أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إبريهي علي - هشاشة الدولة ودولة العراق















المزيد.....


هشاشة الدولة ودولة العراق


أحمد إبريهي علي

الحوار المتمدن-العدد: 4991 - 2015 / 11 / 20 - 20:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اريد لهذه المقالة التمهيد لدراسة ضعف الدولة او فشلها بمراجعة المفاهيم المعتمدة في تقارير دولية واسعة الأنتشار، وايضا اصبحت، تدريجيا، تحظى بالقبول الأكاديمي، وسوف نقتصر على العرض مع الأيضاح بالمقارنة والتعقيب احيانا. والأمل في مواصلة البحث لحين تشخيص النقطة الملائمة لكسر الحلقة المفرغة في العراق، او بتعبير آخر التساؤل حول ادوات تحريك اكثر فاعلية ضمن نطاق الأمكانية واليات عمل مجمل التشكيلة العراقية لأنطلاق الأصلاح وإعادة البناء.
أن الأحساس بالأزمة العراقية، والتوسع في وصف مظاهر الفشل الأداري والأمني ومختلف اوجه الفساد، لا بد ان ينتهي إلى تشخيص العامل، او العوامل، الأكثر فاعلية في إعادة انتاج الوضع العراقي . كما ان محاولات التمييز بين السبب والنتيجة والفاعل والمستجيب والفعل ورد الفعل مشروعة وضرورية. مع الأقرار بوجود قوى ومصالح تقاوم تغيير الوضع القائم، ما يستدعي بذل المزيد من الجهود للتحري عن الترتيب الأنجح للأولويات بالأرتباط مع مبدا الأمكانية وشروط توسيعها.
بعد حقبة الحرب الباردة تكاثرت، في ابحاث و تقاير السياسة والعلاقات الدولية، مفردات ضعف الدولة وفشلها ومن ثم هشاشتها، وذلك عند تناول ادائها بالمجمل، ومدى تمكنها ، خاصة، من مواجهة مشكلات مثل الفقر والحرب الأهلية ومختلف اشكال العنف والفساد أو النهوض بمهمات التنمية الشاملة. وايضا لا يخفى التحيز الأيديولوجي والغرض السياسي، في التعاريف المعتمدة لمفهوم الهشاشة ومدخلات تلك التعاريف والتصميم الأحصائي للمقاييس في إعدادها ونشرها والترويج لها. لكن ذلك لا يبرر طمس الحاجة إلى فهم قوة الدولة وضعفها ، بل وإحتمالات إنهيارها، والكيفيات والمسارات الممكنة لأنبعاث حيويتها ومزاولة دورها الأيجابي في الأمن والعدالة والحرية وإزدهار الحياة وإرتقاء المجتمع.
وغالبا ما تقرن الهشاشة بالحرب الأهلية أو العنف الداخلي واسع النظاق، بمختلف مصادره واطرافه، لأنه دليل على فقدان الدولة لأحد مبررات وجودها الا وهو إحتكار العنف الذي يعد من مرادفات السلطة Authority في الفهم المشترك للناس كما في العلوم السياسية (1). وثمة قناعة على المستوى الدولي بان هشاشة الدولة تحبط المساعي والتدابير نحو الأزدهار الأقتصادي والتنمية في كافة الميادين وهو ما بينته بجلاء تجربة العراق.
ويقترح البعض النظر إلى هشاشة الدولة من زوايا ثلاث هي السلطة Authority ، والقدرة على الأداء الخدمي Capacity ، والشرعية Legitimacy (1). والتجسيد الأعلى للسلطة في سيطرة الدولة على العنف، بل وإحتكاره، وينسجم هذا الفهم مع النظر إلى الدولة بأنها إدارة للعنف، او هي الحارس. وفي هذا السياق الدولة هي التي تضع القواعد وتلتزمها لضمان الحياة الآمنه لمواطنيها. والعراق مضرب المثل في هشاشة سلطة الدولة بهذا المعنى (1, P1287).
وفي البعد الثاني، قدرة الدولة على الأداء الخدمي، قد يختلف في تعريف نطاق الخدمات لكن اهمها تنظيم الحياة الأقتصادية وألأجتماعية لتعظيم المنفعة الجماعية. وتوفير بيئة صالحة للأعمال وفرض القانون وحماية الملكية وإقامة العدل. والتعليم الأساسي والصحة ومياه الشرب والصرف الصحي والبناء التحتي بمعناه الأوسع اما ان تقدمه الدولة او تتخذ من التدابير ما يضمن تيسير هذه الخدمات مع مراعاة التكافؤ والتغطية الشاملة قدر الأمكان .
اما الشرعية فهي نوع من العلاقة بين الدولة والمجتمع يكون الأخير فيها هو المقرر، وبذلك يقبل او يرفض ان تكون الدولة هي الفاعل الشرعي الوحيد لوضع وفرض قواعد التنظيم والحكم. والشرعية مفهوم معقد من جهة ارتباطه بإحساس المجتمع بالهوية التي يراد للدولة التعبير عنها، ومن هذا المدخل يمكن إضاءة الازمة العراقية، والتي ليس من الواقعية إختزالها إلى الأداء الحكومي وحسب.
بيد ان الأبعاد الثلاثة، في توصيفها هذا، لا تكفي لسبرأغوار الفشل العراقي، لأن الشرعية في مجتمع منقسم طائفيا تدور حول نزاع الهويات والنزاع حول الهوية الوطنية، و تتحداها تراتبيات متوازية للمكانة الأجتماعية ذات المضمون والمطمح السياسي منبثقة عن ذالك النزاع إضافة على الهوس العراقي بالزعامة والمكانة . كما ان قدرة الدولة على الاداء الخدمي لا تكفي لأن الممارسة التاريخية، وعمق الثقافة الريعية، غرسا وظيفة الدولة المعيلة في جذور التكوين الأجتماعي للعراق، واصبح هذ العامل عصيا ولا يستطيع الحراك السياسي لمختلف التيارات تجاوزه.
وقبل مباشرة الحوار مع مقاربات نظرية اخرى او تصورات بديلة نتراجع نحو الأطر الوصفية لهشاشة الدولة. وللتعرف على المقصود بمفردات ضعف الدولة او فشلها، في الأدبيات الشائعة للسياسة، نتخذ من مقياس الهشاشة Fragile States Index، الذي تنشره مجموعة مجلة السياسة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع صندوق السلام، نقطة إنطلاق يتجاوزها البحث فيما بعد(2). ويعتمد المقياس على 12 مؤشر تصنف إلى إجتماعية وإقتصادية وسياسية، ولكل منها درجات من الصفر إلى العشرة. ويدل الصفر على أعلى مستويات الأستقرار، اي قوة الدولة في البعد الذي يقيسه المؤشر، والرقم عشرة يفيد منتهى الهشاشة او عدم الأستقرار. وبذلك يتراوح المقياس التجميعي بين صفر و 120. ونقارن بين العراق ومصر وتونس في المقياس الأجمالي والمؤشرات الفرعية لعام 2015 . وعلى المستوى الأجمالي جاء تسلسل العراق الدولة رقم 12 ومقياس الهشاشة 104.4 ، وتسلسل مصر 38 ومقياس الهشاشة 89.9 ، وتونس تسلسلها 86 ومقياس الهشاشة 75.7 ، وفيما يلي بيان العوامل التي تناولتها المؤشرات الفرعية وهي مكونات المقياس بأوزان متساوية.
الأبعاد الأجتماعية :
- الضغوط الديموغرافية، وتتضمن الخلل في التناسب بين السكان وموارد الغذاء والمقومات الأساسية للحياة؛ وانماط السكن والبيئة الطبيعية؛ وملكية الأرض ؛ وانظمة النقل ؛ وجوانب اخرى. وكان مؤشر العراق 8.2 ومصر7.1 وتونس 4.7 ، بينما المتعارف عليه ان ضغوط العامل الديموغرافي وما يتصل به في مصر أشد منها في العراق رغم ان معدل نمو السكان في العراق أعلى منه في مصر، لكن التناسب بين الموارد والسكان في العراق افضل.
- الهجرة والأزاحة ،والنزوح الداخلي، وتشمل هذه المتغيرات التهجير القسري والهجرة والنزوح نتيجة العنف القصدي والأضطهاد ونقص الغذاء والأمراض وعدم كفاية مياه الشرب؛ والمشاكل الأنسانية والأمنية؛ والنزاع على الأرض؛ وامور اخرى. ومؤشر العراق 8.9 ،ومصر 6.7 ،وتونس 4.1 .
- ارث المظالم والتظلم والتوق إلى الأنتقام، وهذه العوامل قد تعود إلى قرون خلت وتشمل جرائم القتل الجماعي والتهميش الممأسس؛ او الذي تزاوله اوزاولته جماعة سكانية ضد اخرى؛ والتحامل على مجموعة توصف بأنها تسيطر على الثروة والمكانة والقوة؛ والأعلام والخطاب السياسي المغذي للشعور بالظلم أو الحقد. ومؤشر العراق 10.0 ، ومصر 8.7 ، وتونس 7.8، أي ان العراق موصوف هنا بأعلى مستويات التنافر والتظالم الداخلي، ومن جهة اخرى يخلط التقدير بين النزاعات ذات الطابع السياسي الحزبي وتناحر الهويات والأنقسام المجتمعي.
- الهروب الأنساني، وينصرف هذا المؤشر إلى هجرة الأدمغة والمعارضين السياسيين ؛ والهجرة الطوعية للطبقة المتوسطة؛ ونمو جاليات المنفيين والمغتربين في الخارج. وجاء مؤشر العراق 8.1 ، ومصر 4.7 ، وتونس 5.5 .
الأبعاد الأقتصادية :
- تفاوت مستويات التطور الأقتصادي بين المجموعات، بمعنى عدم التكافؤ في: التعليم والعمل؛ والمكانة الأقتصادية ؛ ومستويات الفقر ووفيات الأطفال وما إلى ذلك. وتقدير العراق على هذا البعد 7.8 ، ومصر 6.5 ، وتونس 5.4 ، وهنا ايضا يبالغ التقدير في وصف التفاوت وعدم التكافؤ في العراق وبأنه اشد من مصر وتونس على سبيل المقارنة، ومثل هذه الأحكام لا تقبل إلا عند معالجة بيانات متماثلة وقياس التفاوت بنفس المعيار.
- التراجع الأقتصادي الحاد للمجتمع بأكمله، بدلالة: متوسط الناتج المحلي للفرد والناتج القومي الأجمالي ؛وعبء الدين ؛ومعدلات وفيات الأطفال والفقر؛ والفشل في قطاع الأعمال ؛ والهبوط المفاجئ في اسعار الصادرات؛ وتدهور قيمة العملة الوطنية؛ او عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والجيش؛ ...؛ وهكذا. وعلى هذا البعد كان للعراق 6.9 ، ومصر 8.1 ، وتونس 6.6 .
الأبعاد السياسية :
- الجريمة واوجه الخلل التي تنزع عن الدولة شرعيتها، ومنها الفساد الواسع والأنتفاع غير المشروع للنخب المتنفذة؛ ومقاومة الشفافية والمساءلة؛ وفقدان الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة و انشطتها. وجاء مؤشر العراق 9.2 ، ومصر 8.7 ، وتونس 7 وهنا ايضا يقلل التقدير من اهمية الشرعية الدستورية والأنتخابات وحرية الصحافة التي طالما ادينت الدول من اجلها.
- التدهور المستمر في الخدمات العامة، ومنها: فشل الدولة في حماية مواطنيها من الأرهاب والعنف؛ والخدمات الضرورية مثل الصحة والتعليم؛ والصرف الصحي والنقل العام؛ وأستخدام اجهزة الدولة لخدمة النخب الحاكمة. وهنا مؤشر العراق 7.5 ، ومصر 5.4 ، وتونس 4.9 .
- الأنتهاكات الواسعة لحقوق الأنسان، ومن دلالاتها: ظهور الحكم التسلطي أو الدكتاتوري او العسكري وحيث يعلق العمل بالمؤسسات الدستورية والديمقراطية او التلاعب بها؛ العنف ضد المدنيين الأبرياء بدوافع سياسية او طائفية او عرقية ؛ تزايد المعتقلين السياسيين ؛ الأنتهاكات واسعة النطاق للحقوق القانونية والسياسية والأجتماعية؛ تقييد الحريات الصحفية؛ تسييس القضاء ؛ ...؛ وهكذا. وجاء مؤشر العراق 8.9 ، ومصر 9.8 ، وتونس 7 .
- ضعف السيطرة الأمنية، ويدل عليها: ظهور المليشيات الخاصة لأرهاب الأعداء السياسيين؛ وجود تكتلات اوتشكيلات داخل القوات المسلحة الرسمية لخدمة الجهات المتنفذة؛ المليشيات المعادية والعصابات المسلحة والجيوش الخاصة التي تشن هجمات مسلحة ضد قوات الأمن الحكومية. وللعراق على هذا البعد 10 وهو الفشل الأقصى ، ومصر 8.2 ، وتونس 7.8 .
- ظهور النخب الطائفية والأثنية، و الذي ينعكس في: تشظي المجموعة الحاكمة؛ ومؤسسات الدولة تتنازعها المجموعات المتنافسة والمتنافرة؛ أستخدام الجماعات الحاكمة للخطب العدائية والتي تمزق اللحمة الوطنية. ومؤشر العراق 9.6 ، ومصر 9 ، وتونس 8.1 ولا ينسجم التفاوت في درجات هذا المؤشر مع الفروقات الكبيرة بين البلدان في هذا المجال.
- التدخل الخارجي، ومن جملته: العسكري او شبه العسكري الأجنبي في الشؤؤون الداخلية للدولة ؛ ودخول مجموعات مسلحة بهوية اثنية او طائفية تؤثر في ميزان القوى الداخلي او الصراع الدائر؛ تدخل الجهات المانحة وبعثات حفظ السلام وسواها. وللعراق 9.4 ، ومصر 7.1 ، وتونس 6.9 .
وفي عام 2015 جرى ترتيب 178 دولة حسب مقياس الهشاشة، هذا، وهو حاصل الجمع البسيط للمؤشرات المبينة آنفا. وترتب الدول من الأقل إستقرارا ( الأكثر ضعفا) إلى الأكثر إستقرارا. وكانت 18 دولة مؤشرها 100 فأكثر ومن بينها العراق وباكستان ونيجريا. و85 دوله مؤشرها 80 فأكثر ومنها روسيا. و 125 دولة مؤشرها اكثر من 60 وهو منتصف المؤشر الأقصى للهشاشة . وظهرت فنلندا الأكثر إستقرارا حسب هذا المقياس ومؤشرها 17.7 تليها السويد ثم النرويج فالدانيمارك وبعدها لوكسيمبرغ . وفرنسا وبريطانيا والمانيا وإستراليا وكندا ضمن االعشرين دولة الأكثر استقرارا. وتسلسل اليابان 157 والولايات المتحدة الأمريكية 158.
ويجمع هذا المقياس كفاءة الدولة في اداء وظائفها التقليدية، إلى جانب ما تواجه من صعوبات اقتصادية وامنية، ومدى انقسام المجتمع اثنيا وثقافيا والذي يتجلى في مواقف مختلف الجماعات من الدولة الوطنية. اي يجمع مشكلات التخلف الأقتصادي والأجتماعي والسياسي إلى اوجه الخلل في نظام الحكم واجهزة الدولة. ولذلك تظهر ليبيا وموريتانيا بنفس المستوى تقريبا وكذلك العراق وباكستان. اي ان المؤشر لا يعكس التباين الذي يعرفه المطلعون على احوال الدول من جهة التماسك وفرص الأستقرار السياسي والأمني او تفاقم الوضع الأستثنائي والمخاطر المحدقة. وفيما يخص العراق ايضا كان المقياس يجانب الموضوعية في نواحي عدة حسب مؤشراته الفرعية المتساوية الأوزان.
ويقدم المؤشر العالمي للسلام Global Peace Index ، الذي يعده معهد الأقتصاد والسلام ومكتبه الرئيسي في استراليا، تقييما لأوضاع الدول من جهة الأمن وعلاقته بالأقتصاد والسياسة(3) .
ويرتب هذا المؤشر الدول حسب مستوى السلمية Peacefulness ويتألف من 23 متغير كمي ونوعي لتغطية ثلاثة موضوعات عريضة هي : مستوى الأمان والأمن في المجتمع ؛ والنزاعات الداخلية والخارجية؛ ودرجة العسكرة. و تقيم تلك المتغيرات برتب من 1 الذي يعبر عن الأفضل إلى 5 للمستوى الأسوأ . وتحسب مؤشرات اجمالية للميادين الثلاثة، وهي متوسطات موزونة بالرتب ايضا من 1 إلى 5 ، لكنها هذه المرة تعكس اهمية المتغير. ثم يعاد تبوب المتغيرات إلى الأمن الداخلي والأمن الخارجي واخرى متكررة للميدانين، ويحسب المؤشر الشامل GPI متوسطا موزونا بنسبة 60 بالمائة للأمن الداخلي و40 بالمائة للأمن الخارجي.
وفي عام 2015 شمل المسح والتقدير 162 دولة من بينها العراق. ويتراوح المؤشر الشامل GPI بين 1 الذي يمثل السلمية التامة و5 وهي الدرجة القصوى لأنعدام الأمن.
وكانت اكثر الدول سلمية ايسلندا تسلسلها 1 ومؤشرها 1.148 وهي قريبة جدا من السلم التام، تليها الدانيمارك تسلسلها 2 ومؤشرها 1.150 اما ادنى البلدان في مراتب السلم سورية تسلسلها 162ومؤشرها 3.645 والعراق قبلها تسلسله 161 ومؤشره 3.444 والذي يعنى ان سورية والعراق في عام 2015 الأكثر عنفا في العالم وبالمعنى الواسع للعنف ( غياب السلم) الذي يقاس بالمؤشرات التي عددها 23 وتوزعت على ثلاثة ميادين رئيسية كما تقدم. وظهرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، بانها الأدنى في مراتب السلمية بين مناطق العالم ومتوسط رتبتها 2.385 وأعلاها في مراتب السلمية قطر ثم الكويت تسلسلهما 30 و33على التوالي في القائمة الشاملة لدول العالم. بينما تسلسل السعودية ومصر وايران 95 ، و137، و 138 على التوالي ،واسرائيل 148 . وعلى مستوى النزاع المحلي والدولي كان مؤشر العراق 3.03 ،وسورية 3.36 ، وباكستان 3.38 . اما مؤشر الأمن والأمان المجتمعي فكان العراق آخر دولة في التسلسل رقم 162 ومؤشرها 4.4 ، وسوريا قبل العراق ومؤشرها 4.25 ، بينما الباكستان كان مؤشرها 3.29 ، وروسيا 3.37 . وفي مؤشر العسكرة لم يكن العراق من ضمن البلدان عالية العسكرة فقد كان مؤشره 1.67 ، بينما الباكستان 1.86، والسعودية 2.02، واسرائيل 3.18 ، وكوريا الشمالية 3.29 وهي الأكثر عسكرة في العالم وقبلها مباشرة اسرائيل. والعراق فيما عدا الأنفاق في الحرب الدائرة، وتعود الأجهزة الحكومية، ومنها العسكرية ، على التشغيل الزائد ليس لديه خصائص العسكرة.
وأظهر التقرير الحجم الكبير للخسائر الأنسانية والأقتصادية في سوريا والعراق حيث تقدر اعداد الضحايا 71667 في سورية و 18489 في العراق عام 2014 ، والخسائر الاقتصادية قدرت نسبتها إلى الناتج المحلي الأجمالي 42 بالمائة في سوريا و 32 بالمائة في العراق. بيد ان الخسائر الأقتصادية التي اوردها التقرير استندت إلى الأجتهاد وتوسيع النطاق التقديري للضرر الأقتصادي، فهي حاصل جمع التكاليف المباشرة وغير المباشرة ومن ثم تكبيرها بمضاعف Multiplier إفترضه التقرير 2 . وصنفت، على مستوى العالم، 43.2 بالمائة من تلك الخسائر بانها عسكرية و34.6 بالمائة للشرطة والجرائم و 22.2 للأخرى.
ويبدو ان امن وأمان المجتمع له علاقة قوية مع قدرة، او عدم قدرة، الدولة على فرض القانون، والتناحر والتظالم او الأنسجام بين المجموعات السكانية، والتفاوت في الدخل ومكاسب التنمية. و ايضا مستوى التحضر، اي نسبة سكان المدن من مجموع السكان، الذي يعمل بإتجاهين، فمن جهة كانت البلدان الأعلى في نسبة التحضر ومستوى الدخل اكثر سلمية، ومن جهة اخرى تؤدي سرعة التحضر في البلدان واطئة الدخل او في الشريحة الدنيا من متوسطة الدخل إلى زيادة العنف. ولقد اظهرت البيانات المنشورة عن البلدان عالية الجريمة و/او في حالة حرب اهلية إرتباطا عاليا بين العنف والفساد، وربما هناك تغذية متبادلة بين المتغيرين او انهما نتاجان لهشاشة الدولة. في هندوراس وفنزويلا على سبيل المثال معدل جرائم القتل لكل 100 الف من السكان 90.4 و 53.7 على التوالي ومؤشر إداراك الفساد، بين 1 لأعلى درجات النزاهة و 5 لأعلى درجات الفساد، كان 4 و 4.48 للدولتين آنفتي الذكر على التوالي ، وفي العراق مؤشر إدراك الفساد 4.62 ومؤشر امن وامان المجتمع 4.34 ومهما كانت المبالغة في تقدير الفساد في العراق يبقى الأرتباط قائما وقويا.
ومن المهم التمييز بين الأمن السلبي والأمن الأيجابي، وينصرف الأول إلى قدرة الدولة على إحتواء العنف او منعه بالتصدي له او ردعه، بينما الأمن الأيجابي عملية خلق عميقة لمجتمع ينتفي الأستعداد للعنف في مرتكزات وجوده الأجتماعي والأقتصادي والثقافي والسياسي، وتتبلور بمرور الزمن معايير لترسيخ انماط سلوك تجعل السلم الأهلي حقيقة نهائية. ومسار الوصول إلى الأمن الأيجابي هو ذاته مسار الأرتقاء الحضاري الشامل وبالمضمون الأنساني والأخلاقي العميق. وهناك ارتباطات تذكر بين الأمن الأيجابي وعدد من العوامل منها: بيئة الأعمال الصالحة؛ والعلاقات الطيبة مع الدول المجاورة؛ وراس المال البشري المرتفع ( صحة ، تعليم ، ...)؛ وفرة المعلومت وحرية وسهولة الوصول إليها؛ التوزيع العادل للموارد؛ رفض المجتمع للتمايز والتعصب العرقي والديني والأحتفاء بالأخاء الأنساني ؛ تماسك المجتمع الوطني أي انتفاء الأنقسام الذي يقوض وحدة الكيان السياسي ويقود إلى فشل الدولة؛ القبول المجتمعي الشامل بشرعية الدولة الوطنية والنظام السياسي؛ الأداء الحسن للحكومة ؛ المستوى المنخفض للفساد؛ معرفة حقوق الآخرين وقبولها .
ولا يمكن وليس من المعقول تعليق حق الناس في الأمن على إنجاز مسيرة ظافرة في التقدم قد تسغرق سنوات طويلة، ولهذا لا بديل عن القوة الأمنية الفاعلة بكفاءة، والرادعة، تحتكرها الدولة مع سيادة القانون. ويتضح ان إسشراء العنف في العراق نتيجة الأنقسام الطائفي والأرهاب بالدرجة الأولى وليس لأرتفاع الميل إلى الجريمة، بل ان الأخيرة في اغلبها كانت نواتج عرضية للأرهاب والنزاعات الأهلية واالتمرد المسلح على سيادة الدولة وضعف سيطرتها على السلاح.
والعسكرة، والتي من اهم دلالاتها نسبة المنخرطين في القوات المسلحة إلى مجموع السكان ونسبة الأنفاق على القوات المسلحة وإستيراد وإنتاج وتصدير السلاح، ترتبط بجملة من الخصائص المنافية للأمن الأيجابي. ويلاحظ ان البلدان التي تعاني من العنف، ومنها العراق، تتجه نحو العسكرة، وبتأييد إجتماعي ودعم سياسي على الأكثر، في محاولة لبناء القوة الضرورية لوقف التمرد والعنف وتمكين اجهزة الدولة من اداء واجباتها.
وثمة تقرير آخر يصدره البنك الدولي ، مزاولة الأعمال Doing Business ، ايضا يشار إليه في تقييم جدارة الدولة. ويهتم التقرير بتقييم بيئة الأعمال من جهة السهولة ومدى تعقيد الأجراءات وتكاليفها، بما فيها الفساد، والوقت المطلوب، لتاسيس نشاط جديد او المباشرة بمشروع استثماري، وضمان حقوق المستثمرين والدائنين. ويغطي التقرير عشرة ابعاد ويستند إلى اراء المستثمرين واصحاب الأعمال والخبراء في تقييم بيئة الأعمال على تلك الأبعاد (4). ويقارن التقرير بين الدول حسب إقتراب الوضع الذي عليه الدولة في ذلك المجال وافضل الممارسات لكل عنصر من عناصر بيئة الأعمال على حدة ، ثم المؤشر التجميعي. وتعطى لأفضل الممارسات 100 ولأبعدها عن المثلى صفر.
وعلى المستوى الأجمالي في تقرير 2016 كان مؤشر العراق 46.06، ومصر 54.43 ، وتونس 64.88 ، وكوريا الجنوبية 83.88 ، والولايات المتحدة الأمريكية 82.15 ، وبريطانيا 82.46 .
وفي إجراءات بدء العمل كان مؤشر العراق 73.8 ، ومصر 88.42 ، وتونس 83.64 ، وكوريا الجنوبية 94.36 ، والولايات المتحدة 91.22 ، وبريطانيا 94.57 .
وفي تسجيل الملكية يقدرمؤشر العراق 55.77 ، وفي مصر 57.84 ، وتونس 64.47 ، وكوريا الجنوبية 76.22 ، والولايات المتحدة 76.85 ، وبريطانيا 74.5 .
ولكن المشكلة في فرض العقود Contract Enforcement والتي تبين سيادة القانون في ميادين الأعمال . وظهر مؤشر العراق في فرض العقود صفرا، وفي مصر 36.36 ، وتونس 54.53 ، وكوريا الجنوبية 90.31 ، والولايات المتحدة 90.12 ، وبريطانيا 82.04 . ومع التحفظ على الصفر ،وما يمثله من تقدير بعيد عن الموضوعية، إلا انه اوضح إهمية إستعادة الدولة لسلطتها بصفتها المقدمة الضرورية لما عداها من مطالب الأصلاح او الأستحقاقات.
و تصنف تقارير التنمية الشرية المستدامة دول العالم حسب مستوياتها في الدخل والعمر المتوقع والتعليم والصحة بمؤشر يتراوح بين صفر، إنعدام التنمية ومقومات الحياة البشرية، و 1 الذي يدل على المستويات القصوى للتنمية البشرية المستدامة. وكانت الدولة الأوطأ في هذا المضمار، حسب بيانات عام 2013 ، النايجر مؤشرها 0.337 وتسلسلها 187 وهي الأخيرة في قائمة الدول المشمولة ، اما العراق فقد كان تسلسله120 ومؤشره 0.642 ، ومصر تسلسلها 110 ومؤشرها 0.682 ، وتونس تسلسلها 90 ومؤشرها 0.721 ، وكوريا الجنوبية تسلسلها 15 ومؤشرها 0.891 ، وبريطانيا تلسلسلها 14 ومؤشرها 0.892 ، والولايات المتحدة الأمريكية تسلسلها 5 ومؤشرها 0.914 .
ومما تقدم نستنتج ان العامل الرئيسي في الهشاشة العراقية هو عدم قدرة الدولة على فرض القانون وإحتكار العنف ليس لأنه المظهر الأبرز للفشل بل هو المعيق للأصلاح. وعلى نحو اولي نرجح إختيار هذه النقطة لكسر الحلقة المفرغة وأنطلاق عملية النهوض بالعراق.

(1)Gravingholt, Jorn, et al , Disaggregating State Fragility: A Method to establish a Multidimensional Empirical Typology. Third World Quarterly, 2015, Vol. 36, No.7, 1281-1298.
(2) Fragile States Index, Foreign Policy Group, 2015.
(3) Global Peace Index, Institute for Economics and Peace, 2015.
(4)Doing Business (2016), World Bank Group.



#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنية المجتمع والبنوية وما بعدها
- حول مفهوم البنية الأجتماعية
- النزاهة بين تنحي الأصيل وخيانة الوكيل ودوافع السلوك
- الموازنة العامة في العراق لعام 2016 وقيد العملة الأجنبية
- الفساد والبيروقراطية والمجتمع: مراجعة اولية وملاحظات
- التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفي ...
- الكم والزمن في الوعي الأقتصادي: تتمة
- الكم والزمن في الوعي الاقتصادي : تتمة
- الكم والزمن في وعي المشكلات الأقتصادية
- ازمة الأقتصاد العراقي وفرص الأصلاح
- نحو مقاربة واقعية للمشكلة الأقتصادية


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إبريهي علي - هشاشة الدولة ودولة العراق