أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس الربيعي - لحظة لقاء














المزيد.....

لحظة لقاء


بلقيس الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4584 - 2014 / 9 / 24 - 13:01
المحور: الادب والفن
    



شعرت بدوار وضيق في تنفسها وهي تنهض بعد أن زال عنها التخدير بعد

العملية التي أجريت لها . أبعدت الأغطية جانبا ونزلت من السرير، تحركت بهدوء

وبخطوات قصيرة ، خطوات كسلى ، بين سريرها ونافذة الردهة المطلة على حديقة

المستشفى، وقفت وسط الردهة تلتقط أنفاسها، نقلت نظرها متلفتة حولها تبحث عمّن

تفضي إليه بهمومها وأشجانها، فالهموم كما يُقال تقل عند اقتسامها. لم يكن هناك في

الردهة سواها، داهمها الحزن ، عادت وجلست على حافة السرير، حائرة، لملمت

أطراف ثوب المستشفى، حشرتها بين ساقيها. غطـّـت وجهها بكفيها، راحت تبكي

مخنوقة بصمت. عادت بها الذاكرة نحو البعيد، مرً في ذهنها شريط سريع من

الصور ، تذكرت اليوم الذي أُجريت لها عملية قيصرية أثناء ولادة طفلتها البكر.

كان هو إلى جانبها، يرعاها، يواسيها، يعزز صمودها، خالد لم يكن يوما بعيدا عنها .

استلقت على السرير ثانية، أغمضت عينيها وسرحت في عالم ذكرياتها، الصور

الجميلة انهمرت من ذاكرتها متسارعة، وبينما هي بين الإفاقة والوسن، أحست بيد

تداعب شعرها وشفتين التصقت بشفتيها.

ــ خالد؟ أهذا أنت حقا .. أم أنني أحلم ؟

ــ أجل ها نحن نلتقي ثانية، ولا زال حبنا حيا فينا بدليل أننا معا الآن .. وفي العتمة

.التي أنا فيها والبرد يدخل عظامي، كنتِ أنتِ معي


ــ شوقي إليكَ ياحبيبي كنار تعتمل في صدري وطيفك لا يفارقني وحبك يمس شغاف

.قلبي فأنتَ من منحني أول أوراد الحب


ــ حبيبتي، علاقتنا لن تموت وستبقى كتمثال من المرمر، فلنا ذكريات في كل مكان

لقد كانت حياتنا سيمفونية رائعة تجسد فيها الخير والوفاء، الحب والعطاء، لم نقل


كل شيء في حبنا الكبير ولم نفعل كل شيء لسعادتنا .. أنا لم أتحدث في أذنيكِ أجمل

ما أتمنى أو أهمس به .. حبنا الذي شاعت أخباره على ضفاف فرات السماوة، وكأننا

نريده أن يكون شاهدا عليه، هو اليوم كالمادة لا تفنى .

ــ حنيني إليك يجرني بقوة نحو ذكرياتنا الجميلة وهي لمّا تزل خضراء حاضرة في

ذهني: كازينو شاطئ دجلة يوم عقد قراننا ، السماء ملأى بالنجوم الفرحة بحبنا، متألقـة

وأغاني أم كلثوم .. و ..و . أنت تستوطن قلبي وذاكرتي .. خبأتك في عظامي وغطيتك

بجلدي وذكرياتي معك لاتزال حية، طرية.


ــ أتذكًر يا وفاء كل شيء وأتذكر الأمسيات الجميلة حين كنا نجلس على ضفاف

الفرات، والنسيم العبق بأريج زهور بساتين السماوة، والنسائم العذبة تهب علينا حاملة

رائحة منعشة من أنواع الفاكهة الطيبة، تتغلغل إلى روحينا مع هواء الربيع

الذي يهز أوراق الشجر ناعما حيث كنا ننسى نفسينا، لا نشعر بالوقت وهو يمر،

فنبقى حتى تميل الشمس بعيدا وهي تحتضر، تمسح بأشعتها الأخيرة هامات النخيل.

احتضنها خالد مجددا، وراح الحبيبان يسترجعان ذكرياتهما الجميلة وقد تدفقت

على لسان وفاء بعد أن ظلـّـت حبيسة في صدرها طوال الأعوام الماضية.


...ــ أنتِ جميلة يا وفاء، مرحة كموتسارت ، وعنيدة كالموت

أتذكرين يوم أردنا أن نشتري فاكهة من ساحة الميدان بعد يومين من زواجنا حين

سألت البائع؟

ـ بكم كيلو الرقي؟

….. ــ ب

ــ أعطني كيلو


وضحكة منكِ حلوة على " غشاميتي " في التسوق . والآن، بعد كل هذه السنين هل

تسنى لكِ زيارة مدينتنا ؟

ــ أجل يا حبيبي زرتها بعد خمس وعشرين عاما قضيتها في الغربة والمنافي،

ويا ليتني لم أزرها لتبقى صورتها الجميلة في ذاكرتي حين غادرتها مرغمة .



لم تعد السماوة كما تركتها في سبعينيات القرن الماضي . فقد تمً تجريد المدينة من

ذاكرتها من خلال محو كل ما يرتبط بذاكرة الناس من مقاهي وسينما ومكتبات وحتى

طريقة تفكيرهم . كيف أصف لك ما آلت إليه سماوة ثورة العشرين، أرض جلجامش،

أرض أوروك ذات الأسوار، أرض المدينة الحضرية الأولى، التي علمّت الإنسانية

أبجدية الكتابة، والاختراعات العظيمة، وما أصابها اليوم من بؤس وإهمال .


فقد قُصف جسرها المعلق، والفرات الذي يشطرها إلى نصفين يبكي حزينا وقد

شحّت مياهه واختفت ملامح القشلة منه، والبساتين التي طالما زهت بنخيلها على

ضفافه، رأيتها تبكي عطشا وتسرح فيها الكلاب الضالة، لم يبق في المدينة ما يذًكرنا

بالماضي الجميل .

ــ لا تحزني و لا تيأسي، وكوني قوية وصلبة كما عهدتكِ ولا تنحني أمام قسوة

الأيام، فرغم الاهمال الذي طال المدينة، فإن أصوات الناس تظل تطرد كل قنوط ،

وسيعم الفرح يوما، وإن اختفى ، سيتفجر في أصوات الأطفال .. سيأتي يوم وتعود

البسمة إلى مدينتنا.



جاء صوت الممرضة التي قدمت كي تعطيها الدواء مفاجئا، أيقظها وبعثر


أفكارها مجددا، فتحت عينيها لتستيقظ من حلمها مرتبكة. ..

!كان لقاءً جميلا لكنه انتهى بسرعة



#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع البحر
- حوار مع الفنانة نماء الورد
- التاسع من مايو .. يوم الانتصار على الفاشية
- أبا ظفر في عيد ميلادك
- حوار مع الشاعرة ثناء السام
- تنهنئة من القلب
- ورحل فنان الشعب
- المركز الثقافي العراقي في السويد بيت لكل العراقيين
- أبا ظفر .. عشت بكرامة واستشهدت بشرف
- التملك عند الأطفال
- عيد مبارك
- الأطفال مرآة المجتمع
- ثمانية عشر شهرا مع النصير الشيوعي الشهيد ابو ظفر
- كلمات مضيئة ( 1 )
- بحيرة ساوة ... الإهمال
- تجربة اعتز بها
- لهجتي ... هويتي
- كم نحن بحاجة الى مثل هذه الشخصية
- بائعة السجاير
- الى ابي ظفر.. في الذكرى الثامنة والعشرين لإستشهاده


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس الربيعي - لحظة لقاء