أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - في مقدمات ثقافة العنف














المزيد.....

في مقدمات ثقافة العنف


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 4906 - 2015 / 8 / 24 - 12:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تشكل الثقافة أسلوب حياة وإرثاً مشتركاً من الذكريات والعادات. ويشكّل العنف في هذا المستوى أحد تجليات الوعي القائم على التعدّي على الآخر أو إنكاره وتجاهله. وكل ممارسة مادية أو معنوية تهدف إلى كبح حرية التعبير، والنيل من قيمة الفرد والحط من شأنه أو مصادرة حريته السياسية والمدنية، تصنف على أنها عمل عنفي. أما أنماط العنف فتُمثّل أشكال السيطرة المرئية وغير المرئية، التي يتم الإفصاح عنها في إطار المعتقدات والمواقف الثقافية، والممارسة الاجتماعية الناتجة من سوء التكيف.
وتتشكل أنماط العنف من نسيج خطاب ثقافي يتأثر ويؤثر في المعتقدات والمؤسسات والخطاب الرمزي في سياق السيطرة الهرمية المنعكسة على وعي الفرد وأشكال علاقته بالآخر. ويُوظَّف مفهوم العنف الفطري الذي يعتبره كثير من الزعماء والمفكرين بأنه أحد أشكال التطور الاجتماعي القائم على صراع الوجود للسيطرة السياسية التي تقونن العنف السلطوي وتبرره اجتماعياً.
والعنف في تجلياته الفردية تعبير عن العلاقات المسيطرة في البنية الاجتماعية والوعي الاجتماعي السائد. وعليه تُشكّل الثقافة الفردية بعضاً من تجليات الثقافة الاجتماعية العامة، التي يتحدد بناءً عليها مستوى وشكل ثقافة الفرد وأشكال ممارسته الملموسة، من دون أن يعني ذلك إلغاء التمايزات الفردية ضمن البنية الاجتماعية. لذا فإن البحث في أسباب تنامي ظاهرة العنف يستوجب تحديد ودراسة العوامل المساهمة في تشكّلها وتفعيلها. فالبنية الاجتماعية تتجلى في سياق نمط ثقافي مهيمن بأشكال ثقافية متعددة، وذلك يعود إلى ترابط وتداخل وتشارط سيرورة العلاقات الاجتماعية الإنتاجية وغير الإنتاجية. أمّا التكوين الثقافي للبنية الاجتماعية فيتحدَّد في سياق تطور موضوعي يميل إلى الانفتاح. وهذا ينبئ بإمكانية انكماش الهويات الثقافية المحلية أمام تشكّل هوية ثقافية كونية يكون فيها للقوى المهيمنة الدور المحدِّد.
لكنّ الأيديولوجيات الكبرى في سياق هيمنتها على السلطة مارست آليات من التهميش والقمع والإقصاء بحق الأقليات السياسية، الإثنية والمذهبية والطوائف، وكان ذلك يتم في سياق الترابط بين منظومة عقائدية أحادية وبين سلطات سياسية شمولية اشتغلت على فرض مفاهيم أيديولوجية مطلقة، وعلى قوننة وشرعنة العنف السلطوي بكونه بالنسبة إلى تلك السلطات يُعتبر مدخلاً للمحافظة على «الاستقرار الاجتماعي».
ونجم عن ذلك كثير من ظواهر الانغلاق على الذات وتضخم الشعور بالمظلومية، والتمسك بالانتماءات دون الوطنية.
من جانب آخر، تزامن تفاقم دور العقائد الأحادية المدّعية امتلاك الحقيقة المطلقة، والرافضة للتباين والاختلاف على مستوى الاجتماعي العام، وضمن ذات المنظومة، مع تغييب دور المؤسسات الثقافية العلمانية الديموقراطية، ومن البداهة بمكان أن يؤدي ذلك إلى انتشار مفاهيم التكفير والتخوين، وأشكال من التماهي مع ممارسات السلطة القهرية، وممارسة العنف الفكري والجسدي لإزالة الآخر معرفياً ووجودياً، ما أدى إلى زيادة الانقسامات الاجتماعية العمودية والأفقية، وشكّل مدخلاً إلى تصدع وتفكك المكونات الاجتماعية، وتحوَّل التنوع الاجتماعي من مصدر للغنى والإبداع إلى أسباب الصراع الذي يهدد السلم الاجتماعي.
لقد شكّل اقتران الوعي الأحادي بسلطات سياسية أحادية شمولية، مدخلاً إلى إعادة إنتاج الوعي السائد والموروث وتحويله إلى أدوات وظيفية لتبرير ممارساتها التسلطية. وهذا أدى بدوره إلى انتشار مظاهر التسليم والخضوع والتقيّة والمداهنة والمراوغة والفساد. وجميعها تُعبِّر عن أشكال من التكيف السلبي مع سلطة قهرية. وقد ساهم تبرير العنف السلطوي وأدلجته في انتشار أشكال كثيرة من ثقافة العنف، وجميعها إضافة إلى العنف الديني تعمل على إخضاع الآخر وتكويره واستغراقه في بنية أيديولوجية أحادية.
ومن أسباب خطورة تلك التحولات أنها باتت تُشكِّل بعضاً من الذاكرة الجمعية. فكان غياب الوعي الديموقراطي من تعبيرات الوعي السائد المقترن بهيمنة سلطة أحادية وأيديولوجيات شمولية. وفي سياق هيمنة السلطة على المناخ المعرفي والثقافي والسياسي، كان يتم الاشتغال على توظيف بعض من رموز الفكر الديني في الدفاع عن السلطة السائدة وآليات اشتغالها. وكان ذلك من أسباب تنامي تأثير المنظومات المعرفية العقائدية والأصولية السلفية، وفي نشوء أشكال ثقافية وسياسية متماهية مع ثقافة السلطة المسيطرة التي تعود جذورها إلى الأبوية السلطانية.
أمّا تجدد ظواهر التطرف السلفي الجهادي، فمن أسبابه اشتغال مراكز أبحاث مرتبطة وظيفياً بمراكز صناعة القرار العالمي، على إبعاد التناقض والاستقطاب الاجتماعي عن جذره السياسي والاقتصادي، وتقديمه بكونه تناقضاً حضارياً. لذلك فتحديد الأسباب الكامنة وراء انتشار العنف المحمول على الحركات المتطرفة، إضافة إلى ما تم التركيز عليه، يحتاج إلى تحديد وضبط أشكال العلاقات الإنتاجية القائمة على تغريب العامل عن وسائل الإنتاج وعن إنتاجه، والتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، ومن الواضح أن القوى المهيمنة تشارك من خلال تعميق علاقة التبعية والارتهان في زيادة حدة التناقضات الاجتماعية، ومعدلات الاستقطاب والإفقار والتخلف. في ذات السياق، فإن اشتغال رأسماليات المركز على تصدير أزماتها إلى البلدان الطرفية وربطها بحركة الاقتصاد الرأسمالي المأزوم كان من أسباب إعاقة التطور وإغلاق آفاقه. وقد ساهم تغييب المناخ الديموقراطي وتجفيف منابع ثقافة الحوار والفكر النقدي وحقوق المواطنة والحريات المدنية والسياسية، إضافة إلى ازدياد منسوب التناقض الاجتماعي، في انتشار ثقافة الخوف والتكيّف السلبي، وأشكال من التطرف المنفتح على العنف، ولا ينفصل ذلك عن الدعم الدولي للعنف المحمول على قوى التطرف، وتغييب الأسباب الموضوعية لتنامي ظواهر التطرف. وهذا يدلل على أن محاربة القوى الدولية للإرهاب يخفي تناقضات وأهدافاً تخالف أهدافها وسياساتها المعلنة.



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدور الوظيفي ل «داعش» وأخواته
- إشكاليات الحل السياسي في سوريا
- سوريا: عتبة انهيار الأمن الغذائي
- هل ستكون اليونان بوابة للتغيير؟
- تجليات الإمبريالية الراهنة
- السباق إلى الهاوية
- حروب على الحضارة والتاريخ
- من تجليات الأزمة السورية
- المشهد السوري في سياق التحولات العالمية
- مقدمات أولية إلى نهضة
- في سوريا: دافعوا الضرائب هم الأفقر
- الترابط بين اليمن وسائر الإقليم
- تحولات عربية: اليمن ليس وحيداً
- خرائط تُرسم بدماء السوريين
- أربع سنوات من الصراع السوري: الحداثة التخلف
- سوريا: في النموذج الطائفي؟!
- في أسباب وتجليات انخفاض سعر النفط
- المرأة السورية... سنديانة في لهيب الصراع
- آفاق المشروع الطائفي في سوريا
- الهدم الديموقراطي: قراءة في المشهد السوري


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - في مقدمات ثقافة العنف