ناهدة جابر جاسم
(Nahda Jaber Jassem)
الحوار المتمدن-العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 06:47
المحور:
الادب والفن
- الحسن بن هانئ- المعروف بأبي نواس
شاعر ذو موهبة عظيمة, ذكي ومرح ذو بصيرة نافذة وفكر وقاد. نبغ في الشعر منذ نعومة أظفاره فقال شعراً موزوناً نال أعجاب كل سامعيه من أبناء زمانه وقارئيه الأن.
نشأته:
حين نزل الخليفة مروان الثاني آخر الخلفاء الامويين مع حاميته العربية مدينة الاهواز الواقعة بين البصرة وفارس في اواخر العهد الاموي لحفظ الأمن وضبط امورها الادارية.
كان هناك جندي من دمشق يدعى (هانئ) كان من الهوان نسبا وثقافة بالمكان الأرفع وما كان للتاريخ أن يذكر أسمه او يتحدث عنه لولا أنه كان والد الحسن بن هانئ, الذي أشتهر في تاريخ الأدب العربي باسم (أبي نواس). وفي هذه الرحلة تعرف الجندي البسيط هانئ على زوجته (جلبان) وهي فارسية الأصل , فتزوجها. كانت -جلبان- تعمل في نسيج الجوارب وصنع التصميم و-هانئ- أصبح راع غنم بعد هزيمة الجيش الأموي والذي كان جنديا في صفوفه وازالت الدولة الاموية وظفر العباسين بالخلافة والامبراطورية.
المؤرخون يجمعون على أن مولد -أبي نواس- الشاعر كان في عام 141 هجرية وفي عهد الخليفة ابي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس. في اوائل عام 143 هجرية نزل والديه الى البصرة بعد ان ضاقا بالقرية الفارسية ذرعا وكان أبي نواس في السنة الثالثة من العمر . توفي والده بعد فترة قصيرة من معيشتهم في البصرة وأصبحت والدته تواجه الدنيا ومصاعب الحياة وحيدة ولكنها كانت امرأة قوية الهمةشديدة العزيمة فلم تيأس بل بالعكس مضت تكثر مما تخرجه يدها وتزور منازل أهل البصرة عارضة عليهم بضاعتها فيقبل الناس على ما صنعت.
في هذا الجو الملئ بالقحط والعوز واليتم عاش الحسن بن هانئ- أبي نواس- سنوات طفولته وصباها. ذهب الى -الكتاب- حيث تعلم القراءة والكتابة والقرآن ولما أشتد عوده رغب في الادب ومال للشعر فلم يرض هذا والدته فأرسلته الى احد العطارين يعمل عنده فاذا وجد فسحة من الوقت ذهب الى المسجد يستمع الى خطب العلماء وهم يلقون محاضراتهم على الطلاب.
كان أبي نواس يتميز بموهبة الحفظ, فحفظ من أشعار وأخبار العرب ما شاء وكان يتحرى الكلمة الخفية الظل ويفضل بحور الشعر الينها وأكثرها موسيقى. وقيل عنه كان اظرف الناس منطقا, واقدرهم على الكلام واغرزهم ادبا. واسرعهم جوابا واكثرهم حياء وكان جميل مصقول الوجه, قائم الانف حسن العينين والضحك, مليح النغمة والاشارة, فصيح اللسان, جيد البيان, سريع النكتة الثغ بالراء يجعلها زينا وفي حلقه بحة لا تفارقه, عذب الالفاظ, فصيح حلو الشمائل, كثير النوادر, يثير حسنه اهتمام الناس ويدهشهم عظيم تحصيله على حداثة سنه.
واخيرا تعرف على -والبة بن الحباب الشاعر بعد ان غادرته والدته وشأنه, فأعجب هذا به وبحديثه. عند لقائهما الأول قال ابي نواس الى والبة بن الحباب:
-انا والله في طلبك… وقد اردت الخروج الى الكوفة والى بغداد من اجلك.
