أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - اليَوْمُ التَّالِي: المُعَارَضَةُ السُّودانيَّةُ تَتَجَاوَزُ مُعْضِلَتَهَا!















المزيد.....

اليَوْمُ التَّالِي: المُعَارَضَةُ السُّودانيَّةُ تَتَجَاوَزُ مُعْضِلَتَهَا!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 4965 - 2015 / 10 / 24 - 23:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(1)
منذ أن ألقت أمريكا قنبلتيها الذَّريَّتين على هيروشيما وناجازاكي، في أغسطس 1945م، مع خواتيم الحرب الثَّانية، فأبادت مئات الآلاف من اليابانيِّين المدنيِّين، أضحى مضمون العنوان الأبرز لأيِّ بحث علمي، أو عمل إبداعي، حول أيِّ تفجير نووي، هو الرُّعب المزلزل مِن مجرَّد تصوُّر النَّتائج التي يمكن أن تقع في "عقابيله"، مثلما أضحت عبارة "اليوم التالي the day after" هي المعادل اللغوي الذي يختزل هذا المضمون.

(2)
وفي السُّودان، مع الفارق، ظلَّ "اليوم التَّالي" يمثِّل "كعب آخيل" المعارضة السِّياسيَّة، على مرِّ أزمنة التَّغيير، وأزماته الثَّوريَّة، في معنى "السِّياسات البديلة" التي يُفترض أن تحلَّ محلَّ السِّياسات القديمة، وبشكل أساسي خلال "الفترة الانتقاليَّة" التي تعقب عمليَّة التَّغيير مباشرة، والتي تتواثق أطراف المعارضة، عادة، على مداها الزَّمني، حيث تجري، خلالها، عمليَّات التَّغيير الابتدائيَّة لنظام الحكم من الشُّموليَّة إلى الدِّيموقراطيَّة، ومن الحرب إلى السَّلام، بصرف النَّظر عن وسيلة التَّمهيد لهذا التَّغيير، سواء بالحوار/التَّفاوض إنْ توفَّرت شروطه، أو بالانتفاضة الجَّماهيريَّة. لكن، أيَّاً كان الحال، فإن من أوجب واجبات المعارضة أن تتحسَّب لهذه "الفترة الانتقاليَّة"، وأن تعدَّ لها عدَّتها، مسبقاً، وعلى جميع الأصعدة الدُّستوريَّة، والقانونيَّة، والاقتصاديَّة، والخدميَّة، والاجتماعيَّة، وغيرها.
بعبارة أخرى، لئن كانت "قنبلة التَّغيير" التي تتفجَّر بفعل الأزمات الثَّوريَّة هي، في غالبها، من صنع الجَّماهير، فإن ما يتبقى على قوى المعارضة السِّياسيَّة أن تنهض به هو رفد ذلك الصَّنيع الجَّماهيري بـ "سياسات بديلة" تملأ "الفراغ" الذي يحدثه وقوع هذه "القنبلة"، حتماً، منذ صبيحة "اليوم التَّالي"، حيث أن "الفراغ" مستحيل في السِّياسـة، تماماً كما في الطبيعة!

(3)
غير أن المعارضة ظلت تعجز، في كلَّ مرَّة، عن طرح "السِّياسات البديلة" المطلوبة قبل وقت كافٍ. وعلى العكس من ذلك كان أقصى ما بلغته على شفا تغيير النِّظامين الشُّموليَّين السَّابقين، الأوَّل بـ "قنبلة أكتوبر" ضدَّ نظام عبُّود عام 1964م، والآخر بـ "قنبلة أبريل" ضدَّ نظام النِّميري عام 1985م، هو توصُّلها، فحسب، وبشقِّ الأنفس، وفي آخر لحظة عشيَّة إعلان الانتصار الجَّماهيري، بل في السَّاعة الخامسة والعشرين، إلى توافق شكلي على الحلف السِّياسي الذي يُفترض أن يقود "النِّظام الجَّديد"، الأمر الذي لم يمكِّن التَّجربتين من صياغة "البديل" المطلوب قبل وقت كافٍ، فأعجزهما، من ثمَّ، بلوغ غايتهما الاستراتيجيَّة في إرساء دعائم السَّلام والدِّيموقراطيَّة، مِمَّا تسبَّب، في المرَّتين، في الإطاحة بنظاميهما، وإضاعة المكاسب العزيزة التي كانت الجَّماهير قد بذلت في سبيلها كلَّ مرتخص وغالٍ من المهج والأرواح!
واستطراداً، فإن ذلك هو نفس الدَّرس الذي لم تستوعبه، للأسف، تجارب "الرَّبيع العربي" في المنطقة، حيث تمكَّنت، فقط، من إسقاط الشُّموليَّات، دون أن تتمكَّن من التَّوافق، في داخلها، على "سياسات بديلة" لمشروعات وطنيَّة ديموقراطيَّة تلتفُّ حولها جماهير الشَّعب التي بادرت بتفجير "قنابل التَّغيير"، ما أدى لانتكاس ثوراتها في "اليوم التالي"!

(4)
مؤخَّراً، ومع تصاعد احتمال وقوع تغيير قريب بأيٍّ من الوسيلتين المار ذكرهما، تسارعت وتائر عمل المعارضة في تجاوز عوامل ضعفها الذَّاتي، وعبور الكثير من المطبَّات والعوائق التي تعترض طريقها، إلى أن بلغت، في السِّياق، وبدعم دولي وإقليمي قوي، تواثقين تاريخيَّين، هما "نداء السُّـودان" في الثالث من ديسمبر 2014م، و"إعـلان برلين" في السَّابع والعشرين من فبراير 2015م، واللذين مهَّد لهما "إعلان باريس"، قبل ذلك، في أغسطس 2014م، لولا أنه كان، على أهميَّته، قاصراً على ضلعين فقط من أضلاع تحالف المعارضة، هما "الجَّبهة الثَّوريَّة" و"حزب الأمَّة القومي".
فأما "نداء السُّـودان" الذي أُبرم بأديس أبابا، واعتبر بمثابة "الإعلان السِّياسي عن دولة المواطنة والدِّيمقراطيَّة"، فميزتاه الأساسيَّتان أنه، من جهة أولى، الأفضل في نوعه من حيث شمول المحتوى، وإحكام الصِّياغة، وقد ضمَّ، من جهة أخرى، وبشكل حاسم وفعَّال لأوَّل مرَّة خلال ربع قرن، قوى "المجتمع المدني"، ممثَّلة في ما أضحت تُعرف بـ "مبادرة المجتمع المدني"، إلى قوى المعارضة الثلاثة الأخرى، وهي "الإجماع الوطني"، و"الجَّبهة الثَّوريَّة"، و"حزب الأمَّة القومي"، مواصلة لإرث الثَّورة السُّودانيَّة، وتقاليدها الرَّاسخة منذ مطالع الاستقلال السِّياسي، ثمَّ ثورة أكتوبر 1964م، وانتفاضة أبريل 1985م.
وأمَّا "إعلان برلين" الذي أبرم بين نفس الأطراف، بدعوة من الخارجيَّة الألمانيَّة، وتسهيل من منظمتي بيرقوف وSWP، توحيداً لمخاطبة جذور الأزمة السُّودانيَّة، ودعماً لمجهودات المجتمع الدَّولي ممثَّلاً في الاتحاد الأفريقي ولجنته رفيعة المستوى بقيادة الرَّئيس الجَّنوبأفريقي السَّابق تابومبيكي، لأجل إجراء حوار قومي دستوري بين الحكومة والمعارضة يفضي إلى سلام شامل، وتحوُّل ديموقراطي كامل، فقد أكَّد على استعداد قوى "نداء السُّودان" للمشاركة في هذا الحوار، وفق قرار الاتحاد الأفريقي رقم/456 لسنة 2014م، مع تشديدها على ضرورة استصحاب رؤيتها لتهيئة مناخه قبل الدُّخول فيه.

(5)
هذه المرَّة، وبخلاف المرَّتين السَّابقتين، باتت قوى "نداء السُّودان" أدنى لأن تُوفَّق إلى اتِّخاذ موقف موحَّد ومتماسك حول قضيَّة "البديل"؛ ثمَّ ما لبث هذا الموقف أن أصبح أكثر وضوحاً، وأكثر جدوى، عندما كوَّن هذا التَّحالف، ضمن هيكلته لنفسه، لجنة لصياغة ما سُمِّي بـ "السِّياسات البديلة"، فدعت هذه اللجنة أكثر من 40 من الخبراء والنَّاشطين، من الجِّنسين، إلى ورشة عمل التأمت بدار حزب الأمَّة القومي بأم درمان، من 14 إلى 17 أكتوبر الجاري، حيث ناقشوا "سياسات" المشروع الوطني الدِّيموقراطي "البديلة"، والمفضيَّة، على المدى القريب، خلال "الفترة الانتقاليَّة"، ثمَّ في ما يلي ذلك، على المديين المتوسِّط والبعيد، إلى ديموقراطيَّة راسخة، وسلم وطيد، وتنمية عادلة.
رسمت الورشة خارطة طريق معقولة لتحقيق التَّوافق بين قوى "نداء السُّودان" حول المنهجيَّة، والإطار العام، والقضايا المحوريَّة لهذه "السِّياسات البديلة"، بما يصلح، أيضاً، للدَّفع به إلى طاولة الحوار العربيَّة كأنموذج يمكن أن يُحتذى؛ وإلى ذلك اقتراح آليَّات النقاش، وتنظيمه، أثناء دراسة هذه "السِّياسات"، ووضع تصوُّراتها؛ وتطوير استراتيجيَّة اتصال فعَّالة لإشراك كلِّ المجتمع في تطويرها، بما في ذلك إشراك مكوِّنات السُّودانيِّين، من الجِّنسين، في مغترباتهم ومهاجرهم؛ وتطوير خطة تفصيليَّة لإنتاج هذه "السِّياسات"، وتنفيذها، خلال "الفترة الانتقاليَّة"، والأخذ في الاعتبار بالتَّحدِّيات العمليَّة لذلك، خصوصاً الميزانيَّات، والموارد الماليَّة والبشريَّة، وسائر التَّحدِّيات الموضوعيَّة التي من شأنها مجابهة هذه المهام داخليَّاً وخارجيَّاً؛ والتوصُّل إلى توافق حول مبادئ وإطار العمل، بما يشمل القضايا والمحاور والمسائل التي ينبغي تناولها، كالاقتصاد، والقانون، والأمن والسَّلام، وغيرها، وكذلك المسائل ذات الصِّلة بمعوِّقات الانتقال، وما إليها، فضلاً عن فتح وابتدار نقاش واسع حول طبيعة الدَّولة في "الفترة الانتقاليَّة"، واجتراح الآليَّات المناسبة لذلك.
وعلى أهميَّة وخطورة تلك القضايا جميعها، إلا أن "الإصلاح العدلي" يشغل، بطبيعته، ومن باب أولى، مكانة متقدِّمة بينها، من حيث ترميم، إن لم يكن تثوير، نظام مناسب للعدالة خلال "فترة الانتقال"، خصوصاً "العدالة الانتقاليَّة"، بالوجهين الرَّئيسين لهذا النِّظام: الدُّستور والقوانين من جهة، والأجهزة المنوط بها تشريع، وحراسة، وتطبيق هذا الدُّستور وهذه القوانين من جهة أخرى، وذلك باتِّجاه تضميد الجِّراح، وتصفية تركة الماضي المثقلة، بغرض التَّمهيد للانتقال المنشود، وإزاحة كلِّ العقبات التي من شأنها أن تعرقل طريقه، وبالأخصِّ العوامل التي توسع من فرص "الإفلات من العقاب Impunity"، اتِّساقاً مع رؤية وجهود الاتِّجاهات الدَّوليَّة الحديثة.
***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أُكتوبَر: حِكَايَةُ رَجُلٍ اِسمُهُ بَشِيرُ الطَّيِّب!
- حَوْلَ قِيمَةِ الإجْماعِ بَيْنَ الشُّورَى والدِّيمُوقْرَاطيّ ...
- مَلامِحٌ مِن المُقدِّمَاتِ الفِكْرِيَّةِ لِحَفْزِ الانْفِصَا ...
- عِيدُ أَضْحَى سَعِيدٌ: بَيْنَ رِحَابِ الحُرِّيَّةِ وحَظَائِر ...
- السُّودَانُ وَحُقُوقُ الإِنْسَان: بين السَّيِّئ والسَّيِّئ ج ...
- دَارْفُورْ: دُرُوسُ الانْتِفَاضَةِ والانْفِصَال!
- رِجَالٌ فِي الشَّمْسِ .. رِجَالٌ فِي الثَّلْج!
- أَثَرُ العَلاقَاتِ الإِسْلاميَّةِ المَسِيحيََّةِ عَلَى وُحْد ...
- الدَّوْلَةُ: في الإِبَانَةِ حَوْلَ المَفْهُوْمِ والمُصْطَلَح ...
- إنْكَارُ التَّعَدُّديَّةِ كَعْبُ آخيلِ الإِسْلامِ السِّياسِي ...
- الحِوَارُ السُّودَانِيُّ أَوْ .. عَجَلةُ التَّاريخِ المَعْطُ ...
- مِنْ سَايكِسْ بِيكو إِلى .. دَاعِش!
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [الأخيرة]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [7]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [6]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [5]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [4]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [3]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [2]
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَام [1]


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - اليَوْمُ التَّالِي: المُعَارَضَةُ السُّودانيَّةُ تَتَجَاوَزُ مُعْضِلَتَهَا!