أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - مناسبةالذكرى السادسة والخمسين لثورة 14 تموز: (2-3) عبر الثورة ودروسها















المزيد.....


مناسبةالذكرى السادسة والخمسين لثورة 14 تموز: (2-3) عبر الثورة ودروسها


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 4511 - 2014 / 7 / 13 - 14:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



تدلل السياسة الاجتصادية التي تبناها الزعيم قاسم، ومكونات خطابه السياسي والمعرفي على ما توصلنا إليه. إذا حسبنا سياسته من منظور الاثار الواقعية المترتبة على خيارات العمل المتاحة في ظرفها الزماني والمكاني، وقيمتها التاريخية.
لقد وضعته الاحداث المتناقضة؛ التناحرية واللا تناحرية؛ المستجدة والقديمة؛ التي معه أوعليه؛ في ماهية جوهر الظاهرة العراقية على تعدد أشكال تحققها وتنوعها. وتجلى أحساسه بها في كونه رفض أن يوزع ذاته (كقائد للعملية التغيّرية) بين أطرافها المتعددة والمتصارعة. لأنه هدف إلى المحافظة على توازن القوى بين هذه الاطراف، وخاصة القريبة من الثورة، وليس اللعب على حبل تناقضاتها، كما يذهب العديد من المؤدلجين ضيقو الافق الفكري والمنهجي وغير المستوعبين لواقع العراق الاجتماعي/السياسي وموقعه، ولقانونيات الثورة الوطنية في البلدان النامية. خاصةً في واحدة من أهم مناطق النزاع الدولي وأكثرها حساسية.
حاول الزعيم قاسم بكل جهده إقناع القوى السياسية المتصارعة بإعلان الهدنة فيما بينها، وطالبها بالتمييز بين أرأسيات الصراع من ثانوياته؛ والتفكير في متطلبات الواقع والطموح المرغوب؛ والتفريق بين المصلحة الحزبية (بالمفهوم الضيق) والمصلحة الوطنية؛ بين الأهم والمهم؛ ومن أجل العمل سوية لإنهاء متطلبات المرحلة والانطلاق من الوطن كتكوين اجتماعي/سياسي ولتعضيد وحدته وهويته الموحدة. كان الزعيم قاسم يحاول ردم الهوة بينهم بالاقناع بل وحتى بالتوسل إليهم عندما خاطبهم مرة بالقول:
[أيها الشيوعيون والقوميون والديمقراطيون والآخرون، أنا أتوسل إليكم لتتذكروا أنكم أبناء وطن واحد ومن واجبكم الدفاع عن الجمهورية. أوقفوا خصامكم العقيم ووجهوا جهودكم إلى جعل العراق دولة حديثة وغنية]... [انني أوصيكم في حياتكم العملية بالتعاون والتسامح فيما بينكم... أرجو منكم بعد هذا اليوم أن لا تطغي فئة على أخرى]... [انكم شركاء في هذا البلد كما نص عليه الدستور]... [أرجو منكم أن تتجردوا من أسباب التفرقة والاحقاد، وليكن شعاركم المودة والاخوة بين الجميع، حتى نستطيع رفع مستوى الشعب... إن أسلافنا عاشوا في هذه البلاد قبل أن تدخلها المسيحية والاسلام... كنا دائماً آنذاك أخوة نعيش معاً في السراء والضراء... لا فرق هناك بين الطوائف والقوميات وسنتعامل بتسامح... الحقوق ستكون متساوية لكل الافراد، كي نحقق أهدافنا وهو رفاه هذا الشعب].
تنسجم هذه المفاهيم وتتماثل مع أسس مقومات المجتمع المدني المنطلقة من فهم القيم الاجتماعية الضرورية لديمومته وتطوره. كم نحن العراقيون، بحاجة إلى مثل هذه الافكار التي تنبذ القيم الدنيوية البالية والمعيقة للتطور الاجتماعي؛ وتقنن صراعاته، خاصةً غير المبررة، وتنبذ استلام السلطة بالطرق الانقلابية ؛ والتي تنطلق من واقع الشعب العراقي بكل طبقاته وأثنياته وعلى تعدد دياناته وطوائفه، ليس سابقاً فحسب بل الآن وفي المستقبل المنظور.
