أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهدة جابر جاسم - ليلة فقدت بها الامان















المزيد.....

ليلة فقدت بها الامان


ناهدة جابر جاسم
(Nahda Jaber Jassem)


الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 00:38
المحور: الادب والفن
    


ليلة فقدت فيها الأمان
ناهده جابر جاسم
بعد ما ودعت زوجي ورفيقي-سلام - في يوم صيفي حار ذاهبا مع مجموعة من رفاقنا الأنصار في مفرزة بريد إلى مقر  -لولان- (منطقة تقع في المثلث العراقي الإيراني التركي) وتركني في فصيل مقر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في قاطع بهدينان(خلف العمادية على مجرى الزاب الأعلى). كنت وقتها حديثة الالتحاق، مذهولة بالأفكار والأحلام، قادمة من مدينة جنوبية –الديوانية- ترزخ تحت قبضة الدكتاتور وأجهزته. وقتها كنت أظن أن الحزب عائلتي ورفاقي أخوتي وعائلتي ، وكنت أتصرف مع الرفاق في تفاصيل اليوم من هذا المنطلق الطبيعي المتساوق مع مسار تجربتي الحياتية بمجملها في ذلك السن.
بعد ليلتين من خروج حبيبي، وفي مساء يوم صيفي صعدت إلى سطح قاعة الفصيل، وفرشت فراشي. كنت أحلم بالاستلقاء بعد عناء يوم عمل مجهد، كان يوم الثوار شاقاً على الرجال فكيف علي وأنا عشت في بيت مترف حتى أوج نضجي. كنت في الرابعة والعشرين من عمري. توسدتُ فراشي وحضنت وسادتي كحالي كلما سافر حبيبي مخدرة بدفء كلماته وعطر أنفاسه الحنون. كان فراشي جوار فراش رفيقي أبو نصار وأم نصار، وهدى وأبو سيف.
خلدت إلى أحلام يقظتي اليومية راحلةً، وأنا في أول أيام فراقي لعائلتي ومدينتي وأهلي، حالمةً بحضن ولدي الحنون، الذي تركته دون وداعٍ، فقد التحقنا سراً دونَ أن نخبر أحداً عدا –وصفي - ابن عمة زوجي، ورفيقنا والمطلع على حياتنا الحزبية السرية. التحقنا في أخر لحظة فقد أعتقل الشهيد المعلم من أهالي الدغارة –جميل مكط- في شتاء 1984وكنت على اتصال دائم معه والتنظيم الذي يقوده، إذ كنتُ حلقة الصلة بين التنظيم الذي أقوده وبين تنظيمه، وكان لصموده البطولي الفضل في تخليصي أنا وحبيبي من هول الاعتقال الذي خَبر حبيبي -سلام- هوله وقسوته حينما اعتقل مرات عدة. أسمع صوته هامسا لي نهودة
خلصنا حبيبة منهم ومن هول قسوتهم ووحشية زنازينهم الذي لا يعرفها إلا من ذاق جحيم ساديتهم ومن تبرأت منه ملائكة السماء والأرض ، نهودة أنهم بشر بلا ضمير ولا قيم إذا تخلصنا منهم ونجونا سنكون أسعد الناس.
وتحقق ذلك هاأنذا أنام وسط الرفاق على سطح قاعة الرفاق وحبيب عمري خرج بمهمة كنت سعيدة قبيل السقوط بالنوم رغم حزني لغياب زوجي في مهمة.
كنتُ على وشك النوم، وكانت ليلة حالكة بلا قمر، لكن نجومها متلألئة ناصية حتى كأني أستطيع مسكها بيدي، أو هكذا كنت أتخيل في تلك اللحظة حالمة، مغتبطة لوجودي بين رفاقي، لكن جاء من يفسد عليّ لحظتي في الحلم والتذكر، ويجعل من ليلتي وليالي السنوات الأربع التي تلتها، ليالي قلق ورعب وخوف مركب من رفاق الدرب، ومن قصف متكرر من طائرات ومدفعية سلطة الدكتاتور، ومن المندسين بين صفوفنا. شعرتُ في الظلام بشيء يسقط على غطاء فراشي ويصدر صوتاً خافتاً في السكون. شيءٌ جعلني أنكمش تحت غطائي مترقبة، لحظات وسقط شيء أخر. أزحتُ الغطاء وبحثتُ حولي على ضوء النجوم، فعثرت على قطعتي حجر صغيرتين، وفيما كنت نصف جالسة سقطت الحجرة الثالثة فنهضت من فراشي مقتربة من حافة السطح وصرخت:
- من أنتَ؟
فلمحتهُ في الظلام بشعره الكث يسرع في التواري خلف بناية المطبخ. فكررت صائحة
- من أنت؟
بصوتٍ جعلَ أبو نصار النائم مع زوجته ينهض من فراشه ويسرع نحوي. سأعرفه صبيحة اليوم التالي رفيق يدعى –أبو نرجس- يعيش الآن في لندن. كان يحتك بي وينظر نحوي بطريقة غير مؤدبة. اشتكيتُ لزوجي مرات عدة، فنصحني بتجاهله والتعامل معه بصورة طبيعية وبحذر أيضا. كنا في فصيل المكتب السياسي المشرف على تنظيمات الداخل والتنظيم المدني للحزب، و كنت مؤ منة ايماناً مطلقاً بالحزب ومعنى الرفاق، بسيطة التجربة، لم أدرك ولم أتخيل أن ثمة صراع داخل الحزب. صراعٌ مرير سيتكشّف لاحقاً. صراع بين جماعة باقر إبراهيم وكان عدنان عباس –أبو تانيا- مسئول الفرات الأوسط، وبين جماعة سكرتير الحزب وقتها –عزيز محمد- وأبرز أطرافه –أبو ناصر- وكان يتوسط هذا الصراع ويخفف منه سكرتير الحزب الحالي –حميد مجيد موسى-. أتذكر وقتها كنت أرتجف من الغضب والرفيق أبو نصار يترجاني هو وزوجته:
- اشاششششششششش....... اسكتي لا تفضحين نفسك! 
- ماذا؟
تساءلت بصوتٍ خافت وكأنني مرتكبة ذنباً كبيراً!.
- بهار#؟ أنت ما تعرفين الوضع سيقولون هي من اتفقت معه وغيرت رأيها! 
- ماذا تقول يا رفيقي؟!
- أسكتي للصبح أرجوك تحّلي بالصبر وبكرى تنحل المشكلة!.
كنتُ احترق وكل كياني يغلي لمأساة لحظتي البائسة وأنا وسط رفاقي وحلم حياتي في النضال وسطهم من أجل مدينة فاضلة!.
لم أنم ليلتها فقد أصبحت مرعوبة من الرفاق. سهرت حتى تباشير الفجر، وروحي تتحرق ألماً لما أصابني ليلة الأمس، من صدمة وحزن وعذاب وخيبة، حيث فقدت الأمان الذي كنت أظن أني بلغت ساحته، بنجاحي في الوصول إلى مقرات رفاقي الثائرين، وتخلصي من هاجس الاعتقال.
كانتْ ليلة تعادل ليالي العمر كلها، ماعدا تجربة أخرى سأرويها لاحقا، عن رفيق آخر، كادتْ أن تصيبني بالجنون، وجعلتني ألعن الحياة ولحظة التحاقي برفاق الجبل. كانت ليلة قاسية أقسى من ليلة قذفي بالحجر. ليلة مريرة طعمها أشّد من الحنظل. ليلة لا يعرف مدى مرارتها إلا من عاشها. سأكتشف لاحقا أن ما حصل لي ما هو إلا شيء روتيني حصل لكل رفيقات درب النضال الصعب.
في صبيحة اليوم التالي لم أتمكن من تناول الفطور، وكان الجو في الموقع مضطرباً. طلبتُ من الرفيق–أبو داوود- كان وقتها مسئول الفصيل، الحديث على إنفراد، فوجدتُ أن له علماً بالذي حصل، بدأتُ الحديث بقولي:
- البارحة بالليل وأنا نائمة على السطح رماني الرفيق –أبو نرجس- بالحجر.  
فهز رأسه وقال:
- علمت يا رفيقة علمت!.
فقلت محتدمة بغضب:
- هذا اعتداء على إنسانيتي ووجودي وكياني
كم كانت فجيعتي وخيبتي مركبة عميقة، إذ وجدته يبرر فداحة الاعتداء، ويبسط الأمر وكأنه أمر هين ممكن تجاوزه، فقدم الكثير من الأمثلة مع رفيقاتي، وكيف تصرفنَّ، ثم شرح ما يتوجب عليّ فعله ليخلص إلى:
- رفيقة أنت تعرفين جيداً الحرمان الذي يعيش به الرفاق
أصابني الخرس، فتساءلت:
- هل الحرمان يبيح لهم الاعتداء على رفيقتهم و زوجها خارج في مهمة؟
أجاب مرتبكا:
- لا رفيقة لكن علينا معالجة الأمر بهدوء!.
- إي وماذا رفيق؟
- يعني أنت تعرفين كيف ؟
لم أستوعب ما كان يتفوه به "أبو داود". فوجدتني أحزر ما المطلوب مني، فقلتُ متسائلةً:
- إي رفيق ما المطلوب مني؟ هل تريدني أن اصمت؟
لم يكتفِ بذلك، بل أضاف:
- كما اطلب منك عدم إخبار زوجك الرفيق “سلام” عن ما حدثَ لك!.
أثناء كلامه كان صوت المحبة يقول له مع نفسي طبعاً:
- أنت واهم يا أبو داود!. سأخبره بما حدث.
7-5-2015 كوبنهاجن



#ناهدة_جابر_جاسم (هاشتاغ)       Nahda_Jaber_Jassem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن رواية -حصار العنكبوت-
-;- رواية حصار العنكبوت للروا ...
- المرأة هي الوطن
- سيرة شخصية-مرحلة الصبا والشباب-
- زمان مضى
- أعتراف
- أنه خياري
- صرخة
- هجرة الأيدلوجيا ولكني أدمنت عشق بلدي وأبناء جلدتي!
- الواهمة
- عشق فرعوني
- نخلة في صحراء
- بستان عمر يحترق الى رجل لا يفقه معناها
- بلا خطيئة الى صلاح حبيب روحي وجذوة قلبي
- الحالمة
- كابوس
- لحظة شجن
- سماء بلا حروف
- - الحسن بن هانئ- المعروف بأبي نواس
- قصائد الى مجهول
- لقاء صحفي


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهدة جابر جاسم - ليلة فقدت بها الامان