أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية قمر مفقود _ قصة قصيرة ح1














المزيد.....

رواية قمر مفقود _ قصة قصيرة ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4539 - 2014 / 8 / 10 - 15:23
المحور: الادب والفن
    


رواية قمر مفقود

خرج دهمان حارس المدينة محملا ببندقيته المتهالكة التي مر على تصنيعها ما يقارب القرن وتملكها الكثيرون من رجال فرسان وآخرون يتباهون بها ومنهم من تملكها خشية أن يقال عنه إنه لا يمكن أن يصنف رجلا دون سلاح , عاشت هذه البندقية كل عمرها تدافع عن كطل شيء ولأجل كل شيء هي لا تمانع فقط أن تحشوها بالعتاد وأن تنتبه لمسمار التفجير , مثل عجوز عمياء يقودها رجل ضرير في وسط شارع لا يعرف أهو طريق أم مجرد قطعة من أرض , دهمان صاحب الروايات السوريالية عن بطولات صاغها خيال غير مشغول بشيء وخالي من سبب يمكنه أن يعلل لماذا يعشق الليل ويتجنب الشمس وما تبعثه من حياة في أجساد الأحياء الممددون قرب مقابرهم .
في الليلة التي سبقت سرقة القمر من السماء كان الحارس يقظا لدرجة أنه كان يسمع همسا خافتا أن السماء ستفقد أحد أعمدتها , ولكونه مجنون وأهبل ظن أن رجل الدين الذي في منطقته سيصيبه الموت , أخبر زوجته أن وكيل الله في أرضهم سيعود لربه سالما غانما محملا بتحيات الناس , غابت الشمس ولم يمت الولي المقدس لكن الظلمة تزداد مع مرور الوقت والقمر لا يبدو له أثر .... هنا تذكر الحارس أنه لا بد أن يخبر زوجته بالحقيقة ولكن ليس الآن غدا في الصباح سيفعلها ...
عاد باكرا من خوفه على ما سيصيب الناس من كارثة لو بقي القمر مختفيا عن مكانه لربما وهو يظن أنه سقط في البحر نتيجة تعب أو لأنه حرارة الجو التي يكابدها دهمان في هذه الليالي التموزية المشبعة أيضا بالرطوبة قد ألقت بشيء من ثقلها على القمر فأراد أن يستريح من معاناته كما يستريح البشر أو ربما يكون حقيقيا ما سمعه من همس أن القمر قد سرقه آخرون , يضحك على نفسه وهو يسرد كل الأحتمالات التي تبرر هذا الظلام ,وجد الزوجة أكثر فزعا منه وحين لاح لها خياله تباشرت وأستنار وجهها بالبشر بعد أن ظنت أن زوجها قد دخل بمعركة من تلك التي كان يقصها عليها وهو فارس الهور والبر .
أخذت هي الأخرى تنظر وتتأمل بتفكير عميق هذه الأزمة التي مرت هذه الليلة على القرية وظنت أن القمر قد يكون تأخر عن الظهور لسبب يتعلق بتعب أو أن الطريق الذي يقطعه يوميا قد أصابه عارض أو لربما وتكرر ربما أن القمر موجود في مكان أخر , هنا أقترحت على دهمان الذهاب للقرية المجاورة وحضرت له الدابة ليسأل هل من رأي القمر بازغا ليلة الأمس , أركبته وأحضرت متاع الطريق له وزادت منه للسيارة في الطريق .
عاد مندهشا من رحلته التي أستهلكت معظم النهار وهو يلعن أسلاف زوجته التي ما فكرت صحيحا وتركته مع حيرة أكبر منه وأشد , مر في طريقه على الشيخ وهو يصلي في المسجد الطيني وقد تورمت عيناه من حرارة السموم منتظرا جوابا يساوي هذا التعب ويخفف عنه مشقة السؤال ,أطال الشيخ صلاته ودهمان يتحرق في مكانه بين رغبته بالدخول والنوم في الجامع أو أنتظار ما يشفي الغليل , أمتد الظل كثيفا بين جدار المسجد وأفياء الشجر جلب الحصيرة من تحت الشجرة ووضع تحت رأسه حذاءه النايلوني وتمدد منظرا أن يسأله الشيخ عما يريد .
غابت الشمس وزوجة دهمان تملكها الضجر من طريقة زوجها حين ينسى حاله وهو يسرد حكاياته على من يسمع ومن لا يسمع وحسبت أن زوجها الآن منشغلا بسرد ما تتفتق به ذاكرته من أحداث ,كل هذا لا يهم فهي كثيرة التشكي منه حينما يتواجد في الدار يتحول إلى طاغية يمارس معها كل أشكال الاستبداد ,الأهم هو أنتظار السماء وعودة القمر الذي يعني لها كثيرا فهي تحبل وتتولد بناء على ما يخبرها القمر من عدة شهور ,كان حديث القرية اليوم عاما لم ينتبه أحد أن قمرهم العالي قد أختفى في الليلة البارحة بل لم يصدق أحد إدعائها ومنهم من أجزم وأقسم أنه رأه الليلة البارحة أكثر من مرة وحتى أن أحدهم أكد أن القمر لم يغيب مطلقا بل خرج من زاوية أخرى .
نهض من نومته فقد أثقل جسده التعب برغم أنه نام كثيرا تحت ظل ممدود إلا أنه أحس بعارم من رغبة أن يأكل شيئا فهو لم يتناول متاعه حينما أخبره أهل القرية المجاورة أن القمر قد غاب منذ أكثر من يوم وأنه شيخهم قد حكى قصة غياب القمر التي تعني علامة من علامات القيامة وأنهم مشغولين الآن بالتوبة والعمل الصالح فليس أمامهم إلا أياما معدودة , تحير أن يبقى معهم وأن لا يفرط بالساعات عسى أن يقبل الله توبته ولكنه تذكر وأنصرف وأستحى منهم أن يقول لهم أنه لا يعرف الصلاة , في الطريق تذكر كثيرا من سورة الحمد ولكن ما تذكره منها ليس كما يفعله الناس يشبهه ولكنه ليس هو .
حملت زوجة دهمان زهيرة كما ينادونها بندقية زوجها وأرادت أن تعلم الناس أن زوجها في مهمة وهي اليوم حارسة المنطقة حتى يعود , تهيأت وتنقبت ونكبت سلاحها وكان منظرها يشبه مكن بعيد مقاتلات الأمازون ولكن بنسخة عراقية غارقة في محليتها وغباء صاحبة الصورة , كانت تحمل البندقية دون أن تحمل حزام العتاد وهي لا تعرف حتى كيف يمكنها أن تطلق النار , مر الجيران ويرون زهيرة كأنها عريف من الجندرمة العصملي أو بقايا من تلك الصورة وهم على ما هم من سذاجة يظنون أنها فعلا قادرة أن تحمي المكان ببندقية بلا خرطوش .
سأل دهمان عن موعد الصلاة القادمة فهو ما زال ينتظر من الشيخ أن يرشده للطريق الأسلم حتى يبلغ التوبة فلم يعد من زمن ممكن أكثر مما مضى والقيامة قادمة وسيحضر الله ومعه الأجناد والشرطة قيل له أن الشيخ لغياب القمر فأنه معتكف في داره ولن يخرج ,كان هذا الجواب أخر ما كان متوقعا وهو الذي لا يعرف حتى كيف يمكنه أن يطلب التوبة , ترك ما بقى من متاع وأنسحب مكسورا نحو داره ,علمت زهيرة من طريقة مشي زوجها أنه مكسور الخاطر فأرادت أن تلطف الجو وقالت أنت اليوم تبقى بالبيت وأنا سأذهب للحراسة وضحكت لعلها تثير فيه السرور.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وأمريكا والخيط الضائع ح2
- العقيدة والمعتقد والجدارة في التقديم
- العراق وأمريكا والخيط الضائع ح1
- رائحة الموت ... كما العادة
- العراق ... حزب الدعوة وخطى الأخوان.
- فكرة الموت والخلود في عالم أخر ... خداع للعقل أم تقديم له ح2
- فكرة الموت والخلود في عالم أخر ... خداع للعقل أم تقديم له
- وماذا بعد ... سياسة الخطوة خطوة
- الفكر الإنساني وحق التحديث والتجديد ح2
- الفكر الإنساني وحق التحديث والتجديد ح1
- قصة حبي
- القيم الأخلاقية في السياسة الوطنية
- أوجبية التحديث في قواعد ومقدمات ومعطيات الفكر الإسلامي
- المعارضة الشعبية وممارسة الديمقراطية
- أنطباعات قارئة لكتابي الأحلام دراسة في سايكلوجيا العقل
- الثلاثاء الثاني ... انفراج أو مزيدا من الضياع
- أنا أقوى ... زأزرع قمحا
- من أشكليات الفكر السياسي العراقي ح2
- من أشكليات الفكر السياسي العراقي ح1
- أغنية حزينه في قبر محزون


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية قمر مفقود _ قصة قصيرة ح1