أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟















المزيد.....



الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 4510 - 2014 / 7 / 12 - 00:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟
1- أمريكا والشرق الأوسط بين بوش وأوباما
د. جواد بشارة
[email protected]

هل يمكننا وصف الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، بعد كل الذي حصل ويحصل في العالم من أحداث دراماتيكية، بأنها إمبراطورية الشر؟ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي توجت أمريكا نفسها باعتبارها القوة الأعظم الوحيدة في العالم على الكرة الأرضية، وشكلت إمبراطورية حقيقية يمكن مقارنتها بالإمبراطورية التي نشأت في روما القديمة، ولكن هل بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية الإمساك طويلاً بهذه الهيمنة الدولية؟ أعتقد بأن الإمبراطورية الأمريكية الحالية محكومة بالانهيار هي الأخرى على غرار ما حدث للإمبراطورية الرومانية في ماضي البشرية، وذلك تحت وطأة تحديات الهيمنة ذاتها التي لا يمكنها تفاديها فهي موجودة ضمن صيرورة الحتمية التاريخية التي تتحكم بعجلة التاريخ.
من البديهي القول أن سلوك الولايات المتحدة الأمريكية على المسرح الدولي يعكس ويترجم احتياجات الرأسمالية الأمريكية بيد أن جوهر وأسس السياسة الخارجية الأمريكية أعقد بكثير مما تبدو لنا ظاهرياً, فأمريكا مدفوعة، في علاقاتها مع باقي دول العالم، بحاجتها لتوسيع رقعة تحركها الاستراتيجي وإظهار وعرض قوتها وقدراتها، وبالتالي فإن الموقع الدولي والمكانة التي تحتلها تعتمد على عدة عوامل، منها طبيعة ونوايا خصومها ومنافسيها ، وكذلك مقتضيات سياستها الداخلية واحتياجات ومطالب سكانها. وأيضاً فإن توجهاتها الهجومية والدفاعية تأخذ بالاعتبار عمليات الشد والتصادم بين الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى ومحدودية المصادر الذاتية القابلة للتعبئة من أجل بلوغ نلك الأهداف التي من شأنها تأمين المصالح الحيوية العليا للولايات المتحدة الأمريكية. فوراء عرض العضلات ومظاهر القوة يختفي دائماً طيف النزعة التوسعية.
كانت نقطة التحول الحادة في السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة قد بدأت فوراً مع إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الإبن سنة 2000 وهو الجاهل تماماً بتعقيدات وتشعبات ومخاطر الملفات الدولية التي تحكم سياسة الدول الخارجية وكانت الصفعة التي تلقاها قد تسببتها أحداث الحادي عشر من أيلول سنة 2001، حيث كان ذو رؤية أحادية على عكس سابقيه الذين كانوا ذوي رؤى تعددية. ففي السنوات الثلاث الأولى من ولايته الأولى رفض أو أعاد تحديد عدد من المباديء الراسخة والأساسية التي كانت تحكم وتعالج علاقات أمريكا بالعالم. فهو يستند دائماً في قراراته إلى الاستخدام الأحادي للقوة الأمريكية الجبارة وليس استناداً إلى أحكام ومقررات وأعراف القانون الدولي وممارسات وتقاليد المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة. ومن هناك أختلق بمساعدة مستشاريه والمقربين له من المحافظين اليمينيين الجدد مبدأ الحرب الاستباقية والهجمات الوقائية متخلياً عن استراتيجيات الردع والاحتواء التي كانت متبعة منذ عقود طويلة من قبل الإدارات الأمريكية السابقة. وكان يفضل أسلوب تغيير الأنظمة بالقوة بدلاً من التفاوض مع الدول والقيادات التي لا تحظى برضاه عنها.
فغايات وأهداف الهيمنة الدولية وتوسيع مناطق النفوذ الحيوية التي رسمتها الإدارات السابقة كانت تتم دائماً بالتعاون والتنسيق مع الحلفاء والقوى العظمى الحليفة وبالطرق التي من شأنها الحفاظ على الاستقرار العالمي لأنها تتم تحت مظلة الشرعية الدولية، وبالتالي فهي لاتسعى لتقويض النظام العالمي بل تساهم في تدعيمه وتعزيزه وفرض احترامه على الدول والأنظمة المتمردة أو المارقة لغاية عام 1999حيث كان يوجد نوع من التحالف في الكواليس بين عدد من الدول الديموقراطية المرتبطة ببعضها باتفاقيات وأسواق ومصالح مالية وصناعية وتجارية ومؤسساتية مشتركة، وفي إطارها عقدت اتفاقيات ومعاهدات أمنية وعسكرية فيما بينها.
‫-;-
الضرورات تبيح المحظورات:
السياسة الدولية لاتسير بهدوء وباتجاه واحد كالنهر الخالد بل هي بحر متلاطم الأمواج تسكنه الرياح والعواصف، الأمر الذي يتطلب إعادة نظر دائمة ومراجعة مستمرة للثوابت والأعراف وطبيعة التحالفات وتوازنات القوة، فكل ما هو ممنوع ومحرم اليوم يمكن أن يكون مشروعاً ومتاحاً بل وربما مفضلاً في الغد، إذا دعت الحاجة لذلك أو استدعت الضرورة خرق المحظور .