لم يخل خطاب واحد للزعيم قاسم، دون التذكير بأهمية التسامح والتعاون، بل ترجمها عملياً في سياسته التي خلت من التمييز والتفرقة ومنح الامتيازات للأفراد والجماعات على حساب المصلحة العامة وكسر حلقات الطائفية السياسية. كان هذا الزخم الأخلاقي:
[... دائم التكرار في خطب قاسم، وعلى ضوء ما حدث من قبل ومن بعد، فمن الصعب أن ننكر أن هذه الآراء هي الأصلح للعراق مما كان يريده خصومه في فرض آرائهم على من يخالفونهم فيها. وكانت النتيجة خلافَ ما كان يدعون إليه... وفي دعوته للعراقيين أن ينبذوا خصوماتهم واختلافاتهم من أجل خير الوطن، كانت غريزة قاسم أصح من غريزة خصومه... وبالنسبة إلى الشؤون الداخلية أبدى قاسم نظرة أكثر تقدماً من جميع أسلافه وخلفائه... ولا شك أن نظرته هذه تأثرت بظروفه في مستهل حياته. وكانت أعماله تنسجم مع دعوته المتكررة والملحة إلى ضرورة الوحدة الداخلية في العراق,,, ] .
ان مضامين وماهيات هذه الاقوال ترد، بقوة الموضوعية، على ما ذهب إليه الباحث الاكاديمي حنا بطاطو الذي اتهم فيه الزعيم قاسم بأنه لم يكن يريد التوسط بين القوى السياسية المتناحرة آنذاك، عندما أشار إلى أن الزعيم قاسم لم يسمح [... لأي من القوتين بأن تصبح شديدة القوة أو السماح للقوتين بالاتفاق فيما بينهما... ].
إن هذا الاستنتاج بكليته لم يستطع أن يبرر ذاته العلمية، كما أنه لم يغور في عمق تاريخ وتشابك المناخ السياسي الذي شهده عراق ما بعد تموز 1958، ولا جوهر الصراع وماهياته من جهة، وطبيعة ونفسية عبد الكريم قاسم وإدارته للسلطة من جهة ثانية، ولا لطبيعة الحوارات التي أجراها الزعيم قاسم حول حكومة الوحدة الوطنية في الأشهر الأخيرة من زمن الجمهورية الأولى من جهة ثالثة.
لكن كان الاستنتاج صحيحاً إلى درجة عالية فيما يتعلق بالشق الأول. إذ لم يرغب الزعيم قاسم وفي خضم الصراعات الدموية والاحتراب المادي والمعنوي، من بروز قوة تهيمن على الواقع السياسي/الاجتماعي برمته، خوفاً من العواقب التي ستنفجر بين المكونات الاجتماعية الشديدة التناقض والتباين، سواءً الاثنية أو الاجتماعية، الدينية أو الطائفية... الخ، لذا ومن واقع مسؤوليته السياسية والاخلاقية إزاء الوطن ومنظومة أفكاره الاصلاحية وفلسفته الوسطية، لم يسمح لاحدى القوتين أن تكون شديدة البأس وتسيطر على المجتمع برمته، خاصةً بعد كسر شوكة حدة الصراع في هرم السلطة القريب منه ومن القرار السياسي المركزي.
ان هذا التخوف من السيطرة الاحادية لم ينطلق من ذاتويته وحبه للسلطة لذات السلطة ، كما يدعي كثيرون، قدر إحساسه العميق بتاريخ العراق الحديث ومشاكله المتعددة الأبعاد وخطورة سيطرة فئة واحدة تمهد السبيل إلى طريق الاستبداد ، كما أن الظروف الموضوعية للبلد وامتداداتها الخارجية لم تكن تسمح بذلك. وهذا ما تنبهت إليه قوى اليسار العراقي ووعته في وقتٍ متأخر، منذ الثمانينيات وخاصةً بعد فشل تجرية التحالف مع حزب البعث العراقي. وأدركت أنه ليس بإمكانية أي حزب أو فئة إدارة السلطة انفرادياً، وبالتالي تخلوا عن فكرة (التحالف بقيادة الطبقة العاملة) الذي تم رفعه منذ ثورة 14 تموز 1958.
لقد وعى الزعيم قاسم خطورة الصراع بين القوى السياسية على مسيرة الثورة وخاصةً بين اليسار الشيوعي والتيار القومي، لذا أراد كبحه بالسبل السياسية، وليس تعميقه كما يترائ لدى البعض، وهذا أيضاً ما تنبه إليه بطاطو نفسه بصورة متأخرة، عندما قال:
[... فقد كان يمثل النزاع الأكثر خطورة بكثير والأكثر واقعية... ولقد كان هذا النزاع حقيقة مركزية في التاريخ العربي المعاصر، كما كان مأساوياً حقاً، وحاسماً إلى حد كبير. وخلف هذا النزاع وراءه عراقاً يحمل ندباً لا تمحى وعراقاً منقسماً بحدة وبعمق على نفسه كما لم يحصل أبدا ًفي الذاكرة الأخيرة... وأكثر من هذا، فإن هذا النزاع عمل بوضوح إلى جانب المصالح التي عارضها الطرفان، إذ إنه سهٌَل كثيراً مهمة الدبلوماسية الامبريالية البريطانية التي خشيت انعكاس مضامين أمة عربية موحدة على المصالح النفطية... ] .
لقد واجه الزعيم قاسم جبالاً هائلة ومتحركة (زمانياً ومكانياً) من المعضلات الحياتية المعاشة التي تهم قطاعات واسعة من الناس، والتي من الواجب إيجاد حلول لها، ضمن إشتداد ظرف الصراع الاجتماعي/السياسي، والشامل في الوقت نفسه، لأغلب المكونات الاجتماعية والتي زادها عمقاً غياب المنهج والبرنامج الواضح لدى الزعيم والذي أتسم بالتجريبية في حينها، شأنه شان أغلب قادة ثورات العالم الثالث، مما أبعده نسبياً عن نبضية الواقع وتلمس المستقبل. ان حرارة التغيير الذي قاده وعمق الاجراءات التي أجراها، المتناغمة مع مطاليب الكم الواسع من الفئات الفقيرة والكادحة والفئات الوسطى، والتسابق مع الزمن للخروج من الاشكاليات المطروحة ضمن رؤيته (الشعبوية)، كانت عوامل دفعت بالأكاديمي حنا طاطو للاستنتاج أعلاه، والذي أقر، في الوقت ذاته، بأن الزعيم قاسم:
[لم يكن باستطاعته أن يفعل غير ذلك]
أما بصدد الشق الثاني من استنتاج الاكاديمي حنا بطاطو والمتعلق بعدم سماح الزعيم قاسم للقوتين بالاتفاق، فهو لا يصمد أمام الوقائع التاريخية إدارة قاسم للصراع الاجتماعي. كما إن امراً كهذا مرهون، بالاساس، بالقوى السياسية نفسها ومدى وعيها وقدرتها على فهم حراك الواقع وفي الاتفاق على أسس مشتركة مقبولة ضمن قواعد لعبة سياسية متفق عليها، أكثر من ارتباطه بشخصية قاسم، رغم أهمية ذلك .
لم تستطع عملياً قوى جبهة الاتحاد الوطني استئناف نشاطها الجبهوي بعد الثورة ولم تتفق على توحيد نشاطها وخطابها السياسيين، المتوائمان مع الظروف الجديدة. فكيف نطلب من قاسم القيام بذلك الدور الوسيط، في الوقت الذي انشقت فيه القيادة العسكرية للضباط الاحرار، وكذلك القوى السياسية منذ الايام الأولى للثورة، وأُعيد تشكل الاصطفافات منذ أن طرح مستقبل العراق بين خيارين لا ثالث لهما، أولوية عراقية العراق (الاتحاد الفيدرالي)، أم أولوية عروبة العراق (الوحدة الفورية). وهو الأمر الذي انعكس بصورة عمودية في الشارع السياسي وأثار عديداً من الإشكاليات الكامنة في رحم المجتمع والوعي الاجتماعي، والذي نجم عنه كثرة المحاولات الانقلابية وسيادة ثقافة العنف.
[... فكيف يتوقع أحد من قاسم النجاح في هذه المهمة والعراق في شبه حالة من الحرب الأهلية في ظل الصراعات الداخلية التي فجرتها الاحزاب والضباط...] والقوى الخارجية، وخاصة الرأسمالية منها، إذ [... كان الزعيم يحاول الفصل بين الاطراف المتحاربة، كما كان فوق الصراعات الحزبية وحاول جاهداً منع أي طرف من أن يفرض عقيدته على بقية الاطراف العراقية. وها نحن اليوم نرى عواقب فرض عقيدة حزب البعث على كل الشعب العراقي. لكن الزعيم أصبح (دكتاتوراً ودموياً ومجرماً) في عين كل من لم يلتزم جانبه الحزبي الضيق...]
في الوقت نفسه تشير الدلائل التاريخية إلى أن الزعيم قاسم حاول القيام بالمصالحة مع كافة القوى السياسية في الساحة العراقية، وحسب استطلاعاتنا، تمت بأكثر من مناسبة، نورد عدة حالات، إثنان منهما أوردها خصومه، وهي:
- الطلب من حزب البعث التقدم في طلب الاجازة الرسمية لممارسة نشاطه العلني بعد صدور قانون الاحزاب والجمعيات الجديد عام 1960. لكن البعث رفض ذلك لأنه كان يرفع علنياً شعار اسقاط السلطة من جهة، ومن جهة ثانية لأن حظه في العمل العلني سيكون انتقاصاً من تجربته مع الوحدة السورية - المصرية التي منعته من ممارسة نشاطه العلني، مما يفقده مصداقيته المفقودة جماهيرياً. إذ كيف يُمنع من العمل في دولة الوحدة في حين يمارسه في العراق (الدولة الاقليمية) المراد اسقاط نظامها؟ ولا يغيب عنا كيف ساند حزب البعث في سورية انقلاب عبد الكريم النحلاوي الذي أطاح بدولة الوحدة، وكان صلاح الدين البيطار أول من أصدر بيان تأييد الانقلاب! لكنه في الوقت ذاته كان يرفع شعار الوحدة الفورية في صراعه مع عبد الكريم قاسم؟
- يقول طالب شبيب: [جاءني الاستاذ صديق شنشل وسيطاً وقال: اقترحوا لنا ثلاثة وزراء بعثيين وسيعينهم عبد الكريم قاسم فوراً، ورجاني أن أخبر قيادة الحزب، أن الاقتراح صادرعن قاسم مباشرةً. فأجبناه: يا أستاذ صديق ان هذا الاقتراح لم يحصل إلا تحت ضغط إضراب الطلبة المحرج، ثم إن بياناتنا وصحافتنا الحزبية السرية تدعو بشكل متواصل إلى إسقاط حكومة قاسم، فكيف تطلب أن ندخل الوزارة ونحن على أبواب ثورة... فقد حكمنا على نظام قاسم بالانتهاء ] .
- كما أن هناك محاولة ثالثة أوردها إسماعيل العارف حول سعي الزعيم قاسم لـ: [... تأليف وزارة ائتلافية من الاحزاب التي كانت الجبهة الوطنية (المقصود جبهة الاتحاد الوطني - الناصري) تتألف منها، لكي تقوم باجراء الانتخابات وتشرف على تشريع الدستور الدائم. فوافق على ذلك وتقرر أن يفاتح الحزب الوطني الديمقراطي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي. فبدأ بمواجهة رئيس الحزب الوطني الديمقراطي السيد كامل الجادرجي لاستطلاع رأيه. وفي خريف سنة 1961 استدعاه إلى وزارة الدفاع وجرت بينهما مناقشة مطولة... وكانت حصيلتها تردد رئيس الحزب الوطني الديمقراطي في قبول المشاركة في حكومة ائتلافية. وقد وصفها لي عبد الكريم قاسم في اليوم التالي قائلاً: (كانت المقابلة فاشلة إذ تلكأ رئيس الحزب الوطني الديقراطي عن المشاركة في حكومة ائتلافية قائلاً: ان تصفيق الناس لي وإلتفافهم حولي لا يتماشى مع النظام الديمقراطي وان الخلافات بين الاحزاب التي نجمت عن الاحداث السابقة دقت اسفيناً بينها من الصعب تجاوزه وكان من رأيه أن يستمر الحكم العسكري إلى أن تنتهي فترة الانتقال. وعلق عبدالكريم قاسم على ذلك قائلاً لي أن رأي الأحزاب الأخرى سوف لن يختلف عن رأي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي) فأقلع عن التداول مع الأحزاب الاخرى... ] .

الهوامش:
6- مستل من ثلاثية كتابنا الذي تحت الطبع والموسوم : الانقلاب التاسع والثلاثون - عبد الكريم قاسم في يومه الاخير، دار الحصاد ، دمشق 2014.
7 - في اعتقادنا أن هناك خلل وظيفي كبير في العقلية الحزبية عندما تعني برامجها بتغيير حكومات بلدانها بالقوة والانقلاب، طالما ان الاحزاب هي تنظيمات مدنية، لذا يتوجب عليها ان تعمل على تربية أعضائها على النضال السياسي المدني واشاعة الديمقراطية في آلية عملها الداخلي ومن ثم التأثير في الحكم وتغيير طبيعته. وخير مثال يضرب هنا، هو ما ذكره أمير الحلو القيادي في حركة القوميين العرب من ان ضباط جناحهم العسكري " عقليتهم إنقلابية "، ص.73، ميزوبوتاميا، بغداد 2013.
8- الاكاديميان بينروز، مصدر سابق، ص 454.
9 - بطاطو، ج. 3، ص 156، 158، مصدر سابق.

10-خير مثال يمكن أن يساق في هذا المجال هو تسلط وانفراد حزب البعث بالسلطة واغتصابها في مجيئه الأول شباط 1963، والثاني تموز1968، وما اعقبها من نتائج اصابت كل ابعاد الواقع العراق الجيو/ سياسي من مخاطر، بالاضافة إلى تمزق نسيجه الاجتماعي ووجوده المادي.. إن سياسة الانفراد قد مهدت إلى سيادة الاستبداد واستلاب المقومات الطبيعية والمكتسبة لحقوق الانسان الجمعية والفردية، واغترابهما .. وكلها بالاضافة إلى حروب النظام وعبثيته، الداخلية والخارجية، قد مهدت السبيل إلى الاحتلال الثالث وتدمير العراق ماديا ومعنوياً.
ترى هل كان قاسم محقاً في عدم السماح لإنفراد فئة سياسية بالسلطة؟ وبالتالي هل اكتسبت دعوة الزعيم لوقف الاحتراب الذي جرى آنذاك في الساحة العراقية مصداقيتها. إن عدم انصياع القوى المتحاربة للعقل ولضرورات المستقبل وصراعهما من أجل المصالح الفئوية الضيقة ساهم في إضاعة الثورة وضياعها وخاصةً ذات المنحى الجذري المتقارب في اهدافه العامة مع ثورة 14 تموز، مما فسح المجال لأعدائهما، في استغلال الظرف للقضاء عليهما وأضعاف حركة التحرر بالمنطقة بأسرها.
11 - بطاطو، الجزء الثالث، ص 177، مصدر سابق. ويؤكد ذات المؤلف وكذلك د. خلدون حسن النقيب، على أن هذا الصراع: [المتفجر لقوى اليسار العربي بين القوميين الجدد (العقائدين) والشيوعيين في العام 1959، هذا الانشقاق الذي يلعب، منذ هذا التاريخ، دوراً كبيراً في القضاء على التيار اليساري الجذري في السياسة العربية] الدولة التسلطية، ص 132، مصدر سابق.

12 - لقد تاثر بهذا الاستنتاج الكثير من الكتاب بما فيهم د. ياسين سعد محمد البكري في كتابه ، بنية المجتمع العراقي _ جدلية السلطة والتنوع، العهد الجمهوري الأول1958-1963 انموذجاً، ص.192 وما بعدها، دار المرتضى مصر، بغداد 2011، التي يردد فيها ذات فكرة بطاطو عندما يقول : "... أسهمت الصراعات بين الأحزاب، التي غذى جزءاً منها عبد الكريم قاسم بنفسه في تعزيز مركزه وقوته إزاءها... وهكذا ساهمت جميع القوى السياسية لفرض دكتاتوريته...". ص. 201.
لكن الدكتور الفاضل لم يبين اين وكيف ساهم قاسم في ذلك. من جهة ويبدو أن هذا الاستنتاج كما يدل عليه النص، جاء عن وعي قاسم.. وليس من منطق موقفه في عدم محاباة أي طرف من الأطراف، من جهة ثانية. كما يريد الكاتب أن يوحي لنا أن قاسم وإدارته للصراع الاجتما سياسي كانت تنطلق من هذا الوعي دون أن يشير إلى ان هذه السياسية هي محصلة نسبية وغير مباشرة لذات الصراع بين القوى السياسية، من جهة ثالثة.. أما تأكيده هنا كما لو أراد أن يقول أن نظام قاسم كان دكتاتورياً.. دون ايضاح ماهية النظام وعلائم وسمات هذه الدكتاتورية فيه. في الوقت نفسه وفي ص. 200، ينفي الدكتور الفاضل، دون إثبات وسند تاريخي، أن قاسم لم يكن من مؤسسي تنظيم الضباط الأحرار.. وينطلق ليس من بدايات تشكل هذه الظاهرة، قدر من نهاياتها. في الوقت الذي يوضح العديد من هؤلاء الضباط بمن فيهم من الكارهين له يؤكدون ان قاسم كان من أول المشاركين في هذه التنظيمات منذ عام في 1948 فلسطين. وعند عودته أسس تنظيمه الخاص. كما أنه لم ينتخب رئيساً للتنظيم نظرا لقِدمه حسب، بل لعوامل عديدة ضمنها القدم، وسمعته المهنية وتحكمه بوحدة عسكرية فعالة وغيرها من العوامل.. ليراجع ما كتبه الضابط القومي والمناهض لقاسم، خليل إبراهيم حسين الزوبعي في موسوعة 14 تموز عن هذا الموضوع . كما سبق لي وأن فصلت وحللت ظاهرة الضباط الأحرار في كتابي، من ماهيات السيرة- عبد الكريم قاسم 1914-1958، وهو الكتاب الأول من السيرة، بالإستناد إلى العشرات من المصادر العلمية غير المتفقة مع قاسم بل والمعادية له في منطلقاته السياسية والفكرية بل حتى البرامجية.
13- د. علاء الدين الظاهر، التاريخ كما لقنه القصخون، مصدر سابق، ص 11.
14- يحجب الدكتورعزيز الحاج الحقيقة عندما يذكر أن الزعيم قاسم قد عمل على [حرمان حزب البعث والكتل القومية الأخرى] من العمل الحزبي العلني على وفق قانون الاحزاب. ثم يتدارك الموضوع تبريرياً عندما يقول بأنها [... لم تتقدم بطلبات إجازة، لأنها كانت مطاردة، كما أنها اعتبرت العملية كلها مناورة تضليل من السلطة] راجع: مع الاعوام - صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق بين1958 - 1967 الطبعة الثانية ص 6 بيروت 1994 المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ان هذه النظرة غير الموضوعية، كما يستدل من أقوال قادة حزب البعث وبياناته، مستوحاة من ظرف د. الحاج للفترة 1969 - 1990 وتحمل وزر علاقاته الوظيفية في منظمة اليونسكو وما نجم عنها مع سلطة حزب البعث العراقي. علما بأن الطبعة الثانية لذات الكتاب فيها شيء من الموضوعية مقارنةً بالطبعة الأولى. كما تبدلت نظرة الدكتور الحاج في قراءته للتاريخ، منذ التسعينيات وهذا ما دللت عليه كل كتبه ودراساته التي نشرت ما بعد هذا التاريخ، حيث أنصبت، بموضوعية، على النظر لماهية ودور قاسم في قيادة عملية التغيير الجذري.
15 - د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، ص 48. لقد تجنب طالب شبيب الحقيقة هنا، عندما ربط بصورة تعسفية بين مطلب عبد الكريم قاسم لتأليف حكومة ائتلافية وبين ضغط إضراب الطلبة. بدأ الزعيم قاسم في محاوراته مع القوى السياسية وكان أولها مع كامل الجادرجي، منذ تشرين ثاني 1961، حيث مهد لذلك بإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين من كل القوى، في حين أن اضراب الطلبة بدأ في17 كانون أول 1962 في المدرسة الشرقية ليعمم على بقية المعاهد في 20/12/ 1962. راجع تقرير كامل الجادرجي المنشورة بعض منه في الموسوعة، مصدر سابق، الجزء الخامس ص 460. كذلك يؤيد ما ذهبنا إليه ما أشار إليه الحزب الشيوعي العراقي ضمن بعض نشراته الحزبية، حول بدء إطلاق سراح المعتقلين والانفراج النسبي في الوضع السياسي الذي تنبأ عن احتمال تطورات إيجابية على صعيد السياسة الداخلية. راجع نص التقرير لدى د. عزيز الحاج في ط. الثانية من ملحق كتابه، مع الأعوام. مصدر سابق.
16- إسماعيل العارف، أسرار ثورة 14 تموز، ص 327. علما بأن الجادرجي، قد كتب ملخص لهذه المقابلة ووزعه بصورة محدودة على قادة الاحزاب وبعض الشخصيات المستقلة، أورد فيه وجهة نظره الذاتية حول شخصية الزعيم قاسم، والتي كانت تتسم بعدم الود، إن لم نقل العداء، وعلى درجة عالية من الأنوية والنظرة المتعالية، كما الحال مع الجواهري الكبير، رغم أن الزعيم سبق وأن اقترح على الجادرجي عندما كان في السجن في مطلع عام 1958، المشاركة بالسلطة القادمة؟ للمزيد راجع للمؤلف، الجادرجي وتموز/ جريدة الوفاق، العددان 120، 121. كذلك مذكرات العضو البارز في الحزب الوطني الديمقراطي محمد حديد حيث يسلط الضوء على هذه الموضوعة بكثافة موضوعية. كلها مصادر سابقة.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة الذكرى السادسة والخمسون لثورة 14 تموز: (1-3)
- الانتلجنسيا العراقية وصيرورة التكوين والتأثير حوار مع الدكتو ...
- الحزب الشيوعي العراقي في عهد البكر
- أوجه الكمال في كمال**
- صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي صور من مقاومة ال ...
- صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي صور من المقاومة ...
- صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي (2-2) مقاومة ان ...
- صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي (1-2)
- خطة انقلاب شباط 1963 وواضعوه 1 (3-3):
- - خطة انقلاب شباط 1963 وواضعوه (2-3):
- - خطة انقلاب شباط 1963 وواضعوه (1-3):
- الثقافة الجديدة وجديد الثقاف
- جوانب من ثورة تموز و شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم
- قوائم التيار الديموقرطي وتعديل مسار العملية السياسية
- قراءة في رواية التيس الذي انتظر طويلا
- عامر عبد الله - مثقف عضوي
- الابداع والهم النضالي - ابراهيم الحريري نموذجا
- إعادة ترميم صورة الزعيم تعقيب الباحث عقيل الناصري
- القطار الأمريكي 1963 وسباق المسافات الطويلة (الأخيرة)
- القطار الأمريكي 1963 وسباق المسافات الطويلة (7)


المزيد.....




- تورطت بعدة حوادث مرورية ودهس قدم عامل.. شاهد مصير سائقة رفضت ...
- مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها
- مصر.. اكتشاف أطلال استراحة ملكية محصّنة تعود لعهد الملك تحتم ...
- شي جين بينغ يصل إلى صربيا في زيارة دولة تزامنا مع ذكرى قصف ا ...
- مقاتلة سوفيتية -خشبية- من زمن الحرب الوطنية العظمى تحلق في ع ...
- سلالة -كوفيد- جديدة -يصعب إيقافها- تثير المخاوف
- الناخبون في مقدونيا الشمالية يصوتون في الانتخابات البرلمانية ...
- قوات مشتركة في الفلبين تغرق سفينة خلال تدريبات عسكرية في بحر ...
- مسؤول: واشنطن تعلق إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بسبب رفح
- وسائل إعلام: الاتحاد الأوروبي قد يفرض عقوبات على ممثل أمريكي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - مناسبةالذكرى السادسة والخمسين لثورة 14 تموز: (2-3) عبر الثورة ودروسها