أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم















المزيد.....


من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 10:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ملاحظة: قبل ان ابدأ في كتابة هذا المقال يجب ان اعتذر لقرائي الكرام وللاخ ابو جلال عن خطأين وقعا في المقال السابق نبهني اليهما ابو جلال مشكورا وهما ان اطلاق سراحه من نقرة السلمان جرى في ١٩٦٥ وليس في ١٩٦٤ كما جاء في المقال والثاني وهو الاهم ان الشخص الذي ارسل "شيوعيا" لقتله وجميع افراد عائلته كان فخري كريم وليس كريم احمد الداوود كما جاء في المقال كذلك اعتذر الى كريم احمد الداوود لاني نسبت اليه عملا لغيره والى فخري كريم لاني نسبت عمله الى غيره وقد ارسلت نسخة مصححة الى الحوار المتمدن ورجوتهم استبدالها عن المقال الاصلي.
يبدو ان قيادة الحزب الشيوعي في ١٩٦٦- ١٩٦٧ قبل الانشقاق الذي نفذه عزيز الحاج الى حزبين، حزب اللجنة المركزية وحزب القيادة المركزية، كانوا يعتقدون ان بامكان الحزب الاستيلاء على السلطة السياسية. وقد جاء هذا بعد اضطرار هذه القيادة الى التخلي عما يسمى خط أب الذي كان يهدف الى حل الحزب الشيوعي والتحاقه بحزب عبد الرحمن عارف او عبد السلام عارف. كان خط آب في الواقع تنفيذا للوعد الذي قطعه خروشوف على نفسه لعبد السلام عارف لدى لقائه في القاهرة بتصفية الحزب الشيوعي العراقي كما جرت تصفية الحزب الشيوعي المصري والحزب الشيوعي الجزائري.
كثيرا ما يجري انتقاد الحزب الشيوعي العراقي لتقاعسه عن استغلال الفرص التي اتيحت له للاستيلاء على السلطة. ووجهت اهم هذه الانتقادات عن عدم استغلاله لظروف ما سمي المد الاحمر بعد تحطيم انقلاب الشواف في الموصل. اذ يعتقد البعض ان الظروف توفرت لهذا الحزب في تلك الفترة للاستيلاء على السلطة وتقاعس عن استغلالها. كان اوج ذلك المد مظاهرة اول ايار ١٩٥٩ التي دامت طوال الليل وظهر فيها شعار "عاش زعيمي عبد الكريمي حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي" وفي كتابي عن ثورة تموز الذي صدر قبل اكثر من عشرين عاما ناقشت هذا الموضوع وتوصلت الى ان ما سمي المد الاحمر كان وهما ولم تتوفر للحزب الشيوعي اية امكانية للاستيلاء على السلطة السياسية في العراق.
ويوجه نفس الانتقاد احيانا الى الحزب لانه لم يعمل على الاستيلاء على السلطة قبل او بعد الانقلاب البعثي سنة ١٩٦٣. وليس بامكاني ان ابحث هذا الموضوع لعدم توفر المعلومات الموثوقة عن تلك الفترة لدي ولكني مع ذلك لا اعتقد ان الظروف كانت متوفرة للحزب الشيوعي للاستيلاء على السلطة في تلك الفترة ايضا.
وفي كتاب سفر ومحطات وجدت معلومات عن محاولة او رغبة قيادة الحزب الشيوعي للاستيلاء على السلطة السياسية في عهد عبد الرحمن عارف الذي كان حاكما ضعيفا على ما يبدو. وعليه اقتبس بعض ما جاء في كتاب سفر ومحطات حول هذا الموضوع لكي يتاح لي ان اناقشه نقاشا علميا. وفيما يلي الجمل والفقرات التي اخترتها من الكتاب لكي تفسح لي المجال لمناقشة الموضوع:
ان "الرفيق آرا كان جادا ومخلصا لتوجيهاته، اي استلام السلطة السياسية من خلال حركة انقلابية عسكرية." (ص ٥١)
"كان الرفيق كاظم فرهود مسؤولا عن خط (حسين الصدامي). تكون هذا الخط لمساعدة الخط العسكري الذي كان يقوده الرفيق آرا خاجادور عضو المكتب السياسي." (ص ٨٣)
"في الرابعة بعد الظهر دخل الرفيق آرا وقال: اين عزيز محمد؟ ...لقد اخبرته ان الاسلحة وصلت ونريد خزنها". ثم "وتبين فيما بعد ان كمية الاسلحة عبارة عن رشاشات اتوماتيكية وعتاد وقنابل يدوية هجومية ودفاعية. تم خزنها برفقة عزيز محمد والمسؤول عن دار الاسلحة ... لاحقا كبست دار الاسلحة من قبل الاجهزة الامنية في منطقة البياع واعتقل الكادر المسؤول" وكانت استجابة عمر على الشيخ، عضو المكتب السياسي، على موضوع الاسلحة "والله لعب اطفال ... يا سلطة يا بطيخ ... أنتم مجانين ... السلطة تحتاج الى كوادر احنا منين نجيب هذه الامكانيات؟ (النقاط في الاصل ص ٨٣)
وعلق ابو جلال على عبارة عمر علي الشيخ كاتبا "أنا اريد ان اعيد الى الذاكرة مرة اخرى حزب البعث استلم السلطة في تموز ١٩٦٨ ...كان مجموع اعضائهم (٦٩) عضوا وهذا مثبت رسميا" (ص ٨٦)
"بعد حادث كبس الاسلحة ... عقد المكتب السياسي اجتماعا خاصا ... لدراسة خطة وتصور الحركة الانقلابية بهدف تشخيص شخصية وطنية تقدمية على ان يكون مقربا من الحزب ليكون واجهة السلطة بعد الانقلاب حيث تصور اصحاب الخط الانقلابي على انهم تقربوا من استلام السلطة ولا يريدون شخصية شيوعية تجنبا لبعض الاشكاليات التي قد تحدث داخليا واقليميا وعالميا لو كان الحزب في الواجهة بصورة مباشرة.
"توصل القادة الى تشخيص احدى الشخصيات الوطنية. وقبل ان يتم اقرار تسمية الشخصية التقدمية بصورة نهائية ... انبرى عامر عبدالله قائلا:
"ماذا دهاكم ايها الرفاق ... الا تعرفون ان من شخصتموه هو من الطائفة الشيعية. وهناك فيتو دولي لا يحق للشيعي ان يكون رئيسا للجمهورية" (ص ٨٦- ٨٧) ثم يشير ابو جلال الى ان الشخصية الشيعية كانت محمد مهدي الجواهري وان الشخصية التقدمية السنية كان عبد الوهاب محمود وان آرا اصر بان يكون بيد الحزب وزراء السيادة (الدفاع والداخلية والخارجية)
"عند اقتراب موعد تنفيذ الحركة الانقلابية، كان بعض رفاق خط حسين الصدامي قد استأجروا بعض المساكن .. خاصة في منطقة الصالحية وفي كل بيت من تلك البيوت يتجمع بعض الرفاق... ويقومون بالبروفات الليلية كالانتشار وتطويق المراكز الاستراتيجية .. كانوا يتدربون عل كيفية الدخول الى دار الاذاعة والتلفزيون والهدف كما كان المخطط هو كيفية اذاعة البيان الاول للثورة. ولكن بعد سماعهم نتائج اجتماع المكتب السياسي اغلقوا الدكاكين (الأوكار) وعاد الرفاق سالمين معافين كل الى بيته .. كل ذلك بسبب اليمين المقيت في قيادة الحزب وبروز نعرة الطائفية." (النقاط في الاصل ص ٨٧)
كان هناك سبع ضباط طيارون متقاعدون كلف ابو جلال بالاتصال بهم في حانوت بعضهم لتصليح الاجهزة الالكترونية لكي يشاركوا في الانقلاب فوضعوا شروطا لذلك:
اولا عدم ارتباطهم باية منظمة حزبية وان يكون ابو جلال واسطة الاتصال الوحيدة وثانيا تهيئة بيت حزبي وسيارة حزبية وتزويد كل منهم بمسدس وان يتعهد الحزب بايصالهم الى القاعدة العسكرية يوم الانقلاب. فرفض الحزب شروطهم.
اكتفي بهذا القدر من الاقتباسات.
لا اعرف في الحقيقة اين ابدأ لان الموضوع كله معقد ومتشابك. يبدو ان الحزب كان يريد ان يستولي على السلطة السياسية بصورة سرية "تجنبا لبعض الاشكاليات" اي ان الحزب لا يريد ان يظهر بصفته السلطة السياسية لكي لا يشعر الشعب العراقي والعالم بان الحزب الشيوعي هو الذي استولى على السلطة. فاية سياسة يتخذها الحزب الشيوعي في ادارة الدولة لهذا الغرض. عليه بالطبع ان يتبع سياسة شيوعية مموهة تخدع الشعب العراقي والعالم لان السياسة الشيوعية الحقيقية واضحة لا يمكن ان تخدع احدا.
ويصر ارا بان تكون الوزارات السيادية بيد الحزب. ومعنى هذا ان يكون للحزب شركاء في الدولة يتولون الوزارات الاخرى. ترى من هي القوى المرافقة للحزب في هذه الدولة؟ هل هي الاحزاب البرجوازية ام القوى القومية ام الاسلامية ام ماذا. واذا كان الحزب يجد حلفاء له في حكومة الانقلاب الا يتطلب ذلك الاتفاق معهم ودعوتهم الى مشاركته في عملية الانقلاب؟ ام ان الحزب يقوم وحده بعملية الانقلاب ثم يدعو القوى الاخرى الى المشاركة معه في الحكومة مجانا ولوجه الله؟ وكيف يعلم الحزب ان هذه الاحزاب توافق على الاشتراك في حكومة شيوعية؟ هل يقوم الحزب بخدعها وعدم الكشف لها عن هويته في الوزارات السيادية؟ اليس الامر معقدا لا يمكن تفسيره في سلوك قيادة الحزب بهذا الخصوص؟
والمهزلة الثانية هي ان القيادة "حضرت المعالف قبل الدواب" كما يقول المثل العراقي. فقد ناقشت القيادة الواثقة من الاستيلاء على السلطة تعيين رئيس جمهورية يخفي طبيعتها الشيوعية قبل مناقشة تفاصيل عملية الانقلاب نفسها ووافقت على اعتراض عامر عبدالله على تعيين الجواهري لانه شيعي. ترى هل قامت القيادة باستشارة عبد الوهاب محمود عما اذا كان مستعدا ان يكون رئيس جمهورية كواجهة وطنية لحكومة شيوعية ام كانوا يريدون تعيينه بالقوة بعد نجاح الانقلاب بدون علمه ورغما عنه؟ وما يكون موقف الحزب او موقف عامر عبدالله لو ان مسيحيا مثل فهد اصبح رئيسا للوزراء وارمنيا مثل آرا اصبح رئيسا للجمهورية اليس هناك فيتو اسلامي دولي ينص بان يكون رئيس الجمهورية مسلما وسنيا؟
ثم ان الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة ومن المفروض ان سلطته هي سلطة الطبقة العاملة فكيف يمكنه ان يقوم بانقلاب واستلام السلطة السياسية سرا بعدم اخبار الطبقة العاملة؟ ان الطبقة العاملة هي جيش الحزب الشيوعي وعدم اشتراك الطبقة العاملة في الاستيلاء على السلطة معناه ان الحزب قائد الطبقة العاملة يعمل بدون جيشه. فهل يستطيع الحزب الاستيلاء على السلطة بدون جيشه الطبقة العاملة؟
يبدو لي ان فكرة استلام السلطة السياسية بهذه الطريقة السرية عن العالم وعن الطبقة العاملة فكرة ساذجة لا تعرف معنى الاستيلاء على السلطة.
لننتقل الان الى فكرة ان حزب البعث استولى على السلطة سنة ١٩٦٨ حين كان عدد اعضائه ٦٩ عضوا فقط. وطبيعي ان قيادة الحزب الشيوعي كانت تضم اكثر من هذا العدد بكثير ولذلك فان امكانيات استيلائه على السلطة هي اكثر من امكانيات حزب البعث. ولكن حزب البعث كان قد حرك فرقا عسكرية كاملة من اجل الانقلاب العسكري والحزب لا يملك مثل هذه القدرة. فهل كان بامكان الحزب ان يحقق انقلابا عسكريا بان يستولي عدد من الاعضاء الذين دربوا انفسهم ليلا على كيفية الاستيلاء على الاذاعة والتلفزيون والقاء بيان الانقلاب؟ وهل يكفي سبعة ضباط متقاعدون يستولي لهم الحزب على طائرات يستخدمونها اثناء الانقلاب؟ وهل تكفي عدة رشاشات وقنابل يدوية قد لا يجيد الاعضاء استخدامها استخداما صحيحا لمقاومة الجيش الذي لابد ان يحاول احباط الانقلاب؟ اليست عبارة عمر علي الشيخ "ياسلطة يا بطيخ" اكثر علمية من فكرة الاستيلاء على السلطة بهذه الامكانيات؟ تجدر الاشارة هنا الى ان حزب البعث استطاع ان يحتفظ بالسلطة رغم قلة عدد اعضائه لانه اقام دولة راسمالية وحتى موالية للامبريالية الاميركية التي ساندته. لذلك لم تكن هذه القوى الراسمالية والامبريالية ضد حكم البعث ولكن هل يستطيع الحزب الشيوعي ان يضمن ان هذه القوى لا تنتفض عليه باعتباره حزبا شيوعيا معاديا للراسمالية والامبريالية؟
لنفترض الان ان الحزب نجح فعلا بهذه الامكانيات وبواسطة نفوذ ارا في التنظيم العسكري ومساعدة خط حسين الصدامي وعمل الطيارين السبعة بعد نجاح الحزب في الحصول لهم على الطيارات اللازمة في اجراء الانقلاب العسكري والاستيلاء على السلطة السياسية. ونجح الحزب في اجبار عبد الوهاب محمود على تولي منصب رئيس الجمهورية وتشكيل وزارة تكون الوزارات السيادية فيها للحزب الشيوعي كما اراد آرا ونجح في اقناع الاحزاب والمنظمات الاخرى على المشاركة في وزارة شيوعية واستتب الامر للحزب الشيوعي. فمن هم وزراء السيادة في هذه الحكومة؟ هل يكون عزيز محمد رئيسا للوزراء وآرا وزيرا للدفاع وعامر عبدالله وزيرا للداخلية او وزيرا للخارجية وهكذا ام ان الحزب سيختار اشخاصا وطنيين او غير معروفين كشيوعيين تجنبا للاشكاليات الداخلية والخارجية؟ ان اخفاء حقيقة ان الحزب الشيوعي هو قائد الانقلاب وهو السلطة يتطلب عدم تعيين اشخاص معروفين مثل عزيز محمد وعامر عبدالله وآرا وغيرهم لان وجودهم في الوزارة يكشف عن حقيقة سلطة الحزب الشيوعي التي يريدون اخفاءها عن العالم كله. ثم ان استيلاء الحزب الشيوعي على السلطة السياسية يتطلب منه اتخاذ بعض الاجراءات التي تخفف عن الطبقة العاملة بعض الاستغلال الراسمالي على الاقل فهل يوافق حلفاء الحزب في الوزارات غير السيادية على اتخاذ مثل هذه الاجراءات ام ان الحزب يواصل نفس سياسة الاستغلال الراسمالي للشعب ليتجنب الكشف عن هوية السلطة الشيوعية؟ ان من يتصور انه يخدع البرجوازية والعالم لا يخدع في الحقيقة غير الطبقة العاملة. قلت ذلك الى جورج تلو سنة ١٩٥٨ واكرره الان في هذا المقال.
لنفترض جدلا ان الحزب نجح في احداث انقلاب عسكري يستولي على السلطة. نعلم من تاريخ الانقلابات العسكرية في العراق وفي العالم كله ان الجيش الذي يحقق الانقلاب العسكري يكون هو السلطة رغم ادخال بعض المدنيين في الوزارات. وهذا ما حدث في ثورة تموز ايضا. فهل تكون حكومة الانقلاب العسكري الشيوعي حكومة عسكرية ام تكون حكومة مدنية لا يحصل قادة الانقلاب العسكري منها على شيء ويخرجون من المولد بلا حمص؟ ليس في كتاب سفر ومحطات اية اشارة الى ان اجتماع المكتب السياسي الذي عينوا فيه رئيس الجمهورية بحث اي شيء من هذا القبيل. ولا ادري اذا كان المكتب السياسي فكر اصلا في مثل هذه المواضيع. ولكن يبدو ان الحزب الشيوعي العراقي كان يعلم انه قادر على تحقيق انقلاب عسكري بدون عسكر كما يستطيع ان يحقق حكومة الطبقة العاملة بدون طبقة عاملة.
اننا نعلم ان الانقلابات العسكرية تنتهي في يوم واحد يكون الانقلاب فيه مفاجئا وتتحقق فيه حكومة الانقلاب. وهذا ما حدث في ثورة تموز حيث استولى الجيش على الدولة العراقية في بضع ساعات وتشكلت الحكومة في الصباح الباكر. حتى ثورة اكتوبر العظمى كانت من الاعداد والتهيئة التي سبقت الثورة بحيث انها انتهت في ليلة واحدة وتألفت حكومة السوفييتات في مساء اليوم التالي الى درجة ان الكثير من الباحثين اليوم يشككون بانها كانت ثورة ويزعمون انها كانت مجرد انقلاب. ولكن المشكلة في الثورة او الانقلاب العسكري تبدأ بعد ذلك. المشكلة الصعبة هي صيانة الحكومة والثورة او الانقلاب. نعلم ان تحقيق ذلك في ثورة اكتوبر تطلب ثلاث سنوات من حرب التدخل الذي شنته ١٤ دولة امبريالية اضافة الى الجيوش المحلية التي انتفضت على الثورة. فهل بحث الحزب موضوع صيانة الحكومة الشيوعية الناجمة عن الانقلاب العسكري؟ وهل كان الحزب سيعتمد على نفس الجيش العراقي والشرطة العراقية والامن العراقي والقضاء العراقي الذي كان سائدا طيلة حياة الدولة العراقية لاستخدامه في صيانة الحكومة الشيوعية ام كان يعتمد على الطبقة العاملة التي لابد ان تنصاع له شاءت ام ابت بعد الانقلاب لتحقيق ذلك؟ علم ذلك كله عند الله وعند عزيز محمد.
واذا نجح الانقلاب فما هو نوع الحكومة التي ستتألف بعد نجاحه؟ اهي حكومة عسكرية ام هي حكومة ديمقراطية دستورية؟ هل هي دكتاتورية عمال وفلاحين ثورية ام هي ديمقراطية شعبية ام هي دكتاتورية البروليتاريا ام ان الحزب الشيوعي العراقي كان يفكر بنوع جديد من الحكم لم يسبق له مثيل في التاريخ؟ ليس في كتاب سفر ومحطات اشارة الى رأي الحزب بهذا الخصوص. ولكننا نعلم ان الثورات الشيوعية عليها ان تدمر المؤسسات القائمة المبنية على اساس النظام الراسمالي وان تقيم كيانات جديدة تبنى على اساس عمالي اشتراكي. فهل سيقوم الحزب بهذا الواجب الذي لا يمكن التفكير في حكم شيوعي بدونه ام سيبقي الحال على ما كان عليه ويوفر بذلك كل امكانيات القضاء على الحكومة الشيوعية؟ ونعلم ان اول الخطوات التي يجب ان تحققها الحكومات الشيوعية هي مصادرة اموال الشركات الراسمالية الكبرى الاجنبية والمحلية والمصارف وجعلها ملكا للدولة العمالية وكذلك عليها تأميم الارض وجعلها ملكية للدولة يسمح للفلاحين استخدامها ولا يجوز بيعها او شراؤها او رهنها. فهل تقوم الحكومة الشيوعية التي تتحاشى اظهار نفسها كحكومة شيوعية بمثل هذه الاجراءات؟
واخيرا اود ان اشير الى مسألة هامة جدا. هل يجوز للحزب الشيوعي ان يستولي على السلطة السياسية بطريق الانقلاب العسكري حتى حين تكون المرحلة مرحلة الثورة البرجوازية وليس مرحلة الثورة الاشتراكية؟ ان الحزب الشيوعي الحقيقي هو حزب الطبقة العاملة، طليعتها الثورية التي تعمل على توعية الطبقة العاملة وقيادتها وتحقيق وحدتها وتحالفها مع فقراء الفلاحين للقيام بثورة اشتراكية. والشيء البارز في الانقلابات العسكرية هو عدم اعتماد الانقلاب على الطبقة العاملة المتحدة مع فقراء الفلاحين ولا على الشعب المسلح باية صورة اخرى بل على الجيش والجيش وحده. واول مهام الثورة الاشتراكية هي تكوين جيش من العمال والفلاحين يكون قوتها الاساسية وسندها في صيانة الثورة وتحقيق القضاء على الاستغلال الراسمالي. لذا فان الانقلاب العسكري لا ولن يمكن ان يكون وسيلة شيوعية للاستيلاء على السلطة السياسية بتاتا.
ان الحديث عن استيلاء الحزب الشيوعي على السلطة السياسية بمثل الظروف التي كان يمر بها الحزب الشيوعي العراقي وعن طريق الانقلاب العسكري خصوصا مع التباين الفكري والتطبيقي بين اعضاء المكتب السياسي يدل على ان جهل قيادته بمعنى الاستيلاء على السلطة لا يقل عن جهلها للنظرية الماركسية.
اود الان ان اترك بحث المهازل التي لا اساس لها في النضال الحقيقي للاحزاب الشيوعية وانتقل الى بحث موضوع الاستيلاء على السلطة بالمفهوم الماركسي الحقيقي. يبدأ موضوع الاستيلاء على السلطة في الاحزاب الشيوعية الحقيقية عند وضع منهاج الحزب. فالحزب الشيوعي يبحث التركيب الطبقي للمرحلة التي يتأسس الحزب فيها وعلى اساس البحث الدقيق لهذا التركيب الطبقي يحدد المرحلة التي تمر بها بلاده وما اذا كانت المرحلة هي مرحلة الثورة البرجوازية ام مرحلة الثورة الاشتراكية. وعلى هذا الاساس يضع الحزب منهاجه. وعلى سبيل المثال وضع الحزب بقيادة فهد برنامجه بتحديد المرحلة التي يمر بها العراق في ١٩٤٤ كانت مرحلة الثورة البرجوازية وعليه بين ان الثورة في العراق تمر في مرحلتين، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة البروليتارية. وفور تحديد هذين الشعارين الاستراتيجيين يضع الحزب كل نشاطه من اجل تحقيق هاتين المرحلتين بأن يشن نضالات تكتيكية متواصلة من اجل جذب الطبقة العاملة والحلفاء المحتملين لها في كل مرحلة والعمل على جرها تحت قيادته. ويجري هذا العمل في النقابات والمنظمات الديمقراطية والمهنية الاخرى لا بطريق الاستيلاء على القيادة فيها كما حصل بعد ثورة تموز بل بالحصول على القيادة عن طريق نشاط الشيوعيين داخل هذه المنظمات. وضمن هذا النشاط يكون نشاط الحزب الشيوعي في الجيش. والنضال في الجيش هو في كسب الجنود اولا وتنظيمهم وليس في اجتذاب بعض قادة الجيش الى صفوف الحزب الشيوعي او الى ان يكونوا مقربين الى الحزب الشيوعي. فمنظمات الجنود الذين يشكلون الجيش هو الاساس في كسب الجيش الى جانب الثورة.
