أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (6)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (6)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4931 - 2015 / 9 / 20 - 16:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (6)
طلعت رضوان
إذا كانت الفترة السابقة على الإسلام (فترة جاهلية) كما وصفها محمد ، فكيف يتسق ذلك رغم أنّ لفظ (الله) الذى استخدمه محمد ، استخدمه (عرب الجاهلية) ؟ كما هو واضح من الشعر المنسوب لعدد كبير من (شعراء الجاهلية) وكان من بينهم أمية بن الصلت الذى قال ((الحمد لله مَمسانا ومُـصبحنا / بالخير صُـبّحنا ربى ومِسانا)) وهذا البيت من الشعر أنشده محمد وقال إنّ أمية ((كاد أنْ يسلم)) (الأصفهانى فى كتابه الأغانى ج4- ص136، 137- نقلا عن أ. أحمد حلمى عبد الحليم خلف فى كتابه (علاقة الأفكار النقدية بالسلطة السياسية حتى القرن الرابع الهجرى – هيئة الكتاب المصرية- عام 2014- ص91) ثم كان تعقيب أ. خلف ((وهكذا حافظ النبى على النواة الأساسية لدور الشعر فى القبيلة ، ولطبيعة العلاقة بين الشاعر والقبيلة)) ولكنه (أ. خلف) حاول أنْ يجعل للشعر دورًا مختلفــًا فأضاف ((إلاّ أنه قد منح هذه النواة بُـعدًا جديدًا متمثلا فى نقل دور الشعر من إطار الفضائل القبلية إلى إطار الفضائل الدينية)) ولكنــــــــــه (أ. خلف) خالف ضميره العلمى ولم يذكر طبيعة (الشعر) الذى قيل بعد الإسلام ، خاصة شعرحسان بن ثابت ، الذى انتقل من مديح الغساسنة إلى مديح محمد ، وكان حسان على صلة بالغساسنة هو والنابغة الذبيانى وعلقمة الفحل ، وكانوا يحصلون (ومن بينهم حسان بن ثابت) على منح وأعطيات ملوك الغساسنة. ثمّ تقرّب حسان بن ثابت من بلاط الحيرة وكان عليها النعمان بن المنذر، فحلّ حسان محل النابغة (حين كان الأخير فى خلاف مع النعمان) وقد تدرّب حسان على المديح والهجاء ، منذ كان لسان حال قبيلته الخزرج أثناء الصراع بين قبيلة الأوس ، كما كان قربه من ملوك الغساسنة ثم ملك الحيرة ، فصار أحد المُـتمرسين على المديح والهجاء ، ولما بلغ سن الستين سمع بمحمد فدخل فى الإسلام ، وعلى الفور بدأ يُمارس (خبرته المُـفضلة) فى المديح والهجاء ، فهجا القرشيين فى سبيل التقرب من محمد ، وفى نفس الوقت يمدح (محمد) مثل قوله ((نبى أتانا بعد يأس وفترة من الرسل/ والأوثان فى الأرض تــُـعبدُ / فأمسى سراجـًا مستنيرًا وهاديًا / يلوح كما لاح الصقيل المهند / وأنذر نارًا وبشـّـر جنة/ وعلــّـمنا الإسلام ، فالله نحمدُ)) وكان المقابل أنّ النبى (محمد) أجزل له العطاء والكثير من غنائم الحروب بين محمد والقبائل التى غزاها ليفرض عليهم سلطته. والمتأمل ل (شعر) حسان بن ثابت الذى حاز لقب شاعر الرسول ، يكتشف (بلغة النقد الأدبى) أنه مجرد كلام ليس له أدنى علاقة بالشعر. وأنّ حسان بن ثابت لم يختلف دوره فى الإسلام ، عن دوره (فى الجاهلية) أى حرفة المديح والهجاء. والسؤال الذى يتجاهله المُـتعلمون الكبار (المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة) لماذا احتضن محمد (النبى) حسان بن ثابت ، وشجـّـعه على قول (الشعر) فى حين أنّ القرآن أدان الشعراء حيث قال ((والشعراء يتبعهم الغاوون)) (سورة الشعراء/ 224) ؟ خاصة وأنّ الآية السابقة عليها نصّتْ على ((يلقون السمع وأكثرهم كاذبون))
واعترف أ. خلف أنّ حياة العرب ((كانت مرتبطة بالصراع وقائمة عليه)) ولذلك ((فإنّ الثقافة العربية جاءتْ ثقافة ذكورية ، أعلتْ من شأن الرجل ذى البأس والشدة إلخ... على حساب المرأة الضعيفة التى كثيرًا ما تتعرّض للسبى وجلب العار)) (ص102) ولكنه لم يمد كلامه على استقامته ليُوضح للقارىء ، أنّ هذا الموقف المُـنحط من المرأة ، شمل فترة ما بعد الإسلام كما كان الوضع قبل الإسلام ، وكان عليه أنْ يُـذكــّـر قارئه بالوقائع العديدة التى تعرّضتْ فيها المرأة (المسلمة) للسبى كما حدث فى واقعة (الحرة) عندما هاجم جيش يزيد بن معاوية المدينة واستباحها لمدة ثلاثة أيام ، وذكر المؤرخون مثل ابن الأثير والطبرى أنه تسبب فى قتل 4500 إنسان ، والاعتداء الجنسى على الفتيات الصغيرات ، حيث فــُـضّـتْ بكارة ألف بكر. كما أنّ القرآن أباح التسرى بالجوارى وفق منظومة (ما ملكت أيمانكم) وبدون تحديد (رقم) أى أنّ (الرخصة) بلا سقف ، ولذلك فإنّ أغلب خلفاء المسلمين كانوا يجمعون بين آلاف البنات (الجوارى) وذكر السيوطى فى تاريخ الخلفاء أنّ الخليفة المتوكل العباسى كان له أربعة آلاف سرية (أى أربعة آلاف جارية ملك يمين)
وجمع المؤلف بين الموضوعية والتعصب للإسلام عندما كتب ((والرجوع إلى العصبية التى كان الإسلام قد قضى عليها (وهذا غير صحيح بدليل أنّ التعصب هو الذى تسبّب فى قتل عمر بن الخطاب وعثمان وعلى ، والحرب بين على ومعاوية إلخ) ثم استكمل أ. خلف كلامه فكتب أنّ التعصب إنما ((هو رجوع إلى آلية من آليات حركية العقل العربى ، تتمثل فى روح الصراع والصدام ، ذلك الحس الصدامى الذى نتج عن النظام القبلى ، وطبيعة الحياة البدوية التى قضتْ بأنْ تكون الحياة لمن غلب ، مما أدى إلى حروب قاربتْ الاتصال المستمر، حتى وصل الأمر إلى أنْ تتصارع القبيلة الواحدة ، كالصراع بين بنى هاشم وبنى أمية على زعامة قريش ، لدرجة أنّ بعض بنى أمية رفض الإسلام – فى بدايته – لأنّ نبى الإسلام (محمد) من بنى هاشم ، استنادًا إلى العبارة الشهيرة : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسىْ رهان ، قالوا : منا نبى يأتيه الوحى من السماء ، فمتى نـُـدرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نـُـصدقه)) (تفسير القرآن لأبى الفدا إسماعيل بن كثير القرشى الدمشقى المتوفى عام 774هـ -) وكان تعقيب أ. خلف الذى نقل ذاك النص ((ولئن كان الإسلام على وعى بتجذر فكرة الصدام وامتلاكها لقلوب العرب ، فكان أنْ أعاد توظيفها بما يخدم الإسلام)) وفى سبيل تبرير ذلك أضاف ((فوجـّـه ذلك الحس الصدامى على البر والتقوى)) فكيف يكون الحرص على (البر والتقوى) من خلال آلية (الصدام) ؟ ذلك سؤال يتغافل عنه المؤيدون للإسلام بالعاطفة والموروث ، رغم أنّ تبرير أ. خلف يتناقض ويتافر مع أبسط أشكال استخدام (العقل) خاصة وأنّ أ. خلف ذكر أنّ ((رفض الإسلام (من بنى أمية) لم يكن رفضـًا ناتجًا عن نقاش أو محاربة للإسلام ، وإنما كان من منطلق صراعى مرير على السيادة القرشية بينهم وبين بنى هاشم رهط النبى محمد)) (ص135) كما تجاهل ما كتبه فى نفس الصفحة حيث ذكر أنّ العرب ((قد عادتْ إلى جاهليتها ، ولم يعد الإسلام إلاّ قناعًا ومظهرًا)) وفى الصفحة التالية كتب ((ومن ثمّ فقد كان أمرًا طبيعيا أنْ تنطلق السلطة الأموية باسم القرآن والسنة ، وأنْ تزعم أنها الإمامة الكبرى والأصل الجامع ، وكل خروج عليها يعد خروجـًا على الأصل ، والخروج على الأصل إنما هو هو خروج على الإسلام)) (ص136)
وهل غيّر الإسلام من طبائع العرب المُعادية لغيرهم من الشعوب ؟ الإجابة تــُـقدّمها كتب التاريخ العربى / الإسلامى ومن بينها ما رواه الأصفهانى فى (الأغانى) حيث كتب أنّ رجلا من (الموالى) تزوّج من إنسانة يبدو أنها ليستْ (عربية) ففرّق الوالى بين (المولى) وزوجته وضربه مائتىْ سوط وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه)) وبعد ارتكاب جريمة فصل الزوجة عن زوجها ، الذى تم التنكيل به (حلق رأسه وحاجبيه وضربه مائتىْ سوط) فإنّ محمد بن بشير (الذى حرّض الوالى على الزوج وزوجته) قال ما يزعم العرب أنه (شعر) : شهدتُ غداة خصم بنى سليم / وجوهًـا من قضائك غير سود/ حمى حدبًا لحوم بنات قوم/ وهم تحت التراب أبو الوليد/ وفى المئتيْن (إشارة إلى الجلد) للمولى نكال/ وفى سلب الحواجب والخدود/ إذا كافأتهم ببنات كسرى / فهل يجد الموالى من مزيد/ فأى الحق أنصف للموالى/ من إصهار العبيد للعبيد)) (ص147)
وعن التعصب (العروبى) لغير العرب كتب أ. خلف ((كانت العرب لا تولى الإمارة والقضاء إلاّ لعربى ، وكذلك لا يُسامر الخليفة إلاّ عربى ولذا فإنّ الذى اعتدّ به الحجاج بن يوسف على سعيد بن جبير، لما أتى به إليه بعد انقضاء أمر ابن الأشعث ، وكان سعيد (عبدًا) لرجل من بنى أسد بن خزيمة ، فاشتراه سعيد بن العاصى فى مائة عبد فأعتقهم جميعًا ، فقال له الحجاج : يا شقى بن كسير/ أما قدمتَ الكوفة ، وليس يؤم بها إلاّ عربى فجعلتم إمامًا ؟ قال : بلى ، قال : أفما وليتك القضاء ، فضجّ أهل الكوفة وقالوا : لا يصح القضاء إلاّ لعربى ، فاستقضيتُ أبا بردة بن أبى موسى الأشعرى وأمرته ألاّ يقطع أمرًا دونك ، قال : بلى ، قال : أو ما جعلتك فى سمارى وكلهم من رؤوس العرب ؟ قال : بلى . قال : أو ما أعطيتكَ مائة ألف درهم لتفرقها فى أهل الحاجة ؟ ثم لم أسألك عن أى شىء منها ، قال : بلى . قال : فما أخرّكَ علىّ ؟ قال بيعة كانت لابن الأشعث فى عنقى ، فغضب الحجاج ثم قال : أفما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك فى عنقك من قبل ؟ والله لأقتلك.. ثم أمر الحرس بضرب عنقه)) وفى واقعة أخرى فإنّ الحجاج عندما نزل منطقة (واسط) كتب إلى عامله بالبصرة أنْ ينفى أبناء (النبط) فكتب إليه عامله ((قد نفيتُ النبط إلاّ من قرأ القرآن وتفقه فى الدين)) فكتب إليه الحجاج ((إذا قرأتَ كتابى فادع من قِبلك من الأطباء ونمْ بين أيديهم ليقفوا عروقك ، فإنْ وجدوا فيك عرقــًا نبطيًا فاقطعه والسلام)) فى تلك الوقعة فإنّ أهالى (النبط) لم يشفع لهم التفقه فى الدين (الإسلامى) ولا قراءة القرآن ، وأصرّ الحجاج على نفيهم من البصرة ، بل إنه هدّد عامله بأنه سيستدعى (الأطباء) ليتأكــّـدوا من أنه ليس فيه أى عرق (نبطى) وإذا وجدوا ذلك العرق النبطى فعليهم أنْ يقطعوه.
وكان أ. خلف موضوعيًا عندما كتب ((اعتقد كثير من الشعراء (العرب) أنّ الإساءة إلى غير العرب لا تــُعد عيبًا ولا نقيصة ، من ذلك ما قاله جرير ((يا مالك بن طريف إنّ بيعتكم/ رفد القرى مفسد للدين والحسب/ قالوا نبيعكه بيعًا فقلتُ لهم/ بيعوا الموالى واستحيوا من العرب/ لولا كرام طريف ما غفرتُ لكم/ بيعى قراى ولا أنسأتكم غضبى/ هل أنتم غير أوشاب زعافنة / ريش الذنابى وليس الرأس كالذنب)) وهكذا فإنّ جرير (الشاعر) يُحرّض على بيع (الموالى) ويحط من شأنهم وأنّ الإساءة إليهم لا تــُـعتبر عيبًا. وكان العربى (الفقير) يُـفضــّـل أنْ يظل على فقره ولا يكن غنيًا من (الموالى) أى من غير العرب ، لأنهم – من وجهة نظره – (منبع اللؤم) وفى ذلك ذكر الجاحظ : قلتُ لعبيد الكلابى وكان فصيحـًا فقيرًا : أيسرك أنْ تكون هجينـًا ولك ألف جريب ؟ (الجريب : مقياس لمساحة من الأرض ، مثل القيراط أو الفدان) قال : لا أحب اللؤم . قلت : فإنّ أمير المؤمنين ابن أمة (= عبدة) قال : اخزى الله من أطاعه. قلت / نبينا محمد ونبيا إسماعيل كانا ابنى أمة. قال : لا يقول هذا إلا قدرى . قلتُ : فما القدرى ؟ قال لا أدرى.
وكذلك يرى العربى أنه من العار أنْ تتزوّج العربية من غير العربى ((سواء فى الدنيا أو فى الآخرة)) وهكذا يمتد التعصب العرقى/ العربى/ البدوى (بعد الإسلام) ليشمل الميتافيزيقا عن (الآخرة) وما فيها من حور العين ، وأنّ الإنسانة (العربية) لابد أنْ تتزوج من (عربى) حتى فى (الآخرة) وفى ذلك ((زعم الأصمعى قال : سمعتُ أعرابيًا يقول لآخر: أترى هذه (العجم) تنكح نساءنا فى الجنة ؟ قال : أرى ذلك والله بالأعمال الصالحة. قال : توطأ والله رقابنا قبل ذلك)) (مع ملاحظة أنّ لفظة (العجم) تعنى (البهيمة) والمرأة حتى المسلمة عجماء أى بهيمة (مختار الصحاح – ص440) وكان أ. خلف موضوعيًا (رغم دفاعه عن الإسلام) عندما كتب ((وبلغ ترفع العربى وتعاليه على (الموالى) وإذلاله وامتهانه لهم أنه إذا أقبل العربى من السوق ومعه شىء فرأى مولى دفعه إليه ليحمله عنه ، فلا يستطيع أنْ يمتنع . وإذا لقيه راكبًا وأراد أنْ ينزله فعل)) (من ص 146- 149) ولكن أ. خلف تجاهل ذكر تعليمات عمر بن الخطاب لواليه فى مصر (عمروبن العاص) وقال له فيها أنْ ((يختم فى رقاب أهل الذمة بالرصاص ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ، ويركبوا على الأكف عرضًا ، ولا يدعوهم للتشبه بالمسلمين فى لبوسهم)) (فتوح مصر وأخبارها – ابن عبد الحكم القرشى- مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر- عام 1974- ص 105) ووصل الأمر لدرجة أنْ يُخصص العربى الدعاء لسائر (العرب) دون (العجم) ومن أمثلة ذلك ((اللهم اغفر للعرب خاصة وللموالى عامة ، وأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك)) فكان تعليق أ. خلف الذى نقل هذا الدعاء ((ومهما يكن من أمر، فإنّ منزلة الأعاجم (أى البشر الذين وصفتهم اللغة العربية بالبهائم) بصفة عامة فى عهد بنى أمية لم تكن منزلة كريمة ، ولم تكن نظرة العرب إليهم تقوم على أسس دينية وإنسانية بقدر ما تقوم على أسس عنصرية والآثار التاريخية أصدق دليل على ذلك (هكذا كتب بينما الأدق التراث العربى/ الإسلامى وليس الآثار التاريخية) ثم أضاف ((ولقد أوغر هذا الأمر صدور (الأعاجم) على بنى أمية ، وملأ قلوبهم حقـدًا وعداوة ، وكان نتاج ذلك أنْ شاركوا مشاركة فعالة فى تلك الثورات العديدة ضد الخلافة الأموية ، كثورات ابن الزبير وابن الأشعث ويزيد بن المهلب ، وثورة الخوارج والشيعة. وكان قد استقرّ فى نفوسهم أنّ الأمويين نهبوا السلطان من الأمة وينبغى أنْ يعود إليها بحيث تتحقق المساواة بين أفرادها . وكان صوت هؤلاء الناقمين له تأثيره الواضح فى (الموالى) فقد كانت تنضم إلى كل هذه الثورات فئات من (الموالى) الذين اضطهدهم بنو أمية وحرموهم المساواة بالعرب فى الحقوق ، ولذلك مضوا يجاهدون الأمويين جهادًا عنيفــًا)) (ص150) ولأنّ المؤلف أ. خلف حريص على الدفاع عن الإسلام فى كل صفحات الكتاب ، ذكر أنّ عدم المساواة فى الحقوق ((مخالفة صريحة للإسلام)) ولكنه تجاهل أنّ القرآن وضع أساس التفرقة فى الحقوق ، سواء بين المرأة (العربية والمسلمة) والرجل (العربى والمسلم) وفرّق بين المسلمين وغير المسلمين ، عندما وضع قاعدة أداء (الجزية) أو القتال (التوبة/ 29) بل إنّ المُـخالفين لتعليمات محمد ليس أمامهم إلاّ ما نصّ عليه القرآن ((تقاتلونهم أو يسلمون)) (الفتح / 16) هكذا دون مواربة ، أو كما يقول شعبنا المصرى فى أهازيجه البديعة ((من غير لف ولا دوران) فإنّ (المُـخالفين) لمحمد عليهم الاختيار بين أمريْن لا ثالث لهما : الدخول فى الإسلام أو القتل . فهل هذا الوضع يختلف عما كان سائدًا قبل الإسلام ؟ حيث كانت القبائل العربية فى فترة (الجاهلية) تقتل كل من يُخالف رئيس القبيلة ؟
وللتأكيد على ذلك أضاف أ. خلف ((وكان من إشارات أفول شمس الدولة الأموية أنْ تولى عليها شرارها أمثال الوليد بن عبد الملك ، الذى كان مدمنـًا للخمر، ومُـنادمًا للفساق والمغانى ، فاستغل ذلك دعاة أبى سلمة فى خراسان ، فقد بدا بوضوح فساد الحكم ، كما بدا فساد النظم الاجتماعية التى رزح (الموالى) تحت أثقالها الباهظة ، وتراءى حينئذ فى الأفق أنّ سلطان البيت الأموى يؤذن بالسقوط ، لا لما انتشر فيه من فساد الترف فحسب ، بل أيضًا لما نشب من خلاف عنيف بين أفراده ، إذْ لم يلبثوا أنْ قتلوا الوليد وأخذوا يتطاحنون على عرش الخلافة تطاحنـًا مرًا)) (ص150) وعن العلاقة بين الشعراء والسلطة ، كان على الشاعر أنْ يضبط نفسه على (مديح) السلطان فإنْ اختلّ ميزان (شعره) ولم يمتدح صاحب السيادة ، أو تجرّأ وانتقد (ولو بطريق غير مباشر) ((فيُـقطع لسانه أو يطير رأسه)) وفى هذا الصدد قال ابن سلام الجمحى ((حدثنى أبو الغراف عمن يثق به فقال : بعث يزيد بن عبد الملك حين قتل يزيد بن المهلب إلى الشعراء ، فأمر بهجاء يزيد وأهل بيته ومنهم الفرزدق وكثير والأحوص ، فقال الفرزدق : لقد امتدحتُ بنى المهلب بمدائح ما امتدحتُ بمثـلها أحد ، وإنه لقبيح بمثلى أنْ يُـكذب نفسه على رأس الكبر، فليعفنى أمير المؤمنين فأعفاه . وقال (كثير) إنى أكره أنْ أعرض نفسى وقومى لشعراء أهل العراق إنْ هجوتُ بنى المهلب . أما (الأحوص) فإنه هاجمهم فكانت نتيجته أنْ أمر يزيد بن عبد الملك بحلق رأسه ولحيته وضربه ضربة (الحد) فكان يقول : ما هكذا تــُـضرب الحدود)) (ص172) وقال الجمحى ((سمعت سلمة بن عياش قال : حُـبستُ فى السجن فإذا فيه الفرزدق ، وسألنى ممن أنت ؟ قلتُ : من قريش . قال : كل (...) حمار من قريش . من أيهم أنت ؟ قلت : من بنى عامر. قال : لئام والله أذلة. جاورتهم فكانوا شر جيران . قلتُ : ألا أخبرك بأذل منهم وألأم ؟ قال : بلى . قلتُ : بنو مجاشع . قال : ويلك لمَ ؟ قلتُ : أنت شاعرهم وسيدهم وابن سيدهم ، جاءك شرطى مالك حتى أدخلك السجن ، لم يمنعوك . قال : قاتلك الله)) (ص176) والمغزى من تلك الواقعة أنّ ميراث التنابذ والتعصب للقبيلة (قبل الإسلام) استمرّ بعد الإسلام.
والخليفة المأمون لم يختلف عن سابقيه من الخلفاء المسلمين فى سماع المديح (أى المداهنة) واحتكاره لنفسه ، فإذا مدح الشاعر أحدًا غيره غضب عليه ، ومن أمثلة ذلك لما بلغ المأمون قول على بن جبلة فى مدح أبى دلف وقال (كل من فى الأرض من عرب / بين باديه وحاضره/ مستعير منك مكرمة/ يكتسبها يوم مفتخره)) فغضب المأمون من ذلك وقال : اطلبوه حيث كان ، فلم يعثروا عليه حيث هرب عندما علم بغضب المأمون.. وبعد عدة ملاحقات من شرطة المأمون قبضوا عليه. فقال له المأمون : يا ابن اللخناء أنت القائل للقاسم بن عسير : كل من فى الأرض من عرب/ بين باديه إلى حاضره.. إلخ لقد جعلتنا نستعير المكارم منه. فقال له يا أمير المؤمنين أنت أهل بيت لا يُـقاس بكم أحد لأنّ الله فضّــلكم على خلقه (لاحظ المداهنة) واختاركم لنفسه ، وإنما عنيتُ بقولى فى القاسم أشكال القاسم وأقرانه. فقال المأمون : والله ما استثنيتَ أحدًا عن الكل)) ثم أمر ((سلوا لسانه من قفاه)) وفى رواية أخرى أنّ المأمون اتهم الشاعر بالكفر، وقال له ((كذبتَ يا ماص بظر أمك)) ثم أمر ((سلوا لسانه من قفاه)) (180)
وأشار ابن رشيق إلى مسألة العلاقة بين السلطة والشاعر، من خلال نصحه للشعراء بالـبُـعد عن الارتباط السياسى مع الأحزاب المُـتناحرة على السلطة (وكأنّ تلك النصيحة هى مهمة (الناقد) كما فعل ابن رشيق ، الذى ذكر ما حدث لشاعر الدولة العباسية (سديف) الذى انحاز إلى ثورة محمد بن الحسن ضد أبى جعفر المنصور، وقال : ((إنــّـا لنأمل أنْ ترتد ألفتنا / بعد التباعد والشحناء والإحن/ وتنقضى دولة أحكام قادتها / فينا كأحكام قوم عابدى وثن/ فانهض ببيعتكم تنهض بطاعتنا / إنّ الخلافة فيكم يا بنى الحسن)) فلم يتحمل المنصور هذا الكلام ، فكتب إلى عامله بأنْ يدفن (الشاعر) سديف حيًا ففعل (ص188، 189) وتكمن أهمية تلك الواقعة ، بربطها بما فعله ذاك (الشاعر) سديف حيث وقف يتملق الخلافة العباسية ضد الخلافة الأموية. وكان أبو العباس يتتبع بنى أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم ، فأخذهم ولم يُـفلت منهم إلاّ الرضيع أو من هرب. وكان أبو العباس قد أمّـن سليمان بن هشام بن عبد الملك وكبار القوم من الأمويين ثم دعاهم إلى مأدبة عشاء ، فدخل عليهم الشاعر سديف (الشريف) وقال ((لا يغرنـّـك ما ترى من رجال / إنّ تحت الضلوع داءً دويًا / فضع السيف وارفع الصوت حتى / لا ترى فوق وجهها أمويًا)) فأمر بهم السفاح (ويقال ابن عمه عبد الله عبد الله بن على) فضُـربوا بالعُـمد حتى قـُـتلوا ثم بسطوا عليهم الأنطاع وأكل هو الطعام وهو يسمع أنين بعضهم حتى لفظوا الأنفاس جميعًا. أى أنّ موقف (الشاعر) سديف يصلح للدراما ، حيث وقوفه مع بنى العباس وتحريضه على قتل (كل) الأمويين ، ثم كانت نهايته على يد الخليفة العباسى (جعفر المنصور) لمجرد أنّ (الشاعر) رأى أنّ الخلافة يجب أنْ تكون لمحمد بن الحسن.
وكما فعل خلفاء الدولة العباسية من قتل لخلفاء الدولة الأموية ، فإنّ من حكموا بعد الخلافة العباسية فعلوا بالخلفاء العباسيين ما فعله العباسيون بالأمويين من خلع وسمل للعيون وقتل ، (ومن بين سبعة عشر خليفة عباسى) تم قتل أربعة هم المستعين بالله ، المعتز بالله ، المهتدى بالله والمقتدر بالله. وثلاثة تم خلعهم مع سمل عيونهم هم : القاهر بالله ، المتقى الله والمستكفى بالله. وإثنين أجبرا على خلع نفسيهما هما : المطيع لله والطائع لله. وخليفتان قتلا بالسم هما المعتمد على الله والمعتضد بالله (ص202، 203)
والمؤلف أ. خلف كان موضوعيًا (رغم دفاعه عن محمد والإسلام) عندما كتب عن الشعراء والمُـتصوفين الذين قـُـتلوا أو تعذبوا خلال فترة الخلافة الإسلامية أمثال السهرودى والحلاج وابن المقفع.. إلخ وبعد ذكر الكثير من التفاصيل كتب ((وهذه أمثلة لا إحصائيات ، أمثلة تتوزّع أزمنتها وأماكنها وأسبابها ، ولكن كانت السلطات وراءها ، أما من سُجنوا فكانوا أكثر من ذلك ، وأقل من هؤلاء وأولئك من عوقبوا بالنفى والجلد والإبعاد ، ومورس على كثير من المُـبدعين التجسس والمراقبة والاستماع إلى الوشايات عنهم.. حتى صدرتْ عن الخلافة قوانين شبيهة بقوانين الطوارىء الحديثة ، تنص صراحة على كمْ الأفواه كما فى إصدار الخليفة القادر كتابًا ضد المعتزلة أمرهم بترك الكلام والتدريس والمناظرة فى الاعتزال والمقالات المخالفة للإسلام ، وأمر بلعنهم على المنابر. وصار ذلك سنة فى الإسلام)) ولذلك كان من الطبيعى أنْ يوجد (شاعر) مثل إبراهيم بن هلال يقول ((وقد عَـلِـمَ السلطانُ أنى لسانه / وكاتبه الكافى السديد الموفق/ يجدد بى نهج الهدى وهو دارس/ ويفتح بى باب النهى وهو مغلق / فيمناى يمناه ولفظى لفظه / وعينى له عين بها الدهر يرمق)) (ص211، 212) وهل اختلفتْ وظيفة (الشاعر) العربى بعد الإسلام عما كانت عليه قبل الإسلام ؟ فهذا أحد (الشعراء) قال عن الخليفة محمد الأمين ((إنّ الخلافة لم تزل / تزهو وتفتخر بالأمين/ جاءتْ به ابنة جعفر/ قمرًا جلا ظلم الدجون)) وقال أيضًا ((ألا يا خير من رأتْ العيون/ نظيرك لا يحس ولا يكون/ فأنت نسيج وحدك لا شبيه / نحاشيه عليك ولا خديم / خلقتُ بلا مشاكلة لشىء / فأنت الفوق والثقلان دون/ كأنّ المُـلك لم يك قبل شيئــًا / إلى أنْ قام بالمُـلك الأمين)) (ص220) والأمثلة كثيرة وكلها من هذا النوع الفج والذى لا علاقة له بالشعر. وإذا كان عرب (الجاهلية) اتهمهم محمد ب (الوثنية) و(الشرك) إلخ فإنّ كثيرين من شعراء ما بعد الإسلام لم يختلفوا عن شعراء (الجاهلية) فى مسألة (العقيدة) من ذلك قول المتنبى ((يترشفن من فمى رشفات / هنّ فيه أحلى من التوحيد)) ولذلك قال القاضى الجرجانى ((فلو كانت الديانة عارًا على الشعر، وكان سوء الاعتقاد سببًا لتأخر الشاعر، لوجب أنْ يُـمحى اسم أبى نواس من الدواوين (وهكذا باقى الشعراء) ولكان أولادهم بذلك أهل (جاهلية) ومن تشهد عليهم الأمة بالكفر)) (ص247) وهكذا تتأكد الحقيقة التى يتجاهلها العروبيون والناصريون وأغلب الماركسيين (المصريين) وهى أنّ الإسلام الطبعة الثانية من الفترة التى وصمها ب (الجاهلية)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية
- المرأة رمز الحية ورمز الحياة
- الطوباوية العربية وطلب المستحيل
- متى يكون المثقف مستقلا ؟


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (6)