أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - القطة .... التي كسرت عنقي














المزيد.....

القطة .... التي كسرت عنقي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنتُ في عامي الأول بقسم العمارة/ هندسة عين شمس، وتحديدًا في محاضرة "الإنشاء"، حين اكتشفتُ أنني فقدتُ السيطرة على عنقي. رأسي يدور نحو اليسار دون إرادة مني! أُعيده للأمام لأنظر للمحاضِر د. هشام الألفي والسبورة، فيدور من جديد!أجبره على الثبات بوضع يدي تحت ذقني. وبمجرد أن أنسى وأستعمل يدي في الكتابة أو تقليب صفحات كشكول المحاضرات، يغافلني رأسي ويدور. لاحظ د. هشام هذا الشغب ونظر لي بحدّه. فأنا أجلس في الصفّ الأول كما دائمًا. أطرقتُ بعيني خجلا، ولم أدر ما أفعل. دار عنقي دورتَه فوجدت الطلاب ينظرون لي وهم يكتمون ضحكاتهم، وقد ظنّوا أنني ألعب وأثيرُ الفوضى في المحاضرة. وبعد برهة تحولت الابتسامات إلى نظرات حنق حين بدت "لعبتي" مكررة وسخيفة، هدفها تخريب الدرس وإشاعة الفوضى.
عدتُ للبيت وأنا في حال يُرثى لها من الخجل والحيرة مما أصاب عنقي وأصابني من سخفه! بكيتُ لأمي وأخبرتُها أنني لن أذهب للجامعة بعد اليوم. فلا طاقة لي بيوم عسِر آخر بعنق جُنَّ وأصابه الخبل.
دارت بي أمي دورة واسعة على أطباء في جميع التخصصات. بدأنا بالعظام، ثم الأوعية الدموية، ثم الأعصاب، ثم الأوردة، ثم الروماتويد. الجميع يؤكد أن كلَّ شيء على ما يرام، والأهم هو أنني لا أشعرُ بأي ألم لا في عنقي ولا في أي موضع من جسدي، لكنني فقدت السيطرة تمامًا على عنقي. أشارت مربيتي على أمي أن تذهب بي إلى المشايخ ربما "جّن لبسني"! فأخذتني أمي إلى د. عادل صادق، رحمة الله، أستاذ الطبّ النفسي الشهير.
جلستُ أمامه والخجل يُمطرني فلم أجد إلا الصمتَ درعًا يعصمني. هو أحد الكُتّاب الذين أحببتهم وقرأتُ تحليلاتهم النفسية بنهم، ولم أتصور أن أزوره يومًا، لا لأعبّر له عن حبي، بل لأجلس أمامه مهزومةً، دون قدرة على النظر إلى نظارته وعينيه وأناقته وهدوئه، بل إلى يسار غرفة الكشف، حيث لوحة سوريالية لحصان يركض.
جلس على يساري لأراه، وراح يلاطفني ويمازحني، حتى اطمأننتُ ثم بدأ يدردش معي في أمور عامة حول الطقس والثقافة والأدب وذكريات طفولتي وحياتي بالجامعة وعن الحيوانات الأليفة التي أُربيّها وذكرياتي معها. هنا تذكّرتُ واقعةً وقعت قبل عدة شهور، فقصصتُها؛ وما كنت أدري أن مجرد تذكّرها علاجي.
كنتُ عائدةً من الكلية للبيت، وبسطة السلّم معتمة. ما أن اقتربتُ لأضع مفتاحي في الباب حتى شعرتُ بأن قدمي اليسرى تدوس على شيء ليّن، أعقب ذلك مواءٌ حادّ وهرجٌ وتقافز قطط. أشعلتُ نور البسطة لأجد قطّة السلّم وقد أنجبت قطيطات كثيرة وليدة، ودون قصد مني، دهستُ إحداها. حملتُ القطة المصابة ففوجئتُ أن عنقها قد التوى. ركضتُ بها إلى عيادة الطبيب البيطري في العمارة المواجهة بشارع البرّاد بالعباسية: “د. اصطفانوس"، وقدمت له ضحيتي وأنا أصرخ باكيةً: “انقذها يا أنكل من فضلك"! فهدّأني وطمأنني وربط لها جبيرة صغيرة حول عنقها النحيل، واستضفتُها مع أمّها وأشقائها في بيتي حتى شُفيت تمامًا، وكبرت القطيطة وصارت تملأ طوابق العمارة العشرة مواءً وتنطيطًا وشقاوة. ونسيتُ الأمرَ تمامًا.
نسيتُ الأمرَ بعقلي الواعي، لكن عقلي الباطن لم ينسها. هذا ما أخبرني به د. عادل صادق. ظلّ مشهدُ القطة الوليدة ملوية العنق يؤرق عقلي الباط subconscious mind ويعذّبه ويرميه بالتهم. فلم يجد عقلي الباطن حلاًّ سوى القصاص بنفس جنس الجريمة. فأصدر أوامره لعنقي أن يلتوي كما لويتُ عنقَ القطة المسكينة. هنا هدأ الضمير (الأنا العُليا) واستراحت نفسي وانشغلتُ بحياتي ونسيت الواقعة (ظاهريًّا).
هذا ما يسميه الطب النفسي self-punishment أو العقاب الذاتي الذي به يحدثُ التطهّر والبراءُ من الخطايا.
خلقنا اللهُ عزّ وعلا، نحن بني الإنسان، على نحو شديد التعقيد. كل إنسان هو دولةٌ كاملة لها مؤسساتٌ سيادية ثلاث: تشريعية، قضائية، تنفيذية. بالنسبة لي، شرّع المُشرّعُ (الضمير) أن تعذيب الحيوان حرام ولا يجوز. وحكم القضاءُ (اللا وعي) على شخصي المتهَم بأن يكون العقابُ من جنس الجريمة؛ وأصدر حكمَه. ثم تأتي السلطةُ التنفيذية (أوامر المخ) لتطبّقَ الحكمَ القضائيّ؛ وتُرسل النبضات الكهربية، للجسد (المتهم). واستجاب المجرم (جسدي) للحكم، فالتوى عنقي حاملا رأسي الذي لم يكن يدري كل هذا، لكنه انصاع للحكم صاغرًا، حتى يستريح.
ما فعله د. صادق هو أن نقَل الحكاية المنسية من عقلي الباطن إلى عقلي الواعي فتأملتُها ووجدتُ أنني قد أصلحتُ خطأي وعالجتُ القطة فلا مبرر للعقاب. وشفيتُ من فوري وعاد عنقي لطبيعته. سبحانك.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصفورُ المتوحّد
- أولاد الوزّة
- سامحيني يا سمراء | أم الشهيدة والأرنب المغدور
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!1
- قفص العيب
- مَن هُم خصومُنا؟
- اسمُها زَها حديد
- ثغرة في قانون ازدراء الأديان
- كنتي سيبيه يمسكها يا فوزية!
- توب الفرح يا توب
- لماذا اسمها -آنجيل-؟
- لماذا هرب الجمل؟
- دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
- لابد من الموسيقى
- أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
- عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - القطة .... التي كسرت عنقي