هذا ما لمسناه في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بدول العالم الثالث والعالم الإسلامي على وجه الخصوص. فإيران الشاه في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين كانت الحليف الاستراتيجي الوفي والمضمون للولايات المتحدة الأمريكية وشرطيها الذي تهدد به كل متمرد مارق من الدول التي تتحدى هيمنتها الدولية، ولكن بين ليلة وضحاها تغيرت المسلمات وتبدلت المعايير بعد ثورة الإمام الخميني وإطاحة عرش الشاه الحليف الوفي لواشنطن.وهنا كان لابد لواشنطن من تعويض هذه الخسارة فبادرت إلى تقوية الدور التركي إقليمياً وأطلسياً وضغطت على الاتحاد الأوروبي لقبول انضمام تركيا إليه واقتربت من عدو الأمس صدام حسين الذي كان يدور في الفلك السوفيتي سابقاً وإن كان بدون قناعة متجذرة بل لمصلحة مؤقتة، واستدرجت واشنطن ومعها دول الخليج صدام حسين لحرب مدمرة ومنهكة للجانبية ضد إيران الخميني لضرب عصفورين بحجر واحد وبقية القصة معروف. وفي نفس العام قام السوفيت بغزو أفغانستان مما أرغم واشنطن على مراجعة حساباتها الإستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي. وباشرت بتنفيذ مخطط جهنمي لخلق فرانكنشتاين إسلاموي أو مسخ سمي في ذلك الحين بجيش المجاهدين الأفغان ومعه ما عرف بالأفغان العرب النواة الحقيقية لتنظيم القاعدة الإرهابي بقيادة أسامة بن لادن وبتنسيق وتمويل وتدريب وتسليح أمريكي سعودي باكستاني حيث كانت المخابرات السعودية والباكستانية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي آي أ الأمريكية يعملون على قدم وساق لإنهاك القوات السوفيتية باسم الجهاد والدفاع عن الإسلام في وجه الكفر والإلحاد السوفيتي. وفي أعقاب تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي وإرغام السوفيت على الانسحاب من أفغانستان تخلت واشنطن عن هذا البلد وتركته فريسة لصراع دامي بين الفصائل الجهادية من أمثال شاه مسعود ورباني ورستم وغيرهم وحين تفاقم الخطر وصار يهدد مشاريع الاستحواذ على نفط وغاز بحر قزوين من قبل أمريكا المار بأفغانستان عمدت الولايات المتحدة إلى خلق غول إسلاموي آخر لايقل وحشية وخطورة وقسوة وتخلفاً عن جيش المجاهدين الأفغان وهو تنظيم طالبان أي طلبة العلوم الإسلامية في الباكستان وتعبئتهم وتحشيدهم وتجنيدهم وتسليحهم من أجل شن هجمات منظمة بمساعدة المخابرات الباكستانية والجيش الباكستاني وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن وبتمويل سعودي وتسليح أمريكي للسيطرة على كابول وفرض نظام طالبان فيها . ومن رحم القاعدة انتشرت التنظيمات الجهادية الإسلاموية الإرهابية والتكفيرية الخطرة في كل أنحاء العالم الإسلامي بتمويل سعودي قطري تحت مسميات عديدة مثل القاعدة في بلاد المغرب العربي والقاعدة في بلاد الرافدين والقاعدة في أفريقيا ومؤخرا جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام داعش وغيرها من الواجهات الإعلامية التي تعكس نفس الآيديولوجية التكفيرية التي تهدد العالم الإسلامي برمته. وهو مايصب في نهاية المطاف مع التخطيط الاستراتيجي الأمريكي بعيد المدى المسمى الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وتجزيء المجزأ وتفتيت المفتت أكثر فأكثر وإعادة رسم الخرائط والحدود التي نجمت عن اتفاقية سايكس بيكو على شكل دويلات وكانتونات صغيرة وضعيفة ومتناحرة فيما بينها إلى أبد الابدين بغية تأمين سلامة إسرائيل وأـمنها وتفوقها العسكري والتكنولوجي والاقتصادي.

