أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إبريهي علي - حكومة التكنوقراط في العراق















المزيد.....

حكومة التكنوقراط في العراق


أحمد إبريهي علي

الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 08:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان يراد بحكومة التكنوقراط ، في بداية الدعوة لها، إعتماد الأدارة العلمية لأنشطة الدولة توخيا للكفاءة في اداء الوظائف. ويعبر عن هذا التوجه، في زماننا، مبدأ الكلفة – الفاعلية اي ادنى التكاليف لتحقيق الأهداف، وبنفس المعنى افضل إستخدام للموارد . والمقصود بالأدارة العلمية، آنذاك، إستعارة المنطق الرياضي والفيزيائي ومنجزات الهندسة والأحصاء في تصميم وإشتغال الأنظمة التي تزاول الدولة من خلالها مهامها المختلفة. ورافقت تلك الدعوة، ايضا في البداية، تصورات لا تخلو من طوباوية او على الأقل تفتقر إلى الأمكانية العملياتية مثل استبدال النقود بوحدات من الطاقة وهو بمثابة إبتكار وحدة جديدة للحساب الأقتصادي متساوقة مع التوجه نحو " الأدارة العلمية" . وفيما بعد تغير مضمون هذه التسمية ليدل على حكومة من شخصيات ليست منتخبة، وتوافرات على معرفة علمية وخبرة في ميادين عمل الوزارات التي يتولونها. وهذا هو المعنى المتداول لحكومة التكنوقراط والذي بينته الكتابات الصحفية عن وزارة اليونان، مثلا، برئاسة محافظ البنك المركزي ، سابقا، وحكومة ايطاليا التي رأسها إقتصادي كان يعمل في دوائر الأتحاد الأوربي . وفي كورواتيا رشّحوا كيمياوي لديه خبرة في الصناعة الدوائية وخبير مالي ، وفي رومانيا زراعي ... وهكذا. وفي نفس الوقت يتحفّظ الكثيرون على حكومات التكنوقراط في اوربا على اساس انها جاءت بضغوط من صندوق النقد الدولي والدول الأوربية الكبرى لتنفيذ برامج قاسية لا تستطيعها إلا شخصيات روبوتية او مكائن حاسبة. وفي بلدان اخرى ادينت وزارات التكنوقراط لمطاوعتها وخدمتها للسلطات الدكتاتورية وزعماء الأنقلابات العسكرية. ومن زاوية اخرى ينظر إلى حكومة التكنوقراط بمثابة تعطيل للديمقراطية، لأن التكنوقراط غير المنتخبين يصبحون جزءا من المنظومة البيروقراطية، وبوجودهم تتحكم اجهزة الدولة بالمجتمع وتعزز نفوذها وتتغول في إحتكارها للسلطة، وتستخدم الصفة التكنوقراطية غطاءا للخديعة ومصدّا للمساءلة والتدقيق والمحاسبة.
وفي بلادنا كانت الدعوة إلى حكومة التكنوقراط ، ولا زالت، واسعة وعابرة للمرجعيات الأيديولوجية ، وتفسّر باليأس من الحل الديمقراطي لمشكلات الأداء الحكومي في الأمن والأقتصاد والمالية العامة والعلاقات الخارجية للعراق. وكأنها وسيلة لتجميد التشكيلة المنتخبة ليكون القرار بيد كوادر مؤهلة مستقلة عن تحيز الكتل والأحزاب، وتعمل خارج نطاق مبارياتها الصفرية. وإلى جانب هذه االمقاربة يلاحظ من الكتابات الصحفية، والأحاديث في الفضائيات، الميل إلى الربط التلقائي بين الفشل والتخصص التعليمي لشخص الوزير وخبراته السابقة. اي ان الفهم الصنائعي لأدارة الدولة اصبح متفشيا في الرأي العام : وزارة الصحة يجب ان تدار من طبيب جيد ؛ والعدل من حقوقي بارع ؛ والمالية من إقتصادي او مالي ؛ والأعمار من مهندس مدني ؛ ... ؛ وهكذا. وهذا المنظار إلى الدولة لا يميز بين الأدارة الوظيفية، إدارة قسم الجراحة في مستشفى، إو إدارة مشروع لبناء جسر او تبليط طريق، والأدارة العامة. إذ ان الأدارة الوظيفية تحتاج المعرفة المتخصصة وتشتغل بمنطقها، لكن الأدارة العامة، او الأدارة على النطاق الأكبر حتى في عالم الأعمال، لها منطق مختلف . فالوزير يتعين عليه فهم نظام الوزارة بإدراك الأرتباط العضوي بين مكوناته وهي عبارة عن مجموعة منظمات لها ابعاد مؤسسية وبنى ، وبالتالي النسق المؤسسي وبنية الكيان الكلي على مستوى الوزارة ومن ثم الحكومة بأكملها . بمعنى ان العبرة بشخصية الوزير وكافة عناصرها والعلاقة فيما بين تلك العناصر، والتي تظافرت كي تظهر تلك الشخصية الفذة القادرة على إعادة البناء والأرتقاء بالأداء. تلك الشخصية المتمكنة من الجمع والتنسيق وإعادة التشكيل نحو الأفضل، لأنها مسكونة بفكرة النظام، وليس بالمهارات التقنية الجزئية. شجاعة القرار، وتحمل المسؤولية، والتماهي مع اهداف سامية ومهام كبرى، والأستعداد للتضحية ،ورهافة الحس وسرعة الأستجابة، وموهبة التوظيف الخلاق للموارد ومن بينها واهمها البشر ، معارفهم ومهاراتهم ونزاهتهم وأخلاصهم ومبادراتهم ورغبتهم في الأنجاز.
ولو اطلعنا على السير الذاتية للوزراء في دول اوربا الغربية ،وسواها في العالم المتقدم ،من النادر ان تجد وزيرا كان موظفا في الوزارة التي تولاها، ولا يوجد ارتباط بالمعنى الأحصائي بين التخصص الدقيق للوزير والوزارة التي يشغلها.
من جهة اخرى لقد اغفلت الدعوة إلى حكومة التكنوقراط حاكمية كيان الدولة لسلوك الوزير وغيره ، فهذا الكيان ليس بلا فاعلية بل له بنية يمكن توصيفها بالقفص الحديدي مستعارا من ماكس ويبر . والوزارة ايضا هي ليست تجميعا لأفراد بمنهتى الطواعية للوزير التكنوقراط ، بل منظومة معايير وادوار وضوابط وثقافة عمل متوارثة.
هذه الملاحظات ليست إعتراضا على التكنوقراط بل ان ازمة العراق جرى تبسيطها، والأفضل مقاومة الأستدراج نحو الفهم الجزئي للأداء الحكومي، و عدم التواطؤ مع ثقافة شغوفة بإحياء التعلق بالبطولات الفردية بديلا عن النظام الكفوء. ومطالبة التشكيلة الحاكمة بإخراج العراق من محنته، وعدم السماح بالتملص من المسؤولية. ان الكتل السياسية واحزابها لم توظف نفوذها في اجهزة الدولة وبيئتها الأجتماعية لأنجاز خطوات ملموسة في الأصلاح . وكان المطلوب المباشرة بتطوير انظمة العمل في دوائر الوزارات، وعلى مستوى الوزارة، والهيئة المستقلة، ومجلس الوزراء. وتعرف الأحزاب الحاكمة جيدا كيف تنجز هذه المهام، وتستطيع الوصول إلى الخبرات المطلوبة وتعبئتها لهذا الغرض. والناس لديهم من المعلومات التفصيلية ما يكفي للقول، وبثقة، ان الأحزاب المشاركة في المجلس النيابي لم يصل اي منها إلى الحدود القصوى لامكاناته في تحسين الأداء والنهوض، بل هم اقرب إلى الحياد السلبي من العمل الأيجابي . فهل يعقل ان دوائر الدولة المدنية والعسكرية تمردت عليهم، وكذلك قواعدهم الأنتخابية، ولا حول لهم ولا قوة إلا الأستسلام لآليات الحفاظ على الوضع الراهن بكل سلبياته وأضراره الفادحة .
لا شك ان الدولة وبجميع مفاصلها بأمس الحاجة إلى المعرفة المتخصصة والخبرة الفعالة، في آليات اتخاذ القرار والأدارة والأشراف ، وان تكون هذه المعارف والخبرات متجددة ومبتناة في انظمة العمل الحكومي جميعها. وهذا هو المعنى الحقيقي للأصلاح، والذي لا يعوض عنه وجود اشخاص يوصفون بالعلم والمقدرة العالية، لكنهم يشرفون على مؤسسات ميتة. و في مزاولتهم للمهام الحكومية يرتجلون ولا ينتفعون فعلا من المعرفة والخبرة، بل يحكمون بالأنطباع والأستحسان مثل غيرهم وينتظرون من الشعب ان يسميهم خبراء وعلماء، لكن السياسيين ظلموهم واعاقوهم عن خدمة بلدهم ، ونعود مرة أخرى إلى بداية الدائرة مع يأس وإحباط ينبغي تحاشي المزيد منه، والمباشرة فورا بإظهار انجازات مع مراعاة الأولويات وعلى راسها امن العراقيين وحقوقهم بسيادة القانون وقوة الدولة، دولة الشعب العراقي. د. احمد إبريهي علي



#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجارة الخارجية في العالم بين عامي 2000 و2014 وإتجاهات الأم ...
- نجاح مجموعة بركس والدول النامية في التجارة الدولية
- تقرير وضع الغذاء والزراعة لعام 2015 والفقر الريفي في العالم
- تقريرالتنمية البشرية لعام 2015: قراءة لبعض المؤشرات وملاحظات
- موازنة عام 2016 والتكيف مع سعر منخفض للنفط
- الفعل الجمعي لتجاوز الفشل والركوب المجاني في العراق
- مسار التحضر في العالم والعراق
- سعر النفط وتوقعات السوق
- هشاشة الدولة ودولة العراق
- بنية المجتمع والبنوية وما بعدها
- حول مفهوم البنية الأجتماعية
- النزاهة بين تنحي الأصيل وخيانة الوكيل ودوافع السلوك
- الموازنة العامة في العراق لعام 2016 وقيد العملة الأجنبية
- الفساد والبيروقراطية والمجتمع: مراجعة اولية وملاحظات
- التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفي ...
- الكم والزمن في الوعي الأقتصادي: تتمة
- الكم والزمن في الوعي الاقتصادي : تتمة
- الكم والزمن في وعي المشكلات الأقتصادية
- ازمة الأقتصاد العراقي وفرص الأصلاح
- نحو مقاربة واقعية للمشكلة الأقتصادية


المزيد.....




- بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة ...
- الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
- لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا ...
- ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني ...
- -كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
- الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي ...
- تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات ...
- السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك ...
- إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا ...
- لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إبريهي علي - حكومة التكنوقراط في العراق