أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - زهران وخميس والبقرى















المزيد.....


زهران وخميس والبقرى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5004 - 2015 / 12 / 4 - 19:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


زهران وخميس والبقرى
طلعت رضوان
فى يوم مشئوم (13 يونيو1906) أثناء فترة الاحتلال البريطانى لمصر، حدث أنّ بعض ضباط جيش الاحتلال وبعض الموظفين البريطانيين ، كانوا يتجوّلون فى قرية دنشواى التابعة لمديرية المنوفية ، الشهيرة بكثرة أبراج الحمام بها . وكان الضباط الإنجليز يحملون بنادق صــيد . أطلق أحد الضباط رشاش بندقيته على أحد أبراج الحمام ، وهذا البرج كان أسفله (جرن) لجمع القمح ، فاقترب فلاح مصرى طاعن فى السن (حسن على محفوظ – 75 سنة) ونبــّــه الضابط البريطانى من أنّ رشاش البندقية قد يتسبـّــب فى حرق جرن القمح . لم يهتم الضابط بالتحذير واستمر فى إطلاق رشاش بندقيته ، فأصاب الست القلاحة (أم محمد) زوجة (محمد عبد النبى مؤذن القرية) كما أصاب جرن القمح ، فاشتعلتْ النيران فى الجرن ، هجم أحد الفلاحين (شحاتة عبد النبى – شقيق مؤذن القرية) على الضابط وحاول أنْ ينزع البندقية من يده، وعلى إثر ذلك تجمّع الفلاحون وضباط الاحتلال . أطلق الضباط الرصاص الحى على الفلاحين ، أصابتْ الطلقات بعض الفلاحين وشيخ الخفر، هجم الفلاحون على الضابط الذى أطلق الرصاص وقذفوه بالطوب وضربوه بالعصا ، وجروا وراء الضباط الهاربين وضربوهم ، فأصيب أحدهم بجرح فى ذراعه وجـُـرح إثنان جروحـًـا خفيفة. ثم أحاط الفلاحون بالضباط وأخذوا منهم أسلحتهم وحجزوهم حتى جاء ملاحظ بوليس النقطة وأوصلهم إلى معسكرهم .
من سوء حظ الفلاحين أنّ إثنين من ضباط الاحتلال ، كانا قد تركا مكان الواقعه (أثناء هروبهما) وكان أحدهما (الكابتن بول) Bull قد أصيب إصابة شديدة فى رأسه. وجرى الضابطان فى الحقول – مع شدة الحر فى شهر يونيو، فكان أنْ أصييا بضربة شمس ، فرّ أحدهما وترك زميله. عثر الضباط على زميلهم المُـصاب وبجواره فلاحـًـا مصريا (سيد أحمد سعيد) وهو يسقيه الماء ، فضربه ضباط جيش الاحتلال ببنادقهم حتى هشـّـموا رأسه فمات فى الحال .
اشتـدّ غضب ضباط الاحتلال خصوصًـا بعد وفاة الضابط (بول) فتم القبض على عدد كبير من الفلاحين (52 متهمًـا) وسبعة غائبين . انعقدتْ محكمة يوم 24 يونبو1906 واستمرتْ لمدة يوميْن بحجة سماع الشهود . وفى يوم الأربعاء 27يونيو1906 صدر الحكم بإدانة 21 فلاحًا : وتضمّـن الحكم إعدام أربعة (أشهرهم زهران) والأشغال الشاقة المؤيدة على إثنيْن ، وخمسة عشر سنة على واحد ، وسبع سنوات على ستة. والحبس مع الشغل مدة سنة على ثلاثة مع جلد كل واحد خمسين جلدة ، على أنْ يكون شنق المحكوم عليهم بالإعدام ، وجلد المحكوم عليهم بالجلد فى قرية دنشواى وأمام فلاحى القرية.
تلك الجريمة البشعة التى ارتكبها الإنجليز فى حق الفلاحين المصريين ، هزّتْ الرأى العام العالمى ، فكتب بعض الصحفيين الأوروبيين عن (وحشية الإنجليز) كما ساهمتْ الصحافة المصرية فى فضح ((المجزرة التى ارتكبها الضباط الإنجليز)) ورغم ذلك تمّ تنفيذ الحكم ، وكأنّ أصوات العقول الحرة والضمائر الحية ، مثل صوت الرياح العاصفة فى صحراء جرداء.
عبـّـر بعض الشعراء عن جريمة الإنجليز فى دنشواى ، فجاء (شعرهم) باهتــًـا لا يُـعبر عن حجم تلك المأساة ، لأنهم انشغلوا بتقديم (صورة شاعرية) ولم يهتموا بالحالة النفسية والعقلية لأهالى المحكوم عليهم فكتب أحمد شوقى ((يا دنشواى على رباك سلام/ ذهبتْ بأنس ربوعك الأيام/ شهداء حكمك فى البلاد تفرّقوا / هيهات للشمل الشتيت نظام/ كيف الأرامل فيك بعد رجالها / وبأى حال أصبح الأيتام)) إلخ وكتب حافظ إبراهيم ((أيها القائمون بالأمر فينا / هل نسيتم ولاءنا والودادا / خفــّـضوا جيشكم وناموا هنيئــًـا / وابتغوا صيدكم وجوبوا البلادا / وإذا أعوزتكم ذات طوق فصيدوا العبادا.. إلخ) وبنفس تلك البداية البطيئة المسترخية والصور (الشعرية) الباهتة فعل الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، فكتب ((وثوى فى جبين الأرض الضياء/ ومشى الحزن فى الأكواخ/ تنين له ألف ذراع/ فى كل دهليز ذراع.. إلخ)) وهكذا نجد أحمد شوقى يبدأ قصيدته بمناشدة (السلام) ليحط على دنشواى ، وحافظ إبراهيم يُـخاطب ولاة الأمور، وعبد الصبور يتكلم عن (الضياء) فى (جبين الأرض) و(الحزن فى الأكواخ) وبمقارنة ذلك (الشعر الباهت) بما أبدعه واحد من (الأميين) المصريين ، يتبيـّـن الفرق حيث قال ((يوم شنق زهران كانت صعبة وقفاته.. أمه عليه تنوح فوق السطوح واخواته.. وأبوه – كما السبع – يوم الشنق لم فاته.. إلخ)) أى أنّ ذلك الفلاح الأمى (دخل فى الموضوع مباشرة) وطبــّــق ما يقوله نقاد الأدب (رغم أنه أمى) عن ضرورة ((شد انتباه القارىء منذ البداية)) ولذلك بدأ بيوم ((شنق زهران كانت صعبه وقفاته)) لأنه لم يكن مشغولا بأية صور (شاعرية/ لفظية/ تجميلية) ليس لها أدنى علاقة بالمجزرة التى ارتكبها جيش الإحتلال الإنجليزى .
وأعتقد أنّ الراحل الجليل الشاعر الكبير عبد الرحيم منصور، كان أقرب إلى الشاعر (الأمى) مجهول الاسم ، خاصة فى البداية (القوية) التى تشد انتباه القارىء ، فبدأ قصيدته بعنوان (زهران) بداية قريبة جدًا من بداية الشاعر الأمى المجهول ، كتب عبد الرحيم منصور ((ع المشنقه ولدى/ ع المشنقه زهران/ ع المشنقه بينزف دم ع الأجران/ زهران وكام زهران يا بنت الناس/ زهران فى دنشواى/ زهران فى بورسعيد/ زهران فى السويس/ زهران فى سينا وروحه ع المينا / وكام زهران راح منك/ وكام زهران ح يجينا)) والقصيدة طويلة إلى أنْ يقول ((ويا شعب يا بنــّـاى/ ويا شعب يا ماشى كما النيل والأبد/ ويا شعب يا طيب/ يا اللى فديت أرضك بزهران الولد/ طيب.. رحيم.. بسيط.. لاكن.. عمرك ما كنت عبيط.. عمرك ما تنسى الجراح/ طيب لاكن قاسى وقت اللزوم/ يعوم فى بحر النار ولو ما لوش فى العوم/ زهران حمامه من حمام دنشواى/ حمامة روح/ بتقول أكيد الحــُـر فجره جاى)) (عبد الرحيم منصور- الأعمال الكاملة – إعداد مى منصور- هيئة الكتاب المصرية- عام 2015)
الفرق بين عبد الرحيم منصور والشعراء الثلاثة (شوقى وحافظ وعبد الصبور) أنّ عبد الرحيم منصور، جمع (كل) ضحايا الاستبداد فى شخص ورمز (زهران) عندما وجـّـه كلامه ل (بنت الناس) وقال لها ((زهران فى دنشواى/ زهران فى بورسعيد/ زهران فى السويس/ زهران فى سينا / وروحه ع المينا / وكام زهران راح منك/ وكام زهران ح يجينا)) وأعتقد أنّ التركيز على بورسعيد والسويس وسينا ، فيه إيحاء (بلغة الفن) على المجزرة التى تسبـّـب فيها ضباط يوليو1952- وعلى رأسهم عبد الناصر، لأولادنا الجنود والضباط فى مذبحة بؤونة/ يونيو1967، خاصة وأنّ تاريخ كتابة تلك القصيدة سنة 1967. كما أعتقد أنّ (بنت الناس) التى وجـّـه كلامه إلهيا هى (مصر) ودليلى على ذلك قوله لها ((وكام زهران راح منك/ وكام زهران ح يجينا))
000
وإذا كانت أحداث دنشواى تمّـتْ فى عهد الإحتلال البريطانى لمصر، فإنّ جريمة الإنجليز تكرّرتْ (وبتفاصيل كثيرة مُــتشابهة) بعد أنْ سيطر ضباط يوليو على مصر يوم الأربعاء الأسود 23يوليو1952، وحيث أنهم وبعد أنْ تربّـعوا على عرش مصر (بثلاثة أسابيع فقط) ارتكبوا جريمة لا تقل فى وحشيتها عن مذبحة دنشواى ، أى المذبحة التى تم تدبيرها لعمال مصانع كفر الدوار.
وقبل الدخول إلى مذبحة كفر الدوار، أرى أنه من المهم تذكير القارىء ب (المبادىء الستة) التى أعلنها ضباط يوليو منذ الأيام الأولى بعد سيطرتهم على مصر، وكان من بينها ((القضاء على سيطرة رأس المال)) فكان (من المُـنتظر) كترجمة واقعية لهذا المبدأ أنْ يُـساندوا مطالب العمال الذين هتفوا للضباط وتفاءلوا بهم ، لذلك (وبـحـُـسن نية من العمال تجاه الضباط) اعتصم عمال مصانع كفر الدوار مساء يوم 12/8/1952 لتحقيق بعض مطالبهم الاقتصادية. وكان العمال فى شبرا الخيمة وغيرها على درجة عالية من الوعى والتحضر فكتبوا على اللافتات ((المصانع أمانة فى أعناقنا.. أرزاقنا فى هذه المصانع.. فحافظوا عليها)) هذا التظاهر السلمى واجهه الضباط بمحاصرة المصانع بالدبابات (د. فخرى لبيب – الشيوعيون وعبد الناصر- الأمل للطباعة والنشر- عام 1990- ج 1 – ص 94)
تصاعدتْ الأحداث يوم 13 أغسطس 1952، حيث تمّ القبض على 576 عاملا ، كان من بينهم أطفال فى سن العاشرة . بعد يوميْن صدر الحكم بالافراج عن 545 عاملا والحكم على 29 عاملا بالسجن مُـدد مختلفة. وكان هدف الضباط فى بداية (محكمتهم العسكرية) إعدام 29 عاملا ، ثم راجعوا أنفسهم واكتفوا بإعدام إثنيْن فقط (مصطفى خميس البالغ من العمر18 سنة) و(محمد البقرى البالغ من العمر 19 سنة ونصف) وصدر الحكم بعد خمسة أيام من بدء الاعتصام . وأصرّ الضباط على أنْ يتــّـبعوا أسلوب الإنجليز الذين حاكموا وأعدموا جدودنا فلاحى دنشواى عام 1906، حيث جمع الضباط 1500 عاملا فى ملعب كرة القدم المُـلحق بنادى الشركة ليسمعوا النطق بالحكم (العسكرى) وإعدام العامليْن المذكوريْن ، ليكون (تجميع العمال) رسالة إرهاب لكل عمال مصر. وعن هذا المشهد المأساوى/ الكارثى الذى يستدعى من بئر الأحزان أحداث دنشواى 1906، ذكر المؤرخ العمالى (طه سعد عثمان – وهو ناصرى الهوى أى أنّ شهادته غير مجروحة ولا يمكن التشكيك فيها) فكتب إنّ عاملا ((من الذين حضروا إعلان الحكم (العسكرى) مُـجبرين قال : إنّ ما تعرّض له جميع الحاضرين من العمال من مهانة وإذلال وإرهاب كان أقسى ما يمكن أنْ يتعرّض له أسرى الحرب فى جيش مهزوم ومُـستسلم بدون قيد ، مما جعل المُــنتصر يُـعاملهم أسوأ من معاملة العبيد)) (خميس والبقرى يستحقان إعادة المُـحاكمة – مطابع الأمل – عام 1993- ص 52)
إنّ أحداث كفر الدوار الدامية درس فى مناهج قهر الشعوب ، فقد كانت النية مُـبيـّـتة لإظهار سياسة (العين الحمرا الأمريكية كما حدث مع عمال شيكاغو) بعد ثلاثة أسابيع من سيطرة الضباط على مصر. يؤكد هذا أنّ المُـحاكمة (العسكرية) تمّـتْ فى يوميْن ، وأنّ الأغلبية الساحقة من العمال المقبوض عليهم لم يكن معهم من يُـدافع عنهم ، وأنّ بعض وكلاء النيابة كان يُـحقــّـق فى يوم واحد مع ((مائة فى تهم عقوبتها الإعدام)) وبعد أنْ وافقتْ المحكمة (العسكرية) على أنْ يكون الصحفى موسى صبرى مُـحاميًا عن مصطفى خميس (وتهمته الانتماء إلى تنظيم شيوعى) فإنّ مرافعته لو وُضعتْ فى الاعتبار- كما كتب المؤرخ العمالى طه سعد – لصدر الحكم بالبراءة وليس الإعدام ((ولكن الحكم كان مُـعدًا سلفــًـا)) (ص 47)
وبعد أنْ أدانتْ منظمة (حدتو/ اليسارية/ الناصرية) العمال وأيـّـدتْ الضباط ، اعترفتْ بموقفها الخاطىء إزاء حركة الضباط وقالت فى بيان لها ((إننا لم نحشد ونـُـعبىء قوى العمال والشعب بدرجة كافية لإيقاف المُـحاكمة العسكرية الإجرامية للعمال ، وإنقاذ خميس والبقرى ورفاقهما الأبطال)) (د. رفعت السعيد – منظمات اليسار المصرى – ص 113)
ورغم أنّ طه سعد عثمان وعبد المنعم الغزالى يُـطالبان برد الاعتبار لضحايا مذبحة كفر الدوار، فإنهما – بسبب ميولهما الناصرية – أصرّا على أنّ ((المُـحرّض على اعتصام العمال كبار الرأسماليين الذين من مصلحتهم القضاء على (الثورة) الوليدة والوقيعة بين العمال والضباط)) رغم أنّ ما حدث ينفى هذا الكلام الناصرى ، وأعتقد أنّ سؤالا واحدًا يهدم النظرية الناصرية وهو : لماذا تمّ عقاب العمال (المُـفترض أنهم سمعوا كلام أصحاب المصانع) ولم يتم عقاب المُـحرّضين ، وتلك حقيقة اعترف بها طه سعد عثمان (مما يؤكد تناقضه) حيث كتب ((استطاع المُـجرمون الحقيقيون أنْ يفلتوا حتى من مجرد البحث عنهم)) (ص 35) ثم تتوالى الأسئلة فيأتى السؤال الثانى : ما معنى البيان الذى أصدره قائد عام القوات المسلحة يوم 16 أغسطس 1952 وفيه تحذير للعمال ؟ والسؤال الثالث هو: ما مغزى ما ذكره أحمد الجبالى فى كتابه (العمال فى الحركة الشيوعية) من أنه وعدد من زملائه التقى عام 1953 بعد إضراب عمال مصنع الشوربجى بالمسئول عن المخابرات حينذاك (وفاء حجازى) وقال لهم ((لقد أعدمنا خميس والبقرى ونحن مُـستعدون لإعدام مليون لتعيش الثورة)) (فوزى حبشى – معتقل لكل العصور- دار ميريت للنشر- عام 2004- ص 120) فكانت مُـكافأة وفاء حجازى من ضباط يوليو52 أنْ صار- بقدرة الضباط الخارقة – (سفيرًا) لمصر فى بعض الدول الأوروبية.
ولماذا كانت حملة التفتيش القاسية التى قام بها نحو مائة جندى على مساكن العمال ، وعلى بيت مصطفى خميس بالذات ؟ ولماذا استمرّتْ مطاردة المباحث للعمال بعد صدور الحكم ؟ (طه عثمان – ص 40، 45) وما معنى أنْ يكتب محمد نجيب فى مذكراته أنه بعد أْنْ صـدّق على الحكم بالإعدام ((لقد أثقل الحزن قلبى)) ؟ ولكن لأنه لعب دور (الواجهة) ورضى لنفسه هذا الدور المُـهين ، فقد استجاب ل (إرادة الضباط) العليا التى لا يجوز الإعتراض عليها مثلها مثل (إرادة السماء) ولذلك نفــّـذ قرار مجلس (الثورة) الصادر بإجماع الآراء (مذكرات عبد اللطيف البغدادى – المكتب المصرى الحديث – عام 1977 – ص 69) وذلك عكس تخاريف الناصريين الذين روّجوا لأكذوبة أنّ خالد محيى الدين وعبد الناصر اعترضا على حكم الإعدام (وفى قول آخر امتنعا عن التصويت) ولماذا تمّ إعدام عامليْن صغيريْن ، بينما اختلفتْ المعاملة مع عدلى لملوم (الاقطاعى) والذى أظهر معارضته للضباط صراحة ؟ بل وهاجم هو وأفراد من أسرته قسم البوليس ، وأطلقوا عليه أعيرة نارية ؟ وأثناء المُحاكمة كان هو وأمه يسبان قادة (الثورة) ويسبان الفلاحين ؟ ورغم ذلك صدر الحكم على عدلى لملوم بالأشغال الشاقة المؤبدة الذى انتهى إلى الافراج الصحى ؟
ولماذا وافق ضباط يوليو52 على انضمام عبد المنعم أمين إلى حركتهم يوم 22 يوليو، رغم ((اتصالاته بالسفارة الأمريكية واقتناعه بما تــُـروّجه الدوائر الأمريكية فى مصر عن الخطر الشيوعى وضرورة التصدى له بكل الوسائل)) ؟ ولماذا يكون هو بالذات الذى رأس المجلس العسكرى لمحاكمة عمال كفر الدوار؟ وذكر المؤرخ العمالى أمين عزالدين أنّ ((عبد المنعم أمين لعب دورًا فى حملة الترويج الأمريكية حول الخطر الشيوعى فى مصر)) (مجلة روزا ليوسف – 31/7/1987) ولماذا تمّ اتهام خميس والبقرى بالشيوعية ؟ وما مغزى هذا الاتهام عند ربطه بالدعاية الأمريكية عن (الخطر الشيوعى) ؟ الإجابة ذكرها أمين عزالدين (وهو يسارى/ ناصرى – أى أنّ شهادته غير مجروحة ولا يمكن الطعن عليها أو التشكيك فيها) ومع ذلك فإنه كان أمينــًـا فى شهادته التى قال فيها ((وجدتْ المخابرات الأمريكية وعملاؤها فى أحداث كفر الدوار فرصتهم لكى يُـضاعفوا الترويج عن الخطر الشيوعى فى مصر، وراحوا يُـقنعون نفرًا من قادة حركة الجيش ، والتقط هذا الخيط القائمقام عبد المنعم أمين أحد الضباط الطارئين على حركة الجيش ، والذى لم ينضم إلى الضباط (الأحرار) إلاّ يوم 22يوليو52 ليُـشارك فى عملية الاستيلاء على السلطة ، ثم مُـنـِـح عضوية مجلس قيادة (الثورة) يوم 15 أغسطس فى أعقاب أحداث كفر الدوار)) (مجلة روزا ليوسف – 27/7/87)
وما مغزى ما ذكره محمد نجيب الذى كتب ((لبيتُ دعوة إلى منزل البكباشى عبد المنعم أمين ، وكان حاضرًا معنا جيفرسون كافرى وأربعة من رجال السفارة الأمريكية ، علمتُ فيما بعد أنّ إثنين منهم من رجال المخابرات الأمريكية. وكان معى عبد الناصر وزكريا محيى الدين. وفى لقاء آخر قال جيفرسون إنّ حكومته تخشى تسلل الشيوعية إلى مصر. وعرض معاونة أجهزة المخابرات الأمريكية)) (كنتُ رئيسـًـا لمصر- المكتب المصرى الحديث – عام 1984- ص 311، 312)
وكتب المؤرخ العمالى (طه سعد عثمان – اليسارى/ الناصرى) ((وهكذا يتأكــّـد دور المخابرات الأمريكية فى الأحداث بالتقارير التى أحاطتْ حركة الجيش عن (شيوعية) مصطفى خميس وقادة العمال فى كفر الدوار، والتخويف من تحركات العمال فى مناطق أخرى مثل شبرا الخيمة والمحلة الكبرى)) (مصدر سابق - ص 10) وذكر طه سعد عثمان أيضًـا أنّ ما حدث فى كفر الدوار كان عربونــًـا للأمريكان فى محاربة الشيوعية (المصدر السابق – ص 47)
وما مغزى ما ذكره طاهر عبد الحكيم فى كتابه (الأقدام العارية – الشيوعيون المصريون وخمس سنوات فى معسكرات التعذيب) من أنه ((لم يكن قد مرّ على (ثورة) يوليو52 أكثر من شهريْن حينما سيق إلى السجن الحربى أعضاء اللجنة التحضيرية لإتحاد عمال مصر فى سبتمبر52 على إثر العدوان الوحشى على عمال كفر الدوار. وقد مُـورس التعذيب عليهم لأنهم احتجوا على إعدام خميس والبقرى ، ولإثنائهم عن المضى فى تكوين الإتحاد)) وأضاف ((إنّ النظام الناصرى كان يستخدم الفلكة والكرباج لتأديب معارضيه ، ففى عام 1953 ألقى القبض على حوالىْ 40 نقابيـًـا قـدّموا عريضة يُـطالبون فيها بإصدار قانون ضد البطالة)) ؟
وما مغزى أنْ يقول البكباشى عاطف نصار (أثناء تلاوته للحكم العسكرى) أنّ مصطفى خميس ((حارب الله ورسوله فحقّ عليه القتل)) ؟ (عبد النعم الغزالى : بعد أربعين عامًا براءة خميس والبقرى – نقلا عن حسن بدوى – فى عرضه للكتاب المذكور- صحيفة الأهالى – 8 سبتمبر1993)
وما علاقة جريمة ضباط يوليو بموقف الإخوان المسلمين الذين إتهموا عمال كفر الدوار بالخيانة ؟ (طه سعد عثمان – ص28) وإذا كانت أحداث كفر الدوار ((مؤامرة دبّـرها الرأسماليون)) كما زعم الناصريون ، فلماذا ((تمّ إخفاء ملف التحقيق فى تلك الأحداث بعد أنْ قرأه أحد وكلاء وزارة العدل ، الذى كان مُــتحمسًـا لعرضه على مكتب العمل الدولى)) ؟ ولماذا أحيطتْ أقوال مصطفى خميس بسرية تامة ولم يُـعلم عنها شىء)) وما مغزى إختفاء الرسالتيْن المُـرسلتيْن لمصطفى خميس إحداهما من لندن والأخرى من الأرجنتين قبل إعدامه ؟ وكان تعليق طه سعد ((إنه حتى الآن لا أحد يعرف شيئــًـا عن محتوى الخطابيْن . ولا شكّ أنهما كانا فى صالح مصطفى خميس وإلاّ كانت كل الأجهزة بما فيها الصحافة قد فضحتْ ما فيهما بتضخيم كبير)) (مصدر سابق 0 55، 56)
ولماذا قال السادات (الخليفة الأول لعبد الناصر) يوم 14/8/52 أنه ((سوف يُـعلق المشانق فى شبرا الخيمة على أبواب المصانع إذا حدث أى تحرك من العمال)) ؟ (طه سعد – ص 35) وما مغزى نصيحة أستاذ القانون (د. سليمان الطماوى) لضباط يوليو52 ((لقد أعدمتم إثنين من العمال فسكت العمال جميعـًـا ، ويحتاج الأمر إلى إعدام إثنيْن من الطلاب كى يصمت الجميع)) ؟ (نقلا عن د. رفعت السعيد – مجرد ذكريات – الهيئة العامة لقصور الثقافة – عام 2008- ص 116) لذلك كانت مُـكافأة د. الطماوى أنْ صار (عميد كلية حقوق عين شمس)
لذلك فإننى أرجو من منظمات حقوق الإنسان التفكير الجاد فى إقامة محاكمة شعبية لرد الاعتبار لضحايا دنشواى / كفر الدوار أغسطس 1952. وأعتقد أنّ الشاعر الكبير عبد الرحيم منصور، كان معه كل الحق عندما ربط بين زهران وفلاحى دنشواى 1906 ضحايا الاحتلال الإنجليزى ، وبين ضحايا نظام يوليو1952 من الفلاحين والعمال وكل القوى الوطنية.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى
- أسباب النزول فى صحيح البخارى (7)
- البداوة فى صحيح البخارى (6)
- الميتافيزيقا فى صحيح البخارى (5)
- العبودية فى صحيح البخارى (4)
- البخارى وأحاديثه عن الغزو (3)
- قراءة فى صحيح البخارى (2)
- قراءة فى صحيح البخارى (1)
- بورتريه عن شخصية خالتى
- كروان (وحيد) بين الغربان
- كيف نشأ الجيش فى مصر القديمة
- محمود درويش وأمل دنقل
- هل يمكن قتل (الرغبة فى القتل) ؟
- لماذا العرب ضد العرب
- لماذا تعدد الإسلام بتعدد الشعوب ؟
- هل السياسيون كارثة على شعوبهم ؟


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - زهران وخميس والبقرى