الربيع العربي وخرافة الديموقراطية الغربية:
كان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يواصل نهج أسلافه الجمهوريين رونالد ريغان وقبله نيكسون وبعده جورج بوش الأب والد جورج دبليو بوش الإبن ألا وهو نهج فرض هيبة وسطوة أمريكا بكل السبل وعلى رأسها القوة العسكرية ، ثم جاء الرئيس باراك أوباما الديموقراطي ليواصل نهج سلفيه جيمي كارتر وبيل كلينتون، ألا وهو الاستمرار بالمحافظة على الريادة الأمريكية وقيادتها للعالم ولكن بطريقة التعاون والتنسيق مع الحلفاء الغربيين وتفضيل وسيلة الحوار والإقناع والتهديد المبطن. وفور وصوله إلى البيت الأبيض قرر أوباما تحقيق انطلاقة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية بالرغم من الإرث الثقيل لسياسة سلفه الجمهوري وخاصة توريط الولايات المتحدة الأمريكية في حربين داميتين ومكلفتين في أفغانستان والعراق. ففي الرابع من حزيران من عام 2009 ألقى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما خطاباً متميزاً في جامعة الأزهر في القاهر في مصر حسني مبارك، بعد ستة أشهر من تسلمه مقاليد الحكم في واشنطن. وتعمد أن يحدث قطيعة مع نهج سلفه جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط وتعزيز العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي، على الأقل على مستوى النوايا، خاصة بعد أن تعرضت تلك العلاقات إلى هزة وخلل وصدمة عميقة في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول سنة 2001 وردة فعل الإدارة السابقة والمحافظين الجدد اليمينيين الذين قرروا إعادة نمذجة وقولبة الشرق الأوسط وإعادة توزيع الأوراق وتفكيك الحدود فيه، وفق ما يناسب المخططات الإستراتيجية الأمريكية الجديدة حيال الشرق الأوسط الجديد ومنهجية الفوضى الخلاقة مهما كانت الصعوبات والخسائر المادية والبشرية التي ستدفعها هذه المنطقة المنكوبة. بيد أن تلك الانطلاقة الأوبامية الجديدة المزعومة بقيت حبراً على ورق ومجرد كلام يطلق على عواهنه لم يتبعه أي تطبيق على أرض الواقع. وبعد مرور خمسة أعوام على ذلك الخطاب الذي خلق آمالاً لدى البعض ، لم تكن سوى أوهاماً في واقع الأمر، وجد أول رئيس اسود للولايات المتحدة الأمريكية نفسه عاجزاً أمام نفس التحديات والاختبارات والتعقيدات الشرق أوسطية. بعض دوائر القرار والتخطيط في واشنطن كانت تعمل في السر لزعزعة الركود الظاهر في هذه المنطقة الحساسة التي كانت تغلي من الداخل حتى وصلت إلى نقطة الانفجار الذي تجسد عملياً في عملية احتجاج بائع الخضار المتجول والجامعي بوعزيزي في تونس الذي أحرق نفسه أمام الملأ وقدم شرارة الانفجار الاجتماعي الذي نعرفه والذي انتشر كالنار في الهشيم في كافة أرجاء العالم العربي في مصر واليمن والبحرين وليبيا والأردن وسوريا وغيرها. ففي هذه الأخيرة انطلق المارد الأسود المتمثل بالقوى الظلامية والتكفيرية الإرهابية الإسلاموية من أمثال تنظيمات الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة اختصارا باسم داعش وجبهة النصرة الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي والجبهة الإسلامية وميليشيات الأخوان المسلمين والجيش الحر المنشق عن الجيش النظامي وغيرهم ممن أغرق بلاد الشام في بحر من الدمار والخراب والآلام والدماء والتهجير والقتل الوحشي الذي يدور منذ سنة 2011 إلى اليوم، وفي ليبيا أطاحت قوات حلف شمال الأطلسي الناتو برأس العقيد معمر القذافي وأغرقت البلاد في فوضى عارمة ووضعتها تحت سيطرة أمراء الحرب والعشائر والميليشيات المسلحة الإسلاموية الخطيرة التي صارت تصدر السلاح والرجال المتطوعين إلى كافة أنحاء المعمورة لنشر الخراب باسم الجهاد. وفي مصر سادت الفوضى العارمة لمدة ثلاث سنوات منذ أن أجبر الرئيس الأسبق حسني مبارك على التنحي نتيجة للاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات الجماهيرية التي شلت البلاد، وقادت فيما بعد إلى هيمنت تنظيم الأخوان المسلمين الرجعي المتخلف على البلاد وتنصيب محمد مرسي رئيساً للبلاد بعد انتخابات هزيلة ، ومن ثم كان لابد للجيش أن يتدخل لإطاحة مرسي وأخذ زمام المبادرة للسيطرة على الأوضاع التي كانت متفجر وعلى حافة حرب أهلية مخيفة نظراً لثقل مصر وأهميتها الإقليمية. لقد فاز المشير عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية مؤخراً لكن هذا لا يعني أن مصر خرجت من عنق الزجاجة فما يزال أمامها طريق طويلة وصعبة محفوفة بالمخاطر والتحديات. السودان تقسم واليمن تتقاذفها الصراعات الداخلية والطائفية حتى بعد إطاحة علي عبد الله صالح وتهيمن عليها عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي وتهدد مصيرها. وتونس تعيش هدوءاً هشاً وتوازنات قوى ظاهرية وذلك بفضل استيعاب تنظيم النهضة الإسلاموي بقيادة الغنوشي للدرس المصري وعدم مغالاتهم في احتكار السلطة وحصرها بين أيديهم لكنها لم تخرج هي الأخرى تماماً من عنق الزجاجة. كل تلك الأحداث الشرق أوسطية كانت تدور أمام أنظار قادة الولايات المتحدة الأمريكية الذين بدوا مندهشين وعاجزين لكنهم في حقيقة الأمر كانوا وراء كل تلك المصائب التي خرجت عن دائرة السيطرة وأفلتت من بين أيديهم لذلك كانوا يعطون انطباعاً بأنهم متفاجئون مما حصل لأنهم كانوا يخططون لإدخال الديموقراطية إلى تلك البلدان بعد عقود طويلة من الديكتاتورية والحكم الشمولي ولكن بدلاً من الديموقراطية جلبوا لها الدمار والفوضى . الأمر مع العراق كان مختلفاً جداً. ففي السابق كانت ذريعة جورج بوش الأب لشن حربه على العراق سنة 1991 هو تحرير الكويت من الاحتلال العراق، وذريعة إبنه جورج دبليو بوش في غزو العراق هي تدمير مخزون صدام حسين من أسلحة التدمير الشامل في حين يعرف الأمريكيون جيداً أن هذا النوع من الأسلحة المحرمة دولياً قد تم تدميره بعد حرب الخليج الأولى سنة 1991 وإن الدافع الحقيقي وراء الغزو هو تطبيق مبدأ الضربة الإستباقية أي الهجوم على العدو قبل أن ينجز مشروع هجومه المفترض وتهيئة مستلزمات مثل هذا التهديد المفترض ضد المصالح العليا والحيوية للولايات المتحدة الأمريكية كما صاغها بوش الإبن استناداً إلى مبدأ الرئيس وودرو ويلسون عند زجه بالولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى بحجة الدفاع عن النفس ونشر الديموقراطية.
