من الكوارث المناخية في الصين والولايات المتحدة، ويعود السبب الاكبر في ذلك الى المساحات الشاسعة لهذين البلدين. امّا البلدان الاكثر تاثرا بالاضرار التي الحقتها الكوارث الطبيعية بسكانها، فهي الصين والهند وبنگلادش والفيليپين وتايلاند، فضلا عن البرازيل على صعيد القارة الاميركية الجنوبية، وكينيا واثيوبيا على صعيد القارة الافريقية.(9)
وفيما يتعلق بالغذاء، اعلنت منظمة الفاو أنّ مؤشر الأسعار الدولية للسلع الغذائية واصل تراجعه في شهر آب/أغسطس، وسط وفرة الامدادات للمحاصيل وانخفاض اسعار الطاقة وتصاعد المخاوف بصدد تباطؤ الاقتصاد الصيني. واضافت في بيان نشرته على موقعها الالكتروني، أنّ هذه العوامل ساهمت مجتمعة في اقصى تراجع يشهده مؤشر اسعار الغذاء لدى الفاو خلال ما يقرب من سبع سنوات. واكدت المنظمة أنّ متوسط المؤشر بلغ 155.7 نقطة في آب/أغسطس 2015 بانخفاض مقداره 5.2 % مقارنةً بمستواه في تموز/يوليو، وذلك كأشد حركة هبوط شهرية للدليل الدولي منذ كانون الأول/ديسمبر 2008، شاملاً انخفاضاً ملحوظاً في جميع السلع الغذائية الرئيسة تقريبا.(10)

عن انعقاد مؤتمر المناخ في باريس في مطلع شهر ديسمبر 2015، طرح پول كروگمن تساؤلا إنْ كان اتفاق باريس قد انقذ الحضارة. ربما. قد يبدو ذلك تأييدا مدويا، لكنّه في الواقع افضل انباء عن المناخ نسمعها منذ زمن طويل جدا. إلّا أنّ هذا الاتفاق يمكن رغم ذلك أن يمضي على خطى پروتوكول كيوتو عام 1997، الذي بدا آنذاك أنّه أمر جلل، لكن انتهى به المطاف وقد اصبح غير فعال بالمرة. غير أنّ العالم شهد تغيرات مهمة منذ ذلك الحين، التي ربما خلقت اخيرا الظروف المواتية للتحرك إزاء معالجة مشكلة الاحتباس الحراري قبل فوات الأوان. حتى وقت قريب جدّا كانت هناك عقبتان هائلتان تعترضان سبيل التوصل إلى أيّ اتفاق عالمي حول المناخ، وهما استهلاك الصين المتزايد من الفحم، والمعارضة العنيدة من قبل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. العقبة الأولى بدت وكأنها تعني أنّ الانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة سوف ترتفع لا محالة مهما فعلت البلدان الغنية، بينما عنت الثانية أنّ الدولة الأكبر من تلك البلدان الغنية عاجزة عن قطع وعود ذات مصداقية.
لكنّ كروگمن يبشرّنا بحدوث تغيرات مهمة على كلتي الجبهتين. من ناحية، طرأ تحول ملموس على الاتجاهات الصينية، أو على أيّ مستوى، تحول يمكن رصده إذا لم يكن الضباب الدخاني بهذه الكثافة. جديّا، تواجه الصين ازمة هائلة في جودة الهواء، يتسبب بها بالأساس حرق الفحم الذي يجعلها اكثر رغبة في تخليص نفسها من استهلاك اسوأ انواع الوقود الأحفوري. كما أنّ النمو الاقتصادي في الصين، حيث تضاعف الدخل الحقيقي للفرد الواحد 4 مرات منذ 1997، ما يعني أيضا أنّ البلاد تمتلك الآن طبقة وسطى سريعة النمو، باتت تطالب بمستوى أعلى من جودة الحياة، بما في ذلك هواء آمن نسبيا للتنفس. إذن ستلعب الصين دورا مختلفا جدا عمّا كانت تفعله في الماضي. أحد المؤشرات على ذلك أنّ بعض المشتبه بهم المعتادين في اليمين غيروا فجأة من نهجهم. لقد اعتادوا على الدفع بأنّ فرض قيود على الانبعاثات الأمريكية لن يكون ذا فائدة، لأنّ الصين سوف تواصل إطلاق الملوثات. الآن بدأوا يدفعون بأنّ التحرك الأمريكي غير ضروري، لأنّ الصين سوف تقلص استهلاك الفحم مهما فعلنا. ما يعود بنا إلى اتجاهات الحزب الجمهوري الأمريكي التي لم تتغير إلا للأسوأ. إنّ الحزب يزداد انغماسا في ثقب اسود من الإنكار ومؤامرة التنظير ضد العلم. الأنباء السارة التي غيرت قواعد اللعبة هي أنّ ذلك ربما لم يعد مهمّا كما كنا نظن. صحيح أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع اتخاذ إجراءات واسعة النطاق إزاء قضية المناخ من دون سن تشريعات جديدة، ولن يحدث ذلك ما دام الجمهوريون يحتفظون بسيطرتهم على مجلس النواب. لكنّ الرئيس أوباما تحرك لفرض قيود على انبعاثات محطات توليد الطاقة، وهو جزء كبير من الحلّ الذي نحتاجه عبر إجراءات تنفيذية.(11)
هذا وكان البابا فرنسس حث الدول التي وقعت على معاهدة باريس التاريخية لمحاربة تغير المناخ على الالتزام بالتنفيذ العاجل للمعاهدة ودعاها إلى تذكر الفقراء اثناء ذلك. وقال في خطاب امام عشرات الآلاف في ساحة القديس بطرس إنّ تنفيذ المعاهدة التزام واضح واخلاص سخي من قبل الجميع. وتابع قوله "ادعو المجتمع الدولي بأكمله لأن يتحرك للأمام على وجه السرعة على المسار الذي اتخذ في دلالة على التضامن." وعبر فرنسس عن أمله في جذب الانتباه تحديدا للشعوب المستضعفة.(12) وهو بهذا يرفع صوته لمعالجة مسألة تغيرات المناخ وحماية البيئة والمباشرة في مشاريع التنمية.
ماذا يقول العرب عن التنمية البشرية التي هي جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة؟ ما الذي يعيقها في المنطقة العربية؟ لا تزال الدول العربية الأقل إشراكا للمرأة في الحياة السياسية. للسنة الثانية عشرة على التوالي، حصلت النرويج على المرتبة الأولى في مؤشر التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. اختار معدو تقرير هذا العام "إعادة التفكير بالعمل من اجل التنمية البشرية" عنواناً له، إذ تناول التقرير جوانب عدة لأهمية العمل والتوظيف في تحسين معدلات التنمية البشرية.
تعليقا على تفاوت حظوظ الدول العربية ومراتبها في القائمة، قالت المديرة المساعدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية، إنّ تلك الدول حققت تقدما ملحوظا خلال العقود الأخيرة، وهي الآن على مفترق طرق. أكدت على أنّ اهمية توسيع نطاق التنمية المستدامة للجميع، ولا سيما النساء والشباب، سيكون عاملا أساسياً في تحقيق ذلك، كما جاء في بيان صحفي اصدره البرنامج الأممي للتنمية البشرية. اشار البيان إلى أنّ النسب العالية للبطالة بين الشباب في المنطقة العربية، والتي بلغت نسبتها 29% واضحت الأعلى في العالم، هي نتيجة لعدم استهداف فرص عمل كفيلة بتوظيف اعداد متزايدة من المتعلمين الشباب. اردف المؤلف الرئيسي للتقرير، سليم جيهان، قائلاً إنّ التقدم البشري سيحقق مكسبا بمجرد إتاحة فرص العمل في ظروف لائقة لكلّ من أراد.
فضلاً عن البطالة، يوضح التقرير أنّ الدول العربية تتذيّل قائمة الدول التي تخوض المرأة فيها معترك سوق العمل، فمعدل مشاركة المرأة في القوى العاملة لا يتجاوز 23%. ويضيف التقرير أنّ ضعف مشاركة النساء في العمل قد ينسب لعدة عوامل منها تدني تحصيلهن العلمي نسبة إلى الرجال، إذ تحصل الإناث في المتوسط على خمس سنوات دراسية بينما يحصل الذكور على سبع، وإحجامهن عن بدء اعمالهن الخاصة مقارنة بالرجال، وكثرة عددهن في العمل المنزلي أو في مجال الرعاية، حيث يعملن لقاء أجر منخفض أو بدون أجر.
اشاد التقرير بالتحسن الكبير الذي حققته المنطقة العربية في مؤشرات التنمية البشرية منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، مشيرا إلى تباطؤ هذا التحسن إبان وبعيد 2010، وهي السنة التي استشعرت فيها شعوب المنطقة وحكوماتها هزات سياسية واجتماعية متفرقة تباينت شدتها في البلدان التي طالتها. وذكر التقرير أنّ الدول العربية تخسر ربع قيمة دليل التنمية البشرية إذا أُخذ بعين الاعتبار عدم المساواة في التعليم والصحة والدخل. وخلُص التقرير إلى الإشارة لعدم المساواة، خاصة بالتعليم، كسبب رئيسي في تفاوت الفرص واختلاف التجارب التي يعيشها سكان العالم العربي، إذ يصل مستوى التفاوت في التعليم إلى 38.9% مقابل متوسط عالمي قدره 26.8%.. اقترح معدو التقرير ثلاثة سبل يمكن للحكومات اعتمادها لتهيئة الشعوب لمواجهة مناخ وظيفي متغير ومتجدد دوما، هي عقد اجتماعي جديد يراعي مصالح جميع افراد المجتمع واتفاق على مستوى الحكومات لضمان حقوق العمال ومستحقاتهم ورسم برنامج يوفر عملاً لائقا ويضمن حرية العامل وكرامته الإنسانية في مجال العمل.(13)

خلاصة الأمر أنّ العالم يعيش وضعا مهتزا غير مستقر على كافة المستويات، وأنّ ما اشرنا اليه اعلاه شديد الإرتباط بافكار جفري د. ساكس، الذي تناول هذه المواضيع وغيرها الكثير واشار اليها في اكثر من مناسبة في كتابه موضوع ترجمتنا. نشر الكتاب في منتصف عام 2015 ولقي ترحيبا خاصا واهتماما من مختلف الدوائر المعنية. قال عنه جارد دايمند الحائز على جائزة پوليتزر إنّه عشرة كتب في كتاب واحد، وانك اذا كنت تريد فهم هذا العالم وليس على رفوف مكتبتك مجال سوى لكتاب واحد، فعليك بهذا الكتاب. قدم بان كي- مون له، وهو يتألف من اربعة عشر فصلا موثقة بالرسوم والخرائط والوثائق والجداول والصور والتخطيطات والأشكال التوضيحية، وكتب بلغة رائعة بحيث اصبح طرح الأفكار المعقدة مهمة سلسة يمكن متابعتها بيسر وسهولة.
يقول المؤلف في مطلع فصله الأول إنّ نقطة البداية هي أنّ كوكبنا مزدحم يوجد فيه حوالي 7.2 بليون شخصا، وهذا يعادل تقريبا 9 اضعاف ما كان عليه عام 1750 وقت مطلع الثورة الصناعية، حيث كان العدد يُقدر بحوالي 800 مليون شخصا. يستمر معدل نمو السكان العالمي بوتيرة عالية تصل إلى 75 مليون شخصا سنويا. سيبلغ العدد حوالي 8 بلايين في عشرينات هذا القرن وربما 9 بلايين في مطلع اربعيناته. يُقدر حجم الإقتصاد العالمي بحوالي 90 تريليون دولارا من المنتجات سنويا وعن طريق حسابات اولية، فإنّ معدل نمو الإقتصاد العالمي اكبر بحوالي 200 مرة عمّا كان عليه عام 1750. وفي الحقيقة أنّه لا يمكن عقد مثل هذه المقارنة لأنّ غالبية اقتصاد العالم يعتمد على منتجات وخدمات لم تكن معروفة ولا وجود لها قبل 250 عاما.
لا يتميز الإقتصاد العالمي بأنّه غير متكافئ فقط، لكنّه أيضا يهدد حياة كوكب الأرض. فالتهديدات البيئية تتزايد على جبهات عدة. البشر يغيرون مناخ الكرة الأرضية وتوفر المياه الصالحة للشرب وكيمياء المحيطات وغيرها من اماكن تواجد المخلوقات الأخرى. إنّ هذه التأثيرات شديدة للغاية لحد أنّ الأرض نفسها تشهد تغيرات ملحوظة في مسار العمليات الاساسية، مثل تدفق تيارات المياه في المحيطات ونسبة النايتروجين والكاربون التي تعتمد عليها الحياة ذاتها. ونحن لا نعلم بالضبط حجم وتوقيت تداعيات هذه التغيرات، لكنّنا نعرف بالضبط أنّها خطيرة للغاية وليس لها نظير خلال 10000 سنة من تاريخ الحضارة البشرية.
ثم يطرح الكاتب عددا من الأسئلة ذات العلاقة من قبيل، كيف يستطيع اقتصاد 7.2 بليون شخصا ذوي دخل اجمالي قدره 90 تريليون دولارا أن يتغير بمرور الوقت؟ ما الذي يجعل هذا الإقتصاد ينمو؟ لماذا يستمر الفقر بشكل ملحّ؟ ماذا يحصل حين يجد البلايين من البشر انفسهم فجأة مرتبطين عن طريق السوق والتكنولوجيا والنظام المالي والشبكات الإجتماعية؟ كيف يستطيع المجتمع الدولي الذي يتميز بانعدام عدالة توزيع الدخل والثروة والقوة أن يستمر في نشاطه؟ هل يستطيع الفقراء أن يهربوا من قدرهم؟ هل يستطيع التعاطف الإنساني والثقة بين البشر أن يتجاوزا الإنقسام بين الطبقات والقوة التي يتمتع بها كلّ منهما؟ وماذا سيحدث اذا استمر الإقتصاد العالمي على مسار التصادم مع البيئة الطبيعية؟ هل هناك طريقة لتغيير هذا المسار وايجاد بديل للجمع بين التنمية الإقتصادية والبيئة المستدامة؟
وبمرور الوقت بدأ تعريف التنمية المستدامة يتمحورحول اتخاذ مواقف عملية اكثر وتقليل التركيز على حاجات الأجيال المتعاقبة، والإهتمام بشكل اكثر بسلوك طريق متكامل يربط بين التنمية الإقتصادية والإنفتاح الإجتماعي على كلّ مكونات الشعب والبيئة المستدامة. في عام 2002 عقدت الأمم المتحدة مؤتمر قمة عن التنمية المستدامة WSSD في جوهانزبرگ. كانت خطة المؤتمر هي تطبيق ما ذكر عن تداخل العناصر الثلاثة للتنمية المستدامة وهي التنمية الإقتصادية والتنمية الإجتماعية وحماية البيئة، باعتبارها عناصر متداخلة يسند بعضها بعضا. وهكذا احتل مفهوم تحقيق العدالة للأجيال المتعاقبة الدور الثاني بعد التأكيد على التنمية الشاملة التي تضمن تحقيق الأهداف الإقتصادية والإجتماعية والبيئية.
إنّ الإقتصاد العالمي في طور النّمو المستمر منذ بداية الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر. قام المورخ الإقتصادي الراحل Angus Maddison بتقديم خدمة عظيمة لميدان الإقتصاد لأنّه هو الذي قام بتقدير معدل حصة الفرد من اجمالي الناتج الوطنيGross Domestic Product (GDP) ولمدة طويلة، أي منذ فترة (1C.E) وقدم بيانات تفصيلية لما بعد عام 1820. حسب مادسن هذا الإجمالي لكلّ فترة وبلد باستخدام مقياس واحد، هو الأسعار العالمية لعام 1990. وبموجب هذا المقياس ارتفع اجمالي الناتج العالمي (GWP) Gross World Product من 695 بليون دولارا عام 1820 الى ما يقارب 41 ترليون دولارا عام 2010. ارتفع عدد سكان العالم خلال نفس الفترة من 1.1 بليون شخصا الى 6.9 بليونا. كما ارتفع معدل حصة الفرد من اجمالي ذلك الناتج العالمي حسب تقديرات مادسن (محسوبة وفق الأسعار العالمية الثابتة للدولار عام 1990) من 651 دولارا الى 5942 دولارا.
يرى المؤلف أنّ ليس هناك نموذج للنمو الإقتصادي السريع افضل من الصين. فنمو هذه البلاد قد تميز في كلّ جانب، نظرا لاعتبارها اكثر البلدان كثافة في السكان، حيث يبلغ عددهم 1.3 بليون شخصا واحتلت موقع اسرع الإقتصادات نموا في تاريخ البشرية. عندما استلم دنگ شياوپنگ السلطة، بدأت البلاد اتخاذ خطوات اصلاحية وضعتها على مسار نمو اقتصادي خارج عن المالوف، بلغ معدله حوالي 10% سنويا في GDP. إنّ تحقيق هذه النسبة من النمو يعني أنّ الصين قد ضاعفت مجمل انتاجها GDP كل سبع سنوات تقريبا، وهذا امر مذهل. ونظرا لأنّ الصين قد نمت وفق هذا المعدل المستعر لفترة 35 عاما تقريبا، فإنّ ذلك يعني تضاعف إقتصادها خمس مرات خلال تلك الفترة.
تحوّل الإقتصاد من الريف الى المدينة، أي من اقتصاد زراعي الى صناعي وخدماتي. كما انتقلت البلاد من خصوبة عالية في المواليد، عدة اطفال للمرأة الواحدة، الى معدلات منخفضة في الإنجاب، صاحبها انحسار في نسبة الوفيات العالية بين الأطفال. ارتفع معدل طول عمر الفرد وتحسنت الخدمات الصحية وتصاعد مستوى التحصيل العلمي. لقد حدث كل هذا في فترة لم تتجاوز ثلاث حقب. وهذا هو النوع المتميز من التجارب التي تعتبر نموذجا يجب أن تحذو حذوه دول العالم الأخرى بهدف انهاء الفقر داخل حدودها.
يحذر المؤلف بألّا يترك الإنطباع بأنّ النمو الإقتصادي الصيني لم يخلُ من السلبيات. أولا، إنّ التقدم المتسارع من الريف الى الحضر ومن الزراعة الى الصناعة والخدمات قد احدث خللا في حياة مئات الملايين من الناس وشجع هجرة جماعية، مما خلق الإضطراب في تركيب العائلة الصينية حيت توجه الآباء والأمهات الى المدن بحثا عن فرص العمل وتركوا رعاية اطفالهم بايدي الأجداد والجدات في المناطق الريفية. ثانيا ، إنّ عدم المساواة في الدخل اصبحت اشد سوء مما كان عليه لأنّ مستوى حياة عمال الحواضر قد تقدم، في حين أنّ مدخولات اولئك الذين تُركوا في الريف بقيت راكدة على حالها. ثالثا، لقد اصاب البيئة ضرر بالغ نتيجة ارتفاع نسبة التلوث الناجم عن تحوّل الصين الصناعي العظيم. في الحقيقة، بلغ التلوث حدا عاليا وسيئا لدرجة أنّه تسبب في انتشار الأمراض بشكل غير مسبوق وحدوث الوفيات في سن مبكر، خاصة نتيجة للنوبات القلبية وامراض الرئة والسرطان. وباختصار فإنّ الصين قد حققت نموا اقتصاديا سريعا لكنّها لم تحقق بعد تنمية مستدامة وتعني أنّ النمو لم يشمل كافة طبقات المجتمع ولم يحافظ على البيئة.
صاحب النمو العالي في مجمل GWP للفرد ظاهرة ايجابية واسعة هي التحسن في الصحة العامة. كان معدل الوفيات بين الأطفال عام 1950 يبلغ 134 لكلّ 1000 قبل اكمال العام الأول على ولادتهم، ويشار الى ذلك Infant Mortality Rate (IMR). ومن المفرح أنّ ذلك المعدل قد انخفض بمرور الوقت بشكل ملحوظ الى 37 لكلّ الف، أي بنسبة 3.7%. يُعتبر انخفاض هذا المعدل انجازا عظيما نتج عن التطور الإقتصادي الذي أدى الى تحسن الوضع الصحي نتيجة تحسن الخدمات الطبية وتوفر الغذاء والماء الصالح للشرب، الى جانب توفير خدمات النظافة والتعقيم. خلال فترة 5 سنوات بين 1950- 1955 كان معدل عمر الفرد في العالم لا يتجاوز 47 سنة. أمّا اليوم فيقدر العمر المتوقع 71 عاما تقريبا، ويصل الى 80 عاما في البلدان ذات الدخل العالي.
يطلق المؤلف في نهاية الفصل صيحة تحذير بأنّه يجب الإلتزام بحدود طاقات الأرض وامكاناتها، وحسن استثمار خيراتها وطاقة احتمال انظمتها التي تشمل الجو ومياه المحيطات. فبدون ذلك سيكون الثمن مكلفا. لقد اظهر العلماء أنّه كلما ازداد تركيز Co2 في الجو كلما ازداد دفئ الأرض. وحين ينخفض هذا التركيز بفعل امتصاصه من قبل مياه المحيطات تصبح الأرض اكثر برودة. في الحقيقة، أنّ انخفاض Co2 بدرجة عالية هو الذي ادى الى بروز العصر الجليدي الذي نتج عنه تغطية منطقة القطب الشمالي بطبقة سميكة من الجليد. وجد العلماء انّ هناك علاقة منتظمة للربط بين نسبة Co2 في الجو وارتفاع حرارة الأرض. وما حدث خلال 150 سنة الماضية، هو ارتفاع نسبة ثاني اكسيد الكاربون في الجو بشكل صاروخي. وهذا تغيير لم يحدث بسبب دوران الأرض أو انحراف مركز محورها، بل أنّه ناجم عن حرق الوقود الأحفوري. لقد دفع البشر مستوى نسبة Co2 في الجو لحدّ أنّه بلغ 400ppm، وهذا تجاوز بالغ لما كان عليه خلال السنوات 800000 الماضية.
لربما يتساءل القارئ لماذا القلق إذن؟ السبب هو أنّ كلّ حضارتنا ومواقع مدننا والمحاصيل التي نزرعها والتكنولوجيا التي نوظفها في الصناعة تعتمد على نموذج المناخ الذي سيختفي سريعا من على وجه البسيطة بسبب زيادة استهلاك الوقود الأحفوري. فالأرض ستزداد حرارة على ما هي عليه منذ نشأة الحضارة. سترتفع مناسيب مياه المحيطات كثيرا وستتعرض المدن الساحلية والبلدان الواطئة السطح لتهديد الغرق. ستتلف المحاصيل الزراعية التي تعتاش عليها البشرية بشكل فضيع بسبب ارتفاع درجات الحرارة وستظهرانواع جديدة من الحشرات. سيحدث جفاف هنا وفيضان هناك وستنقرض مخلوقات وستحل نكبات يشيب لها شعر الوليد.
يستشهد المؤلف بما قالته جماعة من العلماء قبل سنوات قليلة إنّ البشرية تتسبب في زيادة انبعاث الكاربون، بل اكثر من ذلك تمارس نشاطات ستربك المناخ وغيره من انظمة الأرض الطبيعية. ومن هذه الأمور استهلاك المياه الصالحة للشرب، بما فيها المياه الجوفية الى حد امكانية نضوبها، والتلوث الناجم عن الإسراف في استعمال الأسمدة الكيمياوية ومبيدات الحشرات. فالتغيرات في كيميائية المحيطات، وبالأخص زيادة نسبة الحموضة الناجم عن ذوبان المزيد من Co2 في المياه، وقطع الغابات لأغراض الزراعة وتهيئة حقول تربية المواشي، وكذلك التلوث الناجم عن العمليات الصناعية المختلفة، وخصوصا تلك التي تتعلق بالفحم، كلّ هذه تشكل تهديدا عميقا للأرض وصحة البشر عموما. يقول هؤلاء العلماء إنّ مقدار الضرر كبير لأنّ البشرية قد تخلت عن "ظروف العمل الآمنة" للأنظمة الطبيعية. ويبدو الأمر وكأنّنا نقود السيارة خارج الطريق نحو الهاوية، أو بشكل اسوأ باتجاه نهاية انتحارية. غير أنّ امام البشرية خيار افضل لتحاشي ذلك الخطر المحدق. وهذا الخيار يتمثل في التنمية المستدامة.
اضف الى ذلك الحقيقة الثابتة الأخرى وهي أنّنا نواجه مشاكل جمة. لقد استمرينا في تقبّل فقر يهدّد حياة البلايين من البشر وسط حالة جشع وغنى فاحش لم يسبق لهما مثيل في التاريخ. لقد بنينا انظمة اقتصادية لا تحقق التكافؤ العادل وتخلق الفقر، وطورنا تكنولوجيا تتجاوز حدود طاقة كوكبنا وتهدد بخرابه. يكمن جوهر التنمية المستدامة والممارسات التي تتطلبها في تقديم حلول للمشكلات بشكل علمي واخلاقي.
يتناول المؤلف في الفصل الثاني مسألة توزيع المدخولات غير المتكافئ في العالم ويستشهد بوثائق وبيانات للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعود لعام 2012. يقسم بلدان العالم الى ثلاث فئات: ذات الدخل العالي التي يبلغ عدد سكانها حوالي بليون نسمة، أي 14% من مجموع سكان المعمورة، وتشمل الولايات المتحدة وكندا ودول غرب اوروپا واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا ونيوزيلاندا وعددا من دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط. يبلغ معدل نصيب الفرد من مجمل الناتج الوطني GDPأكثر من 12615 دولارا سنويا. في الدول ذات الدخل المتوسط يبلغ المعدل السنوي للفرد حوالي 4085 دولارا، ويعيش فيها 5 بليون شخصا، أي 69% من مجموع سكان العالم. أمّا ذات الدخل الواطئ فيبلغ تعداد سكانها 1.2 بليون شخصا أي 17% من سكان العالم يتوزعون على 50 بلدا. معدل نصيب الفرد هو 1035 دولارا سنويا أو حوالي 3 دولارات يوميا، وربما أقلّ، كما في حالة ملاوي حيث يبلغ نصيب الفرد من اجمالي الناتج الوطني 250 دولارا في العام، أي أقلّ من دولار لليوم الواحد. تتوزع هذه البلدان ما بين آسيا وافريقيا.
ففي آسيا هناك افغانستان ونيپال وبوتان ولاوس. وهي جميعا ليس لها منافذ تطلّ على البحر. وفي افريقيا هناك بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد وجمهورية افريقيا الوسطى واوغندا ورواندا وبوروندي ومالاوي، وهي ايضا محرومة من المنافذ البحرية. كما اعتمدت الأمم المتحدة تصنيفا اضافيا داخل المجموعة ذات الدخل الواطئ، التي يكون فيها الوضع مأساويا رهيبا. فالسكان فيها ليسوا فقراء فقط، بل ايضا في اغلب الأحيان عرضة للأوبئة وينقصهم التعليم ويعانون من عدم الإستقرار الإجتماعي، اغلبهم معزولون نسبيا في جزر من العوز الإقتصادي. واكثر من ذلك فإنّ بلدانهم معرضة للجفاف والفيضانات والصراعات والعنف. تصنف الأمم المتحدة هذه البلدان بأنّها البلدان ذات التنمية الأقلّ LDCs.
يذكرنا المؤلف أن نتوقع أنّ عدد سكان العالم سيبلغ 8 بلايين شخصا بحدود عام 2025 وسيرتفع الى 9 بلايين في عام 2040. ستختار هذه الزيادات السكانية المدن مكانا للعيش، وستظل اعداد سكان المناطق الريفية في حدود 3.3 بليون شخصا في عام 2035 وستنخفض الى 3.2 بليونا في حدود عام 2050. وهذا يشير الى أنّ النمو السكاني على وجه البسيطة سيكون نموا في الحواضر وليس في الأرياف. سترتفع نسبة سكان العالم في الحواضر من 53% عام 2013 إلى حوالي 60% في عام 2030 و67% في عام 2050. وعليه فإنّ المدن الغنية التي يتمتع ساكنوها بالصحة الجيدة والمثابرة على العمل ستكون لبّ التنمية المستدامة.
يبدو أنّ اكبر قدر من المساواة في المدخولات متوفر في مناطق غرب اوروپا، خاصة في الدول الإسكندنافية حيث تبلغ قيمة مُعامل جيني 0.25. وبالمقارنة، فإنّ الولايات المتحدة يكون توزيع المدخولات فيها غير متساو إطلاقا ويصل مُعامل جيني فيها الى 0.45. ويُقدر أنّه يوجد في الولايات المتحدة 442 بليونيرا وحوالي 13 مليون اسرة دخلها الصافي سنويا حوالي مليون دولارا. ومع ذلك يوجد في البلد عشرات الملايين من العائلات الفقيرة ذات الدخل القليل جدا، وربما لا يوجد عندها دخل على الإطلاق، وقد تكون مدينة. وطبعا مستوى فقراء امريكا ليس كفقراء الدول الأقل تنمية LDCs ، لكنّهم فقراء بكل معنى الكلمة لا يتوفر لهم القوت اليومي.
يستشهد المؤلف ببيانات عن تطبيق مُعامل جيني على دول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية OECD لأواخر عام 2000، ليستنتج أنّ الدول الأفضل عدالة في توزيع الدخل تتراوح بين آيسلندا 0.244 ولكسمبرگ 0.270. تضم هذه المجموعة كافة الدول الإسكندنافية والنمسا وسلوفينيا وفنلندا. الدول الجيدة في توزيع الدخل تتراوح بين هنگاريا 0.272 وكندا 0.320، وتضم هذه المجموعة اغلب بلدان غرب اوروپا ووسطها وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا. أمّا الدول غير العادلة في توزيع الدخل فتتراوح بين ايرلندا 0.331 وچيلي 0.500. تضم هذه المجموعة استراليا واليابان والمملكة المتحدة والبرتغال واسرائيل والولايات المتحدة (0.380) وتركيا والمكسيك.
في ختام الفصل الثاني، يتطرق المؤلف الى موضوع الفجوة في الدخل بين الأغنياء والفقراء. من الأهداف الرئيسية للتنمية المستدامة أنّ كافة البلدان ذات الإقتصاد الواطئ اليوم وخاصة الدول الأقلّ نموا LDCs أن تُقدِم على التحول الناجح من خلال تقليص الفجوة لكي تصل على الأقلّ الى مستوى الدخل المتوسط. ولذلك من الضروري علينا أن نفهم كيف يمكن لهذه العملية أن تتقدم، ونواجه الحواجز المتبقية ونذللها لتضييق الفجوة وتقليصها. ولدينا الآن امثلة كثيرة عن بلدان كانت فقيرة في الماضي واستطاعت أن تختزل فجوة التخلف بسرعة فائقة. الصين هي خير مثال لما ذكرنا. لقد حقق هذا البلد تقدما اقتصاديا متسارعا وباهرا في غضون فترة قصيرة لا تتجاوز 35 عاما، أي منذ عام 1978. وهي السنة التي قامت فيها الصين باصلاحات اقتصادية هامة وضعتها على طريق النمو والإنعتاق من حالة الفقر.
ولكن ما زلنا نرى بلدانا اخرى لا تزال غارقة في فقرها، فقد نصب هذا الفقر حولها طوقا يحول دون تحقيق أيّ تقدم يُذكر. النيجر مثال على ذلك. وهو بلد ليس له منفذ على البحر يقع ضمن منطقة الساحل الأفريقي دون الصحراء الكبرى. وهو من افقر بلدان العالم ويقع في أسفل قائمة البلدان من حيث التنمية البشرية. وهذا لا يعني فقط أنّ اقتصاده فقير، ولكن ايضا ظروف التعليم والصحة في اوضاع بائسة. وهو لا يشبه الصين، فقد ظل حبيس فقره لفترة طويلة وليس لديه القدرة على التحرك من هذا الواقع المزري. ولو نظرنا الى نصيب الفرد من إجمالي الناتج الوطني المعدل وفق معيار ppp، الذي ياخذ بنظر الإعتبار اسعار السلع والخدمات المحلية بغية المقارنة بين البلدان، لوجدنا أنّه كان عام 1978 في الولايات المتحدة حوالي 12000 دولارا وفي الصين 250 دولارا وفي النيجر 450 دولارا (IMF 2014).
ولو انتقلنا الى عام 2010 لوجدنا صورة مغايرة تماما. فما الذي حدث؟ لقد لاحظنا في الفصل الأول نمو شنزان في الصين وتحولها من قرية إلى مركز حضري حديث. عاشت الصين ثلاث حقب من النمو المتسارع الزائد عن 10% سنويا، وهذا يعني تضاعف الدخل بدرجة عالية. بحلول عام 2010 ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الإنتاج الوطني من 250 دولارا ليصبح 10000 دولارا في العام.
ولسوء الحظ فإنّ النيجر ما زالت غارقة في محنتها إذ لا يتجاوز نصيب الفرد اكثر من 1000 دولارا في العام والبلد بين أقلّ البلدان تطورا. صعدت الصين من 2% مقارنة بنصيب الفرد الأمريكي الى ما يقارب 20%. صحيح أنّه ما زال هناك فرق كبير بين مستوى دخل المواطن في كلي البلدين، إلّا أن الصين تمكنت من تضييق الفجوة بسرعة. ومن المؤسف أن المواطن في النيجر كان نصيبه يعادل 4% من دخل الأمريكي، غير أنّه بحلول عام 2010 اصبح يعادل أقلّ من 2%. بكلمة اخرى انخفض عمّا كان عليه واصبحت الفجوة اكثر اتساعا بدلا من أن تضيق.
يفتتح المؤلف فصله الثالث بالقول إنّه قبل قيام الثورة الصناعية حوالي عام 1750، كان العالم متساويا تقريبا من حيث مستويات الدخل. وبشكل أدقّ كان العالم متساويا في فقره. إنّه خلال الفترة القصيرة التي لا تزيد عن 250 عاما بدأت الفجوة بين مدخولات الأغنياء والفقراء بالإتساع. كيف حدث هذا؟ ولماذا انطلق النمو الإقتصادي الحديث في اماكن معينة من العالم دون سواها؟ إذا كانت كافة البلدان فقيرة في البداية، لماذا قفز بعضها نحو الغنى وتُرك البعض الآخر مكبلا في حياة الفقر؟
تعتبر انطلاقة النمو الإقتصادي الحديثة حدثا جديدا، إذا اخذنا بنظر الإعتبار تاريخ الإنسانية الطويل. تواجد العنصر البشري بالمفهوم الحديث Homo sapiensعلى وجه هذه الأرض قبل 150000 عاما. وحضارتنا التي بدأت على شكل مجمعات زراعية، عمرها حوالي 10000 عاما فقط. وخلال تلك الفترة بكاملها كان النمو الإقتصادي ضئيلا وتدريجيا لحدّ جعل الحياة وكأنها ثابتة لا تتغير من جيل لآخر، هذا إذا استثنينا الحروب والمجاعات والكوارث المؤقتة الأخرى. إنّ فكرة التقدم الإقتصادي المستدام لم يكن لها وجود اطلاقا. ثم يمضي المؤلف للقول بأنّ العالم قبل حلول عام 1750 كان عالما فقيرا، رغم أنّه انتج حضارات شامخة جميلة في تاريخ البشرية كاهرامات مصر ومعابد اليونان وحائط الصين العظيم ودار الحكمة المقدسة في اسطنبول وكاتدرائية نوتردام. وبرغم هذه القلاع الحضارية العظيمة، عاش معظم الناس في معظم الأوقات حياة ريفية صعبة على حافة المجاعة والأوبئة والموت المبكر.
وبوجود عباقرة مثل نيوكومن و واط مع توفر الفحم وخامات الحديد اصبح ممكنا ابتكار الماكنة البخارية وقيام الثورة الصناعية في انگلترا! أضف الى ذلك أنّ تلك الخامات والفحم كانت قابلة للنقل بفعل توفر وسائل النقل البرية والنهرية والقنوات ووجود الموانئ. وعليه اجتمع توفر الخامات الأولية للصناعة مع دافع الأسواق ووجود القوانين التجارية والتوجه العلمي الذي كانت الجامعات في طليعته، لتكون اهم الأسباب الخاصة التي يمكن القول إنّها تناسقت وظهرت وسط القرن الثامن عشر في انگلترا وجعلتها ارضا خصبة للثورة الصناعية.
يعرّج المؤلف على نظرية كوندراتيف. ووفقا لهذه النظرية فإنّ تقدم الإختراعات قد تمّ على شكل موجات، بدات الأولى باختراع الماكنة البخارية عام 1776 وتلاها اختراع مكائن القطارات وصناعة الفولاذ. أمّا الموجة الثالثة فكانت متمثلة باختراع الكهرباء، والرابعة في اختراع السيارة والطائرة. وأخيرا موجة تكنولوجيا المعلومات والإتصال ICT التي تعود إلى سنة 1970. لقد اولدت هذه الموجة ما يُسمى "اقتصاد المعرفة" الذي يقوم على خزن ومعالجة ونقل كميات هائلة من المعلومات حول العالم بغية استخدامها في كلّ قطاعات الإقتصاد سواء كان ذلك في التربية والصحة والتمويل والإنتاج والتخابر والزراعة، الخ. جعل اختراع التلفون المنقول والآن التلفون الذكي وغيرهما من الأدوات الإلكترونية ثورة ICT ثورة متنقلة حيث يمكن للمعلومات أن تصل إلى ابعد بقعة في العالم. وبمزج ذلك مع التقدم الذي حصل في علم الفضاء وخاصة انظمة الأقمار الصناعية، تمكنت هذه الثورة من الخروج بابتكارات في اجهزة تحديد المواقع ورسم الخرائط والتخطيط الفضائي وغيرهما من تطبيقات المعلومات الجغرافية التي لا يمكن أن تعد أو تحصى.
إنّ اختراع اداة الإستقبال الإلكترونية transistors في نهاية الأربعينات هو الذي رسم الخطوة الأخيرة لانطلاق ثورة المعلومات والإتصالات. في عام 1965 لاحظ گوردن مور رئيس مجلس ادارة شركة Intel أنّ ظاهرة عدد ادوات الإستقبال الإلكتروني في كلّ دورة كهربائية متكاملة تتضاعف خلال مدة تتراوح بين 18 – 24 شهرا وأنّها قد حافظت على هذا النمو منذ نهاية الخمسينات. لذلك تنبأ أنّ تلك المضاعفة ستزداد في السنوات القادمة. وفي الحقيقة انها استمرت في الزيادة لغاية يومنا هذا. لقد مرّ ما يقارب 58 عاما منذ ظهور ما سمّي قانون مور ، بحيث تضاعف العدد 30 مرة. وهذه المضاعفة 230 تساوي 1033741824. وهذا يعني أنّ القدرة على خزن المعلومات والتعامل معها ونقلها الكترونيا قد تضاعفت من حيث الكفاءة بمقدار بليون مرة منذ منتصف خمسينات القرن الماضي!
يميز المؤلف بين نوعين من النمو هما الداخلي endogenous والمُتابع catch-up. يجري النمو المُتابع/المُلاحِق بشكل اسرع من النمو الداخي/الريادي. تبلغ الزيادة في نصيب الفرد في بلدان الريادة التقنية حوالي 1-2%، بينما يبلغ ذلك النصيب في بلدان النمو المُلاحق، كما في حالة كوريا الجنوبية والصين، حوالي 5-10%. ومن الناحية التاريخية، لم تحقق بلدان القيادة/الريادة التكنولوجية نموا سريعا بمعدلات عالية، ولم تحافظ البلدان ذات النمو المُلاحق على نمو مستدام عال بعد وصولها الى مستوى البلدان القيادية تكنولوجيا. فالنمو البالغ السرعة هو حول اغلاق الفجوة، وليس ابتكار انظمة اقتصادية جديدة ولا تكنولوجيا من ذلك القبيل.
التقدم الإقتصادي الرئيسي، الذي حصل محسوبا بمعدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج الوطني والبالغ 2000 دولارا سنويا خارج اوروپا، قد حدث في الأماكن التي استوطنها البريطانيون مثل الولايات المتحدة واستراليا. تمتع اولئك المستوطنون بظروف موائمة من أجل اللحاق بركب النمو الإقتصادي، شمل ارضا خصبة واسعة وتوفر مصادر اولية للطاقة وسواحل مفتوحة للتجارة وارتباط قوي بالصناعة البريطانية، إضافة لتوفر المعرفة التقنية. حقق هذان البلدان تقدما اقتصاديا حديثا بحلول عام 1860.
في الوقت الذي جنت فيه بلدان قليلة ثمار التقدم التكنولوجي والإقتصادي، فإنّ غالبية البلدان الأخرى وقفت في مكانها جامدة. فخلال القرن التاسع عشر وحتى ستينات وسبعينات القرن العشرين، لم يستطع العديد من البلدان أن يلحق ركب النمو الإقتصادي، لأنّها واقعة تحت النفوذ الأجنبي. لقد ابقت القوى الإستعمارية الأورپية معظم دول افريقيا وأكثر دول آسيا في حالة من الركود. فتلك القوى لم يكن يعنيها أن تحقق البلدان الواقعة تحت سيطرتها أيّ تقدم اقتصادي، لأنّ هدفها أصلا هو فقط استغلال خيراتها ومواردها الأولية من المناجم الى آبار النفط الى الغابات والحقول الى المياه الغنية بالثروة السمكية، الخ. في اواخر القرن العشرين اصبح معظم المشكلات داخليا، فقد تقلد مناصب الأمور في معظم المستعمرات السابقة دكتاتوريون وطغاة "سيّروا" الإقتصاد حسب منافعهم الشخصية أو القبلية، وليس وفق نمو اقتصادي يشمل البلد كاملا.
يستشهد المؤلف في نهاية فصله الثالث برأي كينز الذي وصف الفترة التي أرسى النمو الإقتصادي فيها اركانه في مناطق شتى من العالم واستطاع أن يخلق سوقا اقتصاديا عالميا، كما توقع ماركس عام 1848. غير أنّ الإقتصاد العالمي تهاوى بفعل الحرب العالمية الأولى غير المتوقعة والتي لم يكن لها سبب وجيه في عام 1914. لقد جلبت تلك الحرب الفوضى على العالم ولقي الملايين من الناس موتا عنيفا وتشرد آخرون ووقع المزيد من الملايين ضحية للأوبئة المعدية السريعة الإنتشار، كما في حالة وباء الأنفلونزا عام 1918، وكذلك الثورات والإضطرابات كما في حالة الثورة الپلشفية عام 1917 وقيام المرحلة السوفياتية الشيوعية. لقد اطلقت الحرب العالمية الأولى العنان لأزمات سياسية ومالية قادت الى حالات قوية من عدم الإستقرار، خاصة المالي في فترة العشرينات، والتي لعبت دورا رئيسيا ومعقدا في الكساد الإقتصادي العالمي الكبير سنة 1929. لقد أدّى هذا الكساد الكبير الى قيام موجة اخرى من الرعب السياسي الذي تمثل بوصول أدولف هتلر الى السلطة في المانيا في مطلع عام 1933 وقيام الحركة الفاشية في اليابان في نفس الفترة.
غير أنّه لم يشرح لنا لماذا شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية تقدما ملموسا في الصناعات المتقدمة مثل الرادار وشبه الموصّلات والكومبيوتر وعلم الفضاء والطاقة النووية، وغيرها. حدث ذلك رغم أنّ بلدين رائدين في التكنولوجيا قد اضحيا خرابا يبابا، وهما المانيا واليابان. غير أنّ البلد التكنولوجي القائد، وهو الولايات المتحدة، فلم يتعرض للخراب عام 1945 ولم تمسّه الحرب في شيء، إذا استثنينا الهجوم الياباني الجوي على پيرل هاربر عام 1941. قطعت الولايات المتحدة شوطا بعيدا في نهاية تلك الحرب واصبحت قائدة لاقتصاد العالم، وحافظت على مركزها هذا حتى نهاية القرن العشرين.
بحدود عام 1945 كان الإقتصاد العالمي مقسما الى ثلاث كتل هي "العالم الأول" وتضم الولايات المتحدة وغرب اوروپا واليابان، وهي جميعا صناعية تخضع للسوق العالمية وتعمل ضمن نظام آمن تقوده الولايات المتحدة. والكتلة الأخرى التي سميت "العالم الثاني" فضمت البلاد الشيوعية بقيادة الإتحاد السوفياتي. وبعد عام 1949 انضمت الصين لهذه الكتلة. والكتلة الثالثة ضمت بقية البلدان التي تخلصت من الحكم الإستعماري واستقلت حديثا. انضم بعضها تحت أمن المظلة الأمريكية، وانضم الآخر للكتلة السوفياتية. وبقيت اخرى على الحياد واطلقت على نفسها "بلدان العالم الثالث". وبحلول مرحلة الستينات، ظهر اتجاه آخر سمي "العالم الرابع" الذي ضم بلدان افقر الفقراء. وحين انتهت الحرب الباردة عام 1991، اختفت تلك المسميات تقريبا.
تعافت بلدان الكتلة الأولى من اضرار الحرب العالمية الثانية بسرعة وبشكل مذهل خلال فترة الخمسينات. فالبلدان ذات التكنولوجيا الداخلية المتطورة التي تعتبر اساسا لاقتصادها، ثبتت اركانها وارتفعت مستويات المعيشة فيها واصبحت بلدانا ذات مدخولات عالية. كانت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فترة اعادة بناء صاحبتها حركة تكنولوجية ديناميكية. في الكتلة الثانية الشيوعية، كان التصنيع ديناميكيا لبعض الوقت، ولكن في فترة الستينات بدا وكأن ذلك العالم يواجه ازمة اقتصادية وركودا ملحوظا. ظهر في فترة السبعينات بأنّ التنمية الإقتصادية تحت الأنظمة الشيوعية قد اوشكت على التوقف، وهو الأمر الذي دعا بعضها للقيام ببعض الإصلاحات. كانت الصين في طليعة تلك البلدان. منذ وصل دنگ شياوپنگ الى السلطة عام 1978، فتح اسواق الصين للتجارة والإستثمارات العالمية. اطلقت تلك الإصلاحات طاقة الصين نحو النمو المتسارع لتصبح نموذجا اقتصاديا تاريخيا.
حصلت التنمية الإقتصادية في آسيا، عن طريق اليابان ذات النمو التكنولوجي الداخلي والتي كانت في الطليعة. ثم لحقت بها كوريا الجنوبية وهونگ كونگ وسنغافورة. وبعدها جاءت اندونيسيا وماليزيا وتايلند، ثم أخيرا الصين وفيتنام والآن كمبوديا ولاوس وميانمار. وبعد أن فتح دنگ شياوپنگ ابواب الصين للعالم في عام 1978 انهالت الإستثمارات على البلاد وجعلتها قاعدة لتصدير انتاج السلع العالمية. اصبحت الصين ورشة للعالم، تستعمل تكنولوجيا التصنيع وعملياته التي جُلبت من الخارج بواسطة شركات تنمية استثمارات اجنبية. ومرة اخرى نرى هذه الموجة تنتقل من المقاطعات الساحلية، حيث الإستثمارات الأعلى، الى الداخل، تماما كما اخبرنا آدم سمث. وجدی-;-ر بالذكر أنّني اطلعت وانا اعمل على ترجمة هذا الفصل على تقرير يقول إنّ النمو في الصين، ثاني اكبر اقتصاد في العالم، فاق التوقعات خلال الربع الثاني من عام 2015. ونما الاقتصاد بنسبة 7 بالمئة عن العام الماضي، وهو ما يتوافق مع النمو في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
يطالعنا الفصل الرابع بذكر ثلاث نقاط. أولا، إنّ النمو الإقتصادي الحديث كان عملية انتشار بدأت من منطقة صغيرة في العالم، هي بريطانيا، ثمّ توسعت تدريجيا وتطورت لتصل الى كلّ ارجاء المعمورة. ثانيا، إنّ نماذج هذا الإنتشار معروفة واضحة وليست سرّا خفيا. ثالثا، تدخلت عوامل مختلفة ولعبت دورها خلال 250 سنة الماضية، وأنّ الأهمية النسبية لكلّ منها لا زالت تتغير، خاصة في ضوء التطورات التكنولوجية. فمثلا شكلت الملاريا في الماضي عائقا كبيرا في وجه التنمية في افريقيا. والآن ومع التقدم الذي تمّ احرازه في معالجتها، يوشك هذا العائق أن يتلاشى ويُقضى عليه لأول مرة في التاريخ.
ثم يمضي المؤلف للإستشهاد بممارسات الإطباء فيقول إنّهم يحاولون وضع الأصبع على السبب الرئيسي في التشخيص عن طريق الفصل بين المسببات المحتملة Differential Diagnosis. لقد توصل الى قناعة أنّه في التنمية الإقتصادية، وفي الحقيقة في التنمية المستدامة بشكل اكثر عمومية، نحتاج الى هذا النوع من الجهد. سمى في كتابه نهاية الفقر هذه الطريقة الإقتصاد التشخيصي، وذكر أنّ دور الإقتصادي الذي يتبع هذا الأسلوب هو أن يفرق بين المسببات الممكنة والمحتملة لأية حالة اقتصادية يتعامل معها، كما يشخص الطبيب حالة كل مريض على حدة، ثم يقترح قائمة من سبع مجموعات من الأسئلة، لمعالجة ظاهرة الفقر المدقع.
ينتقل المؤلف الى قضية هامة في الأوساط الإقتصادية حول العالم. اساءت بعض الدول الغنية بالمصادر الطبيعية، وخاصة النفط، استغلال تلك المصادر، لحدّ اصبحت فيه تلك المصادر يُنظر اليها بأنها لعنة وقعت على الناس بدلا من أن تكون خيرا نافعا لهم. وهذا يحدث عادة عندما تتوفر كميات كبيرة من النقد نتيجة تصدير النفط، والتي قد تقود الى تفشي الفساد على نطاق واسع وربما الى تخلخل في الإستقرار السياسي حين يتصارع الخصوم لوضع ايديهم على تلك الأموال. كما كان للشركات الأجنبية تاريخ طويل مشين في دفع الرشوات والتلاعب بالحسابات بغية تجنب دفع الضرائب. إنّ سوء استعمال واردات النفط من قبل الحكومات المتعاقبة في نايجيريا على مدى عدة عقود، اضافة الى الأضرار البيئية التي نجمت عن تسرب النفط، دون محاسبة الشركات المسؤولة عن ذلك، هو افضل مثال لسوء السمعة و"لعنة النفط" حول العالم.
ثمّ يتحول الى مهمة الثقافات في التنمية الإقتصادية فيتناول ثلاث مسائل هي معدلات الإنجاب وقضية التعليم وموقف المجتمع من المرأة. وهو يرى الثقافة مثل الجغرافية لا يمكن اعتبارها قدرا ثابتا. فالمواقف تتغير، وهذا التغير يمكن أن يكون في صالح التنمية المستدامة، خاصة في قضية معدلات الإنجاب عن النساء. حين ندرس التحديات التي تواجه السكان، علينا أن ننظر الى معدلات الإنجاب TFR في كلّ بلد. وهو يعني معدل عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة الواحدة. هناك اختلافات كبيرة في معدلات الولادة في انحاء العالم المختلفة، خاصة في البلدان العالية الدخل، حيث نجد أنّ معدل الإنجاب لكلّ امراة منخفض. بمعنى أنّ كلّ امرأة تنجب طفلا أو طفلين. وحين يكون المعدل اقل من اثنين، خاصة عندما لا تكون بينهما انثى، فإنّ المرأة لا تعوض نفسها. وبالتالي فإنّ عدد السكان سيتناقص بمرور الوقت. وحين يكون معدل الإنجاب اكثر من اثنين، فإنّ عدد السكان يتجدد بمرور الوقت. في البلدان ذات المدخولات العالية، يكون المعدل اقلّ من اثنين. وفي افقر بلدان العالم، خاصة في افريقيا الإستوائية واجزاء من جنوب أسيا، فإنّ معدل الإنجاب اكثر من اربعة اطفال. ويصل في المناطق المنخفضة الدخل في افريقيا الإستوائية الى اكثر من ستة اطفال. وهذا يعني أن كلّ امرأة قد تنجب ثلاث بنات أو اكثر. وباستطاعة المرء أن يرى الزيادة الهائلة المحتملة في سكان تلك البلدان خلال حقب قليلة. إنّ زيادة معدل الولادات تؤثر على التنمية الإقتصادية، لأنّه بتزايد اعداد الأطفال المولودين ستواجه الأسر اوقاتا عصيبة لتأمين الإحتياجات الأساسية لهؤلاء الصغار. اصبح بمقدور البلدان التي استطاعت ان تنتقل من معدلات الإنجاب العالية الى المنخفضة، أن تنمو اقتصاديا، بينما كان نصيب البلدان التي حافظت على معدلات الإنجاب العالية من النمو الإقتصادي محدودا.
تشير بيانات الأمم المتحدة الى أنّ عدد سكان قارة افريقيا قد ارتفع من 180 مليونا عام 1950الى 3.6 بليونا في نهاية القرن. وهذا يعني زيادة مقدارها 20 مرة خلال 50 سنة فقط. وهذه زيادة لا مثيل لها من قبل. ومع كلّ المشاكل المتمثلة في انحسار مساحة الأراضي الزراعية وتغيرات المناخ واستهلاك مصادر الطاقة، فإنّ هذه الزيادة الهائلة تجعل الوصول الى حالة الغنى، أو العيش الكريم امرا بعيد المنال.
حين كان البلد فقيرا في منتصف القرن العشرين، كانت نسبة المتعلمين في كوريا الجنوبية عالية وهناك دوافع وحماس لزيادة التحصيل. ساعد هذا المستوى من الإلتزام بالتعليم البلد كي يحقق واحدا من اسرع وانجح مشاريع التنمية الإقتصادية التي لم يكن لها مثيل من قبل، والتي أدت الى انتشار الرخاء في البلد بشكل واسع. إنّ جزء كبيرا من التقدم الإقتصادي في البلد قد سهله الإلتزام العميق بنشر التعليم الأساسي على نطاق واسع ليشمل كلّ فرد في المجتمع. وهذا الإلتزام الرائع في التعليم تظهرة نتائج الأختبارات العالمية.
يشير برنامج 2012 لتقييم الطلبة PISA على المستوى العالمي في مواد الرياضيات والعلوم والقراءة، أنّ كوريا الجنوبية ضمن القمة في كافة المواد المذكورة. يعكس هذا الأداء الباهر ليس فقط الإستثمارات العامة في التعليم، ولكن ايضا المساعدة التي يقدمها اولياء الطلبة لأبنائهم وبناتهم. ومن الملاحظ أنّ طلاب شرق آسيا بشكل عام يحتلون القمة، وهو أمر يعكس الإلتزام بالتحصيل المدرسي الواسع الإنتشار في تلك المنطقة من العالم. من بين الدول العشرين الأعلى تحصيلا في العلوم هي الصين بما فيها هونگ كونگ وسنغافورة واليابان وفنلندا واستونيا وكوريا الجنوبية. في القراءة تأتي في القمة الصين بما فيها هونگ كونگ وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية وفنلندا. أمّا دول القمة في الرياضيات فهي الصين وسنغافورة ثم هونگ كونگ وكوريا الجنوبية ومنطقة مكاو، المستعمرة البرتغالية سابقا والتي تقع قرب الساحل الصيني.
يمتدح المؤلف موقف المجتمع ازاء النساء في رواندا، حيث تبلغ نسبة النساء في برلمان البلد 64%، وهذه اعلى نسبة لمشاركة النساء في أيّ برلمان في العالم. لقد ارتفعت مشاركة النسوة في النشاط السياسي في رواندا، وما تزال ترتفع في اقسام اخرى من العالم، رغم وجود الكثير من عدم المساواة وانفراد الرجال في القيادة السياسية. ولكن في رواندا امتدت قوة النفوذ النسوي خارج البرلمان. فقد استطاع البلد أن يخفض نسب الوفيات بين الأطفال وتحسين الأوضاع التعليمية والظروف الإجتماعية. فمثلا، انخفضت نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة الى النصف خلال حقبة واحدة من 145 حالة وفاة من اصل 1000 حالة ولادة خلال الفترة 2000- 2005، الى 74 حالة لكلّ 1000 من المواليد خلال السنوات 2010- 2015. وهو يعتقد أنّه توجد عوامل ساعدت على انفكاك رواندا وتخلصها من فخ الفقر. ويضيف قائلا إنّ انخراط النسوة في الميدان السياسي لعب دورا هاما. إنّ هذا النجاح رسالة قوية جدا للبلدان التي لا تزال تراوح في مكانها. والمؤلف على قناعة بأنّه لا يمكن أن يتحقق النجاح في القرن الحادي والعشرين بنصف طاقات المواطنين، وعلى بقية البلدان أن تتعلم الدرس من بلد يسخّر طاقات مواطنيه كافة.
وهو يرى أنّ الفترة الإستعمارية لأفريقيا لعبت دورا سلبيا في تحقيق التنمية وركزت على نهب خيرات القارة فقط. في الوقت الذي بدأت فيه بلدان القارة في اعلان استقلالها السياسي في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لم يكن بين السكان العديد من المواطنين الذين حصلوا على تعليم جامعي. فمثلا في عشية استقلال جمهورية الكونگو الديمقراطية عام 1960، لم يتجاوز عدد من حصلوا على ذلك المستوى من التعليم 20 شخصا فقط من مجموع السكان البالغ 13 مليونا. لم توفر القوى الإستعمارية التعليم لأنّها اعتبرته مخاطرة سياسية.
يوجّه المؤلف في نهاية الفصل الرابع النقد لبلده حين ذكر أنّ بعض البلدان تهتم في تغطية حاجات الأسر الفقيرة لخلق الظروف المحفزة على التقدم اجتماعيا واقتصاديا، بينما تُترك البلدان الأخرى الفقراء بشكل أو بآخر لقدرهم. والنتيجة التي تترتب على ذلك هي حرمان جزء من السكان من فرص التقدم وارتقاء السلم الإجتماعي، فتتكرر تجربة الفقر وتستنسخ نفسها من جيل لآخر. تفرض الدول الإسكندنافية الضرائب العالية لتقليص معدلات الفقر بين الأطفال، وتخلق الظروف للمساواة الإجتماعية. وعلى الطرف المعاكس نجد الولايات المتحدة التي تفرض ضرائب منخفضة، ولذلك نجد أنّ معدلات استثماراتها الإجتماعية من مجموع الدخل الوطني محدودة. وعليه فالبلاد لا تتوفر فيها عدالة في توزيع الدخل وفيها زيادة كبيرة في نسبة الأطفال الفقراء، ومعدلات منخفضة لفرص الصعود الإجتماعي والدخل المناسب من جيل الى آخر. ورغم أنّ الولايات المتحدة اعتبرت نفسها لوقت طويل أنّها "بلد الفرص" والتقدم الإجتماعي، فمن المؤسف القول إنّ هذا الإدعاء لم يعد صحيحا.
بدأ المؤلف فصله الخامس بمناقشة مسألة الفقر المدقع حول العالم. حدّد البنك الدولي معيارا بألّا يقل دخل الفرد اليومي عن 1.25 دولارا، محسوبا بقيمة الدولار في الأسواق العالمية لعام 2005. ووفق هذا المعيار فإنّ حوالي 1.2 بليون شخصا يعيشون دون هذا الخط بحدود عام 2010، حسب آخر البيانات الإحصائية. وحين حسب البنك الدولي امورا اخرى وعدّل حصة الفرد من 1.24 دولارا يوميا الى دولارين حسب الأسعار العالمية، فإنّ جزء اكبر من سكان العالم يقدر عددهم بحوالي 2.4 بليون شخصا كانوا في حالة فقر مدقع عام 2012.
ثمّ يذكرنا أنّه حدث في شهر سبتمبر من عام 2000 امر في غاية الأهمية، حين اجتمع اكثر من 160 رئيسا من رؤساء الدول والحكومات في مبنى الأمم المتحدة ليعلنوا بداية الألفية الجديدة والآمال المعقودة عليها، وعلاقتها بالتنمية المستدامة من خلال ثمانية اهداف. يدعو الهدف الأول الى ازالة الفقر المدقع والجوع والقضاء عليهما تماما، والثاني الى توفير التعليم الأبتدائي على المستوى العالمي، والثالث تحقيق المساواة الجنسية، بحيث تحصل النسوة على حقوقهن المساوية لحقوق الرجال، وتتوفر لهن فرص التقدم الإقتصادي. أمّا الهدف الرابع فيتناول تقليل معدل الوفيات بين الأطفال. ويركز الهدف الخامس على توفير الرعاية الصحية للنساء الحوامل وتقليل فرص وفاة الإطفال/الأمّهات عند الولادة. يؤكد الهدف السادس على القضاء على مرض نقص المناعة، الأيدز AIDS والملاريا وغيرهما من الأمراض القاتلة. ويدور الهدف السابع حول التأكيد على الإستدامة البيئوية، في حين يركز الهدف الثامن على تشجيع المشاركة العالمية من اجل التنمية، بحيث تقوم البلدان الغنية بمساعدة الدول الفقيرة على تحقيق الأهداف السبعة الأولى من الإعلان.
وبصدد مشكلة الفقر المدقع وكيفية ازالتها والقضاء عليها، يقول المؤلف إنّه في عام 2010 كان يوجد 413 مليونا من البشر القابعين تحت نير الفقر في منطقة ما دون الصحراء الكبرى الأفريقية، ويعيش في واقع مماثل حوالي 507 مليون شخصا في جنوب آسيا. ويشكل فقراء هاتين المنطقتين حوالي 76% من مجموع فقراء العالم بأجمعه. ويعاني في شرق آسيا حوالي 20% من مجموع السكان من هذه المشكلة ويشكلون حوالي 250 مليون شخصا، رغم أنّ المنطقة قد شهدت تقدما اقتصاديا سريعا صاحبه نمو مماثل. أمّا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا فيعيش حوالي 10% من مجموع السكان في حالة فقر مدقع، ومعناه أنّه يوجد حوالي 100 مليون شخصا فقيرا. أمّا 100 مليون شخصا من الفقراء الآخرين فهم موزعون في نواحي العالم الأخرى في امريكا اللاتينية وجزر الكاريبي ووسط آسيا وبعض الجزر في المحيطين الهادي والأطلسي.
ومن الجدير بالذكر أن نؤكد على الفرص التعليمية الهائلة التي ستحققها القارة الأفريقية إذا انخفضت معدلات الإنجاب فيها، حسب رأي المؤلف. فمع قلة عدد الأطفال سيكون بمقدور الأسر التأكيد على تعليم كلّ طفل وصحته وتغذيته. فالذي يجري الآن أنّ العائلات الفقيرة ربما تقتصر على ارسال الطفل الأول فقط للمدرسة. أمّا إذا كان عدد الأطفال محدودا سيكون بالمستطاع ذهاب الجميع للمدرسة. واكثر من ذلك سوف لن تواجه الحكومة سباقا لا نهاية له مع الزمن وسرعة الإنجاب، بحيث تحتاج دائما الى بناء مزيد من المدارس وتدرب المعلمين وتؤهلهم، غالبا بكلفة عالية، ليس في تحسين العملية التعليمية، ولكن لتتجاوب فقط مع الزيادة المستمرة للإطفال في سنّ المدرسة.
وعليه فإنّه اضافة الى الإستثمارات الحيوية في مجالات الزراعة والصحة والتعليم والبنى التحتية ومدّ اسلاك الفايبر اوپتك وتوسيع شبكة الكهرباء، فإنّ افريقيا ستنتفع اذا استثمرت اكثر في ميدان التخفيض الطوعي لمعدلات الإنجاب السارية الآن. كيف "تستثمر" الحكومة اكثر في التخفيض الطوعي للإنجاب؟ أولا، تؤكد الحكومة على مواصلة البنات للتعليم حتى يحصلن على الأقل على دبلوم اكمال المرحلة الثانوية، وذلك لکي تحول دون تشجيع الزواج المبكر. ثانيا، أن تستثمر الحكومة في توفير الخدمات الصحية لتقليل نسب الوفيات بين الأطفال، ولكي تقتنع الأسر بأن تتوقف عن انجاب عدد كبير من الأطفال لأنها تعلم أن بعضهم سيموت نتيجة الأمراض والأوبئة. ثالثا، يتوجب على الحكومة الإهتمام بالتخطيط الأسري وتوفير وسائل منع الحمل بالمجان أو باسعار مخفضة لكي تشجع العائلات على تخفيض مستوى الإنجاب.
ثمّ ينتقل للحديث عن الكثافة السكانية حول العالم، فيقول إنّ الهند وجارتها بنگلادش هما من اكثف المناطق سكانا. والعدد في الحقيقة صاعق. ففي بنگلادش تبلغ الكثافة السكانية 1200 شخصا لكل كيلومتر مربع. وفي الهند تبلغ تلك الكثافة 410 شخصا لكلّ كيلومتر مربع. غير أنّ الكثير من مساحة البلاد مناطق صحراوية خالية من السكان، ممّا يجعل المناطق الباقية اكثر ازدحاما. وعن طريق المقارنة مثلا، فإنّ الكثافة السكانية في الولايات المتحدة هي 32 شخصا لكلّ كيلومتر مربع. وعليه فإنّ الكثافة السكانية في الهند هي عشرة اضعاف ما هي عليه في الولايات المتحدة.
يمتدح المؤلف في نهاية فصله الخامس تقريبا جهود لجنة تنمية ترأسها رئيس وزراء كندي اسبق وحاصل على جائزة نوبل للسلام هو لستر پيرسن لأنّه طالب بأن يكون هناك التزام دولي بصدد معونة رسمية من أجل التنمية. طلب تقرير لجنته المذكورة الذي كان بعنوان شركاء في التنمية، البلدان الغنية أن تتبرع للبلدان الفقيرة. ذكر التقرير أنّه يتعيّن على تلك الدول أن تتبرع بما مقداره 1% من دخلها السنوي لمساعدة البلدان المنخفضة الدخل لكي تقضي على الفقر. تأتي نسبة تبلغ 0.7% من الحكومات الغنية عبر القنوات الرسمية على شكل منح أو قروض بفائدة منخفضة من حكومة لحكومة. أمّا الباقي وهو 0.3% فيأتي من شركاتها الكبيرة وجمعياتها الخيرية ومن الأغنياء من مواطنيها. واعتمادا على تقرير هذه اللجنة، فإنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت الإقتراح عام 1970، ودعت الدول الغنية أن تقدم ما مقداره 0.7% من دخلها السنوي لمعونة التنمية الرسمية.
ولو حسبنا ذلك اليوم في ضوء اقتصاد الولايات المتحدة البالغ 16 تريليون دولارا، فإنّ تلك النسبة تعني أنّ مقدار المعونة التي بعاتقها يكون بحدود 112 بليون دولارا. ولكن من المؤسف أنّ الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن الإيفاء بالتزامها. استلمت وكالة التنمية الخارجية ODA ما مقداره 30 بليون دولارا لكلّ عام. وهذا يعني 0.18% من أصل 1% من اجمالي دخلها. إذن ما تدفعه الولايات المتحدة لا يتجاوز ثلث ما التزمت به وفق المعايير الدولية. التزمت خمس دول فقط بتسديد ما وعدت به من مدخولاتها السنوية، وهذه الدول هي السويد والنرويج والدنيمارك ولكسمبرگ وهولندا. ويقع في اسفل القائمة الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية واليونان وايطاليا، التي تدفع نسبا واطئة من مدخولاتها للمعونة التنموية الرسمية. ولكن اذا تركنا النسب وركزنا على الأرقام الفعلية لكمية المبالغ المتبرع بها، فإنّ الولايات المتحدة تأتي في مقدمة القائمة بحكم اقتصادها الكبير. يبلغ مجموع مدخولات الدول الغنية 40 تريليون دولارا. ولو التزمت هذه الدول بتوصية التبرع بنسبة 0.7%، فذلك يعني تقديم 280 بليون دولارا. ولكن ما يُقدم لا يتجاوز 120 بليون دولارا، أو حوالي 0.3% من اجمالي دخل الدول الغنية السنوي.
يكرس المؤلف الصفحات الأخيرة من هذا الفصل للحديث عن مشروع القرى الألفية فيقول، إنّ من اكثر التطورات الباعثة على الأمل في مشروع القرى الألفية هو تطوير نظام الخدمات الصحية المحلي. لقد شهد تحسنا ملحوظا في الصحة العامة نجم عنه انخفاض كبير في نسبة وفيات الأمهات/المواليد. لقد اطلق المشروع ابتكارات في ميدان تقديم الخدمات الصحية محليا بتأسيس فرق اطلق عليها عمال الصحة العامة المحليين CHWs لكي تصل خدماتها الى افقر الأسر في القرى. وبلغ عدد هؤلاء حوالي المليون عاملا في حملة عام 2013.
إنّ فكرة عمال الصحة العامة المحليين هي من افضل الإبتكارات عند المؤلف في مشروع القرى الألفية. فهولاء الأفراد من المجتمعات الفقيرة اصبحوا حراسا واعين على صحة الناس من حولهم. وهم في العادة نساء من المجتمع او القرية ذاتها لهن تحصيل دراسي ما بين 10-12 سنة، وغير مدربات طبيا وبالتأكيد لسن ممرضات. ومع ذلك وبواسطة تدريب بسيط قد يستمر لعدة اشهر، تنطلق العاملة وهي تحمل على ظهرها حقيبة صغيرة فيها بعض الأنواع العملية من الذخائر الطبية، وهدفها هو تغيير حياة الناس في مجتمعها وانقاذهم من الأوبئة. (اخترت صورة احداهن لتكون غلافا للكتاب – المترجم)
تحمل كلّ منهن في حقيبتها معدات مكافحة الملاريا. وهي تقوم أولا بتشخيص سريع للحالة عن طريق تحليل قطرة دم واحدة من دم الطفل. لم تعد هناك حاجة لإجراء التحاليل في مختبر أو عيادة تبعد عدة كيلومترات. ثانيا، تتوفر للعاملة الأدوية الضرورية لمعالجة الملاريا إذا كان تحليل الدم ايجابيا. لم يعد اولياء امور الأطفال المرضى ملزمين أن يحملوهم وهم يعانون من الحمى العالية الى عيادة من اجل تشخيص الحالة. باستطاعة العاملة معالجة الطفل المصاب وهو في بيته. ثالثا يتوفر لدى العاملة تلفون منقول يمكنها استعماله والإتصال لطلب سيارة اسعاف أو للإتصال بعيادة لطلب النصح والمشورة من ممرضة أو طبيب هناك. وبمرور الوقت اصبحت هذه التلفونات "اكثر ذكاء" حين اصبح بالإمكان برمجتها للحصول على انظمة المعلومات المتخصصة أو لتلقى النصح والمعلومات بشكل منتظم أو متابعة حالة المريض.
واخيرا يعبر المؤلف عن سعادته أنّ مشروع القرى الألفية قد حفز العديد من الحكومات كي تزيد من قدرات برامجها الوطنية لمكافحة الملاريا ومعالجة الأيدز وتقديم العون للفلاحين الصغار وتوفير الكهرباء عن طريق استخدام شرائح تجميع الأشعة الشمسية. كما تمّ اختيار عدد من المبتكرات التي تمّ تجريبها وكانت القرى الألفية هي الرائدة في هذا المجال. تنتشر الآن المشاريع الناجحة . لقد بدأ المشروع في10 بلدان وانتشر الآن الى اكثر من 20 بلدا.
يفتتح د. ساكس فصله السادس بطرح عدد من الأسئلة. كيف يمكن لاقتصاد العالم وعدد السكان أن يتوسعا في نموهما إذا كانت الأرض ذاتها محدودة الإمكانات؟ هل هناك حدود لهذا النمو؟ هل وصلنا الى تلك الحدود؟ هل ما زال هناك مجال على الأرض للبلدان الفقيرة أن ترفع مستويات المعيشة فيها؟ هل تمتلك الأرض المصادر الكافية والمقومات من المياه والمكان والهواء وخدمات البيئة مثل قطع الأشجار الفائضة في الغابات ومراقبة مناطق صيد الأسماك وتكاثرها، قصد ديمومة نمو الإقتصاد العالمي؟ بعبارة اخرى، هل باستطاعة النمو الإقتصادي أن يكون متوازنا مع البيئة المستدامة؟ ثم يمضي للقول بأنّ مثل هذه الأسئلة تجلبنا الى قلب التنمية المستدامة. ثم يعلن أنّه وزملائه يهدفون الى عالم مترف يعيش في بحبوبة تشمل اطياف المجتمع كافة، وكذلك البيئة المستدامة والمحافظة عليها. هل من الممكن لكلّ هذه الأهداف أن تتحقق؟
كان عدد سكان العالم عام 1790 حوالي 900 مليون شخصا، وتضاعف العدد بمقدار سبع مرات عمّا كان عليه. في الحقيقة أنّ عدد السكان المتزايد ترافق مع زيادة الإنتاجية على المدى البعيد، وكان القادم اكثر. سيصل عدد السكان بحدود 10.9 بليون شخصا في عام 2100، وفق معدلات الإخصاب المعتدلة التي اقترحتها الأمم المتحدة. ولكي نقيس مدى تأثير الإنسانية على البيئة، بما فيها الضغوط التي تفرضها على انظمة الأرض البيئية، يتطلب الأمر منّا أن نقارن بين اعداد السكان المجردة مع الزيادة في المصادر التي يحصل عليها كلّ فرد. في عام 1800 كان معدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج العالمي GWP حوالي 330 دولارا محسوبة وفق اسعار الدولار عام 2013. الآن يصل نصيب الفرد الى 12600 دولارا. وهذا يعني أنّ نصيب الفرد قد ازداد بمقدار 38 مرّة.
ثم يتحول ساكس نحو حدود كوكبنا وامكاناته فيعدّد تسعة جوانب، هي دور الإنسانية في تغيرات المناخ وزيادة مستوى حموضة مياه المحيطات ومسألة تلف غاز الأوزون والإنبعاثات المتزايدة من النايتروجين والفسفور وزيادة استهلاك مصادر المياه العذبة واستعمال الأرض وتنوع الكائنات البيئية واخيرا الإستعمال المتزايد للأوروسول aerosol. يستعرض بعد ذلك موجات الإنقراض الخمسة التي عاشتها الأرض خلال ملايين السنوات من عمرها، ثمّ يتهم البشرية بأنّ موجة الإنقراض القادمة وهي السادسة ستكون من صنع الإنسان إذا لم يتوقف عن ممارساته الغبية، التي سوف لن تقضي على الكون، بل عليه نفسه قبل سائر الكائنات. حين تتخطى الإنسانية حدود الكوكب، بمعنى أنّ الإنسان يضغط اكثر على البيئة وقدرة انظمتها الطبيعية الى حدّ يفوق طاقتها، فالنتيجة هي تغيرات كبيرة في عمليات تلك الأنظمة البيئية ecosystems. تهدد هذه التغيرات الكبيرة حياة الإنسان ووجوده، خاصة عندما تضرب مناطق فقيرة ليست لها مصادر الإغنياء ولا بناهم التحتية لحماية انفسهم من غضبها.
يركز المؤلف بشكل خاص على قضية اكتشاف البشرية للوقود الأحفوري واثرها على زيادة كثافة غاز ثاني اكسيد الكاربون في الجو نتيجة استعمال هذا الوقود. كانت النسبة خلال 8000000 سنة الماضية تتفاوت بين 150- 280 ppm. غير أنّ هذه النسبة ارتفعت خلال السنوات 150 الأخيرة لتصل الى 450- 500 ppm. وهذه الزيادة يمكن أن تنجم عنها تغيرات مناخية وبيئية متنوعة وخطيرة وكبيرة لا مثيل لها في تاريخ البشرية.ثمّ يمضي للقول بأنّنا نعيش في عالم اطلقت فيه الإنسانية عنانها ودفعت حدود الأرض وامكاناتها الى اقصى قدر ممكن. كما أنّنا نعيش في عالم تسعى فيه البلدان الفقيرة لكي تختزل الفجوة في المدخولات مع البلدان الغنية مستعينة بالوسائل التكنولوجية لتحقيق هذا الهدف بمرور الوقت. ولكن إذا استمرّ النمو الإقتصادي باستخدام التكنولوجيا المتوفرة ونماذج العمل الجارية business models، فإنّ الإنسانية ستفجّر تلك الحدود وستخلق رعبا مدمرا في نظام المناخ وتوفر المياه العذبة وزيادة نسبة حموضة مياه المحيطات والتأثير سلبا على بقاء الكائنات الحية الأخرى. وإذا اردنا التوفيق بين النمو الذي نبغي تحقيقه مع الحقائق البيئية على كوكب الأرض، فإنّنا بحاجة الى اقتصاد عالمي ينمو مستقبلا بطريقة تختلف عمّا هي عليه الآن. هناك حاجة ماسّة لاستخدام المزيد من الطاقة في المستقبل، لكنّ الطرق التقليدية في استخدام طاقة الوقود الأحفوري لن تحلّ مشكلتنا، بل أنّها ستزيد من شدة التغيرات المناخية التي تخلقها الإستخدامات البشرية لهذه الطاقة.
يستشهد المؤلف بما قام به Scripps لقياس تفاوت تركيز غاز ثاني أكسيد الكاربون في الجو حسب الفترات الزمنية المختلفة بسبب حركة الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، وارتفاع وهبوط كثافة ذلك الغاز في الجو خلال الفترة الممتدة على طول 800000 عاما. تراوح تركيز هذا الغاز في الجو من 150ppm الى 280 ppm. وفجأة وبغمضة عين تسببت الإنسانية في ارتفاع مفاجئ الى ابعد من ذلك بكثير لحدّ بلغ 400 ppm خلال 150 عاما فقط. لقد وصلنا الى حدّ كثافة لهذا الغاز في الجو لم تشهده الحياة على هذا الكوكب منذ ثلاثة ملايين سنة. السبب في ذلك هو أنّ الإنسانية اكتشفت الوقود الأحفوري وبدأت تستهلك كميات كبيرة منه، خاصة خلال 100 سنة الماضية. بعبارة اخرى، إذا لم نعمل على تغيير مسارنا بسرعة فإنّنا لا شكّ مقبلون على خطر غير اعتيادي. وبسبب اعتمادنا على الوقود الأحفوري، فإنّنا سنشهد تكرارا لموجات الحرّ التي اظهرها جيمس هانسن في خرائطه. لا شكّ أنّنا مقبلون على جفاف بالغ الشدة وفيضانات هائلة وعواصف مدمرة عنيفة مصحوبة بانقراض بعض الأجناس من الكائنات، وفشل رهيب في كمية المحاصيل المنتجة وارتفاع هائل في مناسيب مياه البحار والمحيطات بمرور الوقت، وزيادة لم يسبق لها مثيل في حموضة مياه المحيطات والبحار بسبب ذوبان كميات من ثاني أكسيد الكاربون CO2 فيها. قد تكون بعض المناطق اكثر عرضة للإصابة بهذه الكوارث، وطبعا سوف لن تتشابه آثار هذه الكوارث في كافة انحاء العالم. غير أنّه في عالم سترتفع حرارته بمقدار 3 درجات مئوية أو اكثر عمّا هي عليه الآن، فإنّ الكوارث ستكون اوسع انتشارا. وسنكون في طريقنا لزيادة تبلغ 4 درجات مئوية في نهاية القرن الواحد والعشرين حسب ما تفصح به افضل الأدلة.
ثم يتعرض المؤلف في اواخر هذا الفصل الى نظرية مالثوس حول زيادات السكان المتلاحقة وعلاقتها في قيام المجاعات والحروب، لأنّ الطبيعة لن تكون قادرة على توفير الغذاء الضروري لإطعام تلك الأعداد البشرية. يشير الى أنّ النظرية لم تاخذ في الحسبان التقدم العلمي والتكنولوجي وما يوفره من الأسمدة والبذور المحسنة وتحسين طرق الإنتاج الزراعي. إلّا أنّه من جهة اخرى، يرى أنّه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة في اي بلد ترتفع فيه نسب الإنجاب.
يثير في النهاية سؤالا مفاده، ما الذي يقود الى تغيير اسرع في تطبيق معدلات انجاب التعويض في المناطق ذات الإنجاب العالي اليوم؟ هنالك عدة عوامل يمكن أن تلعب دورا هاما في هذا المجال. سنّ الزواج هو مفتاح القضية. في المجتمعات التقليدية، لا يتم تعليم الفتيات أو يُجبرن على ترك المدرسة والزواج مبكرا، احيانا وهنّ في سنّ 12 عاما، ربّما لأسباب اقتصادية أو ثقافية. تبدأ بعدها فترة الحمل وتصبح هؤلاء الفتيات الصغيرات بدون نصير اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي. وغالبا ما تنتهي كلّ منهن بانجاب 6- 8 اطفال أو اكثر. العامل الثاني الذي يقرر معدل الإنجاب هو توفر وسائل منع الحمل الحديثة وخدمات التخطيط الأسري أو عدمها. ففي الأماكن التي تتوفر فيها هذه الوسائل والخدمات بشكل واسع وحيث توجد الخدمات الطبية وحيث يتوفر الإرشاد الثقافي في مثل هذه المواضيح الحساسة داخل الأسر، فإنّ النتائج تميل الى انخفاض معدلات الإنجاب. فبرامج التخطيط العائلي التي تعمل بشكل فعال في البلدان المنخفضة المدخولات، ستكون هذه فعالة وتقود للميل الى معدلات الإنجاب المنخفضة على أسس طوعية.
ولو تصورنا أنّ معدلات الإنجاب لا تتغير عمّا هي عليه الآن بتاتا، فسنرى بمرور الوقت أنّ عدد السكان سيكون بحدود 28.6 بليون شخصا في نهاية هذا القرن. وهذا يعادل اربعة اضعاف ما هو عليه الآن. لا تستطيع الأرض توفير الغذاء لكلّ هذه الأعداد من البشر، ويجب ألّا يحدث ذلك. إنّ هذا السيناريو يخبرنا بالتأكيد أنّ معدلات الإنجاب يجب أن تنخفض عمّا هي عليه الآن. ويجب أن نتذكر أنّ استقرار الفرد ماديا لا يعتمد فقط على انتاج الفرد ذاته. إنّ عالما تُخترَق فيه حدود الأرض وامكاناتها، يكون انتاج الفرد فيه عاليا ويتحقق بسهولة إذا استقرت اعداد السكان وتوقفت عن النمو المتزايد الذي يبلغ الآن بحدود 75- 80 مليون شخصا سنويا. إنّ النمو المادي لوجود الفرد يمكن أن يُضمن ويُحمى إذا تمت السيطرة على الزيادة المدهشة في هذا القرن من خلال التخفيض الطوعي لمعدلات الإنجاب لتصل الى مستوى معدلات التعويض فقط، أو اقلّ من ذلك. هذا هو الذي سيقود الى انخفاض عدد سكان العالم تدريجيا خلال القرن الحادي والعشرين.
يناقش المؤلف في مطلع فصله السابع موضوع التكافل الإجتماعي ويتعرض لستة أسس أخلاقية لهذا التكافل والتضامن. لقدعالجت البشرية من خلال تاريخها الطويل القضايا الأخلاقية ونظرت اليها وفق مختلف الطروحات المتميزة. إنّ اعظم الحكماء فكروا بمسؤوليتنا وبوجوب تصرفنا بشكل اخلاقي. فالأديان تدعونا لاتباع القاعدة الذهبية التي تقول "إفعل لأجل الآخرين ما تحب أن يفعلوا هم لأجلك،" بينما دعانا كارت أن نتأمل الواجبات الأخلاقية من خلال التفكير العقلاني. ثمّ بنى رولز على افكار كانت، واقترح بناء مؤسسات اجتماعية لهذا الغرض. أمّا الفلسفة النفعية فقد تولت النظر في المسؤولية الجماعية لمضاعفة السعادة في المجتمع. ثمّ جاءت الليبراليتية لتؤكد على اخطار تجاوز الحكومة لسلطاتها. وأخيرا أكّد اتباع فلسفة حقوق الإنسان على البيئة العالمية والقانونية التي نحتاجها لتأمين حقوق الأنسان الأساسية لكلّ فرد على وجه البسيطة، بغض النظر عن النظام الإجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه والذي ينظوي تحته. ثمّ يمضي للقول إنّه ومهما وجد القارئ من قيمة لأيّ من المبادئ الست، فإنّه شخصيا يفضل معظمها. يجب أن نكون واثقين أنّ دور التفكير الأخلاقي حيوي في أيّة سياسة عامة جيدة. وعليه نحن بحاجة الى مزيد من النقاش والتوعية الصحية وتبادل الآراء حول هذه الخيارات الأخلاقية، لأنّ اهداف التنمية المستدامة تعتمد على الموقف الأخلاقي الذي نتبناه.
يهدف التكافل الإجتماعي الى الرخاء الذي يعمّ الجميع والقضاء على كافة صنوف التمييز وحماية القانون للجميع بلا استثناء وحصول كل فرد على مستلزمات الحياة الأساسية والقدرة على تسلق السلم الإجتماعي، بمعنى أنّ الأطفال الذين يولدون لأسر فقيرة تتوفر لهم الفرص للهروب من ذلك الفقر والبؤس. ومن الطبيعي ألّا نتوقع أن يُحقق أيّ مجتمع عدالة شاملة، لأنّ الناس مختلفون متفاوتون في حظوظهم واذواقهم وجهودهم وقدراتهم. ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الفروق على القضايا الإقتصادية مثل الدخل والغنى والوظيفة والعمل الذي يتأهل له الفرد. يتوقع الناس هذه الإختلافات الى حدّ معقول. لكنّ المشكلة تبرز حين تتجاوز الفروقات الإقتصادية الى ابعد من الإختلافات بين الأفراد وحظوظهم وظروفهم. حين يعجز الأفراد عن الإهتمام بانفسهم بسبب الطبيعة والظروف، فإنّنا نتوقع، وفق اغلب النظم الأخلاقية، أنّ المجتمع سيقدم لهم العون ويوفر لهم الحاجات الأساسية ويحافظ على كرامتهم.
إضافة الى انتفاء المساواة بين مختلف الفئات، هناك اختلافات بين الأفراد انفسهم. هناك تنوع لا بدّ منه بينهم. وهذه جميعا تقود الى عدم المساواة في المدخولات في أيّ مجتمع مهما كان. غير أنّ عدم المساواة هذا هو نتيجة لاختلافات اخرى تعتمد على سياسات البلد عامة. هل تساعد الدول كلّ عائلة لكي تحصل على الحاجات الضرورية؟ هل توفر الدولة التعليم لكلّ الأطفال، بما فيهم اطفال الأسر الفقيرة؟ هل أنّ نوعية التعليم الذي يحضى به الأطفال الفقراء كاف تماما ليضمن لهم تقدما في المجتمع، أم أنّ الخدمات التعليمية للفقراء ضعيفة لن تمكن هؤلاء من أن يفلتوا من فخّ الفقر، ويستمر هذا الفقر والبؤس موروثا من جيل لآخر؟ إنّ الجواب على هذه الأسئلة يختلف من مجتمع الى مجتمع آخر.
بلغ عدد عمال القطاع الصناعي في الولايات المتحدة قمته عام 1979، حيث وصل الى 19 مليون عاملا. ومنذ ذلك العام بدأت الأعداد بالإنخفاض بسبب الإنتقال الى اقتصاد الأجور المنخفضة. استفادت البلدان التي تميزت بهذه الظاهرة مثل الصين استفادة عظيمة. الجزء الأساسي في سرعة نموها الإقتصادي راجع الى انتقال المصانع الأمريكية والأوروپية الى ارضها، وهو الذي فتح أمام مواطنيها القانعين بالإجور المنخفضة فرص عمل كبيرة. ولكن بالنسبة للعمال الأقل تعليما في الولايات المتحدة فقد كان الأمر مزيدا من المعاناة وانخفاضا في الأجور وفي الفرص. يبلغ عدد العمال اليوم حوالي 12 مليونا في القطاع الصناعي الأمريكي.
زادت القوى السياسية في الولايات المتحدة، من حدّة فجوة المدخولات وانحازت الى جانب سوق العمل ضد العمال، واصبحت هذه السياسة واضحة ظاهرة تمّ تطبيقها منذ ثمانينات القرن الماضي. دخل رونالد ريگن البيت الأبيض في شهر يناير من عام 1981 بمساعدة القوى السياسية الليبراليتية. شجعت هذه القوى على قطع الخدمات الحكومية المركزية أو خفّضتها، وخفّصت ضريبة الدخل المركزية ورفعت الرقابة عن كثير من قطاعات الأعمال، من بينها سوق المال في وول ستريت. توضح الدلائل أنّ عدم المساواة في الولايات المتحدة بدأ يرتفع بشكل ملحوظ في تلك الفترة، واستمرّ على ذلك المنوال لغاية يومنا هذا.
إنّ رفع الرقابة عن القطاع المالي خاصّة، واضعاف اتحاد العمال كجزء من نشاطات العولمة جعل الرؤساء التنفيذيون للشركات والبنوك والمؤسسات الخاصة CEOs يدفعون لأنفسهم رواتب ضخمة خيالية. وفي العادة يجتمع اعضاء الإدارة العليا ويقررون ما يشاؤون لأنفسهم من الرواتب والمخصصات. وغالبا ما يختار الرئيس التنفيذي للمؤسسة اعضاء لجان الإدارة التي تقرر تلك الرواتب والمنافع. في السبعينات كان راتب الرئيس التنفيذي ومخصصاته يعادل حوالي 20 مرّة معدل راتب الموظف في تلك المؤسسة. غير أنّ تلك الرواتب والمخصصات تفجّرت بعد ذلك. ومع غياب الرقابة وغيرها من المتابعات الحكومية، يتقاضى المدير التنفيذي الآن راتبا ومخصصات تعادل راتب الموظف عنده بمئات المرّات.
إنّ غياب المساواة إرث ناجم عن استعمال القوة والتاريخ والإقتصاد واختلاف القدرات الفردية، وهو يمكن أنّ يُصعّد أو يُخفف من خلال ممارسات الدولة. لغاية عام 1929 عندما ضرب الكساد الكبير البلد كان، الأغنياء يحصلون على نسبة 15-20 % من مجموع الدخل الوطني. وحين حلّ الكساد وبرز ما سُمّي العقد الجديد New Deal، وضعت الحكومة يدها على كثير من التجاوزات في القطاع المالي فانخفضت حصة الأغنياء الذين يمثلون قمة 1% من مجموع السكان انخفاضا كبيرا. رُفعت نسبة الضرائب المفروضة عليهم، ورُدع المدراء التنفيذيون من الإستمرار في تكديس الثروة عن طريق الرواتب والمخصصات المالية. منذ فترة الأربعينات حتى السبعينات كان معدل نصيب الأغنياء هو 10% من الدخل الوطني، ثم اعقب ذلك ارتفاع متسارع في حصة 1% من السكان من الدخل الوطني.
لا يمكننا أن نلقي اللوم على عوامل السوق الحرة باعتبارها سبب الزيادة الفاحشة، لأنّ الذي حدث في الولايات المتحدة جرى له مثيل في البلدان الأخرى ذات المدخولات العالية، والتي تخضع ايضا لعوامل السوق الحرة ذاتها. إنّها سياسة ريگن إضافة الى عوامل السوق الحرة، هي التي زادت من هوة الفروقات في المدخولات بهذا الشكل العجيب. والشيء الجدير بالذكر هو أنّ الأثرياء الذين يمثلون قمة 0.01% في الولايات المتحدة وعددهم لا يتجاوز 12000 اسرة من مجموع 120 مليون اسرة امريكية ياخذون ما يقارب 5% من مجموع دخل البلد بالمقارنة مع 1-2% في السبعينات.
ثمّ ينتقل المؤلف لمناقشة الإجحاف الذي لحق ويلحق بالمرأة حتى في اكثر المجتمعات انفتاحا. في البلدان ذات المدخولات العالية، حيث ازدادت معدلات مشاركة النسوة في سوق العمل بشكل عال خلال الثلاثين سنة الماضية، مازالت هناك هوة بين ما يكسبه الرجال والنساء. وقد تسلك الشركات سبلا اخرى للتمييز ضد النسوة من خلال تقليص الإعتمادات المالية المخصصة لزيادة تدريبهنّ وكفائتهنّ مهنيّا أو حتى ترقيتهنّ وظيفيّا، لأنّ ادارات تلك الشركات والمؤسسات تعتقد أنّهنّ سيتركن العمل ليتفرغن لتربية اطفالهن. والسبب الآخر هو ببساطة بعض المعايير الإجتماعية حيث يوضع سقف زجاجي لترقيتهنّ في كثير من الحالات.
غير أنّ الأخبار الجيدة هي أنّ اهداف التنمية الألفية قد ضيّقت الهوة بين الجنسين، خاصة فيما يتعلق في مجال التعليم. ففي مرحلة التعليم الإبتدائي انحسرت تقريبا الفجوة في اعداد المسجلين بين الأولاد والبنات. وفي بعض اجزاء العالم، فاقت اعداد البنات اعداد الأولاد في المرحلتين المتوسطة والثانوية، كما تشير المعلومات عن امريكا اللاتينية، حيث تسود ثقافة استعلاء الرجل في المجتمع macho. لقد اظهرت الدول الإسكندنافية نجاحا وابداعا اكثر في هذا المجال وباستطاعة العالم أن يتعلم من تجاربها في هذا المجال
ومع ذلك يتطلب الأمر أخيرا أن نؤكد بأنّه توجد حول العالم اعداد لا تحصى من النساء اللواتي يواجهن معاناة لا يمكن وصفها وعنفا لا يُطاق سواء ما كان متمثلا في الإغتصاب أو بسوء معاملة الأزواج لزوجاتهم، أو غيرها من اشكال العنف الأسري المقيت. حاولت منظمة اليونسيف UNICEF وغيرها من وكالات الأمم المتحدة أن تقوم بجهود رئيسية لزيادة وعي المجتمعات باشكال هذا العنف. كما أنّ الناشطات اللواتي يتميزن بالشجاعة ما زلن يعملن للمطالبة بتطبيق القوانين بشكل افضل ودفع القيادات السياسية لتنظمّ الى تلك الجهود. يُنظر في العديد من المجتمعات للمرأة بأنّها ملكية للرجل يتصرّف بها كيفما يشاء. إنّ هذا الفهم اللإنساني هو إنكار اساسي لحقوق الإنسان ويجب أن يوقف عند حدّه.
يناقش المؤلف في الفصل الثامن موضوع التعليم، فيوضح لنا تحقيق التقدم في مجال التعليم الإبتدائي خاصة بالنسبة للبنات. في عام 1990 لم يتجاوز معدل تسجيلهنّ 60% مقابل 90% لللأولاد. في عام 2010 اختفى ذلك الإختلاف بين الجنسين. في الوقت الذي تمّ فيه تحقيق تقدم عظيم في التعليم الإبتدائي، فإنّ عدد المسجلين في المدارس الثانوية كان اقلّ من ذلك بكثير خاصة في بلدان افريقيا الإستوائية وبعض الأجزاء من آسيا، حيث ينتشر الفقر المدقع. يجب أن تركز اهداف التنمية المستدامة للفترة من 2015- 2030 على نشر التعليم الثانوي وتسهيل الإلتحاق بالمعاهد الفنية بعده. كما أنّ انخفاض معدلات التسجيل في معاهد التعليم العالية قد اصبح عنصرا مهما في تأخير التقدم الإقتصادي في البلدان الفقيرة. وفي هذه المرحلة من النمو العالمي، فإنّ أيّ اقتصاد، بغض النظر عن كونه غنيّا أم فقيرا، يحتاج الى اعداد كافية من خريجي الجامعات. فالمعاهد الفنية ضرورية لضمان وجود اعداد كافية من المعلمين والعاملين الفنيين وجيل مؤهل مهنيّا من الشباب والشابات المدربين للخدمة العامة والتنمية المستدامة.
يستشهد المؤلف بالبحوث التي اظهرت خلال السنوات العشرين الماضية الأهمية القصوى لتاثير الطفولة المبكرة، خصوصا خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، حين يكون دماغه في طور النمو باشكال ديناميكية مختلفة وطرق هامة. فإذا كانت تلك السنوات حافلة بضغوط بيئية عالية، مثل تفشي العنف داخل الأسرة والضوضاء وعدم توفر الأمن وتكرار الإصابة بالأمراض المصحوب بسوء التغذية وقلة المنبهات العقلية والمحفزات للتعليم، فإنّ تلك البيئة ستخلق للطفل الصغير الكثير من العوائق التي سيستحيل عليه تخطيها خلال سنوات الدراسة أو حتى في السنوات التي تليها. وعليه فإنّ الوقت قد حان للإسثمار البشري في عمر مبكر لأنّ مثل هذه الإستثمارات سيكون من الصعب أن تأتي بمردود جيد إذا جاءت في وقت متأخر لإصلاح الضرر الجسمي والعقلي والنفسي الذي لحق بالأطفال الذين نشأوا في بيئات غير سليمة ووصلوا الآن الى سنّ الخامسة او السادسة. إذا تعرض نمو الطفل للإعاقة في وقت مبكر، فإنّ نتائج ذلك ستبقى ملازمة له طيلة حياته، وهو أمر ينطبق على الأجيال القادمة برمتها. ستكون النتائج التي سيلقاها المجتمع من جراء ذلك سلبية ضخمة الحجم بشكل مؤكد.
ينتقل ليتساءل فيما إذا كانت الأسر قادرة على توفير الإستثمارات الضرورية لأطفالها في مرحلة ما قبل الإبتدائية. يمكنها تحمّل ذلك اذا كانت الأسرة مثقفة وقادرة ماليا وتدرك المنافع التي تُجنى في المستقبل. ومن المحتمل أن يوجد المزيد من الكتب واللعب والمفردات اللغوية الكثيرة التي تُستعمل كمنبهات حول الطفل. وعليه فإنّ هؤلاء الأطفال لا يستفيدون من البيئة الغنية بالمنبهات في رياض الأطفال فقط، بل ايضا داخل البيت الذي جعلته الأسرة بيئة تعليمية صالحة. غير أنّ اطفال الأسر الفقيرة هم الذين سيعانون من هذا النقص بغياب الإستثمار، فالوالدان غير قادرين على تحمّل الكلفة المطلوبة ولا يستطيعان الإستدانة لتغطيتها. وعليه فإنّ اطفالهم سيكونون اقلّ استعدادا نتيجة البيئة البيتية التي تفتقر الى المحفزات التي يمكن أن يتعلموا منها قبل ان يطرقوا ابواب العالم الخارجي.
ينتقد المؤلف نظام العدالة في الولايات المتحدة ويصفه بأنّه ملتو محرّف مصحوبا بقلة استثمار مزمن في مجال تربية الصغار، أدّى للأسف لاكتضاض السجون باعداد هائلة من شباب الأسر الفقيرة ممن حصلوا على تعليم بائس ونشأوا في بيئات مأزومة عنيفة تفتقر الى العون والإرشاد والتوجيه الصحيح نحو التعليم. وهذا لا يعني أنّ الفاقة تنتقل من جيل لآخر فقط، بل أنّها تنتقل بطريقة مأساوية وكلفة تقوم على التجريم والسجن. لو قامت الولايات المتحدة بتحويل ميزانيتها المخصصة لاحتجاز الشباب، الى تعليم الأطفال، فإنّها ستحقق تجربة كبيرة في ميدان العدالة والإنصاف والإنتاج والسعادة في المجتمع. إنّ المنافع الإقتصادية الخالصة للمجتمع بكامله ستكون جمّة، لأنّ كلفة هذه الأعداد الهائلة من السجناء تصل الى عشرات البلايين من الدولارات كلّ عام.
في عام 2012 كانت نسبة البيض من غير اصل اسپاني non-Hispanic ممن تزيد اعمارهم عن 29 عاما وحصلواعلى شهادة جامعية 35% والأمريكيين من اصل افريقي 21%، وممن هم من اصل اسپاني 14.5%. وهذا يبين أنّ ابناء الأسر الفقيرة، خاصة من غير البيض، هم الذين لا حظّ لهم. ومما لا شكّ فيه أنّه توجد عوائق كثيرة وعراقيل في طريق الشباب الفقراء للحصول على الشهادة الجامعية. فالبيئة المنزلية لا تشجع على ذلك، بما فيها الوالدين غير المتعلمين الفقيرين أو الأم الوحيدة التي تعيل اطفالها، وعدم توفر التعليم ما قبل الإبتدائية وتعليم ابتدائي وثانوي ليس بالمستوى الذي يؤهل للجامعة، وعدم توفر المصادر المالية لدفع كلفة الكلية أو الجامعة الباهضة. كلّ هذه عوامل تفعل فعلها في تعقيد القضية.
تواجه الولايات المتحدة تحديا ذا ثلاثة ابعاد، فرصا غير متكافئة للإلتحاق بالتعليم العالي، وزيادة محدودة في اعداد المتخرجين من الجامعات والكليات منذ السبعينات، واخيرا تراكم ديون الطلبة. الحل الحاسم في المستقبل هو تخفيض الأجور الدراسية بشكل كبير وزيادة الإهتمام بموضوع الإبداع الجديد في منح المقررات الدراسية مجانا على الأنترنت. بإمكاننا أن نتصور بشكل واقعي فتح المجال واسعا للتعليم العالي في المستقبل اعتمادا على هذا الإبداع الذي يرافق استمرار الكليات والمعاهد طرح مقرراتها من خلال التدريس في الصفوف. إنّ التقدم التكنولوجي يمنحنا أملا واقعيا في أنّ التعليم العالي سيكون متوفرا لنسب كبيرة من الشباب في كلّ ارجاء العالم.
يستشهد المؤلف بدراسة قامت بمتابعة تحصيل عينة من الطلاب في الصف الثامن في عام 1988 لغاية العام 2000. كانت النتائج لافتة للنظر. بالنسبة لأطفال الأسر الفقيرة حصل 48% على الثانوية فقط، وحصل 45% على بعض التعليم دون البكالوريوس، و7% فقط حصلوا على البكالوريوس، ولم يحصل احد على الماجستير أو ما فوقها. أما اطفال الأسر الغنية، فقد اكتفى 4% فقط بالتحصيل الثانوي، و36% حصلوا على تعليم بدون بكالوريوس، و51% حصلوا على البكالوريوس و9% حصلوا على الماجستير وما فوقها. إنّ عدم المساواة في دخل اسر الطلبة عندما كانوا في الصف الثامن سيتكرر عندما يبلغون سنّ الرشد، بدليل أنّ ابناء الأسر الغنية قد ضمنوا لأنفسهم دخلا عاليا عن طريق تحصيلهم العالي، في حين عجز ابناء الأسر الفقيرة عن تحقيق ذلك وتخلفوا.
ی-;-ختتم المؤلف الفصل بمناقشة دور التعليم في التقدم التكنولوجي فيشير الى أن البحوث والتطوير R&D يتركزان في البلدان ذات المدخولات العالية. وهذا امر صحيح واساسي خلال القرنين الأخيرين، أي منذ بداية الثورة الصناعية. لقد كان نصيب قليل من البلدان حصة الأسد في الإختراعات الجديدة، وتشمل هذه الولايات المتحدة وكندا واوروپا الغربية واليابان، وفي وقت متأخر كوريا الجنوبية وسنغافورة واسرائيل. وقد سُجلت تلك الإختراعات في كلّ بلد منها. وفي وقت متأخر بدأت الصين زيادة استثماراتها في البحوت والتطوير في محاولة منها للحاق بقافلة تلك البلدان.
ينتقل المؤلف في الفصل التاسع الى الخدمات الصحية بعد أن غطى التعليم في الفصل السابق. وهو يطالعنا بالقول إنّ معدل حياة الفرد للفترة بين الأعوام 2010- 2015 قد ارتفع الى حوالي 70 عاما، وهو ضعف ما كان عليه قبل الثورة الصناعية. وهذا انجاز عظيم للإنسانية الحديثة وتقدمها العلمي وتنميتها الإقتصادية. ثمّ يمضي ليتناول معدل الوفيات بين الأطفال دون الخامسة من العمر U5MR حسب بيانات البنك الدولي (2014c). وهو يعني عدد الأطفال الذين يموتون في هذا السنّ من اصل كلّ 1000 طفلا. كان معدل الوفيات هذا للفترة 2010- 2015 هو 52/1000 طفلا. في البلدان النامية تبلغ النسبة 7/1000، والبلدان التي في طريقها للنمو 57/1000، وفي البلدان الأقلّ نموا تصل النسبة الى 99/1000 طفلا. ومن بين مجموع مناطق العالم، فإنّ النسبة هي الأعلى في مناطق دون الصحراء الأفريقية إذ تبلغ 110/1000 طفلا وتليها منطقة جنوب آسيا بمعدل يبلغ 55/1000 طفلا. تشكل هاتان المنطقتان قمتي التحديات من حيث الفقر والوضع الصحي المتدهور.
يتحوّل المؤلف نحو جانب آخر، هو معدل الوفيات بين الأمهات حسب معلومات البنك الدولي للعام 2014. هذا المعدل هو عن وفيات الأمهات خلال عملية الوضع أو خلال فترة الحمل لكلّ 100000 حالة ولادة. هناك فرق كبير في نسب الوفيات اثناء الحمل بين البلدان، لأنّ معدل من يفقدن حياتهنّ خلال تلك الفترة هو 16/100000 في البلدان الغنية و500/100000 في بلدان ما دون الصحراء الأفريقية. وعلى أيّة حال، فإنّ معدل وفيات الأمهات خلال فترة الحمل Mothers Mortality Rates (MMR) في البلدان الواطئة الدخل قد انخفض بشكل حاد. كان حوالي 900/100000 عام 1990، فاصبح عام 2013 حوالي 450/100000. وهذا يعني تحقيق مكسب كبير في المحافظة على حياة الحوامل، حسب رأي المؤلف. وهناك طرق اخرى خفية يتسبب فيها الفقر والعوز الى زيادة عبء الإصابة بالأمراض، وهو ضعف مناعة الفرد بسبب سوء التغذية. فالأطفال الذين لا يحظون بالتغذية الجيدة وينقصهم الحصول على المواد المغذية، فإنّ انظمة مناعتهم الجسمية ستضعف وتكون غير قادرة على مقاومة الأمراض، وغالبا ما يقعون ضحايا للأمراض المعدية، التي كان يمكن لأجسامهم الغضة أن تقاومها لو أحسِنت تغذيتهم، كما هو حال اطفال الأسر الغنيّة.
هناك تحسن تدريجي في تحسن الخدمات الصحية وتوسعها في البلدان المنخفضة الدخل. يستشهد المؤلف ببيانات حول معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة. في عام 1990 توفي ما يقارب 12 مليون طفلا قبل سنّ الخامسة، وانخفض المعدل الى 7.6 مليون طفلا عام 2010. وفي عام 2012 انخفض معدل الوفيات بين هؤلاء الأطفال الى 6.6 مليون طفلا. يُعتبر هذا الإنخفاض انتصار عظيما للصحة العامة، لكنّ 6.6 مليون وفاة لأطفال في مقتبل العمر خسارة كبيرة، خاصّة إذا علمنا أنّ اسباب الوفاة امراض كان يمكن منعها لو توفر العلاج المطلوب.
وفقا لقيمة الدولار لعام 2013، فإنّ الكلفة الكاملة للنظام الصحي الأساسي الذي يغطي معالجة الأمراض المذكورة والوقاية منها، بلغت 60- 90 دولارا للفرد الواحد سنويا. وهذه كلفة زهيدة لمعالجة تلك الظروف المرضية والوقاية منها، لكنّ سخرية القدر أنّه حتى لو كانت الكلفة بهذا القدر القليل، فإنّ المبلغ كبير لا تستطيع الدول الفقيرة توفيره. وهذا موقف لا يستطيع الناس في البلدان الغنية تفهّمه. فبلد مثل ملاوي، يكون نصيب الفرد من اجمالي الناتج الوطني السنوي حسب معدلات الأسواق العالمية لا يزيد عن 400 دولارا. تحصل ملاوي على نسبة 20% من الدخل كضريبة، وهذه تعني 80 دولارا من كلّ فرد تستعمل لتمويل الحكومة والدفاع الوطني والشرطة والطرق وقطاع الكهرباء والموانئ والماء الصالح للشرب وشبكات الصرف الصحي والتعليم والمحافظة على البيئة وحمايتها ونظام الصحة العام. اقترح خبراء الميزانية بأنّ الحكومات في البلدان المنخفضة الدخل تخصص 15% من مجموع الميزانية العامة لقطاع الخدمات الصحية. وعليه وفي ضوء 80 دولارا فقط، يكون المبلغ المخصص هو 12 دولارا لكلّ فرد فيما يتعلق بالصحة العامة!
لقد ارتفع معدل حياة الفرد ويستخدم النظام الصحي افضل الأجهزة التكنولوجية العالية التعقيد في التشخيص والمعالجة. تبلغ نسبة الإنفاق في البلدان الغنية من ميزانيتها على العناية الصحية 3000 - 4000 دولارا للفرد خلال العام الواحد. في الولايات المتحدة يبلغ مجموع الصرف على القطاع الصحي على المستوى الشخصي (الفرد) والعام (التأمين/الحكومة) حوالي 8000 دولارا للفرد الواحد سنويا. ما هي المشكلة إذن؟ المشكلة هي أنّه في هذه البلاد بالذات، إنّ مبلغ 8000 دولارا للفرد هو كلفة مرتفعة جدّا، الى الحدّ الذي يجعلها عبئا كبيرا على اقتصاد البلد، لأنها تستهلك 18% من مجموع الدخل الوطني، وهي الأعلى بين كلّ القطاعات!
لسوء الحظ، فإنّ النظام الصحي في الولايات المتحدة يعجّ بظواهر غير لائقة. إنّ العديد من المؤسسات الصحية تميل الى المبالغة في قيمة الخدمات التي تقدمها عن طريق المكر والخداع ومعاودة الفحوصات غير الضرورية، أو لأنّها مدفوعة بعامل الإحتكار، خاصة إذا كان المستشفى هو المؤسسة الصحية الوحيدة الموجودة في المنطقة. وهكذا نرى أنّ النظام الصحي في الولايات المتحدة يتسم بوجود فساد كبير وعناية مبالغ بها واسراف واحتكار الجهات التي تقدم الخدمات الصحية. والسبب في ذلك لأنّ الخدمات الصحية تعامل باعتبارها سلعة في سوق الإستهلاك الحر. وهو الإتجاه الذي لا يضمن افتراض الكفاءة والتنافس العادل في تلك السوق. وهذا هو ما يفسر الغلو الفاحش في كلفة الخدمات الصحية. يجب ألّا ننسى أنّ نظام الصحة في الولايات المتحدة متميز بكلفتة الباهضة ليس لأنّه يقدم خدمات لا تتوفر في البلدان الأخرى، وليس لأنّ نتائج تلك الخدمات أفضل. لكنّ السبب هو المبالغة بكلفة الخدمات والأجهزة والأدوية، بدافع زيادة الربح.
اصبح القطاع الطبي في الولايات المتحدة قوة سياسية لها نفوذ قوي وبإمكانها أن تقاوم المراقبة الفعالة أو اسستبداله بقطاع طبي عام. في الحقيقة أنّ خدمات العناية الصحية الخاصة تُعتبر واحدة من بين اربع قوى تحاول التأثير على سياسة البلاد، الى جانب قطاع سوق المال وقطاع الصناعات العسكرية وقطاع النفط. وليس من الغريب أن نرى القطاع الصحي في طليعة المتبرعين ببذخ لحملات الإنتخابات السياسيّة في الولايات المتحدة على كافة الأصعدة اعتبارا من الرئاسة والكونگرس وحتى مستوى انتخابات الولايات والبلدی-;-ات المحلية. إحتل القطاع الصحي المرتبة الخامسة في مقدار التبرعات المالية لتلك الحملات الإنتخابية في عام 2011- 2012، كما يظهرها الجدول رقم (9.6). قدّم هذا القطاع ما مقداره 260 مليونا لتلك الحملات. وهذا يعني أنّ السياسيين المُنتخبين لا بُدّ أن يحابوا مصالح هذا القطاع ويتحيزوا لحمايته عند اقتراح أيّ تشريع قانوني يتعلق بخدمات النظام الصحي، دون الإلتفات الى مصلحة دافعي الضرائب من المواطنين الأمريكيين بشكل عام.
يختتم المؤلف فصله هذا بتقديم عدد من البدائل أولها الإقتداء بالنظام الصحي في الجارة كندا. ويقترح عدة طرق ومسارات للإصلاح. يجب أن تتغير المحفزات جزئيا ويجب استخدام التكنولوجيا الحديثة. وبطبيعة الحال، فإنّ نوع الإصلاح يعتمد على الوضع السياسي. إذا فسحنا المجال لجماعات التأثير لتقوم بما تقوم به الآن، فإنّ كلفة الخدمات الصحية ستستمر في التصاعد. إذا كان النظام الصحي في الولايات المتحدة يقوم على المصلحة العامة، فإنّ بالإمكان أن تصل تلك الخدمات لعدد اكبر من الناس، وسيكون من الممكن أن يتحسن وضعهم الصحي بكلفة منخفضة. وهذا برأيي من نوع السهل الممتنع. يعرف المؤلف أنّ ذلك لن يحدث لأنّ المؤسسات الصحية وشركات تصنيع الأدوية همّها الربح فقط وزيادته الى اقصى حدّ ممكن.
يفتتح المؤلف فصله العاشر عن الأمن الغذائي بالقول إنّ حوالي 900 مليون شخصا حول العالم يعانون من الجوع، كما يوجد اكثر من بليون شخصا ممن يتوفر لهم الغذاء الذي تنقصه السعرات الحرارية والپروتينات ويعانون من سوء التغذية بشكل أو بآخر. هناك بليون آخر من البشر الذين يتوفر لهم ما يقتاتون به من الغذاء الكافي الغني بالسعرات الحرارية، لكنّه يفتقر الى العناصر المغذية مثل فيتامين A وفيتامين B12والزنك وعناصر الحديد واليود، كما يوجد بليون آخر ممن يعانون من البدانة. وهذا يعني أنّ 3 بلايين من الناس تقريبا يعانون من مشكلة التغذية (النقص أو الزيادة المفرطة) من اصل 7.2 مليون شخصا، فهذا يعني أنّ 40% من سكان العالم يعانون من سوء التغذية. وهذا مصحوب بانخفاض مستوى انتاج المواد الغذائية وارتفاع اسعارها وزيادة الطلب عليها.
يوجد على سطح الكرة الأرضية ما يقارب 130 مليون كيلومترا مربعا من اليابسة، وأنّ قسما كبيرا منها قد سخره الإنسان لحاجاته ومصالحه. تشغل الزراعة من هذه المساحة ما يقارب 50 مليون كيلومترا مربعا. وهذا يعادل 40% تقريبا من مساحة الأرض. يوجد حوالي 14 مليون كيلومترا مربعا من الأراضي التي يمكن استعمالها لزراعة المحاصيل الزراعية. يوجد ايضا 34 مليون كيلومترا مربعا من الأراضي تُستعمل كمراع للحيوانات وتربيتها. تشغل الحقول الزراعية اكثر قليلا من 10% من الأراضي، وهذا يعني أنّ المراعي تشغل مساحة اكبر، أي بمقدار ربع الأرض الصالحة للزراعة. تشغل الغابات حوالي 39 مليون كيلومترا مربعا، وهذا يعني 30% من مجموع الأراضي. إنّ حوالي 15- 20% من الغابات يشمل اشجارا مثمرة واخرى تقطع لصناعة الورق أو لصناعة الأخشاب المستعملة في مشاريع البناء. أمّا ما يتبقى من مساحة الأرض وهو حوالي 41 مليون كيلومترا مربعا أو حوالي 30% فهو غيرصالح للسكن ويشمل الصحارى والجبال العالية جدّا. تشغل المدن نسبة قليلة من مجموع مساحة الأرض في حين يسكنها نصف سكان العالم. تشير التقديرات الحديثة الى أنّ المناطق السكنية تشغل 3% من مساحة الأرض، وتشغل المناطق الريفية والصناعية حوالي 3% اخرى.
الناس، الذين يعيشون في المناطق التي يتوفر فيها الغذاء ومناطق لزراعة محاصيل تسقى ريّا من مياه الأنهار وهي غالبا مناطق معتدلة المناخ، لا توجد بينهم مخاوف من نقص الغذاء. تسود هذه المخاوف عادة في مناطق اخرى تحدث فيها التغيرات المناخية، خصوصا تلك التي يكون معدل سقوط الأمطار فيها منخفضا نسبيا واحتمال تعرضها للجفاف وارد. حين لا تسقط الأمطار في المناطق الجافة، فهناك احتمال كبير أنّ السكان قد يعانون من الجوع وقد يضطرهم الأمر الى النزوح، وهذا ما يقود الى الإحتكاك بمجموعات عرقية أو قبلية اخرى بسبب تنافسهم معها على المياه والأعشاب النادرة أصلا. قد يقود ذلك الى الصراع والقتال، كما حدث في دافور واثيوبيا وشمال مالي. وطبعا إنّ التوتر القائم على التغيرات البيئية هو عامل من عدة عوامل تقود للعنف والإقتتال، اضف الى ذلك أنّ الصراعات القبلية والقومية لها عادة جذور اخرى عدة.
حين يتفجر العنف في تلك المناطق الفقيرة، فإنّ البلدان الغنية عادة ما تردّ على ذلك بالخيارات العسكرية، كما يجري الآن في محاربة الإرهابيين في الساحل والقراصنة في الصومال، بدلا من معالجة المشاكل التي تغذي ذلك العنف، سواء أكان الفقر أم التغيرات المناخية أو الزيادات السكانية التي لا يتوفر لها الغذاء الكافي، والتي تحدث بسبب عدم التحكم بالحمل وغياب التخطيط الأسري. إنّ المخططين العسكريين في واشنطن وفي مركز حلف الناتو قد فشلوا في ادراك الأبعاد الإنسانية والبيئية لكلّ هذه الأزمات.
يوصي المؤلف بأنّه لا بدّ للعالم أن يعالج موضوع تحدي توفير الغذاء لعدد اكبر من الناس على ما هو عليه الآن. المشكلة هي أنّ توفر الغذاء في الوقت الحاضر تحت ضغط كبير وسيزداد هذا الضغط اكثر. لقد اشار الى ظاهرة ميل السكان في البلدان التي اصبحت غنية حديثا لأن يستهلكوا مزيدا من اللحوم في وجباتهم. وهو الأمر الذي يزيد من الطلب على الحبوب لأغراض العلف. والتحدي الرئيسي الآخر هو التهديدات البيئية التي تجعل من الصعب زراعة المحاصيل الغذائية في العديد من الأماكن حول العالم. إنّ أكبرهذه التهديات البيئية التي تأخذ اشكالا عدة، هو التغيرات المناخية. اصبحت هذه التغيرات اكثر تعقيدا بسبب ما يطلق في الجو من الملوثات نتيجة النشاطات الإقتصادية البشرية، وما يسمى الغازات الحرارية Green House Gases (GHGs). وفي مناطق عديدة من العالم يكون لتأثير زيادة هذه الغازات تأثير سلبي على انتاج الغذاء.
يتطرق المؤلف لقضية المياه الجوفية التي يتمّ ضخها لأغراض الري في وسط غرب الولايات المتحدة وسهول الكنج وسهول شمال الصين. تزيد نسب الضخ منها على نسب تجدد تلك المياه الباطنية، والعديد منها قد استنفذ تماما وجفّ. الحقيقة الصادمة هي أنّ المئات من ملايين البشر يعتمدون على ريّ حقولهم من هذه المصادر، المياه الجوفية ومياه الأنهار ومياه جبال الجليد، وهذه جميعا تتعرض لضغوط التغيرات المناخية العديدة التي ستزداد حدة في المستقبل.
إضافة الى التغيرات المناخية، فإنّ انبعاثات ثاني اكسيد الكاربون المتزايدة ستفعل فعلها في زيادة حموضة مياه المحيطات. ولهذه الظاهرة تاثيرات مباشرة وخطيرة على جانب آخر من مصادر الغذاء من الثروة السمكية والأحياء المائية، من قبيل المحار. إنّ زيادة تركيز غاز ثاني اكسيد الكاربون يزيد من حموضة مياه المحيطات، التي تؤدي بدورها الى جعل تلك الصدفيات أصغر حجما، لأنّ الحموضة تعيق تكوين كاربونات الكالسيوم الضرورية لبناء الصدف. كما أنّ العديد من المستعمرات والتجمعات البحرية يصيبها الضرر، ولا ينعكس ذلك على انقراض بعض الأحياء المائية فقط، بل شحة توفير الغذاء للبشر.
إنّ كلّ التهديدات البيئية، بما فيها التغيرات المناخية وزيادة حموضة مياه المحيطات والملوثات الكيمياوية والحشرات الضارة واختفاء الجبال الجليدية المتسارع ونفاذ كميات المياه الجوفية وبطء جريان الأنهار بسبب انخفاض مناسيبها، تؤكد هذه الظواهر كلّها أنّ انظمة الحقول اكثر من أي نشاط بشري آخر تعتمد على المناخ والبيئة اللذين نعرفهما وتعودنا عليهما خلال القرون الماضية. يعتمد توفير الغذاء لاستهلاك البشرية على النماذج الهايدروليكية المعروفة وكيمياء المحيطات ونماذج التنوع الحياتي، التي تخضع الآن جميعا الى تغيرات هائلة وسريعة على يد الإنسان. إنّ ضغط الإنسانية على كوكب الأرض يخلق عالما جديدا أو ما يسمى Anthropocene، وسيكون هذا خطيرا قدر تعلق الأمر بالأمن الغذائي.
في الحقيقة أنّ القطاع الزراعي مهم للغاية قدر تعلق الأمر بالتغيرات التي تحدث في البيئة. يعتقد الكثير من الناس أنّ استعمال السيارات والفحم الذي تستهلكه المصانع هما من اكبر اسباب الضرر الذي يصيب البيئة. وهما طبعا سببان رئيسيّان في وجه الإبقاء على الظروف المناخية الجيدة المستدامة. غير أنّ انتاج الأغذية يلعب دورا رئيسيا باعتباره احد العوامل الأساسية لإلحاق الضرر في البيئة ايضا.
هناك عدة طرق اخرى تلحق فيها النشاطات الزراعية الضرر في البيئة. ومن اهم هذه قضية الأسمدة الكيمياوية التي تزيد من نسبة تواجد عنصر النايتروجين في التربة والجو. العامل الآخر هو استخدام المبيدات الكيمياوية. فهذه المبيدات التي تستعمل لحماية المزروعات من الحشرات والأعشاب، هي السبب الرئيسي الذي يهدد التنوع الحياتي لأنّها تقتل الحشرات الضارة والنافعة على السواء. كما تشكل المبالغة في استعمال المياه العذبة لسقي المزروعات سببا آخر. إنّ نسبة المياه العذبة التي تستهلك لأغراض الزراعة تبلغ 70% من مجموع استعمال البشر لهذه المياه، في حين يقتصر استعمال البيوت على 10% فقط، وتستعمل النسبة المتبقية وهي 20% في القطاع الصناعي. إنّ الزراعة مستهلك نهم للمياه، وأنّ توفر كميات هذه المياه مهددة.
تساهم مختلف القطاعات الإقتصادية في انبعاث الغازات الحرارية. يُعتبر قطاع الكهرباء والتدفئة الذي يستخدم الفحم والزيت والغاز مسؤولا عن توليد حوالي 25% من مجموع تلك الغازات. كما يعتبر قطاع النقل الذي يستعمل مكائن الإحتراق الداخلي مسؤولا عن نسبة تبلغ 14% من تلك الإنبعاثات. وتساهم النشاطات الصناعية بما فيها صناعة الفولاذ وانتاج الپتروكيميائيات في انبعاث 21% اخرى. وعليه فإنّ الإستعمال المباشر وغير المباشر للوقود الأحفوري يشكل حوالي ثلثي نسبة الإنبعاثات هذه.
ولذلك فإنّ القطاع الذي لا يتعلق بالطاقة هو المسؤول الآخر عن الثلث المتبقي من هذه الإنبعاثات الضارة. وتشمل هذه انبعاثات ثاني اكسيد الكاربون والميثان والنايتروجين وغيرها من الملوثات الكيمياوية الناجمة عن عناصر كيمياوية خاصة مثل كاربونات الهايدروفلوك Hydrofluorocarbons. تلعب الزراعة الدور الأكبر بعد استعمالات الطاقة، من خلال تأثيرها المباشر وغير المباشر، كما في قطع الغابات من اجل استعمال الأرض كحقول أو مزارع لتربية الأبقار. أضف الى ذلك الإنبعاثات الضارة بسبب استخدام المكائن الزراعية المختلفة المستعملة في الحقول وكذلك السيارات وعربات شحن المنتوجات الزراعية الى الأسواق أو صوامع الخزن.
ينتقل المؤلف في نهاية الفصل للقول إنّ المناطق الفقيرة اليوم تعيش على حافة الهاوية. فالناس هناك يعيشون في بيئات هشة، مثل الحال في المناطق الإستوائية، أو التي يسودها الجفاف. إنّ جزء كبيرا من فقر هؤلاء مردّه أنّ بيئتهم الطبيعية قد انتهى صلاحها ولم تعد قادرة على تأمين الغذاء لهم. ومع التغيّرات المناخية اصبحت تلك البيئات صعبة لا تسمح باستمرار الحياة البشرية فيها. وحين يحدث ذلك تزداد متاعب الناس وتكثر الوفيات بينهم وتنشب الصراعات وربما الإقتتال وبالتالي النزوح والهجرة. سيكون هناك لاجئون تشردهم البيئة وقد تصل اعدادهم الى الملايين وربما مئات الملايين. المشكلة أنّ العالم غير منفتح على تقبّل المهاجرين وقد يضطر البعض منهم على مواجهة ظروف معادية لدى وصولهم الى المناطق الجديدة. إنّنا سنواجه العديد من المشاكل اذا استمرت سلوكياتنا على مستواها الحالي من عدم المبالاة Business As Usual (BAU). واخيرا يختتم فصله بالقول إنّ البذور المعدّلة الجينات، التي تعطي مردودا عاليا وتقاوم الجفاف وملوحة التربة والغنيّة بالفيتامينات، ربما تفتح الباب نحو تأمين الأمن الغذائي عالميا.
غير أنّ شركة مونسانتو المنتجة للحبوب المحسنة ولمستحضر (راونداب) اكثر مبيدات الأعشاب شهرة في ارجاء العالم أعلنت انها تعتزم اغلاق ثلاث مراكز للبحوث والتطوير عام 2016 في إطار اعادة هيكلة عملياتها لخفض الانفاق في مجال اسواق السلع الزراعية المتدهورة. اعتبر خبراء أنّ شركة "مونسانتو" تدفع فاتورة سمعتها السيئة بعد شكاوى متعددة لاحتواء مبيد راونداب على مواد تسبب السرطان. فقد اعلنت الوكالة الدولية لأبحاث الأورام التابعة لمنظمة الصحة العالمية أنّه بعد مراجعة البيانات العلمية فإنّه تمّ تصنيف مادة جلايفوسات، احدى مكونات مبيد راونداب الذي تنتجه مونسانتو، على أنّها مادة "يُحتمل ان تكون مسببة للأورام لدى البشر".
اقام المزارعون الأمريكيون العاملون في مجال إنتاج المحاصيل والبساتين دعاوى قضائية تقول إنّ مستحضر (راونداب) الذي تنتجه الشركة يسبب السرطان وأنّ الشركة تعمدت تضليل الجمهور والجهات الرقابية بشأن مخاطر المبيد. وتجئ هذه الدعاوى القضائية بعد ستة اشهر من إعلان الوكالة الدولية المذكور. ويركز مركزان في ميدلتون بولاية وسكونسن وفي ميستيك بولاية كنيتيكت على بحوث تحسين صفات السّمادات الزراعية، فيما يختص مركز في تراينگل پارك بكارولاينا الشمالية على بحوث الصفات الوراثية للنبات. وتعتزم الشركة اغلاق المركزين المذكورين عام 2016.
يكرس ساكس فصله الحادي عشر لمناقشة موضوع المدن القادرة على التكيف، فيبدأ بالقول إنّ المدن هي مراكز سكنى اغلب سياسيي البلد. كما أنّ المدن هي مركز عدد كبير من الإختراعات والإبتكارات، سواء كان ذلك في الجامعات أو مراكز البحوث أو الشركات التي تطرح منتوجات جديدة. وعليه فإنّ الإختراعات عادة ما تنطلق من المدن نحو المناطق الأخرى ومنها الريفية. والعواصم هي عادة مسرح للنشاطات والمنافسات السياسية. شهدت السنوات الأخيرة زيادة في عدم الإستقرار في المدن الرئيسية حول العالم. فقد نظم ساكنو المراكز الحضرية وساهموا في احتجاجات ضدّ العولمة نفسها. إنّ ازدياد الفروق غير العادلة في المدخولات وارتفاع البطالة الذي نجم عن نقل النشاطات الصناعية وبالتالي انتقال النشاطات التجارية الى غير اماكنها المعهودة، كما أنّ عصر المعلوماتية قد زاد مع العوامل الأخرى جميعا من وعي الناس سياسيا، وزاد من قدرتهم على تنظيم الإحتجاجات وحتى الإطاحة ببعض الحكومات. إنّ الإحتجاجات وغيرها من مظاهر عدم الإستقرار قد حظيت بتأييد من وسائل الإعلام الإجتماعية مثل تويتر وفيسبُك. وهذا التأييد في تزايد مستمر في المدن الرئيسية. غير أنّ هذه الديناميكية اكثر تعقيدا، لأنّ عصر العولمة قد وضع من جهة اخرى في متناول الحكومات استخدام التكنولوجيا الحديثة للتجسس على مواطنيها، والقضاء على حركات الإحتجاج.
في عام 1950 كانت توجد في العالم مدينتان فقط يسكن كلّا منهما اكثر من 10 ملايين شخصا، وهما طوكيو ونيويورك. في عام 1990 ارتفع العدد الى 10 مدن، اربعة منها في العالم الغني وهي طوكيو وأوساكا ونيويورك ولوس انجلس، و6 مدن اخرى في بلدان في طريقها للنمو. وهذه المدن هي مكسيكو سيتي وساو پاولو ومومبي وكلكتا وسول وبيونس آيرس. في عام 2011 ارتفع عدد المدن الضخمة الى 23 مدينة، 5 منها في البلدان الغنية و27 مدينة في البلدان التي ما زالت في طريق النمو. في عام 2015، فإنّ 5 منها في البلدان الغنية وهي طوكيو ونيويورك ولوس انجلس وپاريس وشيكاگو. وطبقا لتوقعات الأمم المتحدة، فإنّه في عام 2025 سيرتفع العدد الى 36 مدينة ضخمة، 7 منها فقط في البلدان العالية الدخل، ونسبتها ستكون حوالي 20%. يبدو أنّ المؤلف لم يلتفت للقاهرة التي يسكنها حاليا حوالي 15 مليون مصريا.
كما يرى المؤلف أنّ فعالية تخطيط المدن واستعدادها للمستقبل ضروريان لتقرير قدرتها على التنمية المستدامة. لا شيء من قبيل هذه الأمور التي تقع في لبّ الموضوع مثل البنى التحتية وفرص التقدم الإجتماعي ونوعية التعليم ومستوى جودته أو الأستعدادات للتقلبات البيئية، يمكن أن نجد لها حلولا عن طريق السوق الحرة لوحده. تتطلب انتاجية المدن وانفتاح فرص التقدم الإجتماعي فيها واستدامة البيئة تفكيرا عميقا وتخطيطا وارادة للتنفيذ ومشاركة سياسية لكافة من يعنيهم الأمر من ساكني تلك المدن.
ثمّ يربط بين توسع المدن وامتدادها وزيادة التلوث، فيذكر الصين التي تتميز بوجود عدد من المدن الكبيرة حيث يزيد عن 100 مدينة، ويسكن في كلّ منها اكثر من مليون نسمة. إنّ سجل الصين حول تشجيع استعمال السيارات مقابل وسائل النقل العام والدراجات والمشي لا يزال خليطا. فالمدن ذاتها يتزايد استقلالها، قدر تعلق الأمر باستخدام السيارات. ولا غرابة في الموضوع فهي اكبر سوق لبيع السيارات، حيث تبلغ المعدلات حوالي 20 مليون سيارة في العام. وفي نهاية هذه الحقبة، أو حتى قبلها، سيكون عدد السيارات على طرقها مساويا لعدد السيارات الخاصة في الولايات المتحدة التي توجد فيها حوالي 250 مليون سيارة في بلد يبلغ تعداد سكانه 316 مليون نسمة. وإذا استمرت الصين على منوالها الحالي، فسيكون فيها بليون سيارة لسكان يبلغ عددهم 1.2 بليون شخصا.
ثم يختتم فصله هذا بالحديث عن حصة الفرد السنوية من التلوث فيقول إنّ حصة الفرد من اطلاق الغازات الحرارية في نيويورك، تبلغ ثلث ما هي عليه في المدن الأمريكية الأخرى، إذ تصل الى 6 اطنان للفرد سنويا. وهذه لا تزال عالية وتفوق كثيرا النسبة المنخفضة من انبعاث ثاني اكسيد الكابون التي يستهدفها العالم في منتصف هذا القرن. يجب أن تُختزل الى 1.7 طنا للفرد الواحد بحلول عام 2050. واذا كان العالم ينوي أن يكون ارتفاع درجات الحرارة بحدود لا تتجاوز درجتين مئويتين، كما اتفقت عليه حكومات العالم، فيُفترض بمدينة نيويورك أن تبذل قصارى جهودها لتخفيض نسبة انبعاث ثاني اكسيد الكاربون. وهو الأمر الذي يجب فيه على مدن الولايات المتحدة أن تحتذي به.
يقترح المؤلف في مطلع فصله الثاني عشر بأنّه يتوجب علينا أن نجري "عملية تغيير للقلب" واستبدال القلب الحالي الذي يعمل بالوقود الإحفوري بقلب بديل يطلق نسبة قليلة من الكاربون! لكنّه يذكرنا بحقيقة، أنّ دور الغازات الدافئة اصلا مفيد للحياة في الأرض. فلو كانت الأرض كالقمر الذي لا توجد حوله طبقة من الغازات الحرارية، لأصبحت اشدّ برودة لدرجة لا يمكن معها للحياة أن توجد عليها. فبدون تأثير هذه الغازات لأصبحت درجة حرارة الأرض -14 درجة مئوية، أي 6.8 فهرنهايت، التي هي اقلّ بكثير من درجة التجمد، وبالتالي استحالة الحياة. وبوجود هذه الغازات فإنّ معدل درجة الحرارة على سطح الأرض هو حوالي 18 درجة مئوية، أي حوالي 64 درجة فهرنهايت. ولذلك علينا أن نشكر وجود الغازات الحرارية GHGs!
في عام 1958 كان عدد جزيئات ثاني اكسيد الكاربون 320 من اصل كلّ مليون جزيئ من الغازات الأخرى الموجودة في الجو، أي 320 ppmويصل العدد الآن الى 400 ppm. قبل أن يأتي جيمس وات بماكنته البخارية الذكية، كان الجو يحتوي على 280 ppm من جزيئات الكاربون. وخلال التاريخ الجيولوجي لهذا الكوكب منذ حوالي 3 ملايين عاما، تباينت تلك النسبة بين 150 ppm الى 300 ppm. ثمّ جاءت الثورة الصناعية وبدأ البشر بحرق الفحم ثم مشتقات النفط والغاز الطبيعي وقطع اشجار الغابات في العديد من المناطق. بدأنا نرى ارتفاعا في نسب هذا الغاز حتى وصلت الى 400 ppmفي ربيع عام 2013. وهذا تركيز لم يشهده كوكب الأرض من قبل. بعبارة اخرى، إنّ البشرية تدفع الكوكب نحو زاوية مناخية لا علم لتاريخ الإنسانية ولا لتاريخ الأرض بها.
تتعدى التهديدات المناخية المختلفة حتى خيالنا، ولكن لسوء الحظ هناك محاولات محمومة لإنكار هذه التغيرات، وتقوم بها بعض الجهات الدعائية التي توظفها شركات النفط للدفاع عن مصالحها والإبقاء عليها. هناك اسباب عديدة لتغيير "قواعد اللعبة" أو "اللعبة" بكاملها. ولا بدّ أن تنتبه الإنسانية الى تخفيف حدّة التغيرات المناخية من اجل سلامتنا وسلامة الأجيال القادمة. والسؤال هو كيف تستطيع الإنسانية تخفيف وطأة هذه التغيرات المناخية والتحكم بها؟ كيف نحدّ من خطورة التغيرات المناخية؟ إنّ التخفيض يجب أن يُعطى الأولوية ويتطلب تشخيصا جيدا وخطوات يجب القيام بها للحدّ من انبعاث غازات الإحتباس الحراري وكثافتها في الجو. ونظرا لأنّ ¾ قوة اشعاع الإحتباس الحراري هي بفعل غاز ثاني اكسيد الكاربون، فإنّ اولويتنا هي تقليل انبعاث هذا الغاز. وهذا يعني الحدّ من استعمال الوقود الأحفوري وتخفيض استعمال الطاقة التي تعزز كثافته في الجو. يجب أن تحتل هذه المهمة المرتبة الأولى في جدول مهامنا. المسألة الثانية هي أنّ كثافة غاز ثاني اكسيد الكاربون في تزايد مستمر بفعل استعمالنا للأرض، وبالذات قطع اشجار الغابات، وهونشاط يجب ايقافه في الحال. تتمثل الخطوة الثالثة في تخفيض انبعاث غاز الميثان الذي يتسبب من جراء عمليات متعددة بعضها زراعية واخرى لا علاقة للزراعة بها. الأولوية الرابعة تقوم على تخفيض انبعاث ثاني اكسيد النايتروجين.
ثمّ يتحول المؤلف الى القوة النووية التي تلعب دورا مهما في توليد الطاقة النظيفة بكلفة واطئة، وتوفر حاليا مانسبته 12% من مجموع الطاقة الكهربائية على المستوى العالمي. غير أنّ المحطات الذرية موضع جدل، لكونها تشكل خطرا لا علاقة له بالمناخ. الأول هو سرعة التحول نحو انتاج الوقود النووي وتصنيع القنابل الذرية. ثانيا، الحوادث التي تنجم عن تسرب الإشعاعات النووية الى المناطق المجاورة لتلك المحطات، كما جرى عام 2011 عند حدوث كارثة فوكوشيما في اليابان وقت تعرض المحطة لعاصفة تسونامي. وكذلك ما حدث في چرينوبل في اوكرانيا حين ارتفعت درجة حرارة انابيب الوقود الذري الطردي عن المستوى المطلوب عام 1986. والأمر الآخر هو قضية التخلص من الفضلات النووية الناجمة عن عمليات تلك المحطات. لقد حققت مشاريع المحطات هذه نجاحا في شرق آسيا، خاصة في الصين وكوريا، في حين أنّ البلدان الأخرى مثل المانيا، قد قررت التخلي عنها. أمّا في الولايات المتحدة، فما زال الإنقسام في الرأي العام قائما بين المؤيدين والمعارضين.
الحقيقة أنّ قضية المناخ اشدّ سوء. لنفترض (ولو مستحيلا!) أنّنا نستطيع وقف الإنبعاثات كاملة وبشكل مباشر، ونحافظ على مستوى كثافة ثاني اكسيد الكاربون وغيره من الغازات الحرارية في الهواء كما كانت عام 2014، فإنّ الإحترار المناخي العالمي لن يتوقف. لقد ارتفع معدل حرارة الأرض بمقدار 09. درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه قبل قيام الثورة الصناعية. ومع ذلك فإنّ المحيطات لم تسخن بمقدارسخونة الأرض، ولو انّ المحيطات لها قدرة عالية في امتصاص الحرارة. وحين تبدأ المحيطات بالتسخن بشكل يتناسب مع تركيز غازات الإحتباس الحراري، سيرتفع معدل درجة حرارة الأرض بمقدار 06. درجة مئوية على ما هو عليه الآن. وهذا يعني ارتفاع مقداره 1.5 درجة مئوية. وعليه ستستمر السخونة بسبب العاملين المذكورين، وهما (1) تأخرتسخن مياه المحيطات، و(2) الزيادة التي لا بُدّ منها في الغازات الحرارية على المدى القريب.
لهذه الأسباب، فإنّنا نحتاج ليس فقط الى منع حدوث تغيرات مناخية في المستقبل ونقوم بكلّ ما يمكن القيام به من تخفيض غازات الإحتباس الحراري GHGs، بل ايضا أن نتعلم كيف نتعايش مع بعض التغيير في المناخ. ومن خلال التصميم القوي المصحوب بتعاون عالمي فعال، سيكون من الممكن وقف ارتفاع درجات الحرارة والإبقاء عليه بحدود درجتين مئويتين. ومع ذلك ستأتي هاتان الدرجتان المئويتان بتغيرات جبارة في نظام المناخ تشمل جفافا اكثر وفيضانات وموجات حرّ متكررة وعواصف هوجاء شديدة. ومن المطلوب أن نكون مستعدين لمثل هذا الحوادث.
وعليه يثير المؤلف قضية تتعلق بالوضع المثالي وتتطلب من المنتجين والمستهلكين أن يختاروا بين عدة بدائل للطاقة من اجل تهوين الكلفة الإجتماعية الحقيقية لاستعمال الطاقة، بما فيها كلفة التغيرات المناخية وكلفة الخدمات الصحية المترتبة عن التلوثات الضارة نتيجة استعمالات تلك الطاقة. وفي كلي الأمرين، المناخ والصحة، فإنّ منتجي الوقود الأحفوري ومستهلكيه يجب أن يدفعوا ثمنا ويعوضوا المجتمع عن خسائره المادية والبشرية. وفي نفس الوقت تثمين دور من يستعملون الطاقة النظيفة، لكي نضاعف المحفزات نحو اقتصاد يتميز بقلة انبعاثات الكاربون الضارة.
هناك عدة طرق للسيطرة على بعض أو كافة الكلفة الناجمة عن إستعمال الوقود الأحفوري. أولها، دفع "ضريبة الكاربون" بشكل يتناسب مع الكلفة الإجتماعية لإطلاق CO2. وهذا يعني زيادة الكلفة المدفوعة لاستعمال الفحم والنفط ومشتقاته والغاز الطبيعي، ومقارنة ذلك بكلفة الطاقة النظيفة باستعمال الرياح واشعة الشمس والمحطات النووية، وغيرها من السبل التي تكون مصدرا ضئيلا لإطلاق الكاربون. وهذا سيساعد في التحول الى استعمال الطاقة النظيفة. لقد اقترح الإقتصاديون ضريبة للكاربون تتفاوت بين 25- 100 دولارا على كلّ طنّ من النفط ومشتقاته على اساس أنّ ذلك هو الكلفة التقريبية التي يتحملها المجتمع. وبمرور الوقت، وكلما تشتد التغيرات المناخية، يجب رفع تلك الضريبة بشكل طردي معها.
تطبّق اوروپا والولايات المتحدة فكرة مفادها أنّ الجهات التي تنتج الوقود الأحفوري وتطرحه للبيع ليتسبب في زيادة انبعاثات CO2 ، عليها أن تشتري رخصة. وهذه الفكرة قريبة من فكرة ضريبة الكاربون. الإختلاف الوحيد هو أنّ الرخص تطرح للبيع في الأسواق من قبل الحكومات، واحيانا يتمّ منحها بشكل مجاني لأغراض التشجيع. فإذا رغبت الشركة في التوسع وبالتالي زيادة اطلاق الغازات الضارة، فعليها شراء المزيد من الرخص المعروضة في السوق أو شرائها من الشركات التي قلصت من انتاجها دون ما تسمح به الرخصة الممنوحة لها اصلا.
الطريقة الثالثة هي تدخل الحكومة عن طريق ابلاغ شركات توليد الكهرباء أنّها مستعدة لشراء ما تنتجه وستدفع ثمنا اعلى اذا كانت تلك الكهرباء حصيلة استعمال الطاقة الشمسية. وعليه بدلا من ضريبة الكاربون، فإنّ الحكومة تعطي محفزات لتوليد الطاقة النظيفة. وهذه المحفزات الإيجابية تكون قوية لدفع الشركات لتوليد الطاقة التي تبعث قدرا ضئيلا من التلوث. المشكلة في هذه الفكرة، أنّه قد لا تتوفر للحكومة المبالغ المطلوبة لمساندة الشركات التي تعمل على استعمال او توليد الطاقة النظيفة. في الحقيقة أنّ العديد من البلدان التي وعدت باستخدام هذه الفكرة قد تراجعت عن وعودها بعد الأزمة المالية في عام 2008. فهل هناك مؤامرة؟
من المفرح أن ندرك أنّ التقدم التكنولوجي سيساعد الإنسانية للوصول الى برّ الأمان والكفاءة في استعمال الطاقة وكذلك كلفة منخفضة للتحول من الوقود الأحفوري الى اقتصاد يبعث مقادير ضئيلة من الكاربون لأنّه يستعمل الكهرباء على نطاق واسع. ضمن التقدم التكنولوجي الحديث تخفيض كلفة نصب مراوح توليد الطاقة ولوائح جمع الأشعة الشمسية وزيادة استعمال الطاقة المنبعثة من الأرض والتحسن في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية واستعمال المولدات الكهربائية الذكية وتحسين مواد البناء وحسن معالجة الفضلات وتصميمات الأبنية الجديدة التي لا تتطلب استهلاك طاقة كثيرة من اجل الإضاءة والتبريد والتدفئة والتهوية، وغير ذلك. كما أنّ المستقبل يبشر باختراعات اخرى مثل اقتناص غاز ثاني اكسيد الكاربون المتواجد في الجو وتطوير المحولات الناقلة للتيار الكهربائي لمسافات بعيدة والتقدم في مجال الوقود العضوي وتكنولوجيا تصنيع المواد الخفيفة الوزن ذات القوة الشديدة والقدرة على تحمّل الحرارة العالية ومقاومة الصدأ. هذا التقدم هو الذي يطرح امامنا يوما واعدا ومستقبلا افضل.
لكنّنا يجب ألّا نكون ساذجين ونؤمن بأنّ التقدم العلمي سيحل كافة مشاكلنا. وما يثير السخرية أنّ اشياء صغيرة في العالم مثل انتاج CO2، ستجعل التقدم التكنولوجي وسيلة لجعل العالم اكثر سوء بدلا من تحسينه، خاصة حين تميل مصادر استغلال الطاقة الى اللجوء اليه في حلّ مشاكلها. الحقيقة هي انّ الصناعة النفطية والغازية هي في طليعة المستفيدين من الأجهزة التكنولوجية المتقدمة من اجل زيادة قدرتها للبحث عن مصادر جديدة للوقود الأحفوري وتطويرها لإنتاجه وطرحه في الأسواق العالمية! يدرج المؤلف بعض الأمثلة.
أولا، المعجزة العلمية لمصنع تحويل الغاز الطبيعي الى سائل Liquefied Natural Gas (LNG) الذي صممته شركة شلّ الملكية ونفذته وستشغله في وقت قريب. يوصف المشروع بأنّه اكبر مشروع يُطلق في البحر وسيقوم بتبريد الغاز الطبيعي الموجود في مناطق السواحل وتحويله الى سائل ومن ثمّ شحنه مباشرة الى الأسواق العالمية. نموذج التقدم التكنولوجي الآخر هو ما نشاهده مستعملا في كندا وفنزويلا، حيث يُستخرج النفط من الرمال والصخور الغنية بمادة القار bitumen. إنّ التقدم التكنولوجي في مجالي الحفر والعزل قد جعل بالإمكان استغلال تلك المصادر وبمردود نفعي عال. صحيح أنّ ذلك تقدم تكنولوجي فائق، غير انّ مقدار التلوث الذي سيطلق جراء احتراق هذا الوقود سيكون هائلا، يصعب وصفه حقا، وسيدفع بلا شك درجات الحرارة لتتجاوز درجتين مئويتين. ذكر د. مايكل كلير في كتابه، الذي ترجمته وهو بعنوان "السباق لنيل ما تبقى من خيرات الطبيعة"، أنّ حرق برميل من نفط الرمال القيرية يطلق حوالي 1885 پاوند من ثاني اكسيد الكاربون مقابل 36 پاوند لبرميل النفط العادي! ثالثا، التقدم التكنولوجي الآخر متمثل في الطريقة الجديدة في الحفر الأفقي واللجوء الى التفتی-;-ت الهايدروليكي hydraulic fracturing لاستخراج الغاز الكامن في الصخور. وهذا الأمر هو الذي سيؤدي الى انخفاض كلفته، وهذا سوف لا يعيق فقط التقدم في ميدان تقليل الإعتماد على هذا المصدر، بل سيكون حائلا للتحول عنه الى البدائل النظيفة.
إنّ التقدم في المجالات الثلاثة اعلاه هو وراء التوسع في ميدان قدرة العالم على استغلال مناطق جديدة لاستخراج الوقود الأحفوري وبيعه بكلفة اقلّ. ولكن يجب علينا أن نسأل انفسنا فيما إذا كان من مصلحتنا أن نؤخر أو نعيق التحول المطلوب نحو الطاقة ذات التأثير المحدود في تلويث هذا الكوكب. إنّ التقدم التكنولوجي يجعل من الصعب التشبّث بقضية الحدّ من انبعاثات الكاربون. غير أنّ ذلك لا يغير شيئا من حقيقة أنّنا نسير بهذا الكوكب نحو الفناء من اجل حفنة دولارات لنا، والبلايين منها في جيوب الإحتكارات.
يختتم المؤلف فصله بالتعريج على لقاء دربن في جنوب افريقيا عام 2011، الذي اتفقت فيه الأطراف الموقعة على قرارات مؤتمر UNFCCC، أنّها ستتوصل الى اتفاقية محددة للسيطرة على المناخ بحدود عام 2015 ويتعين على كافة البلدان اتخاذ خطوات ملزمة لتخفيف نسب انبعاث الغازات الدافئة ضمن حدودها. وخلافا للقرارات السابقة التي وضعت المسؤولية في عاتق الدول الغنية، فإنّ مبادئ الإتفاقية الجديدة قد جعلت المهمة في عاتق الجميع. وهذا على الأقل يُعتبر فتحا، لأنّ الولايات المتحدة والصين وغيرهما من الدول الملوثة عليها أن تتفق على طرق جديدة. غير أنّه يجب أن نضع القضية في منظورها الواقعي لأنّ قرارات لقاء دربن المذكورة قد اتخذت بعد مرور 19 عاما على قرارات مؤتمر الأمم المتحدة UNFCCC التي تمّ التوقيع عليها عام 1992 على أن تُعاد مناقشتها عام 2015، أي بعد مرور 23 عاما ويُصادق عليها بحدود عام 2018، وأن تصبح قابلة للتنفيذ بعد مرور 28 عاما، أي بحلول عام 2020. وهذا يكشف لنا صورة عن عالم متأن لا يعمل وفق متطلبات الضرورة الملحة العاجلة.
يعالج المؤلف ساكس في الفصل الثالث عشر قضية تنوع الكائنات وحماية البيئات المختلفة، فيرى أنّ الضغوط التي يسببها البشر تأتي من كافة الإتجاهات، اعتبارا من استخدام الأرض ونفاذ المياه واستعمال اسمدة النايتروجين وغيرها من التغيرات الكيمياوية التي يتسبب بها البشر، وتغيرات المناخ والزيادة في صيد الأسماك وقطع الأخشاب وصيد الحيوانات البرية .... الخ من طرق الإفناء. إنّ الأسباب متعددة ومتشابكة بشكل عميق مع الإقتصاد العالمي والزيادة البشرية الهائلة، الى الحدّ الذي يجعل من الصعب اعادة دورة الأشياء في عكس اتجاهها. غير أنّ من الواجب على الأقل أن نُبطأ مسيرة تخريب تنوع الكائنات بعد أن اخفق العالم في تحقيق ما اتفق عليه قبل عشرين عاما في مؤتمر حماية تنوع الكائنات CBD عام 1992 في ريو. بعبارة اخرى، إنّ الإنسانية افاقت متأخرة لتواجه المشكلة، لكنّ الطامة الكبرى أنّها لا تعرف الحلول الناجعة لها بعد.
ثمّ يمضي ليستشهد بدراسة نتائج دراسة فيتوزِك، حول تأثير البشرية الذي لم يتوقف عند استغلال الأرض فقط. لقد غيّرت البشرية بشكل عميق دورة الكاربون وزادت من مستويات ثاني اكسيد الكاربون في الجو الى 400ppm في وقت كانت فيه حوالي 280ppm في مطلع الثورة الصناعية. لقد استولت البشرية على نسبة كبيرة من المياه لزرع المحاصيل الغذائية وتعاني اجزاء عدة من هذه المعمورة من قلة توفر المياه. ثمّ اصبح البشر يتحكمون بدورة النايتروجين بتحويله في الجو الى اشكال عدة تستطيع النباتات الإستفادة منها. اضف الى ذلك أنّ البشر قاموا بنقل انواع من النباتات والحيوانات من بيئاتها الأصلية الى بيئات اخرى بشكل عفوي واحيانا متعمد. وفي كلتي الحالتين تغيرت البيئات وشبكات الغذاء، لأنّ الأنواع المنقولة قد احكمت سيطرتها على البيئات الجديدة التي استضافتها. لقد دفع البشر العديد من الكائنات الى الإنقراض نتيجة تلك الممارسات، كما اوضحتها دراسة فيتوزِك، وخاصة في انواع الطيور. كما تبين الدراسة المذكورة الأضرار التي الحقتها البشرية في توفر الثروة السمكية حول العالم، وكيف اوشكت على النضوب بسبب ميل البشر للمزيد من صيد الأسماك والأحياء المائية الأخرى، وغيرها من الممارسات التي الحقت بالبيئة المائية تلوثا، وغيّرت كيمياء مياه المحيطات والحقت دمارا اصاب البيئات البحرية وتسبب في الأذى الكبير للشعاب المرجانية ولقيعان البحار.
يؤكّد على قضية الإنقراض ويستشهد بقائمة طويلة من الكائنات التي انقرضت وتلك التي تتعرض الآن للإنقراض واخرى سينالها نفس المصير في المستقبل، ما لم توقف البشرية حالة جنون الجشع التي تأخذ بالبابها. الأرقام مرعبة حقا! يعطينا مثالا عن الأسماك فيقول إنّ كميات الأسماك التي تمّ اصطيادها للفترة الممتدة بين الأعوام 1950- 2010. تمّ تقسيمها الى نوعين، ما يتمّ صيده في المياه المالحة والعذبة والآخر ما يتم تربيته في "حقول السمك". بلغ مجموع ما كان مصدره الأنهار والبحار والمحيطات 20 مليون طنّا متريا في عام 1950. ارتفعت الكمية بحلول عام 1990 الى 80 مليون طنا، وبقيت محافظة على نسبها في السنوات التي تلت ذلك. أمّا اسماك الأحواض فقد ارتفعت من الصفر عام 1950 الى 20 مليون طنا متريا بحلول عام 1990 ثم الى 75 مليون طنا متريا بحدود عام 2010. وعليه فقد ارتفع صيد الأسماك في المياه العذبة والمالحة ارتفاعا مشهودا بلغ اربعة اضعاف ما كان عليه دون الأخذ بنظر الإعتبار نسب توالد الأسماك وتكاثرها في تلك المياه.
تطرح المعلومات برأي المؤلف درسا اساسيا. لقد بلغ صيد الأسماك في المياه قمته عام 1990، اضافة الى كميات الأسماك من احواض تربيتها. يمكننا القول إنّ هذه اخبارا سيئة على العموم تصحبها اخبار سارة قليلا. أولا، إنّ البشرية قد وصلت الى حدود طاقة المحيطات والبحار والأنهار من هذه الثروة، وفي الحقيقة قد تجاوزت تلك الحدود في العديد من المناطق. بدأت نشاطات الصيد تتباطئ لأنّه لم تعد هناك اسماك، وما زالت هذه الحالة الخطيرة تطغى على غالبية مناطق الصيد المعروفة حول العالم. الأخبار الجيدة هي أنّ احواض تربية الأسماك قد تمكنت من توفير الكميات التي يحتاجها البشر للإستهلاك المتزايد. وهذه اخبار سارة برأي المؤلف لأنّ الأسماك عنصر غذائي هام لغناها بالدهون النافعة والپروتين. لكنّه نسي أنّ الحيتان والدلافين والكواسج لا تربّى في احواض، وهي تتعرض لحملات صيد، في الحقيقة إبادة، بشكل خاصّ على يد اليابانيين الذين يجوبون المحيطات باساطيلهم المزودة بارقى اجهزة تكنولوجيا المراقبة والتتبع والصيد. لقد وضع التقدم التكنولوجي في يد هذه الصناعة ادوات ليست في صالح الحياة السمكية، اينما كانت. في الحقيقة، هذه الأدوات ليست في صالح مبدأ تنوع الكائنات في البيئات البحرية، ولا في استدامتها. نتج عن هذا التقدم زيادة هائلة في كميات ما يتمّ اصطياده. وهو ما أدى الى نضوب الثروة السمكية الوشيك في المحيطات والبحار. وهذه خسارة لتنوع الكائنات ولإنتاجية البيئات البحرية ذاتها.
ثمّ يتحول المؤلف الى مشكلة تدمير الغابات بقطع اشجارها او حرقها ويستشهد برأي جيمس لوفلك الذي جاء بنظرية Gaia، التي تدور حول الترابط بين انظمة البيئة العالمية وتنظيم العمليات بينها على المستوى العالمي. وفحواها إنّنا حين نضعف نظاما بيئيا معينا، فإنّنا نقوم بعرقلة او اضعاف نشاط البيئات الأخرى في اقسام اخرى من العالم. ذكر لوفلك عن قطع الغابات المطرية الإستوائية، "لم يعد بامكاننا أن نبرر وجود الغابات الإستوائية الرطبة على ارضية ضعيفة، وهي التي قد تكون مصدرا للأدوية التي يمكن أن تشفي امراض البشر ... إنّ الإستعاضة عن تلك الغابات بزرع المحاصيل قد يخلق كارثة على المستوى العالمي."
يختتم جفري ساكس فصله هذا بتذكير القارئ أنّ لتجاوز حدود طاقات الكوكب اشكالا عدة منها تغيّرات المناخ وتلوث البيئة. غير أنّ اكثرها حزنا هو النقص الذي يحصل في عدد الكائنات وانقراض بعضها واختفائه من الوجود. تضع الإنسانية المزيد من الضغوط على هذه الأرض، الى الحدّ الذي يتسبب في أنّ عدد الكائنات يتعرض للإنقراض بمعدلات تزيد عن الف مرة عمّا كان عليه قبل الثورة الصناعية. وهناك بعض الظواهر المرتبطة بانقراض تلك الأنواع من الكائنات، منها قلة التنوع الجيني في بعضها وتزايد البعض الآخر عن حدود المعقول. إنّ تأثير هاتين الظاهرتين كبير جدّا الى الحدّ الذي قد يتسبب في احداث موجة الإنقراض السادسة على سطح هذا الكوكب.
في مطلع فصله الأخير، يذكر المؤلف أنّ قادة العالم اتفقوا على الإنتقال من اهداف التنمية الألفية Mellennium Development Goals (MDGs) الى اهداف التنمية المستدامة Goals (SDGs) Development Sustainable. لقد شكلت اهداف الألفية المذكورة البداية لوضع محفزات للعمل المباشر. ومن المفروض انّ اهداف التنمية المستدامة يجب أن توقد الحماس العالمي والمعرفة والعلوم من اجل العمل لتحقيق ما تمّ استهدافه. وعليه جاء في نص وثيقة القادة "المستقبل الذي نريده" ما يلي:
يجب ان تكون اهداف التنمية المستدامة SDGs قابلة للتطبيق دقيقة يسهل فهمها وشرحها للآخرين، وأن تكون محدودة العدد تبعث روح الأمل، عالمية في طبيعتها يتم تطبيقها في كافة ارجاء العالم، شرط أن تكون قادرة على الأخذ بنظر الإعتبار الواقع الوطني لكلّ بلد وقدراته ومستوايات التنمية فيه، وان تولي احترامها لسياسات البلد وخصوصياته. كما أنّنا نقر أن تركز هذه الأهداف وتعالج المناطق التي تحضى بالأولوية من اجل تحقيق التنمية المستدامة، وان تكون وثيقة "المستقبل الذي نريده" مرشدا ومعيارا. يتطلب الأمر من الحكومات أن تسعى لتطبيق الأهداف وتساهم فيها بمشاركة اصحاب الأسهم في الشركات، إذا تطلب الأمر ذلك.
إنّ الدعوة للأخذ باهداف التنمية المستدامة قرار تاريخي وطريقة قوية لوضع اجندة واسعة تشمل المجتمعات العالمية بكاملها ولا تقتصر على الحكومات، بل تضم ايضا الشركات والعلماء وقادة المجتمع المدني، وطبعا الطلبة في كلّ مكان. وخلافا لأهداف التنمية الألفية التي استهدفت البلدان الفقيرة وعلاقتها بالدول الغنية التي يجب أن تقوم بدور المتبرع، فإنّ اهداف التنمية المستدامة تنطبق على العالم باجمعه. فالولايات المتحدة، مثلها مثل دولة مالي، وكلاهما تحتاجان أن تتعلما العيش بشكل مستدام! فالبلدان الغنية الفقيرة والفقيرة تحتاج أن تقوم باجراءات تشمل طبقات المجتمع بكاملها، والمساواة بين الذكور والأناث وطبعا استعمال انظمة طاقة تطرح القليل من الملوثات للجو وخلق مجتمعات قادرة على تحمل الصعاب والتكيف لها.
تستطيع هذه الأهداف أن تعطي قوة دفع جديدة وتحركا اجتماعيا جديا ومصادر جديدة وارادة سياسية جديدة لإحداث تغييرات وعتها البشرية منذ 40 عاما واصدرت بشأنها القوانين الدولية منذ 20 عاما، لكنّها وُضعت على الرفوف. لا تحلّ هذه الأهداف محلّ القوانين الدولية، وأنّه ما زالت هناك حاجة لتطبيق المعاهدات التي تمّ التوقيع عليها. يجب أن تخلق هذه طاقة دولية جديدة واجواء تشجيع لحلّ المشكلات التي وقفت عائقا في تنفيذ الإتفاقيات المشار اليها.
يطرح د. ساكس في نهاية الفصل تساؤلا مفاده إنْ كانت التنمية المستدامة قابلة للتحقيق. هل بإمكاننا أن ندفع اهدافها ونحققها في الوقت المقرر؟ نحن نجري وسط عالمنا المرتبك والمشتت باقصى سرعتنا دون هدى في طريق مجهول يقودنا بصيغ شتى نحو التغير المناخي وموجة الأنقراض السادسة، ويعرّض مدننا للخطر ويهدد توفر المواد الغذائية لإطعامنا ويدفع بنا نحو الهجرة باعداد كبيرة ويزيد من توسع شقة عدم التوازن في المدخولات وارتفاع نسب البطالة بين الشباب وسياسات فاشلة مرتبكة في كافة المجالات. هل من الممكن أن نتراجع عن المضي في هذا المسار المدمر؟ وهذا خوف حقيقي وعميق.
ثمّ يمضي ليستشهد بالتاريخ وما تفاءل به الرئيس كندي قبل اكثر من خمسين عاما. بعد أن القى خطاب السلام زار اوروپا وتوقف في ارض اجداده، ايرلندا. القى هناك خطابا بليغا أمام برلمان البلد، قال فيه:
هذا بلد استثنائي تحدّث عنه برناردشو وعن نظرة الناس فيه فقال، "ينظر الناس الآخرون الى الأشياء ... ويقولون لماذا؟ .... لكنّني احلم باشياء جميلة واقول في نفسي ... لماذا لا؟" هذه صفات الشخص الأيرلندي- ذلك الخليط العجيب من الأمل والثقة والخيال، التي نحتاجها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. لا يمكن حلّ مشاكل عالمنا اليوم بالتشكيك والسخرية من قبل اولئك الذين لهم افق محدود رغم وجود حقائق واضحة. إنّنا بحاجة الى اشخاص يحلمون باشياء لم تكن موجودة من قبل، ويقولون لماذا لا (Kennedy 1963b).
السياسات الواجب اتباعها، إذا التزمت، تؤدي تدريجياً الى الاستغناء عن مشتقات النفط سواء في انتاج الكهرباء او الاستعمال في مختلف وسائل النقل جوا وبرا وبحرا. ومهما توسعت جهود تطوير مصادر الطاقة البديلة لا يمكن توقع احلالها محل مشتقات النفط والغاز قبل انقضاء عقود، ولعل اختيار استهداف ضبط التلوث سنة 2050 يعبر عن تقدير علماء البلدان الصناعية والنامية لما هو مطلوب من اقرار سياسات بديلة وتعميم الطاقة الهوائية والطاقة من الواح اختزان الطاقة الشمسية، وهذه باتت كلفة انتاجها أقلّ بكثير من السابق نتيجة اكتشافات ووسائل انتاج أتقنها الصينيون.(14) وربما ساهم الصينيون في ضبط التلوث المناخي أكثر من غيرهم لتمكنهم من صناعة الالواح الزجاجية الاختزانية كما بفعل قدراتهم المالية على المساهمة في تأمين الموارد المالية لانجاز البرامج المطلوبة، وخصوصاً في البلدان النامية التي تحتاج الى الموارد المالية والخبرات اكثر من البلدان الصناعية. وقد يقول البعض إنّ هذا بعض الثمن الذي على الصين تحمله لأنّها البلد الثاني تلويثا للبيئة في العالم بعد الولايات المتحدة، واكثر من البلد الثالث الهند.
السؤال هو أين نحن العرب من كل ما تناوله جفري ساكس في كتابه الفريد هذا؟ أجدني متفقا مع صاحب الرأي(15) الذي ذكّرنا قبل عدة اشهر أنّ سنغافورة بلغت 50 عاما من الاستقلال. نمت في نصف قرن من مستنقع للبعوض، إلى أعلى دخل قومي في العالم. هل الاستقلال عنصر مهم في التقدم والتطور؟ دولنا في العالم العربي استقلت قبل سنغافورة بعشرين عاما أو اكثر، ونحن في ذيل اقتصادات العالم. إحداها منعتها وطنيتها من السماح لأيّ شركة غربية بالعمل في اراضيها خوف "التجسس" على حراكها القومي. والآخر منع الأجانب من الدخول للبلد لغاية في نفس يعقوب أو بالأحرى صدام، وذاك بهرته الأزياء الأفريقية ولقب "ملك ملوك افريقيا"! سنغافورة أهمّ مركز لكبرى الشركات العالمية، من الزراعة إلى التكنولوجيا. وسيادتها شبه مطلقة. وليس على اراضيها مقاتلون، لا من الشيشان ولا من داغستان ولا من پاكستان ولا من تورا بورا. ولا من أيّ مكان!
في نهاية تموز/يوليو 2015قال مجلس الامن الدولي(16) إنّ الازمة الانسانية تسوء في سوريا نتيجة نزاع اسفر عن مقتل حوالى 240 الف شخص خلال اكثر من اربع سنوات. واكد الضرورة الطارئة للتوصل الى حل سياسي. في الشهر الماضي، وصل عدد اللاجئين في لبنان والاردن وتركيا وبعض دول المغرب العربي الى اربعة ملايين. وفي نهاية 2014 احصت الامم المتحدة 7.6 ملايين سوري نازح داخل سوريا ومثلهم في العراق. وتنظر الامم المتحدة الى النزاع السوري على أنّه اولوية نظرا لتدهور الاوضاع الانسانية حيث هناك 12.2 مليون شخص بحاجة الى مساعدة بينهم اكثر من 5.6 ملايين طفلا. من كان يتصور أنّ محنة كهذه ستحل بسوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن، والبقية تأتي؟ يا للعار!

د. محمد جياد الأزرقي أستاذ متمرس- كلية ماونت هوليوك قرية مونتگيو- ماسَچوست، الولايات المتّحدة
[email protected]
March, 2016


(1) http://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2015/09/15 e
(2) http://www.raialyoum.com/?p=322217
(3)http://www.raialyoum.com/?p=32221
(4) http://aawsat.com/-print-/448731
(5) http://assafir.com/Article/1/446384
(6) http://assafir.com/Article/1/442463
(7) http://assafir.com/Article/1/454576
(8) http://www.almasryalyoum.com/news/details/844373
(9) http://middle-east-online.com/?id=212046
(10) http://www.alquds.co.uk/?p=430003
(11)http://aawsat.com/home/article/520811
(12)http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN0TW0F820151213
(13)http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2015/12/151218_comments_undp_
(14) http://newspaper.annahar.com/article/297926
(15) http://aawsat.com/home/article/43061
(16) http://www.france24.com/ar/2015081



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لورنس الآخر
- لورنس الآخر: حياة روبرت أيمز وموته
- ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة
- دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال
- قراءة في كتاب ألمسألة ألأخلاقيّة وأسلحة الدّمار الشّامل مقار ...
- غرباء مألوفون
- التملص من جرائم التعذيب في السجون الأمريكية
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثالثة ...
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثانية ...
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الأسرائيلي (الحلقة الأول ...
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية- الحلقة الرابعة
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- ألأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث -الحلقة الرابعة
- 3-ألمرأة في الدخيل الجائر من التراث
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الثانية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث-الحلقة الثانية


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة