أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد إبريهي علي - مسار التحضر في العالم والعراق















المزيد.....


مسار التحضر في العالم والعراق


أحمد إبريهي علي

الحوار المتمدن-العدد: 5003 - 2015 / 12 / 2 - 06:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بدايات التحضر:
يقصد بالتحضر نسبة سكان البلدات والمدن إلى مجموع السكان. ويمكن النظر إلى التحضر من الوجهة التاريخية بان المجتمعات الريفية بداية الأستقرار الزراعي انشأت قرى ثم إزدهرت إلى بلدات ومدن تدريجيا. وفي راي الكثير من المؤرخين ان بداية التحضركانت في بلاد ما بين النهرين، العراق، جنوبا وفي حقبة اوروك URUK ببين 4300 و 3100 قبل الميلاد، وربما ظهرت قرى تميزت بالرخاء والكفاءة فاجتذبت عشائر لتستوطنها ثم تطورت إلى مدن (1). ويشار إلى الربط الذي يتصوره بعض المؤرخين بين تطور المدينة السومرية والبيئة العراقية. إذ ان فيضانات دجلة والفرات تجعل عدم التأكد من سمات الوجود الأجتماعي حيث تغمر المياه اراض شاسعة في مواسم الفيضان. وفي نفس الوقت تضيف بصفة مستمرة طبقات من الغرين لتكون الأرض بمنتهى الخصوبة. وبالتالي يوجد فائض غذائي يسمح بإعالة جزء من السكان يتفرغون للمهمات غير الزراعية وهو السبب الأقتصادي لنشوء الحضارة. وايضا تستلزم هذه البيئة تنظيم عمل جماعي لبناء تحصينات من الفيضان لحماية مناطق مختارة، ومنها المستوطنات البشرية ذاتها. ويعرف العراقيون ان المدن الأثرية تكون مرتفعة عما يحيطها في مناطق مستوية ما يعني ان طبقات من التربة اضيفت بالجهد البشري. وهكذا تفاعلت مختلف العوامل لبقاء ونمو المدن وظهور الدول، هذا تفسير اكثر منه قراءة لوقائع تاريخية وربما كانت سياقات تاريخية أكثر تعقيدا إكتنفت نشوء المجتمع الحضري. ويذكر ان اول مدينة هي اوروك 4500 قبل الميلاد ثم اور Ur حوالي 3800 قبل الميلاد. ويشير البعض إلى اريدو وهي قبل اوروك بالف سنة ويرى المؤرخون انها ليست مدينة بالمعنى الذي كانت عليه اوروك. ويقدر سكان اور في 2900 قبل الميلاد 65000 نسمة وهو تجمع حضري كبير بمقاييس ذلك الزمن. ومصر المحطة الثانية في تاريخ التحضر وبعدها اليونان(1).
ولقد تسارع التجضر منذ الثورة الصناعية، ويمكن القول ان ديناميكية التصنيع وإقتصاد عصر الصناعة، والتحول في العالم المتقدم إلى مجتمع ما بعد الصناعة تجلت واضحة في التحضر.
نمط إرتباط التحضر بعناصر التكوين الأقتصادي والأجتماعي:
كان إهتمام الأقتصاديين في هذا الموضوع قديما ومتجددا وذلك للصلة بين تطور الأنتاجية الزراعية وفائض القوى العاملة الريفية، وإنتقالها إلى الحواضر، من جهة والتصنيع والتحديث الأقتصادي من جهة اخرى. وسمي هذا اللون من التنظير في حينه نموذج الثنائية Duality بين إقتصاد تقليدي ، زراعي ومجتمع ريفي وحرفي بسيط في التكنولوجيا والتنظيم ، وإقتصاد صناعي حديث تقنيا وتنظيميا. وتوصف عملية التطور بالأتساع النسبي للثاني على حساب الأول وبالتالي يأتي تزايد نسبة السكان الحضري من مجموع السكان في هذا السياق. ومن الواضح ان التحضر في بلادنا سابق لأوانه مقارنة مع اوربا وامريكا الشمالية، بين الثورة الصناعية وحتى بداية القرن العشرين، وتستحق تجربة التحضر الأوربي في التاريخ الحديث والمعاصر المزيد من الدراسة من قبل المؤرخين وعلماء الأجتماع العرب. إذ لا بد ان يستند التنظير للتطور الأقتصادي والأجتماعي والسياسي إلى الأنجازات المعرفية في التاريخ الكمي والتي جاءت ثمرة طيبة لجهود كبيرة.
ومن الواضح ان البلدان النفطية كانت اسرع تحضرا من سواها، بنفس المرحلة من التطور، وهكذا أرتبطت سرعة التحضر بالأنحسار الأنتاجي، الزراعي والصناعي، النسبي لحساب التوسع الخدمي ، وهو ما يعانيه العراق الآن. وكانت آخر مرة تناولت فيها متغير التحضر بالعلاقة مع متغيرات اخرى عند التحضير لأعداد كتابي في الأستثمار الأجنبيي، وذلك للأطلاع على العلاقة الكمية بين الأستثمار، وألاستثمار ألأجنبي ، والنمو الأقتصادي وبقية عناصر التكوين الأقتصادي والأجتماعي في النمط العام
(3, pp 191-203). وإعتمد التحليل على بيانات الدول التي توفرت في الملحق الأحصائي لتقرير التنمية الدولية لعام 2007 الذي يعده البنك الدولي. وظهرت ارتباطات متوقعة وكانت معروفة من قبل، ومنها موجبة وذات معنوية إحصائية عالية لمتغير التحضر مع متوسط الناتج المحلي للفرد؛ والحجم النسبي للقطاعات غير السلعية، والذي اشير إليه آنفا حول الأنحسار الأنتاجي في بلادنا ؛ والأئتمان المحلي نسبة إلى الناتج المحلي الأجمالي؛ والميزان الخارجي للعمليات الجارية؛ والأسثمار الأجنبي. وظهرت للتجضر ارتباطات سالبة بمعنوية إحصائية عالية، تكاد لا تضيف إلى المعرفة، وهي مع سكان الفئة العمرية 14 سنة فما دون ؛ ومعدل نمو السكان. إذ من المعروف ان العلاقة قوية وموجبة بين معدل نمو السكان والحجم النسبي للأطفال، اي الفئة العمرية دون 14 سنة، وايضا يكون متوسط الدخل للفرد منخفضا، عادة، في البلدان ذات المعدل المرتفع لنمو السكان وهي العلاقة العكسية بين نمو السكان ومتوسط الدخل للفرد، وبالتالي هي ايجابية بين متوسط الدخل للفرد و نسبة التحضر. وعندما تتجاوز نسبة التحضر المستوى الذي يعينه النمط العام للعلاقة بينها وبقية المتغيرات الأقتصادية، وهو الحاصل في العراق، فهو المقصود بالتحضر قبل الأوان. وهذا لا ينحصر بإزاحة الموارد البشرية وغيرها عن الأستثمار والأنتاج في القطاعات السلعية وحسب، بل يهدد ايضا إستدامة المجتمع الحضري لما يتطلبه الأخير من رؤوس اموال تقتضي تجديدا وتوسيعا في البناء التحتي بمختلف مكوناته والخدمات العامة إضافة على امن المدينة واستقراررها المجتمعي والثقافي.
وفي دراستهم الرائعة Bairoch و Goertz لتاريخ التحضر في القرن التاسع عشر، بين عامي 1800 و 1910، للبلدان التي اصبحت تسمى متقدمة، في اوروبا وشمال امريكا، قدما تحليلا إحصائيا لعلاقة التحضر مع متغيرات عالية الدلالة في دراسات النمو الأقتصادي والتطور(4). وقبل إستعراض ما توصلا اإليه من المناسب النظر في نسب التحضر الأوربي في القرن التاسع عشر وقد تغير هذه الأرقام إنطباعات من لم يطلع على مثلها من قبل. ويقدر سكان تلك البلدان المتقدمة بين 80 إلى 100 مليون نسمة عام 1300 و نسبة التحضر بين 7 بالمائة إلى 9 بالمائة . وفي عام 1700 إزداد سكان تلك البلدان إلى ما يقدر بين 135 إلى 160 مليون نسمة وتراوحت نسبة التحضر بين 10 إلى 11 بالمائة من مجموع السكان. وفي عام 1830 اصبح السكان 255 مليون نسمة ونسبة التحضر 12.3 بالمائة . وهنا لا بد من التوقف وتصحيج الأنطباعات السابقة، بمعنى ان اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا كانت ريفية بالمجمل عندما بدأت الثورة الصناعية والدولة الحديثة، وفي هذه البيئة انجزت النهضة والتنوير السابقين للثورة الصناعية والديمقراطية. وفي فرنسا مثلا كان الحضر 12.2 بالمائة من السكان عام 1800 بمعنى ان الحديث عن برجوازية المدن ودورهم في الثورة الفرنسية ينبغي ان يقترن بهذا الفهم الكمي لمكونات السكان. وايضا كانت نسبة الحضر في الولايات المتحدة الأمريكية 5.3 بالمائة عام 1800 وثورة الأستقلال قبل ذلك اي ان هذه النسبة المنخفضة من مجموع السكان قادت الحراك الذي افضى إلى تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية. ولمعرفتنا بالعلاقة بين الريف والزراعة يفهم ان الزراعة كانت مهيمنة، آنذاك، والمصدر الرئيسي للدخل الوطني ( القومي) ايام الثورة الصناعية. وفي عام 1914 ، الحرب العالمية الأولى، اصبح سكان الجزء المتقدم من العالم في اوربا وامريكا الشمالية 600 مليون نسمة ونسبة الحضر منهم 35.7 بالمائة (4,PP 286-288). لكن تلك الصورة الأجمالية تخفى تفاوتا غاية في الأهمية وعمق المضمون. فقد تسارع التحضر في المملكة المتحدة فوصل 56.2 من السكان عام 1880 وهو دليل على الصلة الوثيقة بين التصنيع والتحضرفي تاريخ اوروبا المعاصر. في حين كانت نسبة التحضر في روسيا 14.3 بالمائة من مجموع السكان عام 1910 وتلك هي البيئة الأجتماعية التي انتجت الثورة النعروفة وليكون لها الدور الهائل في القرن العشرين. مثل هذه البيانات تفيد اهمية العناية بالتاريخ الكمي للعالم ، إقتصاديا وإجتماعيا وديموغرافيا، كي لا نتورط بتصورات نظرية علاقتها بالواقع ضعيفة.
وفي تجربة البلدان الأوربية، ضمن تلك الدراسة، كانت نسبة التحضر مرتبطة إيجابيا مع الناتج القومي الأجمالي( الدخل) ومتوسط الدخل للفرد ومعامل الأرتباط 0.82 ؛ ومستوى التصنيع 0.59 ؛والأنتاجية الزراعية 0.59 ؛ ومع حجم الحكومة المركزية 0.45 ؛ ومع الصادرات 0.42 ؛ وهناك ارتباطات اخرى اقل اهمية إلى جانب العلاقة العكسية بين انتاج الدولة المعنية للحبوب نسبة إلى استهلاكها منها. وفي تحليل الأنحدارظهر للتصنيع وخصائصه تأثير قوي وعالي المعنوية في تفسير التحضر. وايضا تأكدت العلاقات الموجبة بين الأنتاجية الزراعية والصادرات وتاريخ بدء التحديث، الأندراج في الثورة الصناعية، والمستوى الأبتدائي للتحضر. ولم تتأكد علاقة انتاج الحبوب التي بينها تحليل الأرتباط، في حين ظهرت آثار للخصائص الجغرافية، الطبوغرافيا ، ولم يظهر اثر لشكل نظام الحكم . وعند إضافة البلدان المتقدمة غير الأوربية ظهر بعض الأختلاف ومنه عاد تأثير إنتاج الحبوب قويا سالبا، ولم يظهر اثر لتاريخ بدء التحديث، وتغير نمط تأثير الخصائص الجغرافية، وبقي التصنيع عاملا مهما بمعنوية احصائية عالية لكن انماط التصنيع لم يظهر لها دور مؤكدإحصائيا وذلك بعد إضافة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (4, PP 293- 296) .
وقياسا على تجربة البلدان التي انجزت التصنيع واصبحت مقياسا للحداثة نقيم مسار التحضر في بلادنا.
مؤشرات مهمة في القرير الدولي للتحضر:
يقدم التقرير الذي تصدره الأمم المتحدة / الدائرة الأقتصادية والأجتماعية : قسم السكان، بعنوان آفاق تحضر العالم، معلومات لا غنى عنها للباحثين في الأقتصاد والأجتماع والديموغرافي، ونستفيد هنا من الطبعة المنقحة عام 2014 للوقوف على انماط التحضر في بلادنا بالمقارنة مع العالم بمختلف مستويات التطور ودول لا تختلف كثيرا عن العراق في تاريخها المعاصر(2). ونتخذ من هذا التقرير نافذة اخرى للنظر في الأنماط الممكنة للتغير البنيوي، الأقتصادي والأجتماعي، وذلك لأن متغير التحضر يكثف الكثير من الحقائق الأقتصادية والأجتماعية الكبرى. ومثلما هو تابع لتغيرات البنية النشاطية للأقتصاد كذلك هو من العوامل الفاعلة ، متغيرا مستقلا ، في التصنيع وتنامي قطاعات الخدمات والسكن والتشكل الحجمي للمستوطنات البشرية إلى جانب دوره المهم في التحولات السياسية. وسوف نلاحظ ما قدمه التقرير من تقديرات لسكان العراق عام 2050 ونقف عندها، وليكن حجم السكان آنذاك منطلقا لأقتراح تصورات حول التنمية بعيدة المدى. خاصة وان المدة بين عام 2015 و 2050 هي مثل التي انقضت منذ عام 1980 ويومنا هذا . ولا تخفى فرص التنمية الضائعة واهمية تعويضها او على الأقل تحنب ضياع فرص اخرى تفاقم صعوبات الحياة في وجه الأجيال القادمة.
من اللافت للنظر ان نسبة السكان الحضر في العالم إلى مجموع السكان كانت عام 1950 اقل من 30 بالمائة، 29.6 بالمائة، ولم تصل إلى النصف حتى عام 2005 إذ كانت 49.1 بالمائة. اي ان العالم بقي ريفي الطابع حتى نهاية الألفية الثانية. وكانت نسبة التحضر في الدول الأكثر تطورا عام 1950 تقدر 54.6 وارتفعت إلى 75.8 عام 2005 لكن هذا المستوى الأجمالي للتحضر في البلدان المتقدمة ينطوي على تفاوت سيتضح. اما البلدان الأقل تطورا فإن نسبة التحضر فيها 17.6 بالمائة عام 1950 ووصلت إلى 34.8 عام 1990 ثم 43 بالمائة عام 2005 وتقدر 49 بالمائة عام 2015. أليست لهذه الحقائق السكانية مضامين إجتماعية وسياسية ربما لم تأخذ مداها في التحليل وبرامج قوى الأصلاح والتغيير آنذاك. وننتقل إلى صورة سكان العالم عام 2020 حيث تقدر نسبة التحضر للعالم والبلدان المتقدمة والأقل تطورا على التوالي 56.2 و 79.3 و 51.6، وفي عام 2050 تقدر نسب التحضر 66.4 و 85.4 و 61.6 للعالم والدول المتقدمة والأقل تطورا على التوالي. وفي افريقيا بالمجمل ترتفع نسبة التحضر من 14.0 إلى 40.4 بين عامي 1950 و 2015 ولكن هل ينسجم هذا الأنتقال، رغم طول المدة الزمنية، مع إنجازات في التصنيع والانتاجية الزراعية ام انه اصبح من عوامل الضغط الكابحة للتطور. وفي آسيا من 17.5 بالمائة إلى 48.2 بالمائة ، وفي اوروبا من 51.5 بالمائة إلى 73.6 بالمائة لنفس الفترة. وفي امريكا اللاتينية من 41.3 إلى 79.8 بالمائة لنفس الفترة، والمرجح ان سرعة التحضر في ذلك الجزء من العالم من عوامل تعثره في التنمية رغم سبق دول أمريكا اللاتينية في التعرف على الحداثة والأتصال بالبلدان المتقدمة ثقافيا وتقنيا وتنظيميا مقارنة مع بلدان آسيا وافريقيا. وفي امريكا الشمالية من 63.9 إلى 81.6 لنفس الفترة. اي ان امريكا اللاتينية وصلت إلى مستوى في التحضر يقارب امريكا الشمالية مع التفاوت المعلوم في مستويات التطور الأقتصادي بدلالة متوسط الناتج المحلي للفرد وإنتاجية العمل إضافة على إخفاق دول امريكا اللاتينية عموما في التصنيع. وفي استراليا ونيوزيلاندا ودول الاوقيانوس Oceania من 62.4 إلى 70.8 . اما في دول غرب آسيا وهي المجموعة التي ينتمي إليها العراق فقد إرتفعت نسبة التحضر من 28.8 إلى 69.9 بالمائة بين عامي 1950 و2015 .
مسار التحضر في العراق ومهمات التنمية:
وفي العراق تطورت نسبة السكان الحضري من 35.1 بالمائة عام 1950 إلى 50.7 بالمائة عام 1965 و 69.7 بالمائة عام 1990 وحسب تقديرات التقرير الدولي ، آنف الذكر، ان نسبة التحضر إنخفضت قليلا في العراق او استقرت لتعاود الأرتفاع بعد عام 2015 ولتكون 70.2 بالمائة عام 2020 ولأستقرار التحضر في العراق او توقف تزايده صلة باوضاع الحصار والنزاعات المسلحة بعد عام 2003 .بيد ان هذه التقديرات، للعراق، لا تستند إلى مسوحات سكانية بل إلى بيانات ثانوية وربما إجتهادات إلى جانب تلك البيانات الثانوية .
وقبل مدة قرأت مقالة لشخصية سياسية في العراق يتوجه باللائمة إلى التيار الذي كان يدعو إلى سرعة التحديث والذي، حسب رأيه، تماهى مع الدولتية ومن نتائئجها توسع القطاع الحكومي وسكان المدن بالأعتماد على المورد النفطي وعلى حساب الزراعة، ويرى ان السبعينات من القرن الماضي هي التي شهدت قوة تأثير هذا التيار. بينما بينت الأرقام آنفا ان التحضر تزايد في العراق كثيرا بين عامي 1950 و1965. ولا شك ان بنية الناتج في العراق كانت في الخمسينات والستينات مناسبة لأنطلاقة افضل في التنمية لكن الأخفاق قد يعود إلى ضغط المورد النفطي ذاته وعوامل إجتماعية منها ألأثر اللاحق لسرعة التحضر. ونبين، وهذه المؤشرات يمكن التأكد منها، ان اسهام الزراعة في الناتج المحلي الأجمالي كان 25 بالمائة والصناعة التحويلية 8.6 بالمائة عام 1957. وفي عام 1964 تغيرت تلك النسب إلى 16.8 بالمائة و8 بالمائة للزراعة والصناعة التحويلية على التوالي. وفي عام 1970 اصبحت 17.2 بالمائة و 9.6 بالمائة، على التوالي، للزراعة والصناعة التحويلية. وبين عامي 1957 و1971 كانت حصة جميع القطاعات السلعية من مجموع الأستثمار الأجمالي على المستوى الوطني بين 36 بالمائة و 48 بالمائة بمعنى ان الباقي استحوذت عليه قطاعات الخدمات بالمعنى الواسع (5). ويفم من تلك المؤشرات ان الزراعة ورغم انها حافظت على حيويتها حتى نهاية الخمسينات وبداية الستينات، لكن الأستعداد للأنسجام مع سلبيات المورد النفطي كان ماثلا.
ويلاحظ ايضا اثر النفط على التحضر في المملكة العربية السعودية حيث ارتفعت النسبة من 21.3 بالمائة عام 1950 إلى 83.1 عام 2015 ولا يوجد اساس صناعي كاف لهذا التحضر بل هو ناتج عرضي لأنفاق الحكومة لموارد النفط والآثار المضاعفة لهذا ألأنفاق. وان للتحضر قبل الأوان نتائج اجتماعية وسياسية ظهرت وقد تظهر في المستقبل. ويلاحظ اثر النفط على التحضر الليبي من 19.5 بالمائة عام 1950 إلى 78.6 بالمائة عام 2015. في حين كانت نسبة التحضر في مصر 31.9 بالمائة عام 1950 وصلت إلى 43.1 بالمائة عام 2015 وهي ادنى مما كانت عليه عام 1980 حسب تقديرات التقرير. وعلى كل حال يفهم تباطؤ التحضر في مصر مقارنة بتسارعه في ليبيا والمملكة السعودية، وان هذا التباطؤ في مصر ساعدها كثيرا على التكيف مع الصعوبات الأقتصادية. وظهر اثر النفط ايضا في الجزائر عندما بلغت نسبة التحضر 70.7 بالمائة عام 2015 ، بينما في السودان 33.8 بالمائة في نفس السنة . ويفيد استعراض هذه المؤشرات ان المورد النفطي يضغط موضوعيا كونه يرفع مستوى الدخل ليستدعي بنية للطلب على السلع والخدمات تفارق بنية الناتج االمحكومة بتاريخ التراكم الرأسمالي، ويغير بنية التكاليف والأسعار بما يضعف قدرة الأنتاج المحلي على التنافس الدولي. وأن مقاومة الفعل السلبي للنفط لا تنجح إلا بسياسات تستند إلى حساب إقتصادي دقيق ولا تجد لها سندا في بيئة ثقافية تتعالى على المعرفة الحسابية.
ويقدر التقرير، آنف الذكر، سكان العراق عام 2050 تقريبا 71.3 مليون نسمة ويفترض هذا التقدير معدل نمو سنوي مركب لسكان العراق 1.99 بالمائة سنويا بين عامي 2015 و 2050 وهو ادنى بفارق كبير من المعدل المعروف للفترات السابقة والذي يتراوح بين 2.8 بالمائة و 3.1 بالمائة سنويا. ومع ذلك فإن حجم سكان العراق كبير مقارنة بدول اخرى مثل تركيا التي سيكون سكانها 94.6 مليون نسمة عام 2050 بينما سكانها 76.7عام 2015 وسكان العراق 35.8 مليون نفس السنة.
وفي عام 2050 يتوقع ان تكون نسبة السكان الحضر 78 بالمائة من مجموع السكان في العراق بمعنى 55.6 مليون نسمة يعيشون في المدن. والمفروض ايضا ، في راينا، وجود فرص عمل لما يقارب 30 بالمائة من مجموع السكان اي حوالي 21 مليون فرصة عمل. ومن المفيد المباشرة في رسم مسار تنموي حتى عام 2050 بإستهداف متوسط دخل ( ناتج محلي ) للفرد بالعلاقة مع مسار التراكم الرأسمالي وإنتاجية العمل ... وهكذا. كي تتضح المهمات المطلوبة وكم هي جسيمة حقا. ويبدو لحد الآن ان إلأهتمامات الرائجة والتي تستقطب الراي العام وتستهوي السياسيين والكتاب ليست مع هذا التوجه بل هناك عزوف عن الحقائق الصلبة والوقائع وما يتصل بالحساب الموضوعي للأمكانات وسبل تطويرها. وفي هذا لا نغفل مشكلة العجز المتراكم في البناء التحتي والخدمات العامة. وايضا الحجم الأبتدائي المنخفض لراس المال الأنتاجي، وهذه تضيف اعباء اخرى لمواجهة استحقاقات المستقبل، والتي تتطلب من الكوادر المختصة والخبراء تجاوز الشكوى إلى مباشرة العمل. د.أحمد إبريهي علي

(1)Mark, Joshua J. Urbanization. Ancient History Encyclopedia, 7 April 2014. (2)World Urbanization Prospects: The 2014 Revision, United Nations Department of Economic and Social Affairs: Population Division.
(3) علي ، احمد إبريهي ، الأستثمار الأجنبي والنمو وسياسات الأستقرار الأقتصادي ، دار الكتب ، كربلاء، 2014 .
(4) Bairoch , Paul and Goertz, Gary, Factors of Urbanisation in the Nineteenth Century Developed Countries: A De-script-ive and Econometric Analysis, Urban Studies(1986) 23, 285-305.
(5) علي ، احمد إبريهي ، دور الطاقة الأستيعابية للأستثمار في التنمية الأقتصادية ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد 1975، الصفحات 261 - 288 .



#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعر النفط وتوقعات السوق
- هشاشة الدولة ودولة العراق
- بنية المجتمع والبنوية وما بعدها
- حول مفهوم البنية الأجتماعية
- النزاهة بين تنحي الأصيل وخيانة الوكيل ودوافع السلوك
- الموازنة العامة في العراق لعام 2016 وقيد العملة الأجنبية
- الفساد والبيروقراطية والمجتمع: مراجعة اولية وملاحظات
- التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفي ...
- الكم والزمن في الوعي الأقتصادي: تتمة
- الكم والزمن في الوعي الاقتصادي : تتمة
- الكم والزمن في وعي المشكلات الأقتصادية
- ازمة الأقتصاد العراقي وفرص الأصلاح
- نحو مقاربة واقعية للمشكلة الأقتصادية


المزيد.....




- تفاصيل أقوى عاصفة مغناطيسية شهدتها الأرض منذ 21 سنة وما تسبب ...
- الولايات المتحدة تبدي شكوكها حول احتمالية انتهاك إسرائيل للق ...
- فيديو: رافضين توسيع مصنع تسلا على حساب الغابات.. ناشطون بيئي ...
- -حماس- تعيد تأهيل قدراتها.. الجيش الإسرائيلي يوجه نداء عاجلا ...
- صحفي ألماني: لم يتبق أمام الجيش الأوكراني سوى الفرصة الأخيرة ...
- إيران تتوعد بالرد على نيّة كندا إدراج -الحرس الثوري- على قائ ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في البرازيل
- رغم استمرار الحرب.. مشروع لتسهيل عودة السودانيين من مصر
- شرارة الحراك الطلابي الداعم لفلسطين تصل إلى باكستان
- سيناتور أميركي: اجتياح رفح يجب أن ينهي المساعدات العسكرية ال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد إبريهي علي - مسار التحضر في العالم والعراق