أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - مدام ميرابيل القسم الأول12















المزيد.....

مدام ميرابيل القسم الأول12


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4791 - 2015 / 4 / 29 - 13:35
المحور: الادب والفن
    


في الغد، قبل رئيس المعمل اعتذاراتها بعين شريرة. كانت مدام ميرابو تتنفس هواء لا يعرفه، ولم يكن هواء شخص لديه مشاكل. لم تبحث عن إطالة المقابلة، بينما في ظروف أخرى... لكنها في هذه المرة، بدت في مكان آخر تمامًا: كانت تفكر فيّ، في حبها المستحيل. كانت تبتسم للجميع، لمرتبانات العسل، للجدران. كانت تحسب عدد الدقائق التي زالت، والتي لم تزل، بأحاسيس ساخنة، برؤى خارقة. كانت تستعيد في ذاكرتها طريق العودة لتنثره بالزهور...
ابنتها؟ نسيتها.
السيد هنري؟ نسيته.
العالم؟
اِخْتُصِرَ إلى ذراعين تحلم بإلقاء نفسها بينهما.
جوزيان الصغيرة التي كانت تشك فيما يقع لها، وصلت بين الحِجَّة والموضوع:
- لديك هيئة العاشقة، يا مارغريت.
ضحكت مارغريت، واكتفت بقول:
- سأحكي لك فيما بعد.
وضحكتها ترن في الجو المتجدد للمصنع.
أخذت جوزيان الصغيرة تتكلم عن حساسيتها، عن صحتها، عن حالتها، ومارغريت تبتسم بلا انقطاع.
الظهر، الساعة، الثانية عشرة. تركت مارغريت جوزيان الصغيرة لساعتها الإضافية، وذهبت لعزلتها. وهي تأكل ساندويتشها، كانت تفكر بما أكلته مساء أمس، وأنا أضمها، وأنا أعضعض شفتيها، وأنا أجذبها إلى جسدي، وأنا أسحقها كما لم يسحقها أحد.
مضت الرولس رويس.
على الساعة الخامسة، تركت المصنع بعجلة. نادتها الصغيرة جوزيان، وهي تفكر في اللحاق بها، لكنها عكفت عن ذلك، وأطلقت نفسًا مديداً يائسًا.
لم أكن في الفندق، قالوا لها إنني كنت في الجريدة، وإنني تركت كلمة لها: تلفنوا لي لغرض عاجل، ولا أدري في أية ساعة سأعود. سألحق بك شارع موفتار حالما يمكنني ذلك.
بينما كانت مارغريت تنتظر تاكسي للرجوع إلى بيتها، وهي تغلي من الحنق، حيتها لين، وكذلك بنت ثانية وبنت ثالثة، أوديت وإسمرالدا، قلن لها إن الموسيو دافيد صديق الكل –من ناحية أخرى يحببنه كلهن بالسر. ضحكن، وهن يبدين حسدهن لها. أوقفن لها تاكسي، وأركبنها، وهن يقلن لها مع السلامة بشكلٍ مغالٍ فيه. ما أن وصلت شقتها حتى قرع الجرس، فتحت الباب لتجد نفسها أمام باقة ضخمة من الزهور.
- مدام ميرابيل؟
- نعم.
وضع الرجل الباقة على الطاولة، وجعلها توقع على ورقة قبل أن ينسحب بأدب. فتحت غلافًا صغيرًا، وقرأت: "أقبلك –دافيد"! أطلقت صيحة فرح، أعادت ارتداء ثيابها، وشدت الباقة على نهديها. كل شيء كان على ما يرام، حتى أن حامل الباقة دعاها "مدام ميرابيل"، فلم الإصرار على يأسها بلا هدنة؟ ألقت بنفسها على السرير مع زهورها، وانتظرت.
تأخرتُ، وتجاوزت الساعة منتصف الليل، عندما تَرَكَتِ السرير لتنظر من النافذة: كانت النجوم تتلألأ في السماء وعلى الأرض. لم يدغدغها المشهد، كانت حزينة، قلقة، متوترة. فكرت في الذهاب إلى الفندق، في الحصول على عنوان الجريدة... بقيت على النافذة طويلاً، لكني لم أجئ. عادت إلى سريرها، وأخذت تقص تويجات الزهور.
عند عودتي إلى الفندق في الغد، وجدت علبة مستطيلة باسمي على شكل تابوت. فتحتها، لأجد قُمَعَ الزهور بلا تويجات. رميت العلبة، ونمت. كنت تعبًا، ولم أستيقظ إلا نحو الساعة الخامسة بعد الظهر. ارتديت ثيابي، وأخذت قهوتي في حانة صغيرة قرب فندقي. قالت لي لين إن مارغريت مرت باكرًا هذا الصباح، ولم تكن مبسوطة.
وصلت إلى موفتار، ولم أجد مارغريت قد عادت بعد. ذهبت عند سوزان، بائعة الزهور، واشتريت باقة أكبر من الباقة السابقة. انتظرت على عتبة الباب، دونما قلق، فلم أكن عصبي المزاج. وصلتْ أخيرًا، ومرت ببرود من أمامي. قبّلتها في الداخل، وطلبت منها المغفرة. شرحتُ لها أن الجريدة نادتني لأكتب سلسلة من المقالات لا أحد يستطيع كتابتها غيري، مقالات عاجلة وقعتها تحت عدة أسماء مستعارة. حافظت على سحنتها العابسة، فقدمت لها باقة الزهور:
- باقة صغيرة كي تسامحيني...
اختطفتها من يدي، قصت تويجاتها، وقذفتها على الأرض.
- ما الذي يمكنني فعله كي تغفري لي؟
- أريد باقة أخرى، همهمت.
ترددتُ حائرًا، ضربتُ الأرض بقدمي، ونزلتُ. عدة لحظات فيما بعد، عدتُ بباقة أكثر جمالاً من سابقتيها. أَمْسَكَتْها، وأخذت ترمي المارة بالزهور، وهي تقهقه.
كانت تريد أن تجننني؟ أمسكتها بعنف من ذراعها:
- هلا أوقفت لعبة الأطفال هذه؟
زرعت أظافرها في بدني، ثم تراجعت:
- تسمي هذا لعبة؟ لم أنم طوال الليل، أنا، بانتظارك! لماذا لم تتلفن لي؟
- لأن بكل بساطة ليس لدي رقمك!
بقيت مارغريت للحظة منذهلة:
- لم أعطك رقمي؟
انفجرت ضاحكة، حاولت التماسك، ولم تكن لتقدر على ذلك. كانت تنثني وتتثنى من شدة الضحك، وأنا لم أعد قادرًا على التجاوب معها، وقد تجاوزني الأمر. ضمتني، وقبلتني:
- لماذا لم تطلبني إياه؟
- لم تتركي لي الوقت الكافي...
- أوه، يا كُرْنُبي المسكين! معذرة، معذرة. الحق أني لم أفكر أنا كذلك. اغفر لي...
مرة على مرة، انفجرت ضاحكة. كانت لضحكتها سعادةُ كونِهَا تُضْحِكُ، وكل هذا لا شيء، على الحب أن يكون مطلقًا، متقدًا، متلهفًا، بلا حدود...
تصالحنا، وأكلنا باقي الأطباق اليونانية، ثم نزلنا إلى مقهى كأس الجعة. كان الصيف الهندي يقترب بالنجوم إلى أصابع الزبائن، فجلسنا على الرصيف.
بحثت مارغريت بعينيها عن عازف القيثار الملتحي، الذي لم تكن تسمعه، بلا فائدة. وعلى العكس، كان الشحاذون دومًا هناك في نفس المكان، لا يهمهم إذا ما كان الطقس جميلاً أم رديئًا.
أفرغت نصف كأسها، ونهضت.
- سأعود، قالت لي، وهي تشير إليّ بالبقاء جالسًا.
اتجهت نحو الشحاذين، وسألت عن الملتحي. أجابوها بأنه اختفى فجأة منذ يومين، بشيء من غريزة القطيع أجابوها. كانوا سكارى وحزانى، فأشفقت عليهم.
- هل أقدم لكم كأسًا؟ قالت لهم.
فتحوا أعينهم المنتفخة واسعًا، وكأنهم يرون هذه المرأة الجميلة في الحلم. حَكُّوا وجوههم الثخينة، وانفجروا ضاحكين.
- بجد، أقدم لكم كأسًا، لا تريدون؟
مد لها أحدهم قنينة خمر:
- هل نقدم لك شيئًا للشرب، مدام؟
توقفوا عن الضحك لحظة، بانتظار أن يروا رد فعل المدام. بعد ثانية من التردد، أمسكت الزجاجة، وأخذت جرعة، فانفجروا جميعهم ضاحكين. قاموا، واقتربوا منها. كانوا يريدون لمسها، ورفعها، فأخذ مارغريت الذعر أمام هذه الجرذان الضخمة التي ألقت بنفسها على صدرها، على رأسها، على كتفيها، ونادتني لأخف إليها في الحال.
قال لي شحاذ اجتاحه الحزن من جديد:
- لسنا أشرارًا، أردنا فقط أن نعطيها جرعة من النبيذ، للسيدة الجميلة، لسيدتنا العذراء ماري!
تلك الليلة، ارتعشت مارغريت بلا توقف، وهي بين ذراعيّ. هذت، وقالت إن الجرذان تحاصر بيتها... كانت لديها حرارة، ولم أغلق عيني لا أدري ما أفعل.
اعتدلتْ فجأة:
- سأموت، يا دافيد!
طلبتْ مني أن أضغط يدي على قلبها، فأطعت حائرًا، خائفًا، راجفًا، وأنفاس مارغريت متقطعة، تكاد تختنق.
أخذتْ تصرخ:
- ناد على طبيب! فمي ناشف، أنا بردانة!
كنت ضائعًا، صدقوني. هل عليّ أن أطلب الطبيب أم أن أعطيها غطاء من الصوف؟ قفزتْ، وسحبتْ غطاء من الخزانة التفتْ به. أمام اضطرابي الشديد، ركّبت بنفسها رقم العيادة الليلية، ومدت لي السماعة.
وصفتُ حالة مارغريت لمحدثي الذي وعد بإرسال طبيب في الحال، فقالت مارغريت بصوت هش وراعش:
- سأموت، يا دافيد! ماذا ستفعل، لو مت؟ هل ستحب أخرى...؟
قبّلتها، وضغطت قلبها بكفي، فمدت ذراعيها، لتحيط بهما عنقي.
رسمتْ ابتسامة شاحبة:
- أحبك، يا دافيد! لماذا لا تحبني؟
- ليس وقته، يا مارغريت، فكري في نفسك، الآن.
- أنت أغلى ما لدي في الكون! أنت كل ما لدي!
- توقفي عن الكلام. تنفسي بقوة.
أخذتها بين ذراعيّ، كانت رخوة وباردة كالجليد.
- أنت لا تحبني...
- بالطبع أحبك.
- أنت لا تحبني بالقدر الذي أحبك فيه.
زلقتْ غائبة عن الوعي بين ذراعيّ، فسارعتُ أرفع الهاتف:
- أين الطبيب؟! هل أرسلتم أحدًا؟
- نعم، يا سيدي. دقيقة وسيكون عندكم. حافظ على هدوئك.
- إنها على وشك الموت!...
رجعت إليها. كانت تتنفس ببطء. كانت ترتعش.
أعادت فجأة:
- أنت لا تحبني بالقدر الذي أحبك فيه، يا دافيد...
ماذا سأفعل لو حصل لها شيء؟ لو ماتت بالفعل؟ كنت حائرًا. تخيلتها ميتة بين ذراعيّ. ماذا سأفعل أمام زوجها، ابنتها... خاصة أمام الصغيرة التي لم أرها أبدًا؟ ماذا سيكون مصيرها؟ تَرَكَهَا أبوها، سأكون مسئولاً عنها... ؟ ولكن لا، لم أكن أريد أن تموت. رفعتُ مارغريت بين ذراعيّ، وهززتها بقوة:
- قاومي، مارغريت! تنفسي! تنفسي!
قرع الجرس، فأسرعت أفتح الباب، وأدخلت الطبيب، وأنا في أقصى ارتياعي. عندما فحص الطبيب مارغريت، شَخَّصَ المرض بعُصاب جسمي (داء الجهاز العصبي): نوبة حصر نفسي أو شيء كهذا. أعطاها إبرة مهدئة، ونصحها بالسيطرة على أعصابها والقيام ببعض الرياضة. قالت لا، عملت رياضة في الماضي واليوم هي مشغولة. عند ذهابه، طمأنني مؤكدًا أن لا خطر هناك.
نهضت مارغريت من السرير، ووجهها شاحب بالفعل، وجلست على ركبتيّ قائلة إن جسدها يحيا من جديد.
- هذا لأجلك، قالت، أريد أن أحيا لأجلك.
قبلتني.
- الآن، يجب النوم، قلت. أنت بحاجة إلى النوم. غدًا لن تذهبي إلى المصنع. سأتلفن لهم. وأنا، عليّ الذهاب إلى "رامبوييه"، لتحقيق أعده للجريدة.
- متى ستعود؟ ستعود باكرًا...
عصى مارغريت النوم، كانت تنام قليلاً، ولا تتأخر عن الاستيقاظ مذعورة. فتحت الباب، ونظرت إليّ نائمًا على الأريكة، ثم رجعت إلى سريرها. عادت إلى النوم قليلاً، فهزتها يد خفية بعنف. نهضت مرة أخرى، فتحت الباب، ونظرت إليّ، وأنا أنام دومًا بنفس الموضع. رجعت تنام، وعندما استيقظت من جديد، لم تجدني.


يتبع القسم الأول13



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدام ميرابيل القسم الأول11
- مدام ميرابيل القسم الأول10
- مدام ميرابيل القسم الأول9
- مدام ميرابيل القسم الأول8
- مدام ميرابيل القسم الأول7
- مدام ميرابيل القسم الأول6
- مدام ميرابيل القسم الأول5
- مدام ميرابيل القسم الأول4
- مدام ميرابيل القسم الأول3
- مدام ميرابيل القسم الأول2
- مدام ميرابيل القسم الأول1
- الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون النص الكامل النهائي
- الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون الرواية الجديدة لحي ب ...
- الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون الرواية الجديدة لحي ب ...
- الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون الرواية الجديدة لحي ب ...
- الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون الرواية الجديدة لحي ب ...
- أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الثالث عشر والأخير
- أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الثاني عشر
- أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الحادي عشر
- أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل العاشر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - مدام ميرابيل القسم الأول12