ولكن اهم ما في الامر هو ان يعلن الحزب عن هدفه في الاستيلاء على السلطة وعن المنهاج الذي ينوي تطبيقه لدى استلام السلطة. فكل الاحزاب السياسية تضع منهاجا تجتذب المؤيدين لها الى صفوفها وليس الحزب الشيوعي استثناءا لذلك. فحين ينتمي عضو الى الحزب الشيوعي او يصبح مؤيدا للحزب الشيوعي يجب ان ينتمي استنادا الى البرنامج الذي ينوي الحزب تحقيقه عند استلامه السلطة السياسية.
ولكننا نعلم ان الحزب الشيوعي العراقي تخلى عن برنامج الاستيلاء على السلطة في الكونفرنس الثاني سنة ١٩٥٦ واكتفى بالاعلان عن تأييده لكل حكومة وطنية بدون شرط الاشتراك فيها اذا كانت حكومة تسمح للطبقة العاملة ان تحقق الاشتراكية سلميا. وهذا يعني ان الحزب تخلى عن هدف استلام السلطة نهائيا وقد تحقق الامر بالضبط حين تألفت حكومة ثورة تموز من جميع الاحزاب المنتمية الى الجبهة الوطنية عدا الحزب الشيوعي.
ان اي حديث عن استلام السلطة من قبل حزب ليس في منهاجه هدف استلام السلطة ولا يعلن عن البرنامج الذي يريد تحقيقه لدى استلام السلطة حديث مقاه وليس حديثا سياسيا. وان الحزب الشيوعي العراقي ليس في ١٩٦٧ ولا في ١٩٨٣ ولا اليوم حزبا يهدف الى الاستيلاء على السلطة السياسية وتحقيق برنامج شيوعي عند استلامها.
حسقيل قوجمان



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة البرجوازية وضرورتها
- نظام الاجور في الدولة الاشتراكية
- باسل ديوب-كلمة شكر
- من وحي كتاب سفر ومحطات. عبادة الحزب
- جعفر ابو العيس
- خواطر يهودي عراقي سابق
- من مرحلة اعداد مسودة الدستور الى مرحلة الاستفتاء عليها
- مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية
- مهزلة الدستور
- جواب الى قارئ اخر
- جواب الى قارئ كويتي
- الصناعة الاشتراكية
- ذكرى ثورة 14 تموز
- رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي
- ظروف اليهود العراقيين في اسرائيل
- ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
- الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
- الماركسية نظرية للطبقة العاملة
- هل الماركسية تمر في ازمة ام المنظمات التي تبنتها
- الهجوم على ستالين هجوم على الماركسية


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يشن غارات على أهداف لحزب الله في 6 مناطق جن ...
- قطر تدعو لتحرك دولي لمنع وقوع إبادة جماعية في رفح
- وجبة من لحم الخنزير وفطيرة توت ورقصة تقليدية.. ماكرون يصطحب ...
- مسابقة الأغنية الأوروبية -يوروفيجن- 2024 - سياسية رغما عنها! ...
- ملك تايلاند يهنئ بوتين بولايته الجديدة
- الجيش البولندي: أطلقنا طائراتنا بسبب -نشاط روسي-
- -اشتر نجما في السماء!-.. فلكيون يحذرون من -تجارة الوهم-
- الإمارات.. وفاة طفل بعد نسيانه داخل سيارة لنقل التلاميذ
- -القسام- تعلن عن خوض معارك ضارية شرق رفح
- الجزائر.. البطل الذي رفض أن يرمي بعلم الاستقلال ومات دونه!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم