أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية















المزيد.....



فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4628 - 2014 / 11 / 9 - 13:21
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية

الفصل الرابع من كتاب من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته "
( الكتاب برمته ترجمة و تقديم شادي الشماوي متوفّر بنسخة بى دي أف بمكتبة الحوار المتمدّن )

مقدّمة المترجم :
إنطوى العدد 15 من " الماوية : نظرية و ممارسة " ( الكتاب 15 ) ، على المقال المطوّل " ضد الأفاكيانية " لآجيث الذى كان زمن كتابة المقال أي فى جويلية 2013 ، الأمين العام للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) نكسلباري - فى غرّة ماي 2014 ، صدر بيان يعلن فيه هذا الحزب الأخير و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) عن وحدتهما التنظيمية فى إطار الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) - ، و أضفنا إليه ردّا جزئيّا أوليّا عليه عُني على وجه الضبط بالإقتصاد السياسي و الجدال حوله ، على أمل أن يجري العمل على ترجمة و نشر ردود أخرى تاليا مثلما عبّر عن ذلك عنوان الكتاب " ضد الأفاكيانية و الردود عليه " .
و تعميقا للمعرفة بصراع الخطّين و محاوره و دفعا لخوض الجدال و الصراع المبدئيين على أسس علميّة صلبة و راسخة ، نضع بين أيدى الرفيقات و الرفاق خاصة و القرّاء عامة كتابا جديدا يشتمل على مقتطفات من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته بما أنّه صاحب الخلاصة الجديدة للشيوعية و المقصود مباشرة بالمصطلح الذى أطلق عليه آجيث " الأفاكيانية " فيكون بوسع الدارس و الناقد ( المتبنّى أو المعارض ) التعويل على هذه المقتطفات ، ضمن مواد أخرى ، كمراجع و مستندات لا غبار عليها . و لن ندّخر جهدا مستقبلا فى مزيد ترجمة مقالات تتّصل بصراع الخطيّن صلب الماويين و غيرها من المقالات التى تساهم فى رفع الوعي النظري و فى إستيعاب علم الشيوعية إستيعابا علميّا بما يخوّل النضال الشيوعي الثوري للتقدّم بالثورة البروليتارية العالمية فى كافة أنحاء العالم و الغاية الأسمى ليست أقلّ من الشيوعية على النطاق العالمي .
و بطبيعة الحال ، كما قلنا فى مقدّمتنا لكتاب " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، يمكن أن يتّخذ هذا الكتاب " مدخلا و دليلا إلى أمّهات أعمال " بوب أفاكيان إلاّ أنّه " لا يجب أن يعوّض الدراسة الجدّية العميقة و الشاملة لعلم الثورة البروليتارية العالمية " و " مؤلفات الماويين و الأحزاب و المنظّمات الماوية قبل وفاة ماو و بعدها وصولا إلى أيامنا هذه عبر العالم بأسره و ما طوّروه بفضل الدراسة و التطبيق العملي للنظرية الثورية و ممارساتهم الثورية للصراع الطبقي لعقود ."
و تجدر الإشارة إلى أنّ كتاب بوب أفاكيان الذى ترجمنا هو كتاب أساسي يعتمده الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية كأحد أهمّ الوثائق المستخدمة فى حملته " بوب أفاكيان فى كلّ مكان بوب أفاكيان فى كلّ مكان – تصوّروا الفرق الذى يمكن أن ينجم عن ذلك ! لماذا و كيف أنّ هذه الحملة مفتاح فى تغيير العالم – فى القيام بالثورة " وهي حملة تندرج ضمن الصراع الإيديولوجي الجماهيري للردّ على الهجوم البرجوازي الرجعي على الشيوعية و للتعريف بوجهة النظر الشيوعية الثوريّة كما إرتآها و طوّرها بوب أفاكيان : الخلاصة الجديدة للشيوعية . و يوليها الحزب الشيوعي الثوري أهمّية قصوى بإعتبارها ركيزة من الركيزتين المركزيّتين على الجبهتين السياسيّة والإيديولوجيّة راهنا و خوض الصراع الطبقي وفق شعار " قتال السلطة و تغيير الناس ، من أجل الثورة " و قصد إعداد العقول و تنظيم القوى و مراكمتها من أجل الثورة من خلال بناء حركة ثوريّة شعبيّة محورها و قائدها الحزب الشيوعي الثوري و الخطّ الذى طوّره بوب أفاكيان أي الخلاصة الجديدة للشيوعية . و الركيزة الثانية لهذا النضال على الجبهتين السياسيّة و الإيديولوجية هي جريدة الحزب " الثورة " و دورها المحوري ، بينما يبذل الحزب جهده لقيادة حركتين شعبيّتين أساسيتين هما حركة مناهضة النظام الأبوي / البرطرياركي كحركة نسويّة ثوريّة و حركة مقاومة قمع الدولة و تجريم أجيال من الشباب ، علاوة على التفاعل مع المستجدّات المحلّية و العالمية و العمل النظري و المعالجة العميقة للقضايا النظرية والعمليّة الإستراتيجية منها والتكتيكية للثورة البروليتارية العالمية فى بحوث تصدر فى مجلّة " تمايزات"
www.demarcations-journal.org
و لأجل فهم صحيح ل" حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ...." التى يعدّها المناهضون للخلاصة الجديدة للشيوعية " عبادة فرد " ، أضفنا مقالات ثلاثة للكتاب الأصلي متضمّنة لتعريف بالنشاط السياسي و القيادي لبوب أفاكيان منذ ستّينات القرن العشرين و فهم الحزب الشيوعي الثوري لهذه الحملة و نقدا صاغه بوب أفاكيان ذاته لإنحرافات شخّصها بهذا الشأن .
و لمن يرنو إلى مزيد التعرّف على بوب أفاكيان من وجهة نظر رفاقه فى الحزب الشيوعي الثوري يجد بالملحق الأوّل للكتاب رسالة مفتوحة دبّجها أحد قدامى المناضلين بصدد بوب أفاكيان و أهمّية قيادته ، و هي رسالة سبق و أن ألحقناها بالكتاب 9 الذى أفردناه ل " المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " .
و محتويات هذا الكتاب 16 هي :
مقدّمة المترجم :
مدخل لفهم حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ( إضافة من المترجم ) :

1- النشاط السياسي لبوب أفاكيان و قيادته الثوريّة خلال ستينات القرن العشرين و سبعيناته و تواصلهما اليوم .
2- بوب أفاكيان فى كلّ مكان – تصوّروا الفرق الذى يمكن أن ينجم عن ذلك !
لماذا و كيف أنّ هذه الحملة مفتاح فى تغيير العالم – فى القيام بالثورة .
3- بوب أفاكيان فى كلّ مكان – لا للمقاربة الدينية ، نعم للمقاربة العلمية فقط .

الفصل الأوّل : نظام عالمي قائم على الإستغلال و الإضطهاد .
إضافة إلى الفصل الأوّل : إصلاح أو ثورة : قضايا توجّه ، قضايا أخلاق .

الفصل الثاني : عالم جديد كلّيا و أفضل بكثير .
إضافة إلى الفصل الثاني : خيارات عالميّة ثلاثة .

الفصل الثالث : القيام بالثورة .
إضافة إلى الفصل الثالث : حول إستراتيجيا الثورة .
الفصل الرابع : فهم العالم .
إضافة إلى الفصل الرابع : " قفزة فى الإيمان " و قفزة إلى المعرفة العقلية : نوعان من القفزات مختلفان جدّا ، نوعان من النظرات إلى العالم و منهجان مختلفان راديكاليّا " .

الفصل الخامس : الأخلاق و الثورة و الهدف الشيوعي .
إضافة إلى الفصل الخامس : تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي .

الفصل السادس : المسؤولية و القيادة الثوريتين .
إضافة إلى الفصل السادس : الإمكانيات الثورية للجماهير ومسؤولية الطليعة .

مراجع مختارة :

الملحق 1 : رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين الثوريين و كلّ شخص يفكّر جدّيا فى الثورة بصدد دور بوب أفاكيان و أهمّيته.

الملحق 2 : فهارس كتب شادي الشماوي .

=======================================


الفصل الرابع
فهم العالم


1 - إنّ المشطهَدين الذين لا يقدرون أو لا يرغبون فى مواجهة الواقع كما هو فعليّا محكوم عليهم بأن يبقوا مستعبَدين و مضطهَدين .
لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا .

2 - لماذا شدّدت فى كتاباتي و خطاباتي مرارا و تكرارا على أن الشيوعية تمثّل النظرة و المنهج العلميين الأكثر صراحة و دقّة و منهجية وشمولا ؟ حسنا ، لتقديم صيغة و لازمة نسمعها جميعا بشكل متكرّر أثناء هذا الخطاب ، السبب الأساسي لقيامي بذلك هو أنّها صحيحة و هذا مهمّ .
وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعية : نوع دولة جديد راديكاليّا ، نظرة للحرّية مختلفة راديكاليّا و أعظم بكثير –
" الثورة " عدد 39 ، 19 مارس 2006.

3 – ثمّة غياب بارز لفهم – وحاجة صارخة لأن يفهم الناس – أنّ هناك نظام تناقضاته و ديناميكيته الأساسيتين يعيّن حدودالأشياء بالمعنى الجوهري ؛ و لتقديم تحليل مادي و تقدير مادي ، بطريقة حيوية و جالبة للإنتباه ، مثلما وضع ذلك لينيني ، لكيف يشير هذا النظام فعلا و دور مختلف الطبقات و القوى الإجتماعية فى علاقة بكلّ هذا .
تأملات و جدالات : حول أهمّية المادية الماركسية و الشيوعية كعلم و العمل الثوري ذو الدلالة وحياة لها مغزى . " الثورة " عدد 169 ، 28 جوان 2009 .

4 - كنظرة للعالم و كمنهج ، الشيوعية هي فى آن معا مادية و جدلية بدقّة و صراحة وهو أمر لا ينطبق على أية نظرة و منهج آخرين . فى نظرتها و منهجها ، تعكس الشيوعية الحقيقة الجوهرية ألا وهي أنّ هذا الواقع برمّته يتكوّن من مادة فى حركة ولا شيء غير المادة . إنّها تشمل جميع هذه المظاهر – أنّ الواقع برمّته يتكوّن من مادّة و لا شيء غير المادة ، و أنّه كما وضع ذلك إنجلز ، نمط وجود المادة هو الحركة ، و أنّ كلّ المادة متحرّكة و متغيّرة بإستمرار و أنّ هذا يؤدّى إلى قفزات و قطيعة نوعية – و تشمل الشيوعية العلاقة الجدلية بين هذه الأشياء .
وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعية ... ؛
" الثورة " عدد 39 ، 19 مارس 2006 .
5 - كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
" بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الإبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب
ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة ، 2005.

6 – معرفة الواقع الفعلي – و مزيد معرفته بإستمرار – أمر مهمّ على نحو حيوي بالنسبة للإنسانية و مستقبلها ؛ إنه مهمّ على نحو حيوي ليس للعاملين فى مجال العلوم و الأكاديميين و حسب و إنّما أيضا للناس المضطهَدين و المستغَلّين بوحشية على وجه هذه الأرض ،و الذين يجب و يمكن أن يكونوا حجر الزاوية و القوّة المحرّكة لثورة تطيح بكافة أشكال أشكال الأستغلال و الإضطهاد عبر العالم و تضع لها نهاية – لكي يكونوا من محرّري ليس أتفسهم و حسب بل فىالنهاية محرّري الإنسانية جمعاء . مواجهة الواقع كما هو فعلا – و كما يتغيّر و يتطوّر – و فهم القوى الكامنة و المحرّكة لهذا ، مسألة حيوية فى لعب دور حاسم و قيادي فى إنجاز هذه الثورة و تدشين عصر جديد تماما فى تاريخ الإنسانية ، عصر سيمزّق و يستبعد إلى الأبد ليس السلاسل المادية و حسب – أصفاد الإستغلال و الإضطهاد الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي التى تستعبد الناس فى عالم اليوم ،و لكن أيضا السلاسل الفكرية ، طرق التفكير و الثقافة ، التى تتناسب مع هذه السلاسل المادية و تعزّزها . فى بيان الحزب الشيوعي ، صرّح كارل ماركس و فريديريك إنجلز اللذان أسّسا الحركة الشوعية قبل أكثر من 150 سنة ، بأنّ الثورة الشيوعية و مبادئها و مناهجها و أهدافها التحريرية ، تعنى " قطيعة جذرية " مع علاقات الملكية التقليدية التى تستعبد الناس بشكل أوآخر و كذلك قطيعة جذرية مع كافة الأفكار التقليدية التى تعكس علاقات الملكية التقليدية هذه و تعزّزها .
" قفزة فى الإيمان " و قفزة إلى المعرفة العقلية : نوعان من القفزات مختلفان جدّا ، نوعان من النظرة إلى العالم و منهجان مختلفان راديكاليّا "
" الثورة " عدد 10 ، 31 جويلية 2005.

7 – ينبغى أن نجري قطيعة أتمّ مع الأداتية – بمفاهيم جعل الواقع " أداة " لأهدافنا ، لتشويه الواقع سعيا لجعله يخدم أهدافنا ، ل" الحقيقة السياسية ". ديناميكية " الحقائق التى تزعجنا " جزء من ما يمكن أن يدفعنا إلى الأمام . يمكن لهذا أن يساعد على تصاعد تلك الخميرة [ المعارضة و الصراع ] حتّى نتمكّن من فهم الواقع . هذه هي الموضوعية المادية العلمية . إن تعمّقتم بما فيه الكفاية و فهمتم أنّ هذه التناقضات المطروحة الآن قد تقود إلى عصر مغاير بالإعتماد على معالجة هذه التناقضات ، عندئذ تريد أن تدفع إلى حركة ديناميكية حيث يبرز الناس نواصقك . وهذا لا يعنى أنّه يجب إبراز كلّ خطإ بطريقة تطغى على كلّ ما نسعى إلى القيام به لكن بالمعنى الإستراتيجي [ يتعيّن علينا أن ] نرحّب بهذا و أن لا نضبطه كثيرا – تريدون الحركة إلى الخلف و الأمام .
" بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم وتغييره "
8- ستولد عديد الأشياء الجديدة و المتنوّعة ، الإيجابية و السلبية ، ليس فقط نتيجة فعلنا نحن بل أيضا نتيجة فعل غيرنا ، و المسألة هس مسألة كيف ننظر إليها و نتفاعل معها ، كيف نتحد معها و كذلك كيف نصارعها ، كيف ندقّق النظر و نساعد غيرنا على أن يدقّق النظر و نلخّص ما هو الصحيح و التقدّمي وحتى الثوري فيها و نستبعد جميع الأشياء المتناقضة معه و المتخلّفة أو التى ليست صحيحة .
" ليس بوسعنا معرفة كلّ شيء - لذا يجب أن نكون جيدين فى التعلّم "
ملاحظات حول الفنّ والثقافة ، والعلم و الفلسفة ، 2005
( و المقولة نشرت فى الأصل فى 2002 ).

9 – إنّ الناس الذين يسيّرون هذه البلاد لن يعترفوا بالحقيقة حتى و إن صدموها برؤوسهم .
رصاصات من كتابات و خطابات وحوارات بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، 1985.

10 – من أجل أن تتجاوز الإنسانية حالة فيها " القوّة تولّد الحقّ " – و فيها الأشياء فى النهاية اتاهى إلى محض علاقات قوّة – لا بدّ كعنصر جوهري فى هذا التقدّم ، من مقاربة لفهم الأشياء (أبستمولوجيا ) تقرّ بأنّ الواقع و الحقيقة موضوعيين و لا يتبدّلان وفقا أو تبعا لمختلف " الروايات " أو مدى " السلطة " التى تنطوى عليها فكرة ( أو " رواية " )، أو مدى السلطة و القوّة اللتان يمكن أن يتصرّفا بإسم أية فكرة أو " رواية " خاصتين فى أية نقطة معيّنة .
" بعض الملاحظات حول ثقافة الحروب : كتب و أفلام ، تراجيديات شكسبيرية متصنّعة و محض أكاذيب " ،
" الثورة " عدد 198 ، 11 أفريل 2010.

11 – ما يفكر فيه الناس جزء من الواقع الموضوعي ، لكن الواقع الموضوعي لا يتحدّد بما يفكّر فيه الناس .
" الثورة " عدد 196 ، 28 مارس 2010.

12 – المعركة حول التطوّر مهمّة فى حدّ ذاتها و لها صلة كبيرة بالمعركة من أجل الثورة . إنّها ، قبل كلّ شيء ، معركة فى مجال الأبستيمولوجيا – حول مسائل ما هي الحقيقة و ما إذا و كيف يمكن للبشر أن يحصلوا على فهم حقيق للواقع . هل سننطلق من مقاربة علمية – البحث فى الواقع ، لمراكمة التجربة والدلائل بشأن الواقع ، و ثمّ إستخلاص إستنتاجات عقلية ؟ أم هل أنّنا سنتبنّى عن عمى طريقة فات أوانها لفهم كيف يسير العالم و ما هي قواه المحرّكة ، و التشديد على فرض ذلك بالقوّة على الواقع و على تحطيم أي شيء يتضارب مع تلك المقاربة غير العقلية ( أو اللاعقلية )؟ هل سنشدّد على مفاهيم ماقبلية للحقيقة – إفتراضات دغمائية لا تستخلص من الواقع و لا يمكن التثبّت منها فى الواقع – و نمحو الأشياء التى تستخلص من الواقع و التى وقع التثبّت منها فى الواقع و تبيَّن أنّها حقيقة ؟
لنتخلّص من كافة الآلهة ! ...

13 – لا وجود لطبيعة إنسانية واحدة . لا وجود لطريقة متماثلة و ثابتة لوجود كلّ شخص و كيف يرى كلّ شخص العالم . لطبيعة الإنسان معاني متباينة فى أزمة مختلفة وبالنسبة للطبقات والمجموعات المختلفة فى المجتمع .
الثورة : لماذا هي ضرورية ، لماذا هي ممكنة ، ما الذى تعنيه ، فلم لخطاب لبوب أفاكيان .
متوفّر فى شكل قرص مضغوط من منشورات الحزب الشيوعي الثوري و على الأنترنت بموقع
revolutiontalk.net

14 - يتوجّه حزبنا إلى الناس و يقول لهم إنّ أوّل شيء يتعيّن أن يقوموا به هو أن ترفعوا رؤوسكم و تسألوا " لماذا ". إسألوا " لماذا " كلّما طلبوا منكم فعل أس شيء ،و بالمناسبة ، إسألوا " لماذا " كلّما طلبنا نحن منكم أن تقوموا بأي شيء . و ذلك لأنّنا لا نخشى أن يسألنا الناس . لا نخشى من ينقّب الناس فى ما علينا أن نقوله . لا نخشى أن ينقدنا الناس و يصارعوننا لأنّنا نقف على أساس العلم الثوري الذى يمثّل مصالح جماهير الشعب . و إن لم يكن إستيعابنا لذلك العلم كاملا ، إن كان إستيعابنا لذلك العلم خاطئا فى هذا المظهر أو ذاك ، أو إن كانت الطريقة التى نطبّقه بها لا تتناسب تماما مع مصالح جماهير الشعب ، عندئذ لسنا نخشى – بالفعل نأكّد على – أن يأتى إلينا الناس و يصيحون فى وجهنا ويسألوننا و يصارعوننا و ينقدوننا . هذه هي الطريقة الوحيدة التى ستخوّل لنا أبدا أن نبلّغ هذا العلم الثوري إلى الجماهير الشعبية ، و التى تخوّل لها أن تستوعبه و ترفعه كسلاح لكسب تحرّرها الخاص ".
رصاصات من كتابات و خطابات وحوارات بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، 1985
( و المقولة نشرت أوّل ما نشرت سنة 1980 ) .

15 - الحقيقة بذاتها و فى حدّ ذاتها لن تحرّرنا لكنّنا لن نتحرّر دون الحقيقة .
لنتخلّص من كافة الآلهة ! ...

16 – ما هو دور الدين – و هل هو حقّا ضار ؟ يقول الكثيرون : " حسنا ، ربّما ليس صحيحا لكن ما الضرر منه ؟ إنّه يجعل الناس أفضل شعورا – يموت إنسان محبوب فيريدون أن يعتقدوا فى أنّ الشخص المحبوب ذهب إلى الجنّة و أنّهم عندما يموتون سيلتمّ شملهم مع الشخص المحبوب ؛ أو يحصل شيء فظيع فى حياة المرء و يرغب فى أن يواسي و يعزّي بإعتقاد أنّ هناك هدف أكبر ، يوجهه إلاه ما يمنح هذا معنى بشكل ما. كيف يمكن لهذا أن يتسبّب فى أية ضرر ؟ "

حسنا لنستعمل كلمات أغنية لستيفي واندار عنوانها " التطيّر " : " عندما تعتقد فى أشياء وهي أشياء غير موجودة و تتعرّض لأذى ، فإنّ التطيّر فى طريقه إليك " ( فى الواقع يقول : " عندما تعتقد فى أشياء لا تفهمها ..." – لكن النقطة هي نفسها ) إنّك تتأذى لمّا تعتقد فى أشياء لا تفهمها و كذلك تحديدا ليس بوسعك فهمها . وسواء كان ستيفي ووندار يفكّر فى الدين حين قال هذا أم لا ، فإنّ ما تفوّهبه ينطبق نهائيّا على الدين .
لنخلّص من كافة الآلهة ! ...

17 – مفهوم الإلاه أو الآلهة خلقه البشر فى طفولتهم نتيجة الجهل . و قد أبّدته الطبقات الحاكمة لآلاف السنين مذّاك خدمة لمصالحها فى إستغلال غالبية الناس و السيطرة عليهم و إبقائهم عبيد الجهل و اللاعقلانية . و إنشاء عالم و مستقبل جديدين و أفضل بكثير بالنسبة للإنسانية يعنى الإطاحة بهكذا طبقات مستغِلّة و التحرّر من مثل هذا الجهل و اللاعقلانية الإستعباديين و تجاوزهما .
لنتخلّص من كافة الآلهة ! ...

18 – لنسمّى هذا بما هو عليه – إنّه عقلية إستعبادية يقع تلقينها إلى الناس. كلّ هذا " بفضل يسوع !" عقلية إستعبادية.
... لنتخلّص من كافة الآلهة !

19 – أمّا بالنسبة لأصدقائي ، اليوم هناك كلّ هذا الهراء حول كيف أنّ السود ببساطة متديّنين صميميّا – و هذا شيء بأكمله يجعلنى أضجر ، إنّه مجرّد هراء . الأمور محددّة إجتماعيّا . كثير من أصدقائي السود و كثير من الناس الذين أثروا لاحقا فى حياتي مثل الفهود السود ، كانوا يمرّون عبر نفس الشيء الذى مررت عبره ، و إعترفوا بأنّ هذه الأفكار و المؤسسات الدينية إختراعات بشريّة – و ليست أشياء جيدة جدّا . لذا البعض من أصدقائي ظلّوا بعدُ متديّنين لكن العديد منهم كانوا يمرّون عبر نفس النوع العام من التجربة التحريرية التى كنت أمرّ بها ، تجربة نبذ الدّين .
من إيكي إلى ماو و بعده ، مسيرتى من الفكر الأمريكي السائد إلى شيوعي ثوري ، سيرة ذاتية لبوب أفاكيان ، 2005

20 – كلّ دين فى هذا العالم يعتقد أنّ كلّ دين غيره تطيّر . و جميعهم على حقّ .
" الثورة " عدد 84 ، 8 أفريل 2007
( و المقولة نشرت أوّل ما نشرت فى 1978 ) .

21 – هذه مقارنة وجدت أنّها تساعد على الفهم : الواقع مثل النار ،مثل شيء يشتعل ،و إنّ أردت المسك بالشيء المشتعل و تحريكه يجب أن تكون لديك أداة للقيام بذلك. إن أردت القيام بذلك بالأيدي مباشرة ، لن تكون النتيجة جيّدة . هذه طرؤيقة أخرى للوصول إلى دور النظرية فى علاقة بالعالم الأرحب الذى يحتاج إلى أن نغيّره ، فى علاقة بالممارسة و بشكل خاص بالممارسة الثورية ، لتغيير العالم .
التقدّم بطريقة أخرى
" الثورة " عدد 93 ؛ 24 جوان 2007.
22 – النظرية و الخطّ ( السياسي والإيديولوجي ) تجريدات للواقع ،و بقدر ما يكونان صحيحين بقدر ما يمكنهما أن يقوداننا فى تغيير العالم تبعا لطبيعته الفعلية و حركته الفعلية . إن كنتم تزاولون النظرية و الخطّ كأداة لتغيير العالم ، يجب أن تمسكوا بها و تتملّكوا ناصيتها فى حدّ ذاتها – المجرّد من الواقع الذى منه تنبع و التى هي تكثيف له – و إليها ، نعم ، مثلما شدّد ماركس و ينبغى أن نشدّد ، يجب إعادتها إلى الواقع قصد تغيير العالم . لكن إن تخليتم عن خطوة الخوض فى النظرية على المستوى التجريدي ، ستُضَلّلون و تقعون على نواة لا على ثمرة .
و بالمناسبة بمقدور كلّ شخص أن يتعاطى مع التجريدات . الأمر ليس بوسع حفنة من الناس فقط. النظرية الثورية ، النظرية الشيوعية ، ينبغى أن تصبح فى متناول جماهير الشعب ، لكنّها [ الجماهير ] تنخرط فعلا فى التجريد على طول الوقت ، بنظرات للعالم تختلف . لم أقابل أبدا أي إنسان قاعدي أو أي إنسان من أيّة شريحة ، ليست لديه كافة أنواع النظريّات عن كافة أنواع الأشياء – أكثريتها منبعها البرجوازية و فى النهاية تعكس رؤية البرجوازية – و لو أنّ بعضهم يقومون بذلك بطريقة غير مباشرة فقط و يبدو ، و إلى درجة معيّنة هي ، أفكار و نظريّات قد " طبخها " أناس بأنفسهم ، تقريبا عاكسة عن غير وعي النظرة البرجوازية السائدة فى المجتمع . طبعا ، يتطلب إنشاء تجريدات نظرية تعكس الواقع بصورة أصحّ و أعمق و أشمل ، الواقع فى حركته و تطوّره ، إستيعاب النظرة الشيوعية للعالم و المنهج الشيوعي و تعلّم تطبيقه بصفة متصاعدة بشكل صريح و منهجي . و مثلما شدّد لينين( فى " ما العمل ؟ " و غيره من المؤلّفات ) هذه النظرة و المنهجية الشيوعيين لن " تأتي " ببساطة إلى جماهير الشعب بنفسها و عفويّا ، و إنّما يجب أن تجلب إليها من خارج مجال تجربتها المباشرة . إلاّ أنّ المسألة تظلّ أنّ كلّ شخص قادر على هذا – و جوهريّا ، هي مسألة كيف ستفعل ذلك ، بأيّة نظرة للعالم و أية منهجية ؟
التقدّم بطريقة أخرى
" الثورة " عدد 93 ، 24 جوان 2007.
23 – وقتها و فى طريق العودة من اللعب الذى كنت أشترك فيه مع بعض أصدقائي السود كفريق كرة قدم ، إنطلقنا فى حوار شامل و عميق حول لماذا يوجد هذا القدر الكبير من العنصرية فى هذه البلاد ، لماذا يوجد هذا القدر الكبير من الأحكام الإعتباطية و ما هو منبعه ، وهل يمكن أبدا ان يتغيّر و كيف يمكن تغييره ؟ و تمّ ذلك بالأساس على النحو التالي : هم يتكلّمون و أنا أستمع . و أذكر أنّنى تعلّمت أشياء عميقة و عميقة جدّا – تعلّمت فى تلك الساعة الكثير ، أكثر ممّا تعلّمته طوال ساعات القسم ، حتى من بعض أفضل الأساتذة .
من إيكي إلى ماو و بعده ، الفصل الرابع : " المعهد " .
24 – بالمعنى العلمي و المنهج العلمي وخاصة النظرة و المنهج العلميين للشيوعية ، من الحيوي أن نجتهد للحفاظ على روح منهج التفكير النقدي و الإنفتاح على ما هو جديد و ما هي التحدّيات المقبولة أو الحكمة الموروثة . و يشمل هذا بصورة متكرّرة إعادة تفحّص ما يعتقد فيه المرء نفسه و / أو الآراء السائدة فى المجتمع إلخ . على أنّها حقيقة : بشكل متكرّر معرّضين هذا لمزيد الإختبار و المساءلة من قبل تحدّيات الذين يعارضونه و من قبل الواقع ذاته ، بما فى ذلك طرق التطوّر الجاري التى يمكن أن يضعها الواقع المادي تحت أضواء جديدة – يعنى المكتشفة حديثا أو مظاهر الواقع المفهومة حديثا التى تضع تحدّيات أمام الحكمة المقبولة . و مع ذلك ، من الهام جدّا أن نشدّد ، هذا لا يعنى السقوط فى اللاأدرية و النسبية ، متنكّرين للحقيقة الموضوعية و بخاصة نتصرّف كما لو أنّه يجب أن نضع موضع سؤال كلّ شيء ، كما لو أنّ لا شيء معروف أو يمكن حسابه على أنّه صحيح ، حينما تضع إكتشافات جديدة- أو نظريّات أو فرضيّات جديدة موضع السؤال بعض الأفكار المحدّدة قبلا أو المعتبرة صحيحة . السيرورة العلمية و المعرفة العلمية ، و المعرفة عامّة ، لا يتقدّمون على هذا النحو و لا يمكن التقدّم بها على هذا النحو – على الأقلّ ليس بأي معنى مُقرّ به – لكن التقدّم بالإنطلاق من أساس ما وقع تركيزه على أنّه صحيح ، خاصة حيث تركّز هذا عبر التعزيز المتبادل للأدلّة و الإستنتاجات العقلية المستخلصة من سلسلة من المصادر ؛ و ثمّ لمزيد التثبّت و معرفة الواقع و إستعمال المخزون المراكم من المعرفة الإنسانية ، بما فى ذلك فى علاقة بالمنهج ، فى تقييم الدلائل الجديدة و النظريّات الجديدة والتحدّيات الجديدة لما قد إعتبر صحيحا ، و ما إلى ذلك.
تأمّلات و جدالات ...
" الثورة " عدد 174 ، 30 أوت 2009.
25 – فى وقت ما بعث لي أحدهم رسالة و سألنى : كيف تقرأ الأشياء ، هل تقوم بما يسمّى ب " القراءة بحثا عن الأدلّة فى النصّ " ؟ وهي طريقة قراءة لدحض شيء . هل تقرأه لتدلّل على فكرتك ؟ و ما كان يشير إليه هو مقاربة البحث فقط عن الأشياء التى تأكّد ما تعتقد فيه بعدُ ؛ مثلا ، تنطلق من إختلاف مع أحد و أثناء قراءة ما يكتبه تبحث عن تلك الأشياء التى تختلف فيها معه ، أشياء تثبت وجهة نظرك ، ثمّ فى نوع من الحشو فى الكلام تمضى فى دائرة مغلقة . و تنتهى إلى " آه ، إنّه خاطئ " . و أجبته لا ، أنا لا أقارب الأشياء بهذه الطريقة . و حتى الأشياء التى أختلف معها بشدّة ، عند التوغّل فى الموضوع ، أحاول مع ذلك النظر لرؤية ما الذى يخوضون فيه ، ما هي الأفكار التى يصيبونها حتى عن غير قصد أو يمكن أن يتعثّر أو يمكن فعليّا أن يخوضوا فيها بصورة منهجيّة أكثر . هناك أشياء يمكن تعلّمها حتى من الرجعيين . هناك أشياء نتعلّمها من الرجعيين ، حتى فى ما يتصل بالسياسة و الإيديولوجيا ، فما بالك بمجالات أخرى . و هذا لا يعنى أنّنا نتبنّى نظرتهم أو سياستهم . لكن هناك أشياء يجب تعلّمها . و هذا نقطة توجّه هامّة .
الدكتاتورية و الديمقراطية و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية ،
" العامل الثوري " عدد 1250 ، 22 أوت 2004.

26 – لقد إعتمدت على الدوام مقاومة القراءة الواسعة النطاق . عند دراسة تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، قرأت خلاصات لم تكن لأناس من ضمن ذلك التقليد و حسب و إنّما أيضا الناس لهم وجهات نظر مختلفة . و قد تعلّمت أكثر فأكثر أهمّية القيام بذلك . مجدّدا ، تمسّكت بمبدأ تقدّم به ماو تسى تونغ ألا وهو الماركسية ، مثلما وضع ذلك ، تشمل غير أنّها لا تعوّض الفنون و العلوم و شتّى المجالات المختلفة من النشاط الإنساني . من الضروري التعلّم من عديد الناس المختلفين ذوى الكثير من وجهات النظر المتنوّعة فى جميع هذه المجالات المختلفة .
من إيكي إلى ماو و بعده...

27 – من غير اليسير التعلّم بصورة واسعة جدّا دون فقدان صلاتك ؛ و من غير اليسير التمسّك بالمقاربة و المنهج الأساسيين الصحيحين دون التحوّل إلى دغمائي و ميكانيكي بشأن ذلك و الإخفاق فى تعلّم كلّ شيء يمكنك تعلّمه من عديد الناس المختلفين الذين لديهم عديد وجهات النظر و التجارب المتنوّعة . هذا تحدّى حقيقي يتطلّب توجّها صحيحا و عملا شاقا – على عكس الدغمائية التى مثلما شدّد عليها ماو ، هي مجال " عظام كسولة ".
... من إيكي إلى ماو و بعده
28- و فى نفس الوقت ، بينما تظلّ قناعاتي صلبة بأنّ المبادئ الأساسية للمادية الجدلية كما تفحّصناها هنا – ومنها أنّ الواقع برمّته يتكوّن من مادة فى حركة ، و أنّ كلّ مستويات المادّة و أشكالها تشتمل على تناقض باطني – صالحة و لم يقع دحضها ، أو وضعها موضع سؤال من قبل ما وقع تعلّمه فى الفيزياء و غيرها من المجالات ، إنّها تظلّ كذلك صحيحة ، دون التحوّل إلى توجّه لاأدري- كما لو أنّنا لا نستطيع أن نستخلص إستنتاجات نهائية بشأن هذه المبادئ الأساسية و نبني على أساسها- بوسعنا أن نستفيد تماما و يجب أن نواصل التعلّم من مزيد الإكتشاف و الخوض فى مسائل تتصل بالطابع الأساسي للواقع ( المادة فى حركة ). و هذا إن كانت مقاربتنا له بنظرة و منهج علميين صريحين ، سيخدم تعزيز قدرتنا على إستيعاب المادية الجدلية و تطبيقها و مزيد إثرائها .
" أزمة فى الفيزياء " ، أزمة فى الفلسفة و السياسة " ،
" الثورة " عدد 161 ، 12 أفريل 2009 و كذلك فى
" تمايزات" ، مجلّة نظرية و جدال شيوعيين ، العدد 1 ، نهاية صائفة 2009 .
29 – لذا هناك تنوّع و غناء كبيرين فى المجتمع الإنساني كنتيجة ليس فقط لكون هناك مليارات الأشخاص المختلفين ، بل كذلك نتيجة لكون الناس يوجدون كأشخاص بينما فى نفس الوقت تتشكل حياتهم بالأساس من قبل المجتمع و بأكثر جوهرية بعلاقات الإنتاج . و هذا ، إن أردنا وضعه بهذه الطريقة ، هو تعبير آخر عن إستعارة ل " طبقات الخارطة المتنوّعة و المختلفة الألوان – عن فهم التركيبة و التنوّع و التعقّد الغنيين للواقع و رؤية هذه الأشياء و على أنّها مرنة ( و لإستعارة كلمات بيان الحزب الشيوعي و ليست قارة و ثابتة و جامدة .
تأمّلات و جدالات ... ،
" الثورة " عدد 163 ، 1 ماي 2009 .

30 – ينظر الناس إلى ما يسميه الدين " السماوات " . ينظرون إلى النجوم و المجرّات . يمكن أن يشاهدوا جزءا صغيرا من سعة العالم ،و يمكن أن يتصوّروا مدى سعة العالم . و يمكنهم أن ينظروا على نطاق ضيّق ، أن ينظروا بمجهر و يروا جرثومة أو أي شيء ، و يذهلون بما يحدث داخليّا داخل ذلك الشيء. يمكنكم أن يتأمّلوا العلاقة بين ما يمكن أن ترونه بالمجهر و ما يمكن أن ترونه بالمنظار . هذه ميزة أساسية للبشر . يجتهد البشر دائما من أجل هذا . بعيدا عن محاولة محو هذا ، أو الإخفاق فى الإعتراف بهذا ، بوسعنا و يجب و سوف نعطى تعبيرا أتمّ بكثير لهذا .
و الشيوعية لن تضع نهاية – و لن تنطوي بأي شكل عن قمع الروعة و التعجّب ،و الخيال و " الحاجة إلى الإنذهال " . بالعكس ستعطيها مدى أكبر بكثير و متصاعد . ستجعل الخيال يحلّق على نطاق أكبر بكثير ، فى علاقة جدلية – و بالمعنى العام كجزء من نظرة و منهج عاميين و شاملين لمقاربة تستوعب الواقع و تغييره .
" المادية و الرومانسية : هل بوسعنا أن نستغني عن الأساطير ؟ " .
ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة ، 2005 .







إضافة إلى الفصل الرابع
=======================================================
" قفزة فى الإيمان " و قفزة إلى المعرفة العقلية : نوعان من القفزات مختلفان جدّا ، نوعان من النظرات للعالم و منهجان مختلفان راديكاليّا "
ملاحظة الناشر :
يتضمّن النصّ التالي أهمّ أجزاء مقال كتبه بوب أفاكيان ردّا على رسالة بُعثت له عبر منشورات الحزب الشيوعي الثوري . و تلك الرسالة ، إضافة إلى هجومها على الشيوعية ، حاججت أيضا ضد وجهة النظر و المنهج العلميين الأساسيين و شدّدت على أنّ الإلحاد مجرّد شكل آخر من الدين . و هذا المقال يردّ على عدد من النقاط فى تلك الرسالة بينما يُركّز على الإختلاف الجوهري بين النظرة و المنهج العلميين – و بصورة أخصّ النظرة و المنهج الشيوعيين العلميين – من جهة و من جهة اخرى ،نظرة دينية للعالم تقوم على " قفزات فى الإيمان ". و يمكن العثور على المقال برمّته فى جريدة " الثورة " عدد 10 بتاريخ 31 جويلية 2005 ، على الأنترنت بموقع :
Revcom.us
-----------------------------------------------
قبل فترة قليلة ، بلغتنى رسالة من أحد أثاره سماع أجزاء من خطابي " لا وجود لإلاه – نحتاج تحريرا دون آلهة " بثّها مايكل سلايت على موجات إذاعة الباسيفيك ك.ب. أف.ك فى لوس أنجلاس . (1) فى تلك الرسالة هناك عدّة تهويهات ... إلاّ أنّ ما أريد أن أركّز عليه هنا – نظرا لأنّه نقطة غاية فى الأهمّية من التشويه لا تميّز هذه هذه الرسالة وحدها بل يُروّج له على نطاق أوسع بكثير ، لا سيما الأصوليون الدينيون ، وهو منبع لإرباك و سوء فهم لهما دلالتهما - هو التشديد على أنّ الشيوعية ( والإلحاد عامة ) هو عمليّا مجرّد شكل آخر من الدين و أنّه فى الواقع ليست الشيوعية و حسب بل جميع التفكير العلمي يعنى مجرّد " قفزة فى الإيمان " بقدر ما يحصل مع الدين . فى هذا المقال ، سأناقش كيف أنّ هذه النظرة خاطئة تماما و سأعالج الإختلافات الحيوية بين الدين و " القفزة فى الإيمان " من جهة ، و العلم و المنهج العلمي - بما فى ذلك الشيوعية بنظرتها و منهجها العلميين المنهجيين و الشاملين – من جهة أخرى .
هذا الإدعاء بأنّ الشيوعية ( و بصفة أعمّ نظرة و منهج علميين ) مجرّد شكل آخر من الدين هو مركّز فى التالي من الرسالة :
" أتمنّى ألاّ تنزعج لتسميتى لإلحادكم بالإيمان . أنّا متأكّد أنّك تدرك أنّ الإلحاد نظام إيمان أيضا . و نظرا لأنّك علّقت أملك[هكذا !] على صحّته ، يمكن أن نسميه دينك . ماذا عن هذا ؟! بوب أفاكيان رجل دين !
ربّما تدرك ما لا يفعله أكثرية التطوّريين إعتبارا لأنّه لا أحد كان هناك ليسجّل الإنفجار الكبيرفإنّه أيضا بذات القدر قفزة فى الإيمان شأنه شأن النسخة الإنجيلية عن الخلق . غير أنّه لا خوف ، يمكن دائما أن تكسب قضيّتك مزيدا من القوّة بالتأكيد بقوّة بأنّ " التطوّر أمر واقع ! " . "
جوهر المسألة هنا – و ما هو جوهريّا خاطئ فى نظرة كاتب هذه الرسالة – هو محاولة تشويه المقصود بتطبيق منهج و مقاربة علميين ، فى سيرورة البحث و التحليل العلميين و فى الإستخلاص العلمي للأستنتاجات . و بالأخصّ ، ما هو خاطئ جوهريّا هو محاولة قول إنّ القفزات الفعلية المعنية فى التوصّل إلى معرفة عقلية للأشياء – و منها عبر تطبيق المنهج العلمي – تساوي بصفة ما نفس الشيء و " قفزات الإيمان " المميّزة للدين . فى الواقع ، هما نوعان مختلفان بعمق و جذريّا من القفزات و التنقيب عن الإختلاف لن يفضح فقط الإرباك و التشويهات و التمويهات الصريحة فى هذه الرسالة ، و فى طريقة تفكير كاتبها ، بل أهمّ من ذلك ، يمكن أن يساعد على توضيح الإختلاف الجوهري بين المقاربة العلمية والمقاربة الدينية للواقع و تغييره – أو عدم تغييره – بما فيه المجتمع الإنساني .
القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية :
مثلما أشار إلى ذلك ماو تسى تونغ فى أعماله الفلسفية الهامة ، مثل " حول الممارسة العملية " ، فى الحصول على ( أو مراكمة ) المعرفة لدى الناس هناك مرحلتان : المرحلة الأولى هي مرحلة المعرفة الحسّية و المرحلة الثانية هي المعرفة العقلية . و بلوغ المرحلة الثانية ، مرحلة المعرفة العقلية ، لا يعنى و لا يتطلّب البناء على ما تمّ تعلّمه خلال المرحلة الأولى( الحسّية ) و حسب بل كذلك القيام بقفزة تجميع فى نسق ما جرى الإحساس به : تشخيص " الأنماط " و الطبيعة الجوهرية و الأساسية للأشياء ، التى تقع أبعد من الظواهر الخارجية و تنسيقها فى ما يدرك عقليّا. و مزيد التعمّق فى هذا و إستعمال بعض الأمثلة من " الحياة اليومية " يمكن أن يساعد على توضيح هذه النقطة الجوهرية . يمكن أن يوضّح أكثر الإختلاف الأساسي بين الحصول الفعلي على المعرفة العقلية من خلال قفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية ؛ و " قفزة فى الإيمان " دينية لا تقود و ليس بوسعها أن تقود إلى المعرفة العقلية .
و مثلما أشار إلى ذلك ماو ، عندما نواجه أي شيء لأوّل مرّة ، تراه بطريقةجزئية و متبدّ>ة ، ملاحظا بعض مظاهره لكن ليس " روابطها الداخلية " – ما هو الطابع الأساسي للشيء ، الطابع الذى يعطى لذلك الشيء ماهيته ككلّ – و كيف هو فى نفس الوقت مختلف عن الأشياء الأخرى و مرتبط بها . هذه هي مرحلة الإحساس البسيط بشيء ما ، مرحلة المعرفة الحسّية . مثلا ، عديد الذين لا يعرفون جيّد كرة القدم الأمريكية قد علّقوا أنّه عند مشاهدة لعبة كرة القدم ( على الشاشة الصغيرة مثلا ) تبدو ببساطة و كأنّ أشخاص فى معظمهم يلبسون عدّة طواقم غريبة يركضون من هنا و هناك و يخبطون بعنف و يقفزون على بعضهم البعض ! لكن إن شاهدنا كرة القدم هذه لفترة و ثابرنا على محاولةفهم ما يجري ، يمكن أن شنرع فى رؤية " الأنماط " المعنية و " الضوابط " و " القوانين " التى تحكم و تشكّل و تحدّد ما يجري . و المعجبون بكرة القدم معتادون على الطبيعة الجوهرية و الطابع الأساسي لللعبة ، ب " ضوابطها " و" قوانينها " ، و يمكن على الفور أن تصدر عنهم كافة أنواع الآراء و الأحكام حول ما يجرى ، إعتمادا على فهم لكلّ هذا . لكن ، طبعا ، مثل هؤلاء المعجبين إنطلقوا أوّلا من مشاهدة كرة القدم هذه بأنفسهم ، لم يكونوا معتادين على كلّ هذا و كان يبدو لهم كذلك على أنّه نشاط عشوائي و عبثية و " مفكّك " لمجموعة صغيرة . لذا ما يحدث فى التحرّك من ذلك إلى فهم طبيعة هذه اللعبة و " ضوابطها " و " قوانينها " ، هو مسألة مزيد المراكمة و مزيد المعرفة الحسّية ثم القيام بقفزة ، " مجمّعين ذلك فى نسق " – و محلّلينه و متوصّلين إلى خلاصة لما يقف فى موقع القلب من هذا ، و ما هي " الأنماط" المعنية و ما " يربطها معا " و تعطى لهذه اللعبة طبيعتها ك " كرة قدم". الآن ، غالبا جدّا ما تحدث هذه القفزة الفعلية من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية ، على نطاق واسع دون وعي إثر نقطة معيّنة – و فى عديد الحالات ، لا يكون الشخص المعني واعيا بالإنجاز الواعي لهذه القفزة إلى المعرفة العقلية – لكنّها قفزة حقيقية مع ذلك و تقود إلى شكل أرقى من الفهو ، إلى معرفة عقلية . ( وما إذا كان من الجدير بنا أن ننخرط فى هذه السيرورة و هذا الجهد للمرور من المعرفة الحسّة إلى المعرفة العقلية فى ما يتصل بكرة القدم هو طبعا شيء يقع تحت التأثير الثقافي و الإجتماعي و يشمل كذلك أمورا تخصّ الميولات الشخصية فى ذلك الإطار- و لن أبدي هنا أيّة آراء أو أحكام حول هذا بشكل أو آخر ! ).
ولنقارن هذا النوع من القفزة - القفزة من المعرفة الحسّية للأشياء الواقعية إلى المعرفة العقلية - ب"القفزة فى الإيمان " . لنتصوّر أحدا يقول : " ليس علي ّ أن أشاهد كرة القدم أو أن أستمع إلى شروح بشأنها ، أنا أشتطيع أن أتوصّل إلى فهمها لأنّ " الإلاه سيكشفها لي " . سيكون ذلك تقديما ل " قفزة فى الإيمان " كطريقة لبلوغ معرفة شيء ما ( و فى هذه الحال كرة القدم ). بيد أنّه فى الواقع ،هذا النوع من " القفزة " لن يقود إلى معرفة فعلية للأشياء الحقيقية و لا يمكن التثبّت منه بتطبيق الطرق و المناهج التى ترتبط بالعالم الفعلي للأشياء الواقعية – لا وسيلة لإختبار أن تأكيد ذلك الشخص بأنّ بأنّ " الإلاه سيكشف " له هذه المعرفة ، لا يمكن أن يوجد أي دليل على ذلك ، خارج إدّعائه الخاص . لكن من الأكيد أنّنى لن أنصحك بأن تتبع هذا النوع من " المعرفة " ، الذى من المفترض التوصّل إليه من خلال ذلك النوع من " القفزة فى الإيمان " ، إذا كنت ذاهبا إلى لاس فيغاس أو أطلنتا سيتي لتراهن على ألعاب كرة القدم !
ولنضرب مثلا آخر : محاكمة شخص متهم بالسرقة . سيحاول المدّعى العام أن يقدّم أدلّة ( شهادة شهود عيان و / أو أدلّة أخرى ) تبيّن أنّ المتهم كان فى مكان السرقة ، زمن وقوعها و ربّما وُجد المتهم و بحوزته سلاحا يشبه كثيرا جدّا ( أو حتى هو مماثل ) لذلك السلاح الذى إستعمل فى عملية السرقة و ما إلى ذلك . و من الجهة الأخرى ، يمكن للدفاع أن يحاول أن يبيّن ( من خلال شهود عيان إلخ ) بأنّ المتهم كان فى مكان آخر تماما زمن حدوث السرقة و / أو أنّ السلاح الذى عثر عليه لدي المتهم هو بالفعل سلاح مغاير للسلاح المستعمل أثناء السرقة و هكذا . حين يمضى القضاة ليصدروا حكمهم يفترض بهم أن يقوموا بقفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية – " أن يدقّقوا النظر " فى الشهادات و غيرها من الوقائع و التوصّل إلى جوهر ما تبيّنه تلك الأدلّة . و طبعا قد ينجز القضاة المطلوب منهم إنجازا ضعيفا – و قد يتأثّرون بالأفكار المسبّقة ، لا سيما ضد المتهم ، و/ أو قد يقومون ببساطة بخطإ فى سعيهم إلى تحديد " الأنماط" و " الواقع الأساسي " لما قُدّمإليهم – لكن هذا لا يغيّر واقع أنّ ما يتطلّبه الأمر ، ما هو مطالبون بإنجازه ، هو تحديدا القيام بقفزة إنطلاقا من الوقائع المقدّمة ( الشهادات إلخ ) إلى إستنتاج حول ما تكتشفه هذه الوقائع من أمور أساسية بشأن القضيّة ( ما إذا كان المتهم إقترف السرقة أو لا ). مرّة أخرى ، المعنى هو قفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية .
و مثلا، لو قدّم الدفاع عشرة شهود منهم أناس لا علاقة لهم بالمتهم يشهدون بأنّه زمن إقتراف السرقة، هم متأكّدون من أنّهم رأوا المتّهم فى مكان مغاير تماما عن مكان حدوث السرقة – و خاصة إذا لم يستطع المدّعي العام أن " يرجّ " أولئك الشهود و يشكّك فى شهاداتهم – ليس من المنطقي حالئذ إلاّ أن يُستخلص أنّ المتهم لم يقترف السرقة و يجب الحكم بأنّه غير مذنب. لكن ما هو هام فى علاقة بالنقاط التى نناقش هنا ، هو الإعتراف بأنّ ما يشمله التوصّل إلى ذلك الحكم هو " إستخلاص إستنتاج من الوقائع " – ما يعنى مرّة أخرى و يتطلّب قفزة فعلية من المعرفة الحسّية ( سماع الشهود ) إلى المعرفة العقلية ( بلوغ التصميم و إستخلاص الإستنتاج بأنّ الشخص لم يكن يستطيع أن يقترف السرقة ). و كون هذا هة الإستنتاج المنطقي الوحيد الذى يمكن إستخلاصه من الوقائع المقدّمة قد ينزع نحو " طمس " أنّ هناك قفزة – أنّ بلوغ هذا الإستنتاج يقتضى المضيّ أبعد من مجرّد سماع الوقائع إلى " جمع الوقائع " و إستيعاب جوهر ما تبيّنه هذه الوقائع . و من المهمّ التشديد على أنّ الأمر يتّصل تحديدا بإستنتاج منطقي – إستنتاج تمّ التوصّل إليه بتطبيق التفكير المنطقي للتمكّن من إنجاز القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية .
و من جديد ، لنقارن هذا ب " قفزة فى الإيمان " . إن كان أحد يجلس ضمن القضاة و قال " أعلم أنّ ذلك الشاب مذنب لأنّ " الإلاه أوحى لي بذلك " – سيكون ذلك نقيض تطبيق المنطق و التفكير : سيكون " قفزة فى الإيمان " ، فى تعارض مع القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية – " قفزة فى الإيمان " ستذهب هباء منثورا فى وجه الوقائع و السيرورة المنطقية المعنية بإنجاز نوع مختلف راديكاليّا من القفزات : قفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية . و لا أعتقد أنّه عليّ أن أحاجج كثيرا بأنّه لن يكون من المرغوب جدّا أن يوجد أناس من بين القضاة يعتمدون مثل هذا النوع من " القفزات فى الإيمان " و يحدّدون مصير شخص بتلك الطريقة .
أو لنضرب مثالا آخر من " الحياة اليومية " . إن لاحظ طفل صغير حركة المرور – لا سيما بعد شرح كهل له سلاسة حركة المرور إلخ له – سرعان ما سيتوصّل الطفل إلى رؤية أنّه إذا قفز وسط حركة المرور إلخ سيلحق الأذى الكبير بنفسه أو سيُقتل حتّى :يحتاج إلى المرور من ما كان فى البداية يبدو و كأنّه حركة عشوائية للعربات ، لا " أنماط" لها و لا طبيعة محدّدين ، إلى فهم ما هو " نمط " و ما هي الطبيعة الأساسية لحركة العربات هذه ، و متى يكون قطع الطريق آمنا و متى يكون غير آمن . هنا مرّة أخرى المسألة مسألة نوع القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية التى وضّحناها فى الأمثلة السابقة . لكن إن قال الكهل الذى يعلّم الطفل : " من الآمن المشي وسط حركة المرور لأنّ " الإلاه سيحميك " – لن تكون تلك قفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية و إنّما " قفزة فى الإيمان " تنافي التفكير و المنطق – و من المأكّد تقريبا أنّ تبعاتها ستكون فظيعة و مأساوية .
المعرفة العلمية و المنهج العلمي :
و لو كان الإختلاف الحاسم بين النوعين من القفزات المختلفتين راديكاليّا – القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية فى تعارض مع " القفزة فى الإيمان " – ينطبق على " الحياة اليومية " وهو ذو أهمّية واقعية ، ، فإنّ الأمر كذلك بطريقة مركّزة فى ما يتصل بالمعرفة العلمية : المعرفة المتحصّل عليها و المتثبّت منها من خلال التطبيق الصريح و المنهجي للمنهج العلمي ، فى تعارض مع " القفزات فى الإيمان " .
و يعنى المنهج العلمي القيام ببحوث عن الواقع ، بما فيها بحوث من خلال الملاحظة و التجريب ـ لمراكمة الوقائع التى سيقع لاحقا تجميعها فى نسق ، فى نظرية تعيّن ما الذى تشترك فيه هذه الوقائع ، وما هي الأنماط التى تكشفها و ما هي الطبيعة الأساسية لما تشنله. ثمّ يتمّ إختبار هذه النظرية بتطبيقها مرّة أخرى ضد معيار ما يمكن تعلّمه من خلال مزيد التجريب و الملاحظة إنطلاقا من هذه النظرية ، لرؤية إن كانت النتائج صراحة تتماشى و ما توقّعته هذه النظرية . و فى تطبيق هذا المنهج العلمي ، إن كانت النتائج المتحصّل عليها – الأشياء المشاهدة أو النتائج الناجمة عن التجارب و ما إلى ذلك – تتناقض مع النظرية . مثلا ، يمكن إثبات أن ما توقعت هذه النظرية إمكانية حدوثه لم يحدث ، عندئذ ينبغى أن نستخلص أنّ النظرية خاطئة ، أو على الأقلّ أنّها تتضمّن نقائصا( خاطئة فى بعض مظاهرها). و مع ذلك ، إثر الإختبار المتكرّر من عدّة زوايا المتباينة و طوال فترة كاملة من الزمن ، يتواصل تماشي النتائج مع ما توقعته النظرية - و لم تؤدّى أيّة نتائج أو ملاحظات إلى وقائع تتناقض مع النظرية ، أو لا يمكن شرحها بفضلها – حالئذ يمكن إستخلاص أنّ هذه النظرية صحيحة . لكن ، حتى فى بلوغ حالة نظرية علمية مقبولة عموما ، فإنّ أية نظرية خاصة لا يجب أن تخضع للإختبار المتكرّر و حسب ، بل يجب كذلك أن تخضع لمراجعة علماء آخرين ، لا سيما أولئك ذوى المعرفة و الإختصاص فى حقل خاص من حقول العلم ترتبط به تلك النظرية ؛ و إنّ " تجاوز " تلك المراجعة – إن لم يستطع أي من هؤلاء العلماء أن يبيّن أنّ نظرية ذات نواقص أو ببساطة خاطئة ، إن لم توجد أية نتائج يمكن التدليل على أنّها تناقض النظرية و توقّعاتها عن الواقع ، عندئذ ستكتسب النظرية القبول العام لدي العاملين فى الحقل العلمي على أنّها تفسير صالح و صحيح للواقع ( أو لجزء الواقع الذى تتعاطي معه النظرية ).
و الآن ، من الصحيح أنّ تطوّر النظريّات العلمية يعنى عموما صياغة " تخمينات " أولى و " فرضيّات أوّلية " عن الأشياء – بكلمات أخرى ، بمعنى ما يقوم به العلماء عادة ب " تخمينات إنطلاقا من معلومات "بشأن كيفية إمكانية وجود الشيء فى الواقع ، حتى قبل أن يتمكّنوا من توفير دليل على هذا . لكن ، قبل كلّ شيء ، حتى هذه الفرضيّات الأوّلية هي ذاتها تقوم على الأدلّة المراكمة و المتثبّت منها سابقا بخصوص كيفية الوجود الفعلي للواقع – فى تعارض مع " القفزات فى الإيمان " و التصريحات الدينية عن الأشياء ، التى يُتوقّع ببساطة الإيمانبها دون أيّة أدلّة ملموسة أو أفق القدرة أبدا على الحصول على مثل هذه الأدلّة . هذا أوّلا و ثانيا ، بشكل منهجي يختبر العلماء فرضيّاتهم الأوّلية فى العالم ، و فقط على ذلك الأساس تتولّد وقائع علمية جديدة يمكن عندئذ أنتساهم فى تطوّر النظريّات العلمية المقبولة عموما .
و بطبيعة الحال ، بوسع العلماء أن يخطئوا و قد أخطؤوا . و قد حصل ذلك ليس مع العلماء الأفراد فحسب بل أحيانا حتى مع مجموعة العلماء العاملين فى حقل علمي و الذين كان يُنظر إليهم ك " أخصّائيين " و " سلطات علمية " فى حقول العلم المتنوّعة . العلماء فى آخر المطاف بشر لهم حدود ، يعيشون فى إطار مجتمع و هم جزء منه و يتأثّرون بشتّى الطرق بالأفكار السائدة فى المجتمع فى زمن معطى . و فى نفس الوقت ، مع تحصيل المزيد من المعرفة – و مع تواصل التجريب و الملاحظة ، ليس و حسب فى علاقة مباشرة بنظرية معيّنة بل بالعلم ،و فعلا بالعالم على نطاق واسع – و أيّة نظرية خاصة ستخضع للإختبار و المراجعة المستمرّين و يمكن أن يظهر أن الأشياء الجديدة التى يجري تعلّمها تضع موضع السؤال أجزاء أو أحيانا كلّ النظرية الخاصة ،و عندها سيتعيّن على النظرية أن تُدخل عليها تحويرات أو حتى تستبعد تماما. إلاّ أن النقطة الحيوية هي التالية : يوفّر المنهج العلمي وسائل مواصلة البحث فى الواقع و مواصلة مزيد التعلّم منه ، و على هذا الأساس تصحّح الأخطاء المقترفة .
و يغدو فهم الواقع المتحصّل عليه بواسطة القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية ، بدوره ، الأساس و القاعدة التى منها يتمّ مزيد تحليل و تلخيص المعرفة الحسّية المراكمة للقيام بمزيد القفزات من هذا النوع ( من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية من جديد ... ومن جديد أيضا ) . لهذا تحصيل المعرفة ( من طرف الأفراد و المجتمع و الإنسانية ككلّ – ليس شيئا يحصل " مرّة واحدة " و إنّما هو سيرورة مستمرّة . و ينسحب هذا على " الحياة اليومية " و ينسحب بطريقة منهجية على المنهج العلمي . و يتصل هذا بنقطة أخرى شدّد عليها ماو . فأبعد من القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية ، هناك قفزة إضافية – من المعرفة العقلية إلى الممارسة العملية ، فى أثنائها يتمّ تغيير الواقع المادي و مزيد الحصول على معرفة حسّية ،مرسين أساس قفزة أخرى نحو المعرفة العقلية و هلمّجرّا .
" القفزة فى الإيمان " هي قفزة بعيدا عن فهم حقيقي للواقع :
فى تعارض مع هذا ، ثمّة نظرة دينية للعالم – تأكّد على التعويل على الإيمان و " القفزات فى الإيمان " عوض البحث فى الوقاع و تحليله و القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية – و مثل هذه النظرة الدينية ليس بوسعها أن تؤدّى إلى فهم صحيح للواقع ، و بالفعل هي تنزع إلى أن تؤدّى إلى الإبتعاد عن مثل هذا الفهم بطريقة جوهرية . و بطيعة الحال ، ليس كلّ المتديّنين " أتباع الكتاب المقدّس حرفيّا " - يشدّدون على أنّ القبول بالإنجيل ( و أي كتاب مقدّس لدي بعض الأديان الأخرى ) على أنّها الكلمة الصريحة لكائن مفترض لا حدود لقوّته ، كائن خارق للطبيعة لا حدود لمعرفته و بالتالي هو " الحقيقة المطلقة ". و فى الواقع ، هناك عديد المتديّنين الذين يقبلون بقدر هام من الإستنتاجات العلمية ، و هناك أكثر من قلّة يحاولون أن يوفّقوا بين إعتقادهم فى نوع من الكائن الخارق للطبيعة من جهة و قبولهم بالمنهج العلمي و نتائجه من أخرى ، مثلما تطبّق فى مجال الوجودالمادي . و فى نفس الوقت ، مع ذلك ، تأكّد وجهة نظرهم الدينية أنّه ثمّة بعض المجال الآخر ، مجال وجود غير مادي ، بينما هو غير موجود فى الواقع ؛ و لم توجد أبدا و لا يمكن أن توجد أبدا أدلّة على وجود هذا المجال غير المادي يمكن أن يواجه إختبار البحث العلمي . و من الوقائع أنّه حتى الذين يحاولون التوفيق بين الإعتقاد الديني بشكل أو آخر ، و قبول عام بالمنهج العلمي و نتائج تطبيق هذا المنهج ، لا يستطيعون القيام بذلك بصراحة لأنّ هذه المعتقدات تنحو إلى الدخول فى نزاع ، فى أوقات معيّنة و بطرق معيّنة ، مع الإستنتاجات التى يتمّ التوصّل إليها بتطبيق المنهج العلمي .
الإنفجار الكبير و التطوّر و الثورة :
لنعد إلى لبّ حجّة هذه الرسالة مثلما وقع التعبير عنه فى الجزء الأوّل المستشهد به أعلاه . ولنأخذ ما قيل هنا – مقارنين المنهج العلمي بالنظرة الدينية للعالم و مقارنين بوجه خاص القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية ب " القفزات فى الإيمان " – و لنطبّق هذا على أمثلة يشدّد عليها كاتب هذه الرسالة : التطوّر و الإنفجار الكبير . أمر واقع أنّ للتطوّر والإنفجار الكبير شيء مشترك هو أنّها نظريّات علمية توفّر شرحا للمظاهر الأساسية لتطوّر الكون المعروف ( الكون الذى يعرفه البشر ) و لتطوّر أرضنا و الكائنات الحيّة ، بما فى ذلك البشر ، على هذه الأرض . ( بكلمات جدّ أساسية ، نظرية الإنفجار الكبير تقول إنّ الكون كما نعرفه اليوم ، بما فيه أرضنا ، نشأ عن إنفجار جائح [ فجئي و عنيف ] للمادة قبل مليارات السنوات ) . و فى نفس الوقت ، بينما هناك أدلّة علمية ملموسة تدعم نظرية الإنفجار الكبير ، فإنّ نظرية التطوّر متركّزة حتى بأكثر صلابة و قد تأكّدت بأكثر من 150 سنة من الإختبار و المراجعة العلميين ، منذ أن جمّع فى نسق لأوّل مرّة شارل داروين نظرية التطوّر فى القرن التاسع عشر . و ينطوى هذا على فهم أنّ البشر تطوّروا من سلسلة طويلة من أشكال الحياة التى تطوّرت خلال مليارات عدّة من السنوات ، و ينطوى على أدلّة واضحة على أنّ البشر و القردة الكبيرة مترابطان و متقاربان بيولوجيّا و أنّهما فى الواقع قد تقاسما أنواعا مشتركة من الجدود الأوّلين منهم تفرّقا وفق مسالك تطوّر منفصلة قبل بضعة ملايين السنوات فقط . و سلسلة المقالات الهامة للغاية عن علم التطوّر لأرديا سكايبراك ، التى نشرت فى جريدة حزبنا ( و التى حسب ما فهمت ستنشر فى المستقبل المنظور ككتاب من قبل إنسايت براس ( 2)، توفّر شرحا دقيقا لنظرية التطوّر و كيف تمّ بيان – بصورة متكرّرة ، من عديد الزوايا المختلفة و بتطبيق المنهج العلمي فى مجالات عدّة مختلفة – أنّها صحيحة ؛ و كيف أنّ مواصلة البحث و التلخيص العلميين ، من عديد المجالات العلمية المتباينة ( بما فيها علم الجينات و كذلك تسجيلات الأحاثيّات و الكثير من " مجالات البحث العلمي " الأخرى ) تستمرّ فى تأكيد صحّتها و توفّر المزيد من الأدلّة على التطوّر ، و كيف أنّه لم يوجد أبدا إكتشاف علمي وحيد أو واقع مثبت بأي شكل يفنّد التطوّر أو يضعه موضع السؤال ؛ و كيف أنّ التطوّر ، إجمالا ، أحد أكثر النظريّات المركّزة جيّدا و الجوهرية فى العلم جميعه ، أحد أكثر المكوّنات الجوهرية لفهم صحيح للواقع . و علم التطوّر يفضح بدقّة أبضا و يدحض محاولات الأصوليين الدينيين و بعض الآخرين الذين يضعوا التطوّر موضع السؤال أو يتحدّوا حقائقه الأساسية و ذلك من خلال تقديم حرفي ل" نظرية الخلق " الإنجيلية أو تشويهات " أحذق " للواقع على غرار " المصمّم الذكي " التى هي فى الواقع صورة أخرى من " نظرية الخلق ".
متذكّرين هذا ، لننظر فى إدّعاء كاتب هذه الرسالة بأنّ التطوّر و ليس أقلّ الإنفجار الكبير هو " بذات القدر قفزة فى الإيمان شأنه شأن النسخة الإنجيلية عن الخلق " و من جميع ما قيل إلى الآن ، ينبغى أن يكون واضحا أنّ هذا الموقف خاطئ من جميع الوجوه وإطلاقا . لقد وقع إثبات أنّ التطوّر صحيح و قد وقع بإستمرار مزيد إثباته بتطبيق المنهج العلمي – و الذى يعنى من جديد قفزات معيّنة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية لكنّه لا يعنى فى شيء " القفزة فى الإيمان " . ففى الواقع " القفزات فى الإيمان " غريبة عن المنهج العلمي و فى نزاع مباشر معه و تدوسه دوسا – و إن أمكن إثبات أنّه ، فى تعارض مع القفزة المنطقية من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية ، فإنّ النظرية العلمية فعلا تعنى " قفزة فى الإيمان" وهو أمر فى حدّ ذاته لا يمكن إثبات صحّته ، أو حتى أن تختبره المناهجالعلمية ، فإنّ تلك النظرية ستفهم مباشرة على أنّها غير صالحة وفق معايير العلم و المنهج العلمي . لا وجود ل " قفزات فى الإيمان " فى المنهج العلمي ، و لا وجود ل " قفزة فى الإيمان " فى نظرية التطوّر ؛ إكتشافاتها و وسائل التوصّل إليها ( وهي بإستمرار يزداد التثبّت منها و القبول بصلوحيتها ) ، فى تعارض مباشر مع " القفزات فى الإيمان " و مع فهم للواقع يقوم على مثل هذه " القفزات فى الإيمان " و على " الإيمان" كنوع من وسائل بلوغ حقيقة الواقع . و بالتالي عندما أصرّح أنا ( و أكثر دلالة بالنسبة لهذا النقاش ضمن الغالبية العظمى من العلماء فى ميدان البيولوجيا و بشكل أعمّ ضمن العاملين بالحقل العلمي ) دون تردّد بأنّ " التطوّر أمر واقع !" – قد يزعج هذا كاتب الرسالة هذه و يزعج الأحكام الدينية الإعتباطية لكن هذا لا يجعل أقلّ صحّة أنّ التطوّر بالفعل أمر واقع .
و الآن ينبغى كذلك يكون واضحا أنّ ما هو جوهريّا خاطئ فى تعليق صاحب هذه الرسالة بأنّه " إعتبارا لأنّه لا أحد كان هناك ليسجّل الإنفجار الكبيرفإنّه أيضا بذات القدر قفزة فى الإيمان شأنه شأن النسخة الإنجيلية عن الخلق ." و بينما ( على الأقلّ فى فهمي ) الإنفجار الكبير كنظرية علمية ليست صحّتها مثبتة ومدلّل عليها كما هو حال نظرية التطوّر – و بينما هناك نهائيّا المزيد لتعلّمه عن جذور الكون و تطوّراته ( أو ربّما الأكوان المتعدّدة المتباينة ) و العاملين فى مجال الفيزياء ( والعلوم الأخرى) سيكونون من أوائل المصرّحين بهذا –ليس نظرية الإنفجار الكبير بالمرّة مجرّد مسألة " قفزة فى الإيمان الديني " مثلها مثل أسطورة الإنجيل عن الخلق. قبل كلّ شيء قصّة الخلق كما تروى فى سفر التكوين فى الإنجيل ببساطة غالطة – إنّها تتعارض بجلاء مع الكثير من الوقائع المركّزة علميّا فى عديد الجزئيّات الخاصّة و فى تقديمها العام – وليس أقلّها واقع أنّه يمكن أن يثبت علميّا أنّالأرض تدور حول الشمس و أنّ الكثير من الأشكال الأخرى من الأصناف النباتية و الحيوانية وُجدت قبل ظهور البشر بمدّة طويلة على وجه الأرض . وفى تعارض مع أسطورة الخلق هذه ، بينما ( و مجدّدا ، فى فهمي ) نظرية الإنفجار الكبير لم يقع التثبّت منها بدقّة بالطرق العلمية مثلما وقع ذلك مع نظرية التطوّر ، ليس الحال بالتأكيد ، عند هذه النقطة على الأقلّ ،أنّ نظرية الإنفجار الكبير عارضها ، فى مظاهرها الأساسية ، الفهم العلمي و النتائج المتوصّل إليها عبر المنهج العلمي – مثلما هو نهائيّا شأن أسطورة الخلق المعتمدة على الإنجيل .
و طبعا من الصحيح أنّه لم يوجد أحد من البشر حوالي زمن الإنفجار الكبير . لكن هذا لا يطعن فى صلوحية نظرية الإنفجار الكبير أو يقلّصها إلى " عنصر إيمان " مثلما هو شأن أسطورة الخلق المعتمدة على الإنجيل . لقد توصّل البشر إلى معرفة عدّة أشياء تخصّ الواقع الذى لم نختبره أو نشاهده مباشرة. نظرية الإنفجار الكبير قد صيغت فعلا و تطوّرت عبر سيرورة ( متواصلة ) من الإنطلاق من الأشياء التى قد تركّزت بعدُ بوضوح و أثبتت صحّتها من عدّة زوايا ، ل " تجميع هذه الأشياء فى نسق " و إستخلاص إستنتاج عن واقع أوسع ، هذه الأشياء جزء منه. بكلمات أخرى ، هناك فعلا قفزة معيّنة هنا – لكن مجدّدا ، ليست " قفزة فى الإيمان " ، أو أي شيء مشابه ، و إنّما قفزة من دليل إلى إستنتاج يتعلّق بما يبيّن الدليل صحّته.
بإختصار ، فى تطوير نظرية الإنفجار الكبير ، إنطلق العلماء فى حقول علم الفلك و الفيزياء و حقول أخرى ، من ما يعرفونه – ما تركّز علميّا و إختُبر و أثبت – عن الكون ليستخلصوا مزيد الإستدلالات و الإستنتاجات عن الكون ، بما فى ذلك جذوره . و فى كلذ مرحلة من مراحل تطوّر هذه النظرية العلمية ( شأنها فى ذلكشأن كافة النظريّات العلمية ) ، يجب على هذه الإستدلالات و الإستنتاجات أن تخضع ، و هي تخضع ، لمزيد الإختبار فى الواقع قبل أن ترفع إلى مستوى نظرية مثبتة و تلقى القبول العام . ونظرية الإنفجار الكبير عمل فى تقدّم غير أنّه ليس مضاربة عابثة : الأسئلة عينها التى تثيرها وتكتشفها، و البحث الذى تحثّ عليه و الوقائع الملموسة التى ساعدت إلى حدّ الآن على إماطة اللثام عنها تستند إلى الأدلّة المراكمة علميّا سابقا غن الواقع . و هذا يسجّل مرّة أخرى إختلافا عميقا بين المنهج العلمي و " الإيمان الديني " – بما أنّ الأخير تحديدا لا يستخلص إستنتاجاته أو يصوغ تأكيداته بالإعتماد على البحث العلمي و تلخيص الواقع الفعلي و من غير الممكن أصلا أن تختبره المناهج العلمية . على عكس قصّة الخلق الأنجيلية عن أصل الكون ، الواقع هو أنّ نظرية الإنفجار الكبير تخضع بإستمرار إلى مزيد " التثبّت " و التحليل العلميين. و بالرغم من أنّه صحيح أنّ لا أحد من البشر كان حاضرا زمن حدوث الإنفجار الكبير حسب حسابات العلماء ( حوالي 15 مليار سنة ) ، فإنّ تطوّر التكنولوجيا الحديثة – بما فيها المزيد المناظير و الأدوات المتصلة بها ، و التى يمكن أن ترسل إلى الفضاء لتسجّل أشياء ، قد خوّلت للعلماء تعلّم أشياء أكثر بكثير عن ما حدث فى الزمن القريب من الزمن الذى يُعتقد أنّ الإنفجار الكبير قد وقع فيه ، فى نقطة من الفضاء بعيدة عن المكان الذى توجد به أرضنا الآن . ( و " القريب " فى هذا السياق يقصد به شيئا زهاء مليار سنة وهو ليس بالحيّز الزمني الكبير فى إطار الكونو تطوّره . و تعزى قدرة العلماء على " التعمّق فى رؤية الماضي " فى تطوّر الكون ، بهذه الطريقة ، إلى العلاقة بين الزمان و المكان . بما أنّ الأشياء التى يلاحظها البشر – مباشرة أو بفضل المنظار و أجهزة مشابهة – " تنقل " إلينا بواسطة الضوء ، و سرعة الضوء ، فإنّ الأشياء التى جدّت منذ مدّة طويلة و كذلك على مسافة بعيدة من المراقب تستغرق وقتا طويلا لبلوغ المراقب ، حتى و لو أن حركة الضوء سريعة جدّا مقارنة بالحركات اليومية العادية الأخرى التى إعتدنا عليها. مثلا ، إن كنت فى عاصفة رعدية ، سترى ضوءا شاردا قبل أن تسمع صوت الرعد المرتبط به ،و إن كان الإثنان عمليّا جزءا من ظاهرة واحدة و حدثا عمليّا جدّ فى الوقت نفسه. سبب رؤيتك بريق الضوء أوّلا هو أن بريق الضوء يتنقّل بسرعة الضوء وهو أسرع بكثير من سرعة الصوت التى تجلب صوت الرعد ).
ما تعلّمه العلماء من خلال هذه " العودة فى الزمن " مقتربين أكثر أبدا من الزمن الذى يعتقد أنّ الإنفجار الكبير قد حدث فيه ، نزعت إلى إثبات صحّة ( إلى دعم و مزيد تأكيد ) نظرية الإنفجار الكبير ، حتى و لو أنّها أثارت أسئلة جديدة متّصلة بكلّ هذا . لكن مرّة أخرى ، الواقع الحاسم هنا ، فى علاقة بما يطرحه كاتب هذه الرسالة – و أهمّ من ذلك ، فى علاقة بالمسائل الجوهرية المتصلة بما هي الحقيقة و كيف يتوصّل البشر إلى معرفة الحقيقة و إختبار المعرفة – هي أنّ هذه المعرفة النامية المتعلّقة بأصل الكون المعروفلا صلة لها بأي شكل من الأشكال بتطبيق المبادئ الدينية أو " القفزات فى الإيمان ". و بالفعل ، مجدّدا ، هذه المعرفة النامية – التى تمذ التوصّل إليها من خلال المناهج العلمية و القفزات المنطقية من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية و المنسجمة مع المنهج العلمي وهي جزء منه – فى تناقض مع أسطورة الخلق المعتمدة على الإنجيل و تدحضها مقدّمة المزيد من الأدلّة على أنّها بالضبط ما هي عليه : أسطورة ، خلقها البشر قبل بضعة آلاف السنوات ، البشر الذين كانت تعوزهم معرفة كيف نشأ عمليا الكون ( مثلما نعرفه ) ، الأرض و الكائنات الحيّة على الأرض ( و منها البشر ) .
===============
معرفة الواقع الفعلي – و مزيد معرفته بإستمرار – أمر مهمّ على نحو حيوي بالنسبة للإنسانية و مستقبلها ؛ إنه مهمّ على نحو حيوي ليس للعاملين فى مجال العلوم و الأكاديميين و حسب و إنّما أيضا للناس المضطهَدين و المستغَلّين بوحشية على وجه هذه الأرض ،و الذين يجب و يمكن أن يكونوا حجر الزاوية و القوّة المحرّكة لثورة تطيح بكافة أشكال أشكال الأستغلال و الإضطهاد عبر العالم و تضع لها نهاية – لكي يكونوا من محرّري ليس أتفسهم و حسب بل فىالنهاية محرّري الإنسانية جمعاء . مواجهة الواقع كما هو فعلا – و كما يتغيّر و يتطوّر – و فهم القوى الكامنة و المحرّكة لهذا ، مسألة حيوية فى لعب دور حاسم و قيادي فى إنجاز هذه الثورة و تدشين عصر جديد تماما فى تاريخ الإنسانية ، عصر سيمزّق و يستبعد إلى الأبد ليس السلاسل المادية و حسب – أصفاد الإستغلال و الإضطهاد الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي التى تستعبد الناس فى عالم اليوم ،و لكن أيضا السلاسل الفكرية ، طرق التفكير و الثقافة ، التى تتناسب مع هذه السلاسل المادية و تعزّزها . فى بيان الحزب الشيوعي ، صرّح كارل ماركس و فريديريك إنجلز اللذان أسّسا الحركة الشوعية قبل أكثر من 150 سنة ، بأنّ الثورة الشيوعية و مبادئها و مناهجها و أهدافها التحريرية ، تعنى " قطيعة جذرية " مع علاقات الملكية التقليدية التى تستعبد الناس بشكل أوآخر و كذلك قطيعة جذرية مع كافة الأفكار التقليدية التى تعكس علاقات الملكية التقليدية هذه و تعزّزها .
المعركة فى مجال الإبستيمولوجيا – نظرية المعرفة و كيفية تحصيل الناس لها ، نظرية ما هو الصحيح و كيف يتوصّل الناس إلى معرفة الحقيقة – مجال حيوي فى المعركة الشاملة من أجل تحرير غالبية المضطهَدين و المستغَلين نت البشرية ،و فى النهاية الإنسانية ككلّ . إستيعاب المميزات المحدّدة للمنهج العلمي و أهمّيتها – و فوق كلّ شيء المقاربة العلمية الأكثر إتساقا و منهجية و شمولية للواقع ، النظرة للعالم و المنهج الشيوعيين اللذان يمكن أن يعانقا دون أن يعوّضا أو يخنقا الكثير منمجالات المعرفة و النشاطات الإنسانية و يمكن أن يعبّرا عن سيرورة التعلّم الأغنى بشأن الواقع و تغييره فى مصلحة الإنسانية - له أهمّية حيوية فى هذا النضال التحريري.و فهم الإختلاف العميق بين محاولة فرض " مفاهيم " قائمة على الإيمان " فرضا على الواقع ، و فى تعارض مع ذلك ، إتباعفهم علمي للواقع بما فى ذلك فهم للدين و جذوره و إنعكاساته – فهم الإختلاف الجذري بين " القفزات فى افيمان " و التحصيل الجاري للمعرفة من خلال القفزات المستمرّة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية – هذا جزء حاسم من المضيّ قدما بالصراع نحو بلوغ القطيعتين الراديكاليتين اللتين تميّزان الثورة الشيوعية مثل القفزة إلى عصر جديد و تحريري تماما فى تاريخ الإنسانية .
ملاحظتان :
1- الملفّات الصوتية من خطاب " لا وجود لإلاه – نحتاج إلى تحرير دون آلهة " متوفّرة على الأنترنت على موقع :
www.bobavakian.net
2- هذه السلسلة قد وقع الآن نشرها فى شكل كتاب لأرديا سكايبار و عنوانه " علم التطوّر و أسطورة الخلق – معرفة ما هو حقيقي و لماذا هو مهمّ " ؛ إنسايت براس ، 2006.
============================+++++++++++++++++++++++++++



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيام بالثورة البروليتارية - الفصل الثالث من كتاب - الأساسي ...
- الشيوعية عالم جديد تماما و أفضل بكثير - الفصل الثاني من كتاب ...
- نظام إستغلال و إضطهاد عالمي - الفصل الأوّل من كتاب - الأساسي ...
- من الولايات المتحدة الأمريكية : تحليل لأوهام الديمقراطية
- مدخل لفهم حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان... - فصل مضاف إلى كتا ...
- إسرائيل ، غزّة ، العراق و الإمبريالية : المشكل الحقيقي والمص ...
- مقدّمة كتاب - الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته - / ال ...
- الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ ...
- الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ ...
- إعادة صياغة برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللين ...
- حول - القوّة المحرّكة للفوضى - و ديناميكية التغيير ...النضال ...
- نظرة على الخلافات بين الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – ال ...
- هل يجب أن نجرّم المهاجرين أم يجب أن نساندهم ؟
- هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي المجرم يحطّم كوكبن ...
- مقدّمة كتاب : مقال - ضد الأفاكيانية - و الردود عليه / الماوي ...
- خلافات عميقة بين الحزبين الماويين الأفغاني و الإيراني - الفص ...
- النساء فى مواجهة النظام الأبوي الذى ولّى عهده : الرأسمالية – ...
- 8 مارس 2014 : لنناقش هذه المقولات لبوب أفاكيان رئيس الحزب ال ...
- إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ منهم عم ...
- إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ من هم ع ...


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية