أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عباس علي العلي - عصر الحرية ومفهوم الذاكرة ح2















المزيد.....

عصر الحرية ومفهوم الذاكرة ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 03:03
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لقد أعادت الذاكرة الإنسانية هذه الصورة من الحرية الأوربية مشهد الحروب الصليبية والصراع بين الشرق والغرب الصراع الذي يدور بأدوات مادية وأسلحة فكرية ولكنه في جوهره صراع وجودي صراع تزاحم وتنافس حضاري بين القيم المادية التي دوما يبشر بها الغازي الأوربي وبين القيم الروحية والأخلاقية التي يمثلها المحارب الشرقي.
لقد نقلت أوربا فعلا ونجحت في ذلك بالقرن الثامن عشر وما تلاه من نقل هذا الصراع المادي الروحي من ديارها إلى الخارج باسم الحرية وهي مفردة روحانية اكثر منها مادية لتحطم بذلك صورة الشرق والجنوب بالمفهوم الجديد الحالي, لقد تسلحت الحرية الاوربية والذاتية بجوهر روحي مقابل ماديتها المفرطة لتغطي بشاعة الهدف الغربي الشمالي من المناداة بالحرية.
لقد أنتج هذا الصراح وكنتاج عرضي لا يقاس بالثمن حركة تساؤلات مصيرية في المجتمعين معا كان الاثر الفكري أوضح في أوربا أما الأثر المادي فكان أوضح في مجتمع الشرق والجنوب حيث تهاوت اركان البناء الروحي والأخلاقي عندها مقابل ضخامة قدرات المواجهة الغربية الشمالية, لقد أصيب الحضارة الروحية الشرقية والجنوبية بما يسمى فوبيا التخلف فوبيا عدم اللحاق وأبهرتها الصورة المادية وقوتها ونشاطها لتبدأ بالتخلي شيئا فشيئا من ثوابتها ومقدماتها لصالح الحداثة وسعت بكل قوة نحو التقليد والسعي للمماثلة دون ان تعي ذاتيتها كما فعلت الحداثة اصلا في أوربا, لذا نجد أن في سعيها هذا لم تنجح في بسط مقومات ونتائج الحداثة في بلدانها بالقدر الذي نجحت فيه أوربا لأنها لم تدرك أن وصفة الحداثة ليست سحرية ولا جاهزة للتطبيق دون مراعاة للذاتية والحرية الذاتية الخاصة بها.
لقدت فقدت الذاكرة الشرقية فاعليتها وأيقنت أن التجربة الغربية مصير محتوم لا بد من المسايرة والقبول به أمر واقع, لم تعد تنتج ما يمكن أن ينجح في استيعاب مفعول الصدمة والتعامل مع المستجدات دون أن تضحي المجتمعات الشرقية بقيمها الاصيلة و ببعضها الثمين لذا فإن حالة من الاغتراب والغربة عن الواقع جشمت على العقول فلم تعد تميز قيمة الحرية بالنسبة لها, فكل ما يأتي من الغرب والشمال الحداثي هو ضرورة وجودية وعين اليقين الذي يجب أن يكون سائدا وباسطا مفهومة ولو تناقض ذلك مع الواقع والحقائق على الأرض, وجدنا استلابا حقيقيا لحرية هذه المجتمعات بل وجدنا دفاعا مستميتا من البعض الذي فقد ذاكرته عن الاستعمار وعن الحرية الاوربية الذاتية.
في الوقت الذي تمتعت فيه أوربا بالحرية الذاتية كمجتمعات وعلى مستوى أقل كأفراد ونجحت في ارساء انماط وصور من التحرر الفكري والعقيدي والعلمي أيضا تحت جناح الحداثة وما بعدها ,عجز الشرق والجنوب أن يؤسس اطر مماثلة وظل يسير بمنهج ذيلي متقمص كل الأمثلة والمنتجات الغربية والشمالية دون فحص ودون وعي, والعلة تكمن في تغييب الذاكرة التي لم تفيق بعد نتيجة انبهارها وفقدانها التوازن وعجز الطبقة الفكرية والسياسية النخبوية ان تلهم الذاكرة حلم العودة لها وحلم الانفعال الذي ينتج ما انتجه المجتمع الغربي من قيم ومفاهيم ورؤى وأفكار مؤسسة على بنيان رصين اجتماعي وسياسي واقتصادي.
قد يكون من المهم أن نشير إلى أن فقدان الذاكرة لتوازنها ليس عيبا طارئ ولا نقص في قابلية الذات الشرقية والجنوبية في أن تتكيف مع مظهرية الحداثة وقبول بها, ولكن السبب يعود لتمسك الذات بالجانب النفسي فيها والذي يكمن في نسيجها الواقعي الذي نشأت عليه بما فيه الجانب ألميتافيزيقي والذي له دورا حيويا في ارشادها نحو تحقيق نوع من التكامل الرصين بين الضرورات والحتميات من جهة وبين الأسس والمعطيات الابتدائية ,فهو أذن صراع داخلي مضمر يتعلق بالروح الشرقية ووجدانها المسيطر, مما قلل أيضا من الحماسة للمشروع الحداثوي الوافد إليها من خارج نظرتها للوجود الموضوعي والوجود المادي للأشياء.
أسباب عديدة كانت وراء فشل الذاكرة الشرقية في تبني الحداثة بالشكل الذي ابتكرته أوربا وروجت له بكل الاتجاهات وعمقته بالممارسة القهرية المصحوبة بتغلب عوامل الصراع لصالحها دون أن تتهيأ له مسبقا أو تستجيب للصراع بشكل يؤمن لها مناعة تتناسب مع ضراوة النزاع ,فكان الانزواء مجسدا بشكل يتيح للغرب والشمال أن يفرض نجاحه وقوانينه عليها, فأما الاستسلام الكامل أو البقاء أسيرة أحلام الماضي والبقاء تحت قيد الانغلاق والتقوقع في عالم خالي من الديناميكية الضرورية وكلا الخيارين يقود لنتيجة وحدة هي انتصار للمشروع الحداثوي في للشرق والجنوب.
لعل من المهم والمفيد أن نتذكر أن الفشل الشرقي في تبني المشروع الشمالي الغربي لا يعود فقط لعدم قدرة الذات الشرقية والجنوبية على استيعابه, ولكن هناك وكما قلنا انحياز طبيعي ومهم لتركيبة الأنا, ففي الوقت الذي تختصر فيه معرفة الغرب والشمال لمفهوم الأنا بالبحث الدائم والتأكيد على حريتها وذاتها المنفردة المزاحمة ,نجد الوعي الشرقي يعطي للمفهوم ذاته أبعاد أكثر سيكولوجيه وتعريف أدق لها من خلال تحديد أركان النفس الناطقة باعتبارها الجوهر الحقيقي للأنا هذا فهم مغاير بل وله قوة روحية وعملية وعلمية للمدركات الخاصة بالنفس.
النفس الناطقة الثالثة بعد مرحلة النفس النامية النباتية والثانية الحسية والحيوانية هي تلك الجوهرية التي تميز الكائن الناطق الإنسان المجرد كقيمة تعتمد على قوى خمسة تتفاعل وتتشارك لصياغة المفهوم عند الوعي الشرقي وبالشكل التالي تحديدا وبدونه لا يمكن ان يفهم الجوهر الذاتي للإنسان كإنسان الا بها وهي:.
-;- الذاكرة, وهي العنصر الاول والقوة الانسانية المتفردة بطبع الأنا الشرقية, إن وجود الذاكرة والتذكر عنصر تبتنى عليه قدرة النفس الثالثة على إعادة وترتيب وقياس واستنتاج المحسوس الخارجي وبدون قوة التذكر وفعل الذاكرة يبقى الإنسان في حالة غيبوبة عن الأسس التكوينية وكل منتجه الفكري اللاحق يخلو من قاعدة استناديه, وفيه يكون الفكر مجرد عارض وقتي لا يمكن الاعتماد عليه.
-;- الحلم والتحلم وممارسة الاحلام أيضا قوة قادرة على ممارسة الوجود بشكله الإنساني الحقيقي والكائن الحي الوحيد الذي يحلم ويتحلم ويبني المعرفة لديه على عامل الحلم والقدرة على التحلم هو الإنسان, قد تمارس بعض الحيوانات الحلم ولكن حلمها لا يمكن لها من أن تبني عليه سلوكيات مباشرة مع الخارج ومع المعرفة ولا يمكنها ان تتطور او تنتج معروفة بناء على الحلم والاحلام.
-;- العلم والتعلم والتعليم وهي القوى الأهم ومصدر الرئيس للقدرة على الإنتاج بما يبنى عليهما من جوهر نتائج مادية وحسية يمكن ادراكها بالبديهية ومن خلال السير التاريخي للوجود الانساني فلا ذات ناطقة حقيقية بدون قدرة على العلم والتعلم والتعليم بصورة أو بأخرى وحتى في الحدود البدائية ,إنها في الحقيقة تعزيز للذاكرة وتفعيل لها.
-;- الفهم, قدرة الذات على الفهم والتفاهم وهي قوة نفسية لا يمكن ان نجدها إلا عند الذات الإنسانية وهي محاولة طبيعية لجمع العناصر السابقة للإدراك ومن ثم الإنتاج الفكري بها ,إنها رد طبيعي لفاعلية القوى الثلاث السابقة وبه تتحدد مديات الأستجابة أو التحفظ أو الانكار لما هو في الداخل الذاتي أو الخارج الموضوعي, وهي خصيصة فريده للذات الإنسانية الطبيعية وبدونها لا يمكن أن نصف الكائن الوجودي كونه إنسان بصورة تامة.
-;- النباهة أو الانتباه هي المحصلة العملية للقوى الأربعة ونتيجة حتمية لقوة الفهم وقدرة الإنسان من تحويل المفردات التي تكونت بالفهم ذهنيا إلى نتاج سلوكي يضبط سير الأنا ويدفعها للعمل, وبهذه القوة يمكن أن يستجيب ويمارس الاستجابة واقعيا معتمدا على تكامل العناصر الاربعة, ومنها نستطيع كأخر بالنسبة للأنا أن نكتشف ونقيس له ردة الفعل والفعل.
إن النفس الإنسانية وهي تمارس شكلها التكيفي وتجسد تكويناتها واقعا وفعلا ملموس إنما تبني للإنسان ذاتيته وجوهر هذه الذاتية الأنا التي هي محور وجودي له وبدون الأنا هذه لا يمكن أن تنعكس خصيصة الإنسان الفردية, التي عليها التعويل في دوره الوجودي وبالتالي ما يمكن أن نقيس عليه هذا الدور وكيفية الترجمة الخاصة له نكشف عن نزعة مشتركة لدى شريحة معينة من الوجود هي المسئولة عن تبني وصنع الفكر والانتاج الفكري وتصبغه بنكهة ولون معين على أساسه يمكن أن نقول عن الأنا الشرقية مثلا تتحدد في تمثيلها للوجود الإنساني بالنزعة هذه أو تلك.
إن الفهم الغربي لهذه الحقيقية وإن لم ينكرها وجودا مبدئيا إلا أنه يحاول أن يعطي معنى مختلف عنها ولا يمت لها بصلة إلا ما تكشفه توجهاتها المتضخمة حول الذات المنفردة ,أنه يعطي لها معنى يتلاءم مع المقدمات التي أنشأها الوعي الاوربي ورسخ في نتاجه العلمي والفكري.
أن المفاتيح الأولى للأنا المجردة تكمن في بحث وجودها المبني على التمتع بحريتها لتدرك ذاتية متفردة وحرة تتماهى مع المعتقد الجمعي القائم على أحقيتها هي في الوجود والإثبات ولو أدى إلى التزاحم مع الأخر الأنا التي تعتري في وجودها الشك والريبة من المقابل المماثل وبالتالي فالمزاحمة حق لها طالما أنها تتناقض معه, هنا تتجلى جدلية الصراع الوجودي وليس على أساس تناظر طبيعي مبني على التساوي والتماثل.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقول وقلوب _ النص والاجتهاد وما بينهما حياة
- تشيد الدعامات الأولى لتحويل الفكر لمشروع واقعي
- علاقة الدين بالمدنية والتوطن
- العراق جمجمة العرب
- امة إبراهيم وإبراهيم الأمة
- خطيئة التاريخ
- إسماعيل الذبيح وليس أسحق
- أولاد إسماعيل في القصة
- إبراهيم في التوراة
- المنهج الوطني لمكافحة التطرف والطائفية
- إبراهيم في التوراة ح2
- إسماعيل في التوراة
- العنف الديني والتطرف متلازمة اجتماعية أقتصادية ح4
- العنف الديني والتطرف متلازمة اجتماعية أقتصادية ح3
- العنف الديني والتطرف متلازمة اجتماعية أقتصادية ح2
- العنف الديني والتطرف متلازمة اجتماعية أقتصادية ح1
- لو أني كنت رئيسا للعراق
- مكة وإسماعيل العربي ح1
- مكة وإسماعيل العربي ح2
- العبرانيون وإبراهيم والعرب ح1


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عباس علي العلي - عصر الحرية ومفهوم الذاكرة ح2