فسأله -الشاعر والبة- متعجبا: لماذا؟
فحدثه الفتى -الحسن بن هانئ- عن أبيات سمعها له, فسأله -والبة- عنها فانشده الحسن بصوته الالثغ:
ولها- ولاذنب لها-
حب كاطراف الرماح
جرحت فؤادك بالهوى
فالقلب مجروح النواحي
فطرب والبة لهذه اللهجة ينشد فيها شعره, وازداد بالفتى -الحسن- حبا وعجبا.
صحبه-والبة- الى الكوفة ثم الى بغداد حيث عرفه باصحابه من العابثين الذين كانوا يجلسون اياما يشربون الخمرة ويقولون الشعر ويطربون بالغناء. وفي هذه المجالس العابثة الحالمة تهيأ لابي نواس ترطيب الكلام و تجويد النظم , كما اسلست له قيادة الشعر فمضى فيه خببا.
وبعد ان اقام ابو نواس في الكوفة تقريبا سنة. خرج الى البادية مع وفد من بني اسد كما كان يفعله كبار الشعراء قبله في العهد الاموي ليطلب شوارد اللغة وغريبها في الاعراب. ومن البادية ذهب الى البصرة حيث كان يحضر مواظبا على دروس العلم والادب واللغة. ومن البصرة ذهب الى بغداد عاصمة الدولة العباسية حيث اتصل بالخليفة هارون الرشيد ثم بولده الامين من بعده وله فيهما اشعار حسان واحاديث ظريفة.
عاش في بغداد حياة عبث ولهو وخرجت من هذه الحياة العابثة قصائد خالدة لان -ابي نواس- كان يبث حبه وعبثه ومجونه وفجوره وحبه في قصائده. فهي تاريخه وقصة حياته.
اما لقبه -ابو نواس- فهو من اختيار خلف الاحمر العالم له…اراد به ان يمد نسبه الى ملوك اليمن لانه يمني او عصبية لليمن. أجمع المؤرخون والادباء على ان -ابا نواس- من اجود الشعراء شعرا وادقهم قصيدا عالما بمختلف ضروب الشعر, بارعا في الادب ولغات العرب حتى قال عنه الجاحظ:
- لا اعرف احدا بعد -بشار بن برد- مولدا اشعر من ابي نواس
* الجاحظ هو - ابو عثمان عمر بن بحر المعروف بالجاحظ- من اعظم ادباء العرب على الاطلاق واجودهم لغة واسلوبا, انتظمت له معارف عصره ودانت له معلومات زمنه فكان دائرة معارف.
نوادر أبي نواس
من نوادر ابي نواس ان امير المؤمنين هارون الرشيد قلق ذات ليلة واعتراه ارق شديد فخرج من غرفته يتمشى بين مقاصير القصر وبينما هو يتمشر ابصر جارية حسناء قد لعب بها الخمر فصارت تتمايل كالغصن الرطيب اذا هزته ريح الشمال فأعجبته جدا…. فاقترب منها فابتعدت عنه كالغزال النافر وهي تقول:
-هذا وعد بيني وبينك يا امير المؤمنين اقوم بوفائه صباح غد
فأراد ان يمسك بثيابها فولت منه هاربة وسقط الرداء عن منكبيها فتركها وبات تلك الليلة وهو في شغل شاغل امرها. ولما كان الصباح ارسل اليها يطلب منها انجاز وعدها. فقالت له:
- يا امير المؤمنين كان ذلك في الليل, وكلام الليل يمحوه النهار.
فأعجب الرشيد ماقالته وطلب احد الحجاب وقال له:
- عليَّ بمن بالباب من الشعراء, فلما مثلوا بين يديه سلموا عليه بالخلافة وقبلوا الارض امامه فقال لهم:
-اريد من كل واحد منكم ينشدني شعرا يكون في آخره:
كلام الليل يمحوه النهار
فتقدم احدهم وانشد:
أتعذلني وقلبي مستطار
كئيب لا يقر له قرار
بحب مليحة صادت فؤادي
بألحاظ يخالطها احورار
طلبت الوصل منها جاوبتني
كلام الليل يمحوه النهار
ثم تقدم شاعر اخر وانشد
اتسلوها وقلبك مستطار
وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صبا مستهاما
فتاة لا تزور ولا تزار
اذا ابصرتها نفرت وقالت
كلام الليل يمحوه النهار
وبعدهما تقدم ابو نواس فأنشد:
وخود اقبلت في القصر سكرى
وزيّّن ذلك السكر الوقار
وهز الريح اردافا ثخانا
وغصنا فيه رمان صغار
وقد سقط الردا عن منكبيها
من التخميش وانحل الازار
فقلت الوعد سيدتي فقالت
كلام الليل يمحوه النهار
فضحك امير المؤمنين الرشيد وقال:
قاتلك الله يا ابا نواس, كأنك كنت معنا.
فقال: كلا يا امير المؤمنين, وانما عرفت ذلك بالبداهة من معنى هذا الوعد.
واريد ان اورد قصة اخرى من نوادر العظيم -ابي نواس-الا وهي
ابي نواس والملكة زبيدة
قيل ان امير المؤمنين هرون الرشيد كان من المعجبين بشعر ابي نواس ,ميالا اليه يستلطفه لرقته وحسن منادمته ومداعبته, وكان الرشيد شغوفا بزوجته وابنة عمه السيدة زبيدة. ومن شدة شغفه بها عاهدها ان لا يخون حبها ولا يميل لغيرها ولا يتزوج عليها..
وفي ذات يوم دخل عليه ابو نواس واخذ في ممازحته وهو ينادمه ويباسطه فلم تنبسط اسارير وجهه وظل عابسا مقطبا حاجبيه على غير عادته معه, فأدرك ان شواغل هامة قد شغلته فقال له:
يا امير المؤمنين ما عهد بأحد ظلم نفسه مثلك, لماذا لا تتمتع بتمام اللذة وتغتنم صفو هذه الحياة, امامك المآكل الشهية والنهد الابكار بديعات الحسن, ذوات الخدود النواضر والعيون الفواتك من كل مائسة تختال, باهرة الطلعة, راخية الدلال وامامك يا امير المؤمنين المدنيات والحجازيات والعراقيات بقدودهن السمهريات وامامك الاوانس من سائر الامصار وما هن عليه من حياء ووقار وخفة ولطافة ورشاقة وظرافة.
-;---;--فقال الخليفة: بحقي عليك الا ما قصصت علي شيئا ظريفا عن النساء وجمالهن والمتعة بهن...ذلك الحديث الذي ترتاح نفسي اليه, وتبتهج اذناي بسماعه.
-;---;--فقال ابو نواس:
-;---;--نعم يا امير المؤمنين كنت اعلمتك ان العرب اشتقت اسم الضرة من الضر... وأنهم قالوا: من حوى امرأتين جاء لنفسه بداهيتين وجلب على ذاته مصيبتين ولم يعش باقي عمره الا في هم ونكد ومن حوى ثلاثة تنغصت حياته وحانت من المزعجات وفاته... ومن جاء بأربعة عد من اهل القبور وان لم يكن في اللحد مدفون, والخير كل الخير للرجل العاقل الذي له زوجة واحدة يهواها وتهواه فيعيش طول حياته متمتعا بما يهواه من نعمة دينه ودنياه..
توفي ابو نواس وهو في الثامنة والخمسين من العمر بعد حياة من العبث واللهو والمجون لا مثيل لها في تاريخ الادب العربي.
المصادر
ديوان أبي نواس
حياته -تاريخه- نوادره- شعره
منشورات المكتبة الاهلية- بيروت
#ناهدة_جابر_جاسم (هاشتاغ)
Nahda_Jaber_Jassem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