مما لا شك فيه أن مفهوم الضربة الاستباقية غائب نسبياً في خطاب أوباما، وليست لديه نفس رؤية دبليو بوش للشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي يمتد من دول المغرب العربي وموريتانيا إلى الباكستان وأفغانستان مروراً بالعراق وإيران ويشمل كافة دول الخليج ومصر بالطبع، بيد أن هذه الرؤية لم تختف كلياً من التفكير والعقل الاستراتيجي الأمريكي . لقد وعد الرئيس أوباما إبان حملته الرئاسية بسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان ونفذ وعده جزئياً إذ سحب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011ويحضر لسحب قواته تدريجياً من أفغانستان بحلول نهاية عام 2014 أو بداية عام 2015 بعد ثلاثة عشر عاماً من التواجد العسكري المباشر في أفغانستان حيث لم تحقق الولايات المتحدة الأمريكية خلالها سوى هدف واحد هو إطاحة حكم طالبان والذين هم اليوم أقوى من أي وقت مضى ويهددون بالعودة إلى الحكم بقوة السلاح في أي وقت بعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان. لذلك أعرب أوباما عن رغبته بترك حوالي 10000 جندي أمريكي في أفغانستان يوزعون في عدة قواعد أمريكية بعد 31 ديسمبر 2014 ولن ينجز الانسحاب الكامل إلا في نهاية عام 2016 أي قبل مغادرته للبيت الأبيض بقليل. لم ينجح الأمريكيون في لإقناع العراقيين بمثل هذا الإجراء، وبضرورة ترك قوات رمزية مقاتلة محدودة في العراق، تقوم بمهام التدريب وتقديم الدعم والتخطيط، مما ترك فراغاً أمنياً ملموساً لم تستطع القوات العراقية الحديثة التكوين أن تملأه.
الشيء الوحيد الباقي من سياسات الإدارة السابقة بقيادة دبليو بوش هو استمرار الحرب على الإرهاب الدولي وبنفس الوتيرة ونفس الوسائل المتاحة تقريباً كمواصلة عمليات القصف الجوي بطائرات مسيرة بدون طيار في اليمن وباكستان وأفغانستان واليوم في العراق. اقتنعت أمريكا أخيراً بصحة الحركة العسكرية شبه الانقلابية التي قام بها المشير السيسي في مصر بعد تردد فهي راضية بوجود شخص قوي على قمة السلطة في مصر بعد التجربة المرة التي حدثت في ليبيا لذلك فهي مستعدة أيضاً لدعم الجنرال الليبي خليفة حتفر في محاولته لفرض النظام في ليبيا بفضل ما تبقى لديه من الجيش السابق والحالي. ومن المفترض بهم مواصلة دعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في سعيه لصد الهجمة الإرهابية الداعشية على العراق حيث تمكن مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من السيطرة على عدة مدن مهمة كالموصل وصلاح الدين أو تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين وأجزاء من ديالى وتطويقهم لسامراء واقترابهم من حدود العاصمة بغداد، لكن الموقف الأمريكي ما يزال غامضاً ومتردداً بشأن نوع وحدود الدعم الذي ستقدمه واشنطن لبغداد. فجهود الولايات المتحدة بتحريك مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين باءت بالفشل أما تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف نيتانياهو. فلم تعد أمريكا هي القوة المهيمنة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة بل قوة عظمى من بين أخريات كروسيا التي أرغمت واشنطن على التراجع في تنفيذ تهديداتها بشن ضربات عسكرية ضد النظام السوري وقواته التي تحارب الإرهابيين والتكفيريين من أتباع داعش والقاعدة من خلال الاتفاق على تسليم الأسلحة الكيمياوية الموجودة لدى نظام بشار الأسد خوفا من وقوعها بين أيدي الإرهابيين وتهديدهم للسلم والأمن والاستقرار الدولي . ولا بد من الإشارة إلى ملف العلاقات الأمريكية الإيرانية المتوتر والخطير بسبب حساسيته وارتباطه بالملف النووي الإيراني، والذي دام لأكثر من خمسة وثلاثون عاماً، حيث تكللت الجهود الدبلوماسية الأمريكية والدولية بالتوصل إلى اتفاق شامل مع إيران حول مشروعها النووي الذي سوف يبقى مدنياً وسلمياً ولن يتحول إلى سلاح عسكري أي بتخلي إيران عن طموحاتها بامتلاك القنبلة النووية. وبالتالي يكون أوباماً قد أحدث قطيعة حقيقية مع مفهوم محور الشر الذي أطلقه سلفه دبليو بوش.
التحدي الأخطر الذي يواجه إدارة وباما اليوم هو كيفية التعاطي مع نزق واستفزازات داعش التي أعلنت دولة الخلافة الإسلامية على الأراضي العراقي والسورية التي تسيطر عليها عسكرياً اليوم، فهل ستتمكن أمريكا من صد ووقف هذا التهديد ببضعة طائرات بدون طيار و 300 مستشار عسكري أرسلتهم إلى العراق لتقويم الوضع الميداني هناك؟ الولايات المتحدة الأمريكية تعرف جيداً أن هجوم الجهاديين، المعروفين بقسوتهم وبطشهم وظلاميتهم، على العراق، بعد تمكنهم من السيطرة على أراضي واسعة في سوريا، يزعزع أمن واستقرار المنطقة الشرق أوسطية برمتها.
السؤال المطروح الآن: هل بوسع الدولة الإسلامية التي أعلنتها داعش البقاء على الحياة والتوسع ؟ للوهلة الأولى يبدو هذا الحلم التكفيري الإسلاموي في فرض خلافة إسلامية داعشية الطابع تهيمن على العالم الإسلامي، كما كانت عليه حالها إبان الخلافة العباسية والعثمانية، ليس سوى ضرب من الخيال والوهم لأن بوسع الدول العظمى وإسرائيل محوهم من الخارطة بثواني معدودات لامتلاكهم أسلحة نووية استراتيجية وتكتيكية لايمكنهم مقاومتها بأسلحة تقليدية مهما كانت متطورة وحديثة وهو ليس واقع الحال بالطبع. كما أن هناك قوات نظامية ستكمل استعداداتها وتسلحها في كل من سوريا والعراق ومن وراءهما إيران وحزب الله لإطباق الكماشة على هذه الزمرة الإجرامية المتخلفة التي تريد نشر الفكر الظلامي المتخلف في منطقة وادي الرافدين. والحال أنه حتى تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، اللتين كانتا إلى وقت متأخر، الداعم والممول الرئيسي للتيارات السلفية والجهادية، شعرتا بالتهديد يقترب منهما وأعلنتا استعدادهما لمواجهة التهديد الداعشي بعد تعرضهما لضغوطات أمريكية وأوروبية كبيرة. لقد فهمت هذه الأطراف الإقليمية مدى خطورة خلق أوضاع خارجة عن السيطرة قد تقود إلى مواجهة طائفية شاملة، غير معروفة العواقب، سوف تأكل الأخضر واليابس في المنطقة وسيكونون هم أول ضحاياها. لذلك يمكننا القول أن سيناريو ما بعد إحتلال الموصل قد فشل بعد ظهور عدة معطيات جديدة تمثلت باستيعاب الجيش العراقي للصدمة واستعادته لزمام المبادرة ودخول روسيا على الخط في الدعم والتسليح وقبول أمريكا صاغرة بالمساهمة ، ولو بحدود، بما تستطيع وبما تملكه من تكنولوجيا وأسلحة متطورة، في دك صرح هذا الوباء المسمى داعش والقاعدة وأمثالهما بغية عدم ترك المبادرة بين أيدي إيران وروسيا ومحاولة استعادة المبادرة كما لاحظنا في تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية مارتن ديمبسي الأخير والذي أعلن فيه عن استعداد الطيران الامريكي لضرب الأهداف الإرهابية، وهذا الاستعداد جاء هذه المرة بدون شرط أمريكا التعجيزي السابق والذي طالب فيه الحكومة العراقية بتحقيق إتفاق كامل بين المكونات السياسية العراقية للتوصل إلى حل مرضي للجميع عندما بدأت أزمة الموصل قبل مطالبة واشنطن بالتدخل وبتطبيق بنود الاتفاقية الأمنية المشتركة بين العراق وأمريكا، لأن هذه الأخيرة كانت تراهن على سيناريو بديل يجري التنسيق لتنفيذه بين ثلاثة أطراف محلية وإقليمية وهي تركيا والسعودية وحكومة كردستان ويرتبط بالنفط المستخرج من شمال العراق الذي تريد حكومة كردستان الاستحواذ عليه كلياً وتصديره عبر تركيا بسعر منخفض جداً خارج أي موافقة أو تنسيق مع الحكومة الاتحادية، وهذا يصب في الحلم الأوسع الذي يدغدغ تفكير رئيس كردستان العراق مسعود برزاني بضم أكراد سوريا ومناطقهم ووضعهم تحت وصايته وحمايته بالإضافة على هيمنته على سهل نينوى المتاخم للحدود السورية ذات الأغلبية الكردية حتى يكون قريباً من شواطيء البحر الأبيض المتوسط. ، أما السعودية فهي تتمنى الانتهاء من الكابوس الشيعي العراقي والعمل على إطاحة النظام السوري العلوي وتفكيك الدولة العراقية الحالية لكي لاتكون نقطة ارتكاز ونفوذ قوية لإيران ضدها. لقد انتبه إستراتيجيو موسكو لهذا المخطط الأمريكي السعودي التركي الكردي وسارعوا لتقديم الدعم اللازم والسريع للحكومة العراقية بقيادة السيد نوري المالكي وفتح جسر لوجستي مباشر بين موسكو وبغداد متى رغبت هذه الأخيرة بذلك.
أدرك السيد مسعود البرزاني خطورة تصريحاته بالانفصال في ظل ظروف دولية وإقليمية غير مواتيه ورفض وتحذير أمريكي وإيراني وتركي وعربي وعراقي شديد لخطوته الانفصالية التي عارضها ثلث الأكراد أنفسهم ، خاصة فيما يتعلق بكركوك لذلك وافق على أن يكون الاستفتاء هو الحكم في الوضع النهائي لهذه المدينة العراقية المتعددة الأعراق. وحث الحكومة العراقية على تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية تضم الجميع للخروج من المأزق الحالي.
2- أمريكا وعلاقاتها بأنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة والعالم
منذ أن استقلت الولايات المتحدة الأمريكية عن الاستعمار البريطاني ومنافسه الاستعمار الفرنسي على النفوذ في العالم الجديد، وهي تتصرف بفوقية تجاه الجميع، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى عندما برزت كقوة عظمى، وليس القوة الأعظم بعد، من بين مجموعة من القوى العظمى، ومن ثم كإحدى القطبين الأعظمين بعد الحرب العالمية الثانية إلى جانب الإتحاد السوفيتي، وأخيرا كالقوة الأعظم في الكرة الأرضية والقطب الدولي الوحيد، بعد سقوط جدار برلين وإنهيار الإمبراطورية السوفيتية، القطب المنافس الوحيد للولايات المتحدة على النفوذ في العالم. كانت الولايات المتحدة الأمريكية، وما تزال، عدوانية في سلوكها ومغامراتها العسكرية، في المكسيك وأمريكا اللاتينية وفيتنام وبنما وكوريا واليابان وألمانيا، وبالطبع تجاه الشرق الأوسط ، لا سيما بعد تأسيس الدولة العبرية في قلب العالم العربي، والتي تعهدت بحمايتها واعتبرتها من أولوياتها الإستراتيجية. البوصلة التي توجه الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع الدول هي مقدار تبعية وخضوع هذه الدولة أو تلك لمخططاتها الإستراتيجية ومدى خدمتها لمصالحها الحيوية. فلا يوجد لأمريكا صديق دائم ولا عدو دائم، فهي ذرائعية وبراغماتية في نسج تحالفاتها مع الآخرين، وعندما ينتهي دورهم أو صلاحيتهم ترميهم كالمنديل المتسخ الذي لم يعد فيه نفع أو فائدة. ومنذ أن دخلت العراق غازية وأنا أحذر من السياسات الأمريكية في العراق في كتاباتي كلها، قبل وبعد 2003 ، ودعوت وأدعو دائماً إلى فضحها وعدم تصديق وعودها، وذلك عن دراية وتحليل عميقين لحقيقة أمريكا ونواياها الشريرة، واستناداً إلى وثائق ومصادر كثيرة ومتعددة وبعدة لغات. ولقد استوعبت تماماً صرخة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي عندما تم اختياره بديلاً للسيد إبراهيم الجعفري للخروج من الأزمة السياسية العراقية المستعصية آنذاك، ووجهت إليه سهام النقد والتجريح بأنه صنيعة أمريكا، وهو لم يكن قطعاً كذلك بل كان المرشح الأفضل من بين كثيرين، صرخ محتجاً وبشجاعة نادرة وقال:" أنا لست رجل أمريكا في العراق" . ولم يكن غيره من السياسيين على مثل هذه الجرأة والتحدي في ظل موازين القوى الداخلية القائمة في ذلك الوقت، واحتياج العراق لأمريكا واعتماده عليها كلياً وفي كل شيء تقريباً، وبوجود جحافل القوات الأمريكية وهيمنتها على القرار السياسي والاقتصادي العراقي في ذلك الوقت. ومن ثم، وبعد سنوات قليلة، وفي ظل أخطر وأشرس أزمة يواجهها العراق اليوم، يعلن السيد المالكي وبقوة وجرأة وصراحة نادرة قائلاً:" لقد خدعتنا أمريكا في مجال التسليح" وقرر على الفور، إزاء المماطلة الأمريكية في تسليم الطائرات المقاتلة من طراز أف 16 التي استلمت ثمنها سلفاً، التوجه لروسيا وشراء ما يتوفر لديها من طائرات مقاتلة من طراز سوخوي وأسلحة أخرى وهليكوبترات مقاتلة وصواريخ وغيرها لكي يصد الهجمة الإرهابية العدوانية الغادرة التي شنتها الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" مستغلة الظروف السياسية المضطربة التي خلقتها صراعات أقطاب العملية السياسية لإجهاض مشروع النهوض بالعراق وإعادة إعماره وترميم بناه التحتية المتهاوية، سيما وأن أمريكا ليست بعيدة عن مآسي العراق ومخططات تقسيمه نظراً لعلاقاتها الحميمة والإستراتيجية من أقطاب إقليمية متهمة بتأجيج نار الحرب الأهلية الطائفية في العراق وتقويض جهوده في التنمية والازدهار، وهي معروفة وكلها حليفة لأمريكا مثل السعودية وقطر وتركيا والأردن، في محاولة يائسة من قبل أمريكا لاحتواء وعزل وتحييد إيران وإضعافها لكي تتخلى عن مشروعها النووي السلمي، لأنه يشكل خطراً كامناً على إبنتها المدللة إسرائيل كما تعتقد . ولا ننسى إصرار المالكي إبان مفاوضات الانسحاب الأمريكي من العراق عدم الرضوخ للشروط الأمريكية ومطالبها بترك 50000 مقاتل أمريكي بشكل دائم في قواعد دائمة في العراق على ألا يخضعوا للقانون العراقي ولايمكن للقضاء العراقي محاسبتهم على أية أخطاء أو مخالفات أو جرائم يرتكبونها. وهكذا خرج الأمريكيون وهم ممتعضون من نوري المالكي لكنهم لم يظهروا ذلك علانية وجهاراً حتى لا يعطوا انطباعاً بأنهم ضعفاء لاحول ولاقوة لهم في هذا الملف الشائك.
لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً لكي نستوعب، وبالأمثلة التاريخية القريبة، ونقيم السلوك الأمريكي وتعامله مع الملفات الدولية، وتعاطيه مع الأنظمة الحليفة والصديقة التي لم تنج هي الأخرى من غطرسة وتعالي وغرور الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها بما فيها حليفتها الأقرب القارة الأوروبية العجوز.
العراق هو المرآة التي عكست القبح الأمريكي:
منذ ما قبل دخول القوات الأمريكية إلى العراق سنة 2003 حذر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن بأول إدارة بوش وصقورها قائلاً :" إن العراق سوف يمتص أوكسجينكم في كافة المجالات" . فرد عليه أحد المنظرين لعقيدة بوش الإبن العدوانية الوقائية او الاستباقية وهو إرفين كريستول:" ما نفع أن يكون البلد هو الأقوى والأكبر في العالم إذا لم يلعب دوراً إمبراطورياً مهيمناً؟ فكل الإمبراطوريات في التاريخ البشري لعبت دوراً مهيمناً فلماذا لايكون هذا هو حال أمريكا أيضاً؟".
هبط الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية يو أس أس إبراهام لينكولن من طائرته الخاصة جيت أس 3 ب فيكينغ في عرض شواطيء كاليفورنيا في الأول من آيار 2003 ليعلن نهاية العمليات العسكرية في العراق، وكانت واشنطن مزهوة بانتصارها السريع والوهمي ومتبخترة بقوتها الجبارة فخرجت التعليقات الساخرة والممتعضة أو المشمئزة من هذا الغرور والتعالي الأمريكي واصفة أمريكا بــ " روما الجديدة" وهو توصيف يتضمن ضمنياً الاستهزاء والتحقير.
لم يكن ذلك المشهد سوى استعراض قوة ورسالة مبطنة للجميع بأن مصيرهم سيكون مثل مصير العراق لو تجرأ أحدهم على التمرد ومقاومة النفوذ الأمريكي في العالم، وكلنا يتذكر تصريح وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد": علينا أن نسامح روسيا ونتجاهل ألمانيا ونعاقب فرنسا على مواقفهم المناهضة للحرب الأمريكية على العراق". ولم يمض على هذا الحدث سوى عام واحد حتى دارت الدوائر على المحتل الأمريكي وتسلل الندم إلى نفس الرئيس الأمريكي حيث تمنى لو إنه لم يتسرع مزهواً لإعلان انتصاره في العراق بهذه الطريقة الاستعراضية المثيرة للسخرية. فالأوضاع في العراق صارت تسير وبوتيرة متسارعة، من سيء إلى أسوء حتى إنها طمست الجانبين الإيجابيين الوحيدين لهذه المغامرة العسكرية ألا وهما إطاحة صدام حسين والضغط من أجل محو الديون العراقية لدى نادي باريس. فالرأي العام العالمي بغالبيته العظمى أدان واستنكر العدوان الأمريكي ومن ثم الاحتلال العسكري للعراق، الذي اعتبر بمثابة مغامرة استعمارية، لم تحظ بقبول غالبية الأمريكيين. كانت الولايات المتحدة قد زرعت جرثومة المحاصصة في صلب السياسة العراقية عندما سلمت السيادة للعراقيين في 24 حزيران 2004 مع بقاء قواتها متواجدة على الأرض العراقية كقوات احتلال قوامها ما يزيد على 130000 عسكري من مختلف الرتب والاختصاصات، بالرغم من انزلاقها في حربين سابقتين في أفغانستان والحرب على الإرهاب الدولي، مما جعلها تفشل في كافة الجبهات، فلاهي انتصرت فعلاً في العراق ولا في أفغانستان ولم تستأصل الإرهاب الدولي بل على العكس زادته قوة ومناعة وانتشاراً وخطورة. فحتى القوات الخاصة المدربة والمؤهلة في الجيش والبحرية الأمريكية لم تعد قادرة على مواجهة الهجمات الإرهابية التي تشن عليها في أفغانستان والعراق واليمن وغيرها.
ظهرت مؤخرا دلائل ووثائق تثبت أن الحرب على العراق كان مخططاً لها حتى قبل أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وتدمير برجي التجارة العالمية التوأمين على يد إرهابيي القاعدة، ولقد صرح بول ولفوفيتز نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق :"أن طريق السلام في الشرق الأسط يمر من بغداد" . ففي قلب الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط دعم الأنظمة الموالية والخاضعة كلياً بلا أي قيد أو شرط للسياسة الأمريكية مثل أنظمة الخليج والأردن ومصر والمغرب وتونس وإطاحة الأنظمة غير المضمونة الولاء كالعراق وليبيا والجزائر وسوريا لأن حكامها غير منضبطين ومصابين بداء أو جنون العظمة كصدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي . والمعيار هو كيف يمكن ضمان أمن واستقرار وازدهار وتفوق إسرائيل المطلق، وليس وجود أو عدم وجود الديموقراطية في المنطقة. فالديموقراطية ليست ولم تكن يوما شرطاً في تعامل أمريكا من الأنظمة الشمولية والحكام المستبدين كما رأينا في علاقاتها مع حكومات أوزبكستان وكازاخستان وباكستان وأل سعود وإيران الشاه ودكتاتوريي أمريكا اللاتينية وغيرهم.
النفط والطاقة:
لعب النفط في العراق والمنطقة دوراً أساسياً وجوهرياً في صياغة السياسة الأمريكية الشرق أوسطية بالرغم من إنكار الإدارة الأمريكية بوجود أطماع أمريكية في نفط العراق كذريعة لغزو هذا البلد بينما أشار المحلل السياسي الأمريكي جيفري ساش المناويء للغزو الأمريكي للعراق لوجود هذه الغاية المستترة من خلال رجل النفط في الإدارة الأمريكية نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. وهذا الأخير يعرف بحكم عمله واحتكاكه بأوساط البترول والشركات النفطية العالمية أن العراق يمثل 10% من الاحتياط النفطي العالمي المثبت وبالتالي يعتقد ديك تشيني أنه لا بد من أخذ هذا السلاح من يد صدام حسين بأي ثمن كان وبأسرع وقت ممكن بغية منعه من استخدامه يوما ما ضد أمريكا وحلفاؤها في المنطقة. والحال أن غالبية الأمريكيين يعرفون أن صدام حسين لم يكن قادراً على ابتزاز أحد نتيجة ضعفه من جراء العقوبات الاقتصادية والحظر المفروضين عليه منذ العام ،1990 من هنا كان الأمريكيون يحلمون بتواجد فعلي لقواتهم بالقرب من منابع البترول في العراق للتحكم بها على نحو مباشر، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية والكويت.وعندما استجوب بول ولفوفيتز لماذا تعامل الولايات المتحدة الأمريكية كوريا الشمالية على نحو مختلف عن معاملتها للعراق فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل ، التي لم يثبت وجودها في العراق بينما ثبت وجودها لدى كوريا الشمالي’؟ أجاب:" من السهل رؤية ذلك فمن الناحية الاقتصادية ليس لدينا أي اختيار آخر فالاختلاف الأهم بين كوريا الشمالية والعراق هو أن الثانية تطفو فوق بحيرة من النفط ". وفي نفس الوقت، وعلى المدى الأبعد، فإن السيطرة الأمريكية المباشرة على نفط الشرق الأوسط تعني في نهاية المطاف عرقلة أو منع وصول أوروبا والصين إلى مصادر الطاقة الحيوية لهما. وهو نفس الهدف الذي سعت أمريكا لتحقيقه من خلال الاتفاقيات التكبيلية بينها وبين أفغانستان المحتلة من قبلها ودولتين نفطيتين كانتا جزءاً من المنظومة السوفيتية السابقة وهما كازاخستان وأوزبكستان، ومشروع لإقامة قواعد أمريكية في طاجاكستان، بغية دعم الجهود والعمليات العسكرية الأمريكية في أفغاستان، ومد القوة الأمريكية إلى أوسع رقعة ممكنة في وسط وجنوب شرق آسيا خاصة المناطق الغنية بالنفط المشاطئة لبحر قزوين. فأمريكا ترى في الصين دائماً الخصم والمنافس الخطير لقوتها ونفوذها في هذه المنطقة رغم حجم التبادلات التجارية الهائل بين البلدين. فبسيطرتها على المنطقة الإستراتيجية النفطية في الشرق الأوسط تكون قد هيمنت على 25% من الاحتياطي النفطي العالمي وهي مصادر طاقة تعتمد عليها كليا كل من أوروبا والصين في نشاطاتهما الاقتصادية والتجارية والصناعية.
لقد تحول العراق إلى الهدف الأهم للولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي لدواعي إستراتيجية أيضاً، فأمريكا كانت تخطط من خلال الغزو للعراق إلى إعادة هيكلة الأوضاع السياسية والجغرافية للمنطقة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة والتي صيغت على نحو واضح وصريح في أيلول 2002 . فاحتلال العراق وتغيير نظامه كان الخطوة الأولى حسب صقور البيت الأبيض آنذاك، لإطاحة أنظمة ودول مارقة أخرى كسوريا وإيران وكوريا الشمالية وتقسيمها أو تفتيتها، وفرض أنظمة أخرى بديلة أكثر انصياعاً وخضوعاً لأمريكا من الأنظمة القائمة في عدد آخر من الدول، وتوجيه رسالة واضحة وصريحة للصين في عدم الخوض في غمار المنافسة لها في العراق ودول الشرق الأوسط الأخرى، بل ولا حتى التفكير في ذلك، لأنها اعتبرتها مناطق نفوذ محتكرة للولايات المتحدة الأمريكية، كان ذلك يعني للكثير من الأمريكيين إبقاء حالة الحرب الدائمة، أو التأهب الدائم لخوض حروب مستمرة حسب عقيدة بوش الإبن الإستراتيجية التي تتلخص بمنهجية التخويف والعدوانية والتهديد بالضربات الوقائية والاستباقية لكل من تسول له نفسه الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية أو معارضة مخططاتها الإستراتيجية.
3- أمريكا والعراق من الغزو الأمريكي إلى دولة الخلافة في العراق والشام:
كانت أول جريمة اقترفتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق إلى جانب جريمة الغزو والتدمير هي أنها لم تعد العدة ولم تفكر أو تخطط لما بعد الحرب. فعند دخول القوات الأمريكية إلى بغداد سنة 2003 تمركزت في نقاط إستراتيجية قليلة منها وزارة النفط، وتركