أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد دامو - المطلوب محاربة آفة الكآبة ..بدل تغييب دواعي السعادة















المزيد.....

المطلوب محاربة آفة الكآبة ..بدل تغييب دواعي السعادة


محمد دامو

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 15:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سلاما لذكرى الراحل محمد بوزيدي، الفنان الاديب والاعلامي الملتزم ،الذي خدم بلاده إبان الثورة ،وتبنّى قضايا شعبه بعد النصر وإقامة الدولة الوطنية، وكانت وسيلته وسلاحه الفعّال في الحالتين ميكروفون المذيع ،ومنصة الشاعر المبدع ،وقلم الكاتب الملهم، وركح المسرحي المتمكّن. لقد كان المرحوم، متعدّد المواهب والنشاطات، ولكنه كان في المستوى والمقدرة على النبوغ فيها جميعا.
على ان إطلالته البديعة، تجلّت اكثر عبر برنامجه الاذاعي الشهير ،الذي درج على تقديمه في الربع ساعة السابق لنشرة اخبار الثامنة ،كان فريدا في محتواه ومرماه ،كما في كيفية إعداده وطريقة تقديمه ،بما يبرز كفاءة الرجل ،وتصميمه على تنفيذ عمله وايصال رسالته الى جمهور المستمعين ،الذين كانوا ينتظرون موعده بصبر وشوق، ويتابعونه بتمعّن واهتمام.
كان برنامجا ناقدا بدون انفعال او افراط في السخرية، خال من التجريح ،غايته كيفية طرد الهم والغم من افئدة مستمعيه، من خلال تناوله لإحدى هفوات تخلّفنا اوعرضه للقطة من سيئات يومياتنا ،او ميولنا للشعوذات المسيئة لمعتقدنا، بما يزيد في كآبتنا ويطرد الفرح والسعادة من قلوبنا..باختصار،كان الرجل ضميرنا الحي الذي لا يتوانى عن زجرنا ولومنا عن كل تصرفاتنا المسيئة ،التي من شأنها رفع درجة احتقان دواخلنا بالغضب ،وبالضياع ،وبالابتعاد عن حظوظنا في السعادة والسرور.
كل ذلك بتوظيفه ذكي لفنه ومواهبه الخلاّقة،في محاربة مظاهر التخلّف والانحطاط في دواخلنا ،في شوارعنا ،في مواقع عملنا ،وفي حركية مجتمعنا عامة. باعتبارها مصدرا للكآبة والاحتقان.
وفي حربه على الشعوذة ،اجبر الدولة على التحرّك ،ومحاصرة المشعوذين، اعتقالهم ،ومحاكمتهم بتهمة استغفال واستغلال المواطن. حتى ان الظاهرة التي عادت لتسود في وقتنا الحالي ،اندثرت وبادت في زمن محمد بوزيدي.
كانت إذن، حجّة محمد بوزيدي في حربه على المظاهر المسيئة في المجتمع ،ان اثارها تقضي على سعادة الناس ،واستفحالها يزيد من كآبة الفرد ،وعلى هذا وجب اعلان الجهاد ضدها ،بلا هوادة ولا مواربة.
لا نعرف اذا كانت الحكومات الجزائرية المتعاقبة ،قد تبنّت المبدأ الكوني القائل: ان غاية الدولة الاسمى ،هي تحقيق السعادة لابناء شعبها وحمايتهم من كل اسباب الكآبة، مهما كان مصدرها ،وبكل الوسائل المتاحة. كل ما نعرفه بهذا الخصوص ،ان حكوماتنا ،تسير على مبدإ المفاضلة بين الضروريات والكماليات ،فتعمد دوما وابدا الى توفير الاولى، على حساب الثانية. وهذا امر منطقي بالنسبة لحكومة وطنية ،لكن اخشى ما نخشاه ،هو ان تكون حكوماتنا العتيدة ،قد اعتبرت "تحقيق السعادة ،ومحاربة الكآبة" من الكماليات ،التي لا مكان لها في اجندة الحكم الراشد ،قبل توفير الاهم من الضروريات. وعلى هذا، تبقى الكماليات ،كما تراها الحكومات، من الامور المستحيلة التي لا تدرك ابدا.
لو القينا نظرة على ميزانية الخدمات التي ترصدها الدولة في كل بلاد العالم ،لوجدنا معظمها ،قد بلغت من السخاء مبلغا يفوق الكرم الحاتمي ذاته، وهذا بالضبط ما نلحظه في ميزانية الدولة الجزائرية ،لكن الذي يحدث، ان الناس لا يقدرون هذه الافعال حقّ قدرها ،والسبب في ذلك ان مبدأ "العملة السيئة تطرد العملة الجيدة" يؤكد حضوره هنا ،من باب الاساءات التي يحدثها بعض اعوان المؤسسات الحكومية. والناس عادة يتناقلون الاخبار المسيئة على غرابتها ونذالة مقترفيها ،في حين يتجاهلون الاخبار الطيبة على نبلها وسمو مرامي اصحابها.
فلم يحدث ان تبادل الناس حديثا عن ملايير الدنانير التي تصرفها الدولة على مرافق تسيير المستشفى الجامعي الواحد من مئات المستشفيات، فضلا عن توفير الدواء وتأمين العلاج والراحة للمرضى من كل الفئات الاجتماعية، لكن الاحاديث تتكرر يوميا ،عن سوء المعاملة التي يلقاها المريض في المشفى العمومي، والتي قد يحدثها تهوّر عون أمن متعجرف على مدخل المؤسسة ،فلا يتوانى عن إلحاق الاذى بأسماع المراجعين من المرضى والزوار ، بتصرفاته الهوجاء. وتكون النتيجة ،عودة المريض من المشفى وقد تفاقم سقمه ، وارتفع ضغطه ،وعمّت الكآبة والحزن مواطن المخيخ في رأسه ،واغوار النفس وبواطن الجسد في كيانه. وويضيع بذلك مسعى الحكومة الوطني ،وغاية الجهود الجبارة التي بذلها المشرفون على المشفى من اطباء وممرضات وادارة واعوان مساعدين يحترمون عملهم ،وكل غايتهم توفير الراحة وتأمين الخدمة، وجلب الطمأنينة والسعادة والراحة للمريض ،ودواعي الرجاء والامل لعائلته.
واضح والحال هذه، ان المواطن غير ملام على انتكاسة مسعى الحكومة وجهود مرافق المشفى والقائمين عليه..لكن انتشار ظاهرة العنف اللفظي لدى بعض اعوان المصالح الاستشفائية ،هو من احبط الغاية ،فضاع كل ذلك المسعى في شربة ماء.
تخصّص الدولة امكانات هائلة لتطوير خدمات البريد وتقديم التسهيلات الضخمة لاجل توصيل نعمة تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال ،للسواد الاعظم من المواطنين ،وتعمد الدولة الى تكليف حكومتها بتنفيذ المهمة ،فترصد لها اموالا عظيمة ،بالاضافة الى اشراك المواطن في تحمّل اعباء الخدمة ،عبر رسوم اشتراك واستهلاك ،هي الاعلى بين مثيلاتها في دول العالم ، ويشرع فريق عمل شاب ومهني في بذل جهود جبّارة في سبيل الحصول على نتائج مرضية ،من شأنها تبرير رواتب العاملين. وتلقى الرضا والتقدير من المسؤولين ومن جمهور المواطنين. ثم يحدث ان مدير وكالة فرعية هنا ،وآخر هناك ،وموظّفا في هذا المكتب ،وآخر هناك ،وتقنيا في هذا الميدان ،وآخر هناك ،..وقد تبادر الى اذهانهم انهم اقوياء جبابرة، وأحسوا في لحظة تهوّر بائسة، ان الفرصة مناسبة لاثبات هيمنتهم، لفرض منطق وشروط "سوق الفلاح" على المواطن ،بما يؤدي الى إغراقه فيدوّامة الاعطال ،وانهاكه بالمراجعات التي لا تبتهي ،..فتضيع الفرصة من يدي الدولة لتأكيد حسن نيتها وتفادي تشويه صورة مؤسساتها في ذهن الفرد والمجتمع ،الذي يأتي رد فعله عبر تصاعد الصوت الصارخ، متهما الحكومة بالتساهل مع ظاهرة استغلال السلطة وفرض قانون الاحتكار ،خدمة لاعوانها ،بدل الحفاظ على مصالح الوطن..، وهنا ايضا، لا يمكن لوم المجتمع ولا الفرد ،بالنظر للحالة النفسية الكئيبة التي اصابته، وضياع نصيبه من الراحة والسعادة المستحقة ،بفضل تقدّم علوم العصر ،وانتشار تقنياتها المتطورة بين الناس ،في كافة ارجاء المعمورة.
ظاهرة العنف المنتشرة في الجزائر، وبشكل خاص تلك المتعلقة بصورتها الادارية واللفظية والمقنّع منها خاصة ،والتي تكاد تصبح خاصية جزائرية بامتياز ،قد اهلكت منّا الضرع والزرع معا، وبات مطلب استئصالها موجبا شرعا وقانونا. وهذا امر ممكن ،خاصة وانها ظاهرة غريبة عن مجتمعنا فعلا وقولا، وليس مجرّد إدعاء اجوف ، قصد المجاملة والإفراط في مدح الذات، بلغة خشبية ركيكة، وحمّى الوطنية المهلكة.
لاجل ذلك ،يجب ان نبدأ بتكريس اولى خاصيات بني البشر ، وهي الاستقامة في السير المنظّم والمنتظم، ليس بتغيير قانون السير للمرة الألف ،ولا بإعادة كتشاف مبادئ السياقة، إنّما فقط ،بتقديم تفسير واضح لظاهرة غياب الاشارات الضوئية في مفارق وتقاطعات شوارعنا، موازاة مع غياب البالوعات ومصارف مياه الامطار،الى جانب انتشار الممهلات بالشكل العشوائي الذي تعرفه طرقاتنا، وشوارع الاحياء الداخلية خاصة. وحده مثل هذا التفسير ،يمكنه منح التقدير لحسن نوايا المصالح العمومية والولائية والبلدية ،ويرفع عنها تهمة خلق المعوقات امام المواطنين..اللهم إلاّ اذا كان قصدها جميعا نابعا من حكم مسبق ،يعتبر المواطن الجزائري غير قابل للسير والتسيير كبقية بني البشر ،اي بدون عنف متمثل في المعوقات المادية، الادارية ،والمقنّعة منها خاصة ،وهي اقسى اساليب مصادرة دواعي الراحة والسعادة ،كما انها ادهى وأمرّ اساليب نشر البؤس والكآبة ،وجلب الهمّ والغمّ، وألوان الحزن والتعاسة ،لكي تستوطن افئدة الناس ،وتحيي فيهم الشعور بالهوان ،وتنمّي في دواخلهم تلك الحالة من الاحتقان المخيف ،وصولا الى درجة الانسداد التام والانفجار الفوري المِؤكّد. كما هي حالنا، في الغالب الأعم.
قبل ايام من رحيله في صيف 1994 ،تنقّلت كاميرا التلفزة الجزائرية الى احد مستشفيات العاصمة ،حيث كان الثائر الاديب والفنان، الاعلامي القدير محمد بوزيدي ،يصارع مرضه العضال، الذي انتهى به الى الاستسلام لقدره المحتوم ،حيث اودعها وصيته لمواطنيه ،مسجّلة بالصوت والصورة ،وقد ضمّنها دعوته لهم ،والمحروسة تترنّح على حافة الهاوية، ان يتمسّكوا بفضائل الحكمة والفلسفة الرصينة ،في معالجة مشاكل بلادهم ،والحفاظ على مستقبل اولادهم واحفادهم ،وترقية مداركهم باللين والاقناع والتوجيه الحسن ،بدل الشدة والعنف والاكراه،..فبذلك يسلم الوطن ،وفي سلامة الوطن ـ كما قال ـ تكمن سعادة الناس، وبها تكتمل فرحتهم.
صدق الرجل الكبير محمد بوزيدي ،فحبّذا لو تجنبنا مخالفة وصيته ،بعد ان اودعناها طي الاهمال والنسيان.



#محمد_دامو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عملية استعادة الموروث اللغوي الجزائري تستمر دستوريا.. في ظل ...
- الثقافة والفن موروثنا، هويتنا وسلاحنا..إن ضاعا ضعنا
- الصراع بين الشرق والغرب يعيد فصوله و..لا جديد تحت الشمس
- انحراف الساسة وانحطاط السياسة في الجزائر.. علائم الضعف والهو ...
- وداعا الدا الحسين أو..رحيل آخر أباء الوطن
- الجزائر بين إلزامية -التعريب- فرضا.. وضرورة -استعادة- المورو ...
- الأصل في الصراع الأزلي بين الشرق والغرب
- اتهام صنصال بالسرقة الادبية .. رواية الأعرج الأكثر رواجا وتس ...
- التاريخ ..دراسة وتدريسا
- آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية
- مزامير حروب الشرق و..الامر المحسوم سلفا
- الملكية الفكرية او..أكسير الخلق والابداع
- هيئة الامم ..سلبا وإيجابا
- الهلال الخصيب في..زمن عقوق ونكران بني الانسان
- -دياسبورا- الهلال الخصيب و..متطلبات الشرق الاوسط الجديد
- العربية في..اسفار المأساة اللغوية الجزائرية


المزيد.....




- الأردن يحذر من -مجزرة- في رفح وسط ترقب لهجوم إسرائيلي محتمل ...
- روسيا.. النيران تلتهم عشرات المنازل في ضواحي إيركوتسك (فيديو ...
- الرئيس الصيني في باريس لمناقشة -التجارة والأزمات في الشرق ال ...
- بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية رداً على تصريحات غربية وصفته ...
- المكسيك تحتفل بذكرى انتصارها على فرنسا عام 1862
- ماكرون يؤكد لشي أهمية وجود -قواعد عادلة للجميع- في التجارة
- المفوضية الأوروبية تسلم مشروع الحزمة الـ 14 من العقوبات ضد ر ...
- الإعلام العبري يتحدث عن -خطة مصرية- بشأن أراض فلسطينية وموقف ...
- المتحدث باسم القبائل العربية: مصر لن تتورط في -مهمة قذرة-
- أوكرانيا.. مهد النازية الجديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد دامو - المطلوب محاربة آفة الكآبة ..بدل تغييب دواعي السعادة