أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - أساطير من مدينة الناصرية















المزيد.....

أساطير من مدينة الناصرية


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 20:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



1 / دموع عبد اليمة البناء
فقد الحاج عبد اليمة البناء أجمل ابناءه عندما غرق في نهر الفرات قرب الجسر الفرنسي وكان طالبا في الاعدادية.
حزن الأب على ولده بشكل عجيب ، وأوغل به الحزن الما وانكسارا ليتوقف عن العمل كبناء محترف تعرفه المدينة كلها ، وركن الى طقوس العبادة وملازمة البيت والجامع .
أتذكر دموعه وأنا اعانقه مواسيا في اول يوم من مأتم الآبن الغريق . فتخيلت دموعه على شكل طابوق احمر مثل ذلك الذي كان يرصفه على جدران البيوت وهو ذاته الذي بنوا منه زقورة أور.
ذات يوم كنت اعبر مشيا على جسر ميرابو فوق نهر السين بباريس . لأتوقف فجأة وأتذكر دموع ( أبو حكيم ) وانا اتطلع الى الطابوق الاحمر الذي بنيت منه اساسات الجسر وقد كتب عليها عاشقان ذكرى عنقاهما الاول هنا ذات يوم ، وما مكتوب كان يقول : ( الدموع تصير حمراء فقط عندما يغرق في النهر شيئا من قلوبنا )
وحتما النهر الذي جعل دموع الحاج عبد اليمة حمراء . قد اخذ شيئا من قلبه.

2 / شارب التأريخ
للشاعر رزاق الزيدي مرثية خالدة في جسر الناصرية الذي قصفته طائرات التحالف الامريكي في حرب الخليج الأولى . واستشهد جراء القصف المئات من ابناء مدينة الناصرية كانوا لحظة القصف يعبرون الجسر الغارق بالنهر والذي كان متحطماً جراء ضربة جوية قبل هذه الضربة ، وقيل وقتها ان الطيار كان قطريا ، ولكن اي وثيقة لم تثبت ذلك ، الذي ثبت في الذاكرة المرثية التي كتبها الزيدي ومطلعها الذي يقول : الناصرية شعرة في شارب التأريخ بيضاء .
ويبدو أن تواريخ الحرب مع المدينة لم تتوقف .وظلت طوال عصورها تزف الشهداء الى مقابر النجف.
العلامة الفارقة في جدلية الحرب والمدينة هو هذا الشارب الابيض لتواريخها الذي يكون بياضه براقا كما بريق بياض الكفن.

3 / العنز والدباغ
عندما كنا نخرج من العرض الليلي من سينما الاندلس الشتوي ، هناك طريقان نذهب بهما الى بيوتنا ، الأول عبر الشارع الذي يمتد بقيصرية القماش الى الشاطئ ، والثاني من خلال الزقاق الذي يمتد من امام محلات باتا الى بناية السينما ثم ندلف الى شارع الجمهورية ، وكنا نفضل هذا الطريق من اجل ان نمتع اسماعنا بحنجرة المطرب حسن حياوي ، القادم من مدينة الحي في ضيافة صديقه المرحوم عبد الحر ناصر الذي يملك محلا لتصليح المسجلات وتأجير اجهزة الصوت في شارع الجمهورية.
اتذكر بحته صوت حسن وهو يغني ابوذياته المشهورة التي تبدا بعبارة :أكل ياعنز والدباغ يولاك.
كلمة يولاك ، ظلت ملازمة لتلك الولاية التي يفرضها علينا القدر .
الجنرال يولاك، الاقطاعي يولاك، شظية الحرب يولاك ...
فيما حسن حياوي المسكين تولاه مرض التدرن الذي نخر رئتيه وقتله.

4/ يطغ سعد مطر
قضيت انا وسعد معهد اعداد المعلمين سوية .وساقونا للجيش سوية من مركز تدريب دروع تكريت ثم معسكر التاجي ، ثم بدرة ، ثم مدرسة المخابرة في كركوك ، ثم اخذتنا جبهات الحرب كل على حده .هو مخابر مشاة في لواء 36 مشاة وانا في ك.م.متو / 240.
كنا نلتقي دوما اما في الاجازات او في تجحفل وحداتنا سوية في احدى الجبهات ، بنجوين ، مندلي ، بحيرة الاسماك ، ولم اكن اجد سعد إلا من خلال يطخه الذي تعمد عرضه دوما فوق سطح الملجأ او الربيئة ، فأقول لمن معي :هذا صديقي سعد مطر في هذه السرية ، فأسأل عليه واجده .
وعندما تسأله عن سبب رمي يطغه لأشعة الشمس يرد علي بهمس: آنا اكره الحروب لأنها ممتلئة بجراثيم قسوة الجنرالات ، وجراثيم الحرب لن يقتلها سوى اشعة الشمس القوية.

5 / صورة فؤاد الركابي
كان المطرب العراقي الراحل فؤاد سالم يسكن في شقة صغيرة في منطقة السيدة زينب ، وعندما انتقل للسكن في دمشق أجرها لصديقه عادل كريم كردي ، فصارت الشقة مضيافة للقادمين من ابناء الناصرية لقضاء الصيف في الشام والسيدة لما يتمتع به ( ابو سلام ) من نفس كريمة وطيب بالرغم من ان الشقة كلها غرفة نوم وصالة صغيرة.
في غرفة النوم علق عادل صورة لخاله المرحوم فؤاد الركابي احد مؤسسي البعث في العراق والذي اغتيل بأمر من ناظم كزار في اذار 1971في سجن بعقوبة قبل اطلاق سراحه بيوم واحد .والصورة تجمع الركابي بجمال عبد الناصر.
كان لزاما على ضيوف عادل مرغمين ان يسمعوا من عادل قصة تلك الصورة قبل النوم وبعد النوم ، بالرغم من انهم يسمعوها في ضيافة عادل لأكثر من مرة والسبب ان ابو ( العوادل ) نسى ان يتذكر انه قص قصة الصورة عليهم.
انا من الذين نالهم السماع المتكرر للقصة حتى عندما يداهمني النعاس ولاأدري ان كان عادل اكمل القصة وحده ام سكت.
في كل مرة عندما اجلس على مقعد الطائرة الذاهبة من دوسلدورف الى دمشق حيث يستقبلنا كرم عادل وطيبته ويوفر لنا مصاريف الاكل والفندق .ولكني مع هذا استذكر مرارة اني سأستمع مرغما لأكثر من ثلاثة مرات في اليوم قصة الصورة التي التقطها المرحوم فؤاد الركابي مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

6/ موز صومالي
كان المرحوم مهدي دوح الخضار يمتلك محلا لبيع الفواكه في السوق العصري مقابل صفاة الخضرة في الناصرية .
كان صديقا طيبا ويأنس أليَّ وهو يستمع الى نصائحي الطيبية التي كنت اجلبها اليه من خلال قراءاتي لمجلة طبيبك السورية التي أسسها الدكتور صبري القباني والتي انتشرت قراءاتها في السبعينيات والثمانينات القرن .
في بداية ثمانينيات القرن الماضي اشتعلت الحرب بين العراق وايران ، فاعتنقت الدولة بشهية الناس لتعويضهم عن الضغط النفسي التي تسببه من خلال ضحاياها والتعتيم الليلي وجعل التلفزيون تعبويا ولايبث البرنامج الترفيهية المنوعة .
وحتى تعوض عن ضيق الناس وضجرهم من الحرب وصفارات الانذار صارت تستورد الموز الصومالي بكميات كبيرة وتوعه على محلات بيع الفواكه بأسعار زهيدة.
طوال بيعه للموز الصومالي بالرغم حجمه واغراء لونه الاصفر الشهي لم ارَ المرحوم مهدي يتناول واحدة .
وذات يوم اخبرته اني قرات في مجلة طبيبك أن من يتناول ثمرة موز واحدة كل صباح تنشط عنده هرمون السعادة ولن يغضب ويحزن طوال النهار.
ومع الصباح تناول مهدي ثلاث قطع موز ، وبقي مبتسما طوال اليوم .ولكنه ما ان ذهب الى بيت وعاد في اليوم الثاني ليقول لي بغضب :اين هرمون السعادة هذا ، البارحة صارت معركتي مع ام صالح من الرؤوس.؟

7/ حكم علينا الهوى
في فصل الصيف كانت عوائل مدينة الناصرية تنام فوق السطوح ، وربما بين الاف البيوت فيها هناك عشرات البيوت تكون عالية وبناءها حديث وبالطابوق الاصفر المفخور ونسميها قصور ، فيما يكون الطين واللبن الاحمر وصرائف القصب هي الالوف المتبقية من بيوت فقراء المدينة .
في ذلك الليل الصيفي ، كان في بيتنا قن طيور كبير تربي امي فيه الدجاح والبش البياض ، حيث تجمع البيض كل صباح وتجمعه في ثقه مغلفة بالتبن وتذهب الى الصفاة لتبيعها خصوصا بعد ان تكاسل ابي ولم يعد بذهب الى عمله في سوق الحبوب .
فوق هذا القن الطيني كنت انام في ذلك الليل الساحر وانا اجمع في اجفاني اضواء النجوم المشعة فأحولها مع نعاسي وصوت ام كلثوم القادم من مكبرة الصوة الكبيرة في سينما البطحاء الصيفي البعيدة عن بيتنا بفرسخين ، عندما يصل صوتها الساحر في اغنية (حكم علينا الهوى ) لتبثها السينما كل ليلة قبل بدء عرض الفيلم .
كنت انتظر هذه الاغنية بشفق قبل ان انام ، ومنها عرفت طفولتي كيف تحمل اجفانها على نسائم الصيف البارد وتحولها الى مركبات طائرة تذهب بي مثلما يفعل الرحالة .باريس ، روما ، شيكاغو ، دلهي واخيرا .لم اشعر إلا وانا اسقط من سطح قن الطين ، وسط ضحكات الدجاج والبش على احلامي المستحيلة.

8 / حرملة في صفيح ساخن
عندما قرأت عنوان مسرحية تنيسي وليامز ( قطة على صفيح ساخن ) لأول مرة ، لا ادري لماذا تبادرت لي صورة حرملة ، تلك الشخصية التي يصورها قارئ المنبر الحسيني انها شخصية قاتلة وقاسية وماهرة في قتل الاطفال من خلال سهام قوسه حيث اصاب عبد الله الرضيع ابن الحسين في واقعة كربلاء بقلبه دون ان يهتز له رمش.
تاهت مخيلتي مع عنوان مسرحية وليامز وانا اتذكر حرملة الذي كنا نراه في سجادة تشابيه حادثة انتقام المختار من قتلة الحسين ع .
عندما كنا نخيل المشهد المرسوم وسط سجادة كبيرة نسجت في تبريز وتروي مشهد الثأر وقد تم اجلاس حرملة في قدر ساخن مملوء بالماء المغلي حيث يتم سلقه انتقاما لقتله الرضيع.
ليس هناك رابط بين قطة وليامز وقدر حرملة سوى العقد النفسية التي لها ابطال كثيرون في المسرحية فيما عقدة حرملة وهو في الصفيح الساخن ، احساسه ربما كيف تورط بقتل طفل رضيع ونال كل هذا الجزاء الرهيب.



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص أخرى من مدينة الناصرية
- قصص قصيرة جدا من مدينة الناصرية
- الناصرية والسوق وروح سيد سعد بنيان
- غرام ممنوع وأنوثة الهمس المسموع
- السياب ( الدهشة تلدُ الحزن أولا )
- السياب وجيكور المؤسطرة شعراً
- السياب سُعالٌ في كتاب
- خواطر في ذكرى السياب
- خضير ميري ( رثاء من بلاد الفلسفة )*
- عطرٌ وسرٌ وغيبْ
- ليلة عبد الرب إدريس
- وطن بلا تأشيرة ( 25 ) الرمادي ( سلام خُذ )
- وطن بلا تأشيرة ( 24 ) جوائز منظمة عيون ( الوهم )
- وطن بلا تأشيرة ( 23 ) المسيحيون العراقيون ( البقاء )
- وطن بلا تأشيرة ( 22 ) النفط و( الغلط ، غلط )
- وطن بلا تأشيرة ( 22 ) تفرك لايت ( يالله )
- وطن بلا تأشيرة ( 21 ) الرمادي المحررة ( صينياً )
- وطن بلا تأشيرة( 19 ) كهرمانة ( حكاية اللصوص )
- وطن بلا تأشيرة ( 18 ) الأهوار ومسخ كافاكا
- وطن بلا تأشيرة ( 17 ) حباري قطر وحميد منصور


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - أساطير من مدينة الناصرية