أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقوس المهدي - تقديم مجموعة -في انتظار حَبّ الرّشاد- لسعيدة عفيف















المزيد.....

تقديم مجموعة -في انتظار حَبّ الرّشاد- لسعيدة عفيف


نقوس المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 12:54
المحور: الادب والفن
    


تقديم

"إن لذة النص كامنة في تلك اللحظة التي ينقاد فيها
جسدي لأفكاره الخاصة، لأن جسدي له أفكار غير أفكاري"
* رولان بارث - لذة النص


"في انتظار حَبّ الرّشاد" هي المجموعة الأولى لمبدعة كان الشعر أولى القارات التي وطئتها قدماها، بكثير من الحزم والثقة في النفس، كتاباتها ليست سليلة لأحد، ولا تقتفي رؤيتها أثرا، ذلك أن المبدعة المغربية سعيدة عفيف أتت إلى السرد القصير متخمة بعذوبة الشعر، متسلحة برحابة الخيال، أكثر احتفاء بمسرات اللغة، وأكثر اطلاعا على آفاق أخرى كونها حاصلة على الإجازة في الأدب الفرنسي، ولها رواية مخطوطة تنتظر دورها إلى المطابع، ولا غرابة في أن تزاوج كتابتها بين النظرة الفلسفية للحياة، والتأمل الصوفي، واللغة الشاعرية الباذخة، باعتبار القصة بمثابة الأخ الأصغر للشعر، حسب تعبير خوليو كورتازار، وهي خلافا لكل شيء، من أكثر الأشكال الأدبية قدرة على سبر أغوار النفس، والتعبير عن دواخلها وتفاعلها مع الوجود، فضلا عن أنها تتيح حرية قصوى للبحث عن صيغ تعبيرية فاعلة ومؤثرة، مبنية على التركيز والتكثيف، والاكتفاء من الشيء بالإشارة، وهي أيضا بحث لا مشروط عن المعنى الذي يكمن في مكان ما بين التفاصيل، ومطاردة الجميل والفاتن والمهيب أيضا وأيضا، مما يحيل بكيمياء الدهشة كل نص إلى تحفة أدبية بديعة، ولأن القاص أو القاصة قناص حكايات، وأن كل حكاية هي بالضرورة كشف للسر، مثل النبوءة والسحر سواء بسواء، بحيث "إن الأدب يعبر عن الحياة، مثلما تعبر الخمر عن العنب" هكذا يزعم محمد خير الدين بطريقته السوريالية المعهودة.
تسبح بنا المبدعة المغربية سعيدة عفيف، من خلال قصص المجموعة العشر، داخل عوالم عجائبية تجريدية، بداية من العنوان المخاتل الماكر دون ريب، الذي سيفاجئ القارئ للوهلة الأولى، لغرابته إلى حد واضح، الغرابة التي تصدم القارئ، الجمال الذي ينهض على المفارقة العجيبة، وفتح الشهية على مزيد من الأسئلة التي توسّع الزمان، كما يعبّر عن ذلك موريس بلانشو، فعبد الفتاح كيليطو يستعمل مصطلح الغرابة بتعدد مستوياتها وأبعادها، من حيث إنها من أسس العملية الإبداعية، لكن قد نجد جوابا مباشرا فيما ذهب إليه رولان بارت، من أن العنوان هو البنية المستقلة التي نستشف من خلالها العلاقة التواصلية ما بين الخطاب والمتلقي، ويتقدم النص ويؤشر، فالجملة الإسمية التي تكون هذا العنوان تحيل من أول وهلة، على خصوصيات المطبخ المغربي وعلاقته الوطيدة بعوالم النساء، وثرائه وتنوعه، وما يحفل به من أصناف الأكل والمشهيات، التي بحسب علمي المتواضع، تناولها الأدب العربي في شقيه المعرب والشعبي بإسهاب كبير على مر العصور
كما أن القاصة تتوسل بترسانة من المقتبسات، والاستهلالات، والتصديرات، والأسانيد، أسماء لمعنى واحد لتلك المقدمات التي اختارتها المبدعة بعناية فائقة لتزين بها نواصي النصوص، جاء في كلام أبي هلال العسكري قوله: "أحسنوا معاشر الكتاب الابتداءات فهن دلائل البيان"، وفي نصوص خورخي لويس بورخيس أو أمبيرتو إيكو، قلما نجد نصا من دون استهلالات مستمدة من مصادر عدة ولغات متعددة، إنها بمثابة تجسيرات نصوصية موازية، تحوي قدرا من الحكمة والتبصر والمتعة والعبرة، خطابات قائمة بذاتها، عتبات على هيئة متون مضمرة تشارك في بنية النصوص، خطاب منتج لمعادلات سردية، نص ملحق بنص، نص مواز لنص يحقق في عمقه أغراضا فنية وبلاغية، وأخرى جمالية مرتبطة أساسا بالمتن القصصي، و"اختيار الكلام أصعب من تأليفه" كما يقول محمد بن عبد ربه، كما تشي إلى امتلاك القاصة سعيدة عفيف لكل مقومات وأدوات الكتابة القصصية الجادة، واعتمادها لغة أنيقة سلسة بسيطة وثراء أفكارها وتنوع المواضيع التي تعالجها.
أقول تماما أني أروم التقديم لهذه القصص القصيرات – دون الرغبة في توجيه القارئ والسقوط في التأويل أو نية إحداثه - بأنها تكاد تلتقي في رسالتها ومراميها الإنسانية، مشرعة شرفاتها علي فضاءات سوريالية، ابتداء من النص الأول "على المرقص"، الذي يثير مجموعة من الأسئلة الفلسفية، الرامية للوصول بنوعية حياة الكائن إلى الطمأنينة الروحية والصفاء الجواني، كما يجسدها راقصان يؤديان مشهدا استعراضيا يشتغل على عدة إيماءات جسدية وحوارية عميقة وأداء ممسرح، وعبر توليف أليغوري يجمع بين الواقع والخيال، مما يجعلنا ننساق لغواية السرد والرقص معا، لنكتشف في الختام أننا إزاء خدعة لإحدى اللعب الآلية، حيث الحياة لعب ولهو في كل أوجهها، ومتى وحيثما عرفنا كيف نجيد الرقص نكتشف سر الوجود وثراء الحياة، ومغزاها الحقيقي. خدعة فنية نجحت الساردة في سبك حبكتها بفنية ودربة راقية، فيما تحيل قصة "في انتظار حَبّ الرّشاد" على المطبخ المغربي وتنوعه، وتبيان علاقته بالعنصر النسوي أساسا، والتوجس مما قد يتهدده من أخطار في مواجهة تهديدات الأكلات السريعة وزحف العولمة، ويؤكد في بعده الرمزي على روح التضامن والتسامح وعلاقة الرجل بالمرأة، فــ "فْتاتْ الشَّطْبَة" مؤنث و"حَبّ الرّشاد" مذكر، هذا الاهتمام بحال المرأة ككائن بشري وإنسان بالدرجة الأولى هو محور مجمل النصوص، وبديهي بالنسبة للكتابة النسوية عموما، إذ تجتهد في رصد أوجه الاستغلال البشع والعنف والدمار الذي يحيق بالمجتمع، والبحث عن الهوية بين ركام التشظي والاستلاب والتيه، مما ينعكس بوعي أو دونه على مصير شخوص الحكايات، من خلال تهيؤات الغالية بطلة قصة "مسخ" وتوظيف حكاية هيبا ورغبته في الإفلات من لعنة عزازيل، وعبر شخصية "عايشة" التي ترمز لكل النساء، وإحساسهن بوعيهن الطبقي، وتمردهن على الوصاية، على الصمت، على التخطية، وعلى ما يحيق بهن من مظالم وعسف وغبن، وتعرية للجرح الأنثوي الذي يحاكم المجتمع الذي يعتبر جسد المرأة رهينة وغنيمة قسمة ونصيب، بينما يفتح نص "بحر الدماء"، بملامحه التجريدية ذات معالم الخيال العلمي، كوة على الحروب وما تخلفه من آثار جانبية ومن دمار شامل، ويرصد تنامي ظاهرة العنف والقتل ببرودة دم، وبلا أخلاقيات، وبلا جبهات مرسومة، ولا ضحايا محددين، إنه التاريخ المشترك للبشرية، ذلك الذي تحاول القاصة سعيدة عفيف النبش عنه في خزين الذاكرة، وتحويله إلى حلبة احتجاج ومعترك ميداني من أجل خلخلة الجاهز في الوعي الفحولي، والدفاع عن المرأة التي تخصص لها حيزا كبيرا في كتاباتها الإبداعية، مما يساعد على تعزيز وتقوية مكانتها الطبيعية والمستحقة في المشهد الإبداعي المغربي والعربي
لا يفوتني في نهاية هذا التقديم المتواضع، التنويه بهذا الإصدار الذي يسعد رابطة أقلام أحمر تقديمه، في إطار سلسلتها الدورية التكافلية الطوعية، التي تعتبر تعاملا حضاريا مع النشر، باعتباره ضرورة وجود، وظاهرة صحية تسعى إلى بعث مشهد ثقافي خلاق ومتطور ومنفتح على كل الحساسيات، في غياب الدعم التام للكتاب، وتراجع نسبة القراءة بين جمهور المتعلمين.

المهدي نقوس
اليوسفية 26 - 06 - 2015




#نقوس_المهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية - الحذاء ا ...
- سهرة مع الثعابين
- تجليات الخطاب الصوفي في رواية قرية ابن السيد للروائي المغربي ...
- الحمرية - أقصوصة
- ظاهرة التشرميل بالمغرب
- الأدب المهجري تاريخه خصوصياته ومظاهره
- -ذكريات سرمدية- للشاعر عبد اللطيف بحيري قراءة في العتبات
- هل هي بداية خريف الحركات الاسلاموية في العالم العربي
- ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
- ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
- -وشوشات مبعثرة- ليلى مهيدرة - قراءة في الانساق
- ترنيمة لمفاتنها
- حقوق الإنسان باليوسفية.. الواقع والآفاق
- أعض على أناملي ثملا بالفجيعة
- قراءة في رواية الطريق الى الملح للمبدع عبد الكريم العامري
- أكبادنا عشب هذا الربيع.. وقصص أخرى
- مخامرات عباس الرابع
- أوطان آيلة للسقوط
- التوك توك - أقصوصة
- فتية على الحافة.. ونصوص اخرى


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقوس المهدي - تقديم مجموعة -في انتظار حَبّ الرّشاد- لسعيدة عفيف