أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - جدي الذي قتل الأسد














المزيد.....

جدي الذي قتل الأسد


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4636 - 2014 / 11 / 17 - 09:17
المحور: الادب والفن
    



حدثتني أمي أن أباها (ملغوث) — الذي لا أعلم متى ولا أين ولا كيف ولا لماذا غيّر اسمه الى (عبد الله)— كان قد قتل أسداً، وأن هذا هو سبب تسميته بـ (ملغوث)، أي أنه كان شجاعاً، مَهِيباً، كثيرَ الشر، إذا دخل معركة أبلى بلاءً حسناً، فأرعد وأزبد وصال وجال وهربتْ منه الرجال. ولم يخطر في بالي أن أسألها ماذا كان يُدعى إذن قبل قتله الأسد. هل كان بلا اسم؟ ولم أكن رأيت أسداً إلا على شاشات السينما. قبل أن يبدأ الفيلم، يظهر أسد في منتصف الشاشة، يحرك رأسه ويزأر، ثم يحرك رأسه ثانية ويزأر، ثم يبدأ الفيلم. كانت هناك أسود في أفلام طرزان أيضاً. لكن طرزان لم يكن يقتل الأسود. كان يقتل التماسيح فقط. كان يتحاشى الأسود ويطير من شجرة الى شجرة متعلقاً بحبل، وفي فمه سكّين يعضها بأسنانه. المرة الوحيدة التي رأيت فيها أسداً حقيقياً كانت في السيرك الهندي الكبير الذي طافت عرباته الملونة الصاخبة شوارع البصرة ذات يوم قبل أن ينصب خيامه في مفرق الجمهورية. كان زئير الأسود مرعباً يهتز له سرادق السيرك كله. ولأن (ملغوث) مات قبل أن أولد (كل أجدادي ماتوا قبل أن أولد إلا أم غاوية) فقد تخيلته طويلاً ضخماً عربيداً. وإلا كيف قتل الأسد؟ قيل لي فيما بعد (أمي نفسها قالت ذلك عرضاً في مناسبة أخرى، وکانت قد نسيَتْ قصة الأسد) إنه كان قصيراً، ضئيل الجثة، مسالماً. وحدث ذات شتاء أن طلبتُ من أبي أن يحكي لي حكاية. كان مستلقياً على جنبه باسترخاء، متكئاً بمرفقه على وسادة عالية، ومسنداً خده على راحة يده، وعلى رأسه طاقيته البيضاء، فيما كانت أمي مشغولة بتجمير الفحم في المنقلة في باحة الدار. وضع أبي يده الطليقة على رأسه وحرك الطاقية الى الخلف والى الأمام حاكّاً بها رأسه المجرد من الشعر (فقد كان يطلب من الحلاق أن يقشط فروة رأسه قشطاً بالموس) وراح يفكر في حكاية يحكيها لي. ثم أشعل سيجارة (تركي) غير مفلترة أخرجها من علبة مربّعة، جذب منها نفساً وقال: "بويه راح أسولف لك على جدك، شلون كتل السبع." قلت متذمراً إنني أريد حكاية جديدة، فلقد مللت حكاية جدي ملغوث وقتله للأسد. هنا اعتدل أبي في جلسته، قامعاً شتيمة كادت أن تفلت من شفتيه، وقال: "يا ملـ .... ــغوث هذا؟ أگل له جدك يگل لي ملغوث. بويه جدك، جدك أبو أبوك." وقد هالني ذلك، فهذا يعادل القول إن والد أمي ليس جدي، إضافة الى التشكيك بحكاية أمي، ولم أكن أعرف أن بوسع أمي أن تكذب. ولاشك أن أبي قرأ ما في ذهني فقال متداركاً الأمر: "جدك أبو أمك .. هَمْ .. كتل السبع، صحيح" ونظر الى سيجارته يستشيرها قبل أن يضيف "بس السبع .. السبع ماكو؟ سطره .. سطر جدك أبو أمك" وأخذ نفساً طويلاً من السيجارة. ولم أستطع تخيل أسد يصفع رجلاً. قال أبي نافخاً الدخان جانباً: " بويه إنت ما شايف چف السبع؟ سطره بچفه على وجهه .. حيل،" قالها بما يشبه التشفي. "چا السبع ست فلوس؟ ليش سمّوه أبو خميِّس؟" ونقر رماد السيجارة بطرف سبابته: "السبع مات، صحيح، بس جدك أبو أمك .. هَمْ مات.. ورا أربع خمس ست أيام." وأراد أن ينفض يده من الموضوع، لكنه لاحظ الحيرة التي بدت عليّ، فلم تكن هذه نهاية طبيعية للبطل في الحكايات. قال أبي موضحاً: "گام مخه يطلع من خشمه شويّه شويّه وو ... مات" وحدق في عيني ثانية، ثم أغمض عينيه ومال برأسه الى الوراء وراح يهزه كمن أصيب بالصرع وأصدر صوتاً من منخريه، كل هذا على سبيل الإيضاح، ثم أضاف "شخر .. ومات." وانتقل بسرعة للحديث عن أبيه هو، فكأنه انتقل من دواء مر الى طعام شهي، فأشرقت أساريره ولطُفتْ لهجته وهو يقول: "بس جدك أبو أبوك، لا، جدك أبو أبوك لف العباية على إيده وحطها بحلك السبع، ودچّ السبع بالسچّين .. دچه بگلبه دچ." فذكّرته أنه سبق أن قال لي إن جدي (زاير) كان يحمل خنجراً معقوفاً. قال: "إي بويه، الله لا يچذبني، دچه بالخنجر." وساورني الشك في أن أنياب الأسد عجزت عن اختراق عباءة جدي الملفوفة حول ذراعه. قال أبي: "بويه هاي العباية إذا لفيتها ماكو؟ الچيله ما تمض بيها." فسألته إذا كان الأسد قد صفع جدي الآخر. قال: "لا بويه، شلون يسطره؟ جدك أبو أبوك بطل." فسألته إذا كان جدي لأبي قد مات بعد قتله الأسد مثل جدي الآخر. قال: "لا بويه. جدك أبو أبوك ورا ما كتل السبع عاش عشرين تلاثين أربعيييييييييييين سنة، الى ى ى ى أن مات موت الله."



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن قصيدة -نهير الليل- لعلي أبي عراق
- الكابوس
- الإستجواب
- دعوة الى جمع شعر الشعراء المعدومين
- وداعاً منقذ الشريدة
- أم غاوية 7
- أم غاوية 6
- أم غاوية 5
- أم غاوية 4
- أم غاوية 3
- أم غاوية 2
- أم غاوية 1
- توطِئة - أوكتافيو باث
- بصرة عام 11 (الحلقة الرابعة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثالثة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثانية)
- بصرة عام 11 (الفصل الأول)
- المتنبي شهيداً
- كتابة على حيطان الطفولة
- المثقف محمود عبد الوهاب


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - جدي الذي قتل الأسد