أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إبريهي علي - النزاهة بين تنحي الأصيل وخيانة الوكيل ودوافع السلوك















المزيد.....

النزاهة بين تنحي الأصيل وخيانة الوكيل ودوافع السلوك


أحمد إبريهي علي

الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 13:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد اتضح من المراجعة السابقة ان العوامل المحددة او المرشحة لتفسير الممارسات المنافية للنزاهة تكاد تشمل جميع عناصر البناء الاجتماعي بمستوياته كافة. وايضا، عناصر دالة الهدف او المنفعة المضمرة في سلوك ومواقف الأفراد، بما فيها قيمة الإحساس بالأمانة وصدق التعامل مع واجبات الحياة المشتركة، وتقدير مخاطر الانحراف عن ضوابط السلوك الأمثل بدلالة العقوبات القانونية او الازدراء الاجتماعي.
ورغم تقارب المسافات ويوصف عالمنا الحاضر بأنه قرية صغيرة لكن انماط السلوك البشري متباينة. فهل يعزى الاختلاف إلى القيم والمعايير الأخلاقية المستمدة منها ام إلى تفاوت استعداد البشر للخضوع إلى تلك المعايير، ويميل الكتاب عادة إلى الحل الوسط، أي إلى الاختلاف في المعايير ودرجة الالتزام بها.
الفساد يكاثر الفساد وإذا مكث طويلا صار وباء (2, P85). وثمة صلة بين الفساد و عدم الكفاءة، فالجهات التي استطاعت تعطيل القوانين، او التحايل عليها للوصول إلى غاياتها غير المشروعة، إنما فعلت ذلك لقدرتها على اختراق منظومة ضعيفة تسمح بالثغرات التي ينفذ منها الفاسدون .
والغلو في تأكيد الذات بالمنافسة والمغالبة والنزاع العيف، وقوة الدافع نحو السيطرة و السلطة والزعامة، هذه الخصال لها مع الفساد اكثر من وشيجة وصلات قربى، إن لم تكن هي جذر الفساد. ويفسر البعض النزاهة التي تتصف بها الدول الإسكندنافية بما إعتاد عليه الناس هناك من التراحم بينهم والاكتراث بالآخرين والعناية بهم، والاهتمام بنوعية حياتهم التي يعيشون، وحبهم للتآخي وقيم العدالة الاجتماعية . بينما المجتمعات التي تغلب على نمط السلوك فيها نزعات الطمع والاستئثار والاستحواذ والإخضاع يكثر فيها الفساد. وايضا، مسافة القوة Power Distance عندما تكون شاسعة يتعود الضعفاء فيها على القهر والمتنفذين على الطغيان فتدار تلك المجتمعات بالإكراه والقوة الغاشمة. بينما المجتمعات التي انغرست فيها وتجسدت في ممارستها للحياة قيم المساواة والتكافؤ بين البشر تدار بالشرعية التي تمثلها القوانين وقواعد الأخلاق، وبذلك تكون النزاهة متوقعة (2, P86).
فالأفراد الذين يغلب على دوافعهم للعمل، والانخراط في مختلف الانشطة، التمتع بحياة افضل، ويكون هاجس البحث عن المكانة والسيطرة ضعيفا او هامشيا ، تكون في نفس الوقت اقل عرضة للفساد. لأن الأخير من الوسائل غير المشروعة لمكاثرة الثروة والنفوذ مع الاستعداد لسحق الشركاء بقسوة وعدم المبالاة بالصالح العام .
ومثل هذه المقدمات تؤكد ضرورة التوثيق المنظم للوقائع، وحيثياتها، لفهم التغذية المتبادلة بين العنف السياسي، والحروب الأهلية وعصابات الجريمة، والفساد الإداري والمالي في الدولة وقطاع الأعمال. والمجتمعات التي أضرها الفساد واضاع عليها فرص التقدم والنماء جديرة باتخاذ العضوية الطبيعية في الجماعة البشرية نموذجا يتمثل بالشخصية المعتدلة، المحبة للحياة والناس والعمل المنتج. تلك الشخصية المندرجة في المجتمع بانسجام تلقائي مع المساواة والتكافؤ والتعاون والإيثار، نافرة من ثنائيات الزعيم والتابع، والرئيس والمرؤوس، والحر والعبد، والنخبوي والعامي، والثري المترف والفقير المدقع. لأن هذه الثنائيات الوبائية هي التي تقتل الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية، وتورث البغضاء، وتغذي الأنانية الوحشية، في وجدان الأفراد تجاه مجتمعهم ، والفساد الإداري والمالي من نتائجها.
وقد تبلورت قناعات في الدول الأفريقية نحو ما يسمى بالمبادرة الأخلاقية الشاملة لمكافحة الفساد ومن عناصرها:
- المساواة امام القانون، بما في ذلك شاغلي مواقع السلطة والمتنفذين في السياسة وقطاع الأعمال، بحيث يفهم الجميع ان لا حصانة لأحد من القانون ومن أرتكب الجرم لا يأمن العقاب كائنا من كان.
- الرقابة على اداء الشركات وتعاملاتها لإخضاعها لضوابط النزاهة واحترام القانون والصالح العام، وتشكيل بيئة ضاغطة لإزاحة الفاسدين من الإدارة إلى جانب تهيئة كوادر قيادية جديدة منسجمة مع المبادرة الأخلاقية.
- التوعية المجتمعية كي يعرف الناس حقوقهم جيدا وواجباتهم وأن لا يتعاونوا مع الفاسدين .
- التأسيس لعلاقة جديدة بين المجتمع والدولة والقطاع الخاص تقوم على التعاون لمحاربة الفساد وإقامة النزاهة. وفي هذا السياق يتغير موقف الأفراد تجاه الأحزاب والسياسيين تبعا لهذا الهدف. وايضا إيقاظ الوازع الديني لمحاربة الجشع والدعوة إلى مكافحة الفقر والعدالة الاجتماعية.
إن تعريف الفساد بإساءة استخدام الصلاحية لخدمة مصلحة خاصة يتصل بمقاربة شائعة لدراسة الإدارة العامة عبر مفهوم الأصيل- الوكيل Principal- Agent Framework وفي موضوعنا غالبا ما يتمثل الأصيل بالهيئات المنتخبة في النظام النيابي مضافا عليها الرؤساء المنتخبون في الأنظمة الرئاسية، والمستوى السياسي في النظام الحكومي مثل الوزير. بينما الجهاز البيروقراطي هو الوكيل. وضمن هذا الإطار تندرج وقائع الفساد في صنف الخيانة، خيانة الوكيل للأصيل.
بيد ان الفساد السياسي يعد من الظواهر ومن موضوعات البحث الاجتماعي والسياسي، ولهذا من التناقض ان يسمى المنصب السياسي اصيلا، بل لا بد من النظر إلى الناخبين Electorate بصفة الأصيل، والى السياسيين بأنهم المستوى الأول من الوكلاء وتليهم مستويات البيروقراطية (1). وبملاحظة سلوك الناخبين، مجموعات وافراد، وكيف ان الإخلاص للمصلحة العامة لا يحكم اختياراتهم تصبح العودة إلى الأصيل الحقيقي وهو الشعب او الكل الاجتماعي ضروريا مع ان التحليل يصبح اكثر تعقيدا وربما لا ينسجم ، إلى حد كبير، مع المفهوم المتعارف عليه للسياسة Policy أي افتراض وجود ادوات Instruments تزاولها جهة قادرة لأحراز أهداف Targets والجهة القادرة هي الهيئة المنتخبة او الحكومة المنبثقة عنها. وبخلاف ذلك تصبح مكافحة الفساد منوطة بصناعة الرأي العام والحراك السياسي وهو الواقع الذي وصلت إليه البلدان التي استشرى فيها الفساد .
نرى ان توصيف النزاهة واداء الدولة بثنائية الأصيل – الوكيل لا يرقى إلى نظرية بل نقطة انطلاق، لأن البيروقراطية لا نخلع عليها صفة الوكيل إلا بافتراض استقلالها عن المستوى السياسي. وأن التشكيك باستقلالها ليس مرده إلى تحكم المستوى السياسي بالتعيينات فقط، بل لأن البيروقراطية تميل إلى الانسجام مع المستوى السياسي الحاكم وهي انتهازيه بالسليقة. وتبقى مع ذلك، اي البيروقراطية، مؤثرة بذاتها في النزاهة والأداء في كل الأحوال إلى جانب العوامل الأخرى. ولا توجد مبررات موضوعية لاختزال المشكلة بالمستوى السياسي وإغفال الدور المستقل للبيروقراطية بالمعنى التحليلي ومنطق العلاقات السببية، مهما كانت المؤسسية والتقاليد التي تكتنف علاقتها بالمستوى السياسي.
وتؤيد استطلاعات آراء الخبراء في مختلف دول العالم بأن غلبة المهنية في الجهاز البيروقراطي لها علاقة إيجابية بالنزاهة وحسن الأداء الحكومي، ومرة أخرى ليس من الواقعي تجيير هذه المسألة كليا إلى المستوى السياسي وإعفاء الكادر الإداري الحكومي بذاته من المسؤولية. لأن هذا الموقف يضعنا امام تناقض واضح إذ كيف نطالب المستوى السياسي بإصلاح جهاز الدولة ونقول في نفس الوقت ان اداءه تابع بميكانيكية عجيبة للهيئة المنتخبة والحكومة المنبثقة عنها وكأنه بذاته اداة طيعة ومحايدة تماما.
بينت الاستقراءات وتحليلها الإحصائي ان الموثوقية والأمانة الاجتماعية Trust من العوامل المفسرة لانخفاض الفساد وشيوع النزاهة في العلاقة بين بيروقراطية الدولة والمتعاملين معها (5). وذلك عندما يدرس الفساد ضمن إطار الأصيل- الوكيل والزبون طالب الخدمة الحكومية او الترخيص او المتعاقد لتنفيذ مشروع او تجهيز مواد وخدمات وهو الطرف الثالث في واقعة الفساد، بالمعنى الاصطلاحي، والتي لا تحصل بدونه. لأن الأمانة والروادع الذاتية للخيانة تجعل قبول المال الحرام من الوكلاء من الوقائع النادرة وبالمثل القليل من الزبائن لديهم الاستعداد لتقديم الرشوة وإغراء المسؤول الحكومي بالخيانة. ويخضع هذا الاستنتاج التجريبي، والذي يؤيده الأدراك السليم Common Sense ، إلى مبدأ ثبات أثر العوامل الأخرى. لأنه مع نفس المستوى الابتدائي للأمانة والموثوقية في حالة الديمقراطيات الناشئة وضعف الدولة تنحدر نزاهة اجهزة الحكومة ما ينعكس ايضا في تآكل الأمانة الاجتماعية والموثوقية تدريجيا ويشبث الفساد ويتجذر.
وقد تأثر بعض الباحثين بما لاحظه من قوة النمو الاقتصادي مع وجود الفساد في بلدان مثل تايلند واندونيسيا، وظهرت تفسيرات مثل ان الفساد المعروف سلفا على نحو واضح متنبأ به Predictable لا يضر بالنمو او ان العلاقة تختلف في البلدان الكبيرة عنها في الصغيرة او لأن الفساد في ذينك الدولتين له شكل مختلف. لكن هذه الأطروحات قد اغفلت كيف سيكون النمو بغياب الفساد او ان اضراره ستظهر لا حقا او اهملت آثاره في العدالة التوزيعية ونوعية الخدمات ...وهكذا. كما ان النزاهة مطلوبة لذاتها فهي ضمان لسريان القانون وحماية امن الأنسان وحقوقه كلها، بل ان نوعية الحياة الاجتماعية رديئة بغياب النزاهة حيث يفقد الأنسان الاحترام الذاتي والإحساس بالكرامة. فثلما يصاب الأنسان بالرعب عندما يقتل الإرهاب وعصابات الجريمة جيرانه واقرباءه، كذلك يتملكه الشعور بالمهانة عندما يسقط افراد من مجتمعه في مستنقع الفساد. وللحديث صلة.
(1) Dahlströ-;-m, Carl and Lapuente, Victor, Weberian bureaucracy and corruption prevention.
(2) Hooker, John, Corruption from a Cross-Cultural Perspective, Carnegie Mellon University, October 2008
(3) McLaughlin, Erin, Culture and Corruption: An Explanation of the differences between Scandinavia and Africa, AIJRHASS 13-141, 2013.
(4) Amundsen, Inge, Political Corruption:An Introduction to the Issues, Web/URL:http//www.cmi.no.
(5) Bjø-;-rnskov, Christian, Corruption and social Capital, Aarhus School of Business , Working Paper 03-13, Denmark.



#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموازنة العامة في العراق لعام 2016 وقيد العملة الأجنبية
- الفساد والبيروقراطية والمجتمع: مراجعة اولية وملاحظات
- التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفي ...
- الكم والزمن في الوعي الأقتصادي: تتمة
- الكم والزمن في الوعي الاقتصادي : تتمة
- الكم والزمن في وعي المشكلات الأقتصادية
- ازمة الأقتصاد العراقي وفرص الأصلاح
- نحو مقاربة واقعية للمشكلة الأقتصادية


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إبريهي علي - النزاهة بين تنحي الأصيل وخيانة الوكيل ودوافع السلوك