أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - مجتمع المظاهر وسقوط المثاليّة - قراءة في مسرحيّة الزوج المثالي للكاتب أوسكار وايلد















المزيد.....

مجتمع المظاهر وسقوط المثاليّة - قراءة في مسرحيّة الزوج المثالي للكاتب أوسكار وايلد


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 20:31
المحور: الادب والفن
    


الزوج المثالي، إحدى مسرحيّات الكاتب الأيرلندي الشهير أوسكار وايلد والتي قدّمت على المسرح عام 1895 وتمّ تحويلها إلى فلم سينمائي فيما بعد. تناقش المسرحيّة مواضيع عديدة منها الفساد السياسي والإبتزاز والحب وأوضاع الطبقة الأرستقراطيّة في لندن أبان تلك الحقبة، في حبكة محكمة تستغرق أحداثها أربعا وعشرون ساعة لتناقش مواضيع مهمّة بإسلوب وايلد الكوميدي المتميّز وفي إطار من المفاجآت الغير متوقّعة بشكل يشدّ القاريء ويجبره على المواصلة حتّى النهاية.

تتناول المسرحيّة موضوع إبتزاز السيّد روبرت تشيلترن، وكيل الوزارة للشؤون الخارجيّة، من قبل السيّدة تشيفيلي التي تحاول تمرير مشروع قناة بنما التي إستثمرت فيها أموالا طائلة، والتي يقف السيّد تشيلترن ضدّها بقوّة وكان قد ألقى خطابا جعله من أبرز السياسيّين لحرصه على مصالح بلاده. وتستغل السيّدة تشيفيلي رسالة قديمة توضّح قيام السيّد روبرت تشيلترن ببيع سر من أسرار الدولة لصديقها السابق وتهدّده بأنّه قد بنى كل مجده السياسي وثروته من خلال بيع ذلك السر المرتبط بقناة السويس لمستثمر مقابل أموال طائلة وبأنّه لكل رجل سعره ولكنّ البعض سعرهم غالٍ فحسب، يغضب هذا الكلام السيّد تشيلترن ولكنّه يخشى أن يفتضح أمره أمام زوجته التي ترى فيه مثال الزوج النزيه والملاك الذي لا يخطيء أبدا، فيدخل السيد روبرت في صراع داخلي عميق بين التضحية بمستقبله السياسي الحالي ودعمه لمشروع قناة بنما الذي لا يحقّق مصالح بريطانيا أو أن يقبل لصورته أن تهتز أمام عيني زوجته التي يحبّها عندما يفتضح أمر ماضيه. لا ترحّب زوجة السيد تشيلترن كثيرا بالسيّدة تشيفيلي بعد أن تتذكّر بأنّها زميلتها في المدرسة والتي تمّ طردها بسبب إتّهامها بالسرقة، وتحاول معرفة السبب الذي جعل سيّدة كتلك تروم مقابلة زوجها، والذي لا تعتقد بأنّه يمكن له أن يتعامل من شخصيّات من أمثال السيّدة تشيفيلي.

يلجأ السيّد روبرت لطلب مساعدة صديقه اللورد غورنغ الأعزب، ويصطدم الصديق بواقع صديقه المقرّب الذي لطالما إعتبره نموذج للإنسان المثالي، ولكنّه يساعده بعد سلسلة من الأحداث الشيّقة والمحكمة الحبك بإمتياز، ويتمكّن من راب الصدع في علاقة صديقه بزوجته ويحمي مستقبله السياسي من تلك الفضيحة.

تركّز المسرحيّة على أفكار متعدّدة منها صرامة الإنسان المبدئي الذي لا يخطيء وصعوبة تقبّله لأخطاء الآخرين، ويتجلّى ذلك في موقف السيّدة تشيلترن من زوجها بعد أن تكتشف ما قام به في مقتبل حياته السياسيّة وعدم قدرتها على مسامحته، وتفضيلها المثاليّة على الحب قبل أن يتمكّن اللورد غورنغ من إقناعها للعدول عن رأيها، ههنا يصوّر الكاتب أوسكار وايلد مدى تعنّت الأشخاص المبدئيّين برأيهم وعدم قدرتهم على مسامحة أخطاء ألآخرين وحكمهم المسبق على ماضي الشخص وبأنّ ذلك الماضي لا يمكن أن يمحى وبأنّه المعيار الوحيد للحكم على الآخرين، وهو ما يحاول الكاتب نفيه في حالة الزوج روبرت تشيلترن والذي أصبح إنسانا جديدا وإلتزم بالنزاهة فيما بعد ولكنّه يثبته في حالة السيّدة تشيفيلي والتي لم تزل تلجأ إلى الإبتزاز والسرقة لتحقيق مآربها، ولكأنّه يريد إثبات إمكانيّة حصول تغيّر بالنسبة للبعض وعدم حصوله بالنسبة للآخرين، ليؤكّد بأنّ ماضي الشخص ليس بالضرورة الطريقة المثلى للحكم عليه.

تناقش المسرحيّة أيضا أوضاع المجتمع الأرستقراطي وتسخر بطريقة مبطّنة ممّا يقومون به بوصفه نشاطات يوميّة ليظهر بأنّها سطحيّة ولا تقدّم شيئا للمجتمع، ويتّضح ذلك من خلال وصفه لحياة السيد غورنغ، الشاب المتأنّق الأعزب، كما يناقش موضوع الصراع بين الأجيال، من خلال رغبة والد اللورد غورنغ، ذا إيرل أوف كافيرشم، والذي يرى بأنّه من حقّه إختيار الزوجة المناسبة لإبنه وبأنّ من واجب الأبناء أن يطيعوا آباءهم في هذا الخصوص، فيما يصرّ اللورد غورنغ على أنّ من حقّ الإبن وحده إختيار شريك حياته. المسرحيّة تصوّر بدايات التغيّرات الإجتماعيّة في بريطانيا وتصوّر كون الناس أكثر إنفتاحا في بقيّة أجزاء أوروبا، وفيّينا على سبيل المثال، من المجتمع البريطاني المحافظ في تلك الفترة.

قد تضم هذه المسرحيّة العديد ممّا يدعم إتّهام الكاتب أوسكار وايلد بمعاداة المرأة - رغم شخصيّته الميّالة للأنوثة – فالنساء في هذه المسرحيّة إمّا مثاليّات مبدئيّات لا يمكنهنّ الغفران للآخرين وإمّا بسيطات ساذجات كالآنسة مابيل تشيلترن، أخت السيّد روبرت وحبيبة اللورد غورنغ، أو شرّيرات يلجأن للإبتزاز وممارسة كل الشرور من أجل تحقيق مصالحهنّ، كما هو حال السيّدة تشيفيلي والتي يصفها وكأنّها شخصيّة لا يمكن أن تُستغل فضيحة ما ضدّها لأنّ كل فضائحها علنيّة وتستخدم كل تلك الفضائح في زيادة شهرتها وشعبيّتها. ففي منظور وايلد غالبا ما تكون المرأة الذكيّة شريرة فهو يصفها كشخصيّة تلجأ إلى ذهنها في الصباح وجاذبيّتها في المساء، ويرى بأنّ النساء لا يمكن أن يفهمن وبأنّهنّ خلقنّ ليعشقن فحسب. كما تتّضح رؤاه بشكل أدقّ عندما يعتبر حياة المرأة أقل أهميّة من حياة الرجل – عندما حاولت السيّدة تشيلترن أن تجبر زوجها على عدم قبول الترقية في الفصل الأخير وطلبت منه إعتزال العمل السياسي كشرط مقابل أن تغفر له، فينصحها السيّد غورنغ بأنّ حياته مهمّة ولا يجب أن تجبره على التضحية بمستقبله من أجل إرضاء غرورها ويتمكنّ من إقناعها لترضخ في النهاية – ففي هذه الفقرة نقرأ ما يعبّر عن رأي أوسكار وايلد – أو لربّما النظرة الشائعة لدى المجتمع في تلك الحقبة – بأنّ حياة المرأة تدور في منحنيات العاطفة بينما تتقدّم حياة الرجل على خطوط العقل. وفي فقرات أخرى يسخر "وايلد" على لسان السيّد غورنغ من إجتماعات الجمعيّات النسويّة ويرى فيها مضيعة للوقت ونقاشات لأمور سطحيّة فيسأل ساخرا إن كان موضوع القبّعات والأزياء من ضمن الأمور اللاتي ينااقشنها، فتجيبه السيّدة تشيلترن بأنّهن يناقشن قضايا مهمّة ليست الموضة من ضمنها بكل تأكيد، بل يناقشن المشاركة السياسيّة للمرأة وحقّها في العمل ودعم النساء المعوزّات وغيرها. ولهذه الأسباب لا يمكن للعبارات الواردة في المسرحيّة أن تفوّت ببساطة في يومنا هذا، ولا بدّ من أن تفسّر على أنّها معادية للمرأة وتحاول تأطير المرأة ضمن أمور هامشيّة وبأنّ العاطفة تتحكّم بها أكثر من العقل، ولربّما يكون لحياة أوسكار وايلد الشخصيّة سببا في تبنيه لمثل تلك الأفكار.

تناقش المسرحيّة أيضا موضوع "ماضي الشخص" ونقرأ عبارات في غاية الجمال تعبّر عن ندم البعض حيال أخطائهم السابقة، وتمنّىي عدد كبير من الرجال لو أنّ ماضيهم يحرق أمام أعينهم ليتخلّصوا منه، ولكنّه يذكّرنا على لسان السيّدة تشيفيلي بأنّ الماضي يكون أحيانا أغلى من أن يتمّ شراءه فيما بعد، وبأنّ الكثير من الرجال أفقر من أن يكونوا قادرين على شراء ماضيهم ومحوه، لكأنّ تلك محاولة لتحذير الناس من الإقدام على ما يمكن أن يكون نقطة تستغل ضدّهم في المستقبل وبأنّ الماضي قد يبرز في أيّة لحظة ليهدّد إستقرار الحاضر ويدمّر المستقبل. المسرحيّة تنتهي بطريقة لا يمكن توقّعها ملؤها الإثارة والفكاهة في الوقت نفسه ويحرص الكاتب على أن تكون النهاية سعيدة هذه المرّة.

ختاما إنّها مسرحيّة مهمّة، أعيد تقديمها على المسرح مئات المرّات وتمّ تحويلها إلى فلم سينمائي وتعتبر من كلاسيكيّات الأدب، فهي تناقش قضايا عديدة بطريقة جذّابة لا تجلب الملل للقاريء وتجبره على المواصلة حتّى النهاية، وتجعل القاريء يتوقّف عند العديد من الأفكار الأصيلة والعبارات الفلسفيّة المنمّقة التي يمتاز بها وايلد، ليتفكّر بها ويناقش الطريقة الجديدة التي ينظر بها الكاتب والمغايرة للنظرة النمطيّة السائدة لدى المجتمع.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إغفر يا قلب لهم - قصيدة
- جنازة السلام - قصّة قصيرة
- سِفر الأحزان - قصيدة
- النقاشات البيزنطيّة تعود بحلّة إسلاميّة
- عندما أضعنا البوصلة - قصيدة
- ثورات منسيّة – قراءة في رواية -البشموري- للكاتبة المصرية سلو ...
- بناء وطن للجميع - قراءة في كتاب العقد الإجتماعي للفيلسوف جان ...
- قوس قزح
- إنه العراق يا قوم – لا تحرقوه لأجل الآخرين
- مستقبل الوطن رهن ورقة إنتخاب – لننقذ العراق
- لمحات إنسانيّة – قراءة في المجموعة القصصيّة -في خضمّ المصائب ...
- ما بين سراب الماضي الجميل ودخّان فوضى الحاضر – قراءة في رواي ...
- بقايا صبي سيبيري عمرها 24 ألف عام تلقي المزيد من الضوء على أ ...
- وحدة الشعب العراقي وفقا للدراسات الجينيّة – ترجمة وتقديم
- الإنسان المنتصب؟ العثور على عظمة شبيهة بعظام يد الإنسان عمره ...
- دراسة حديثة لبقايا بشريّة تخلُص إلى أنّ إنسان النياندرتال كا ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- التاريخ يعيد نفسه دائما وأبدا - قصيدة سومريّة مترجمة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - مجتمع المظاهر وسقوط المثاليّة - قراءة في مسرحيّة الزوج المثالي للكاتب أوسكار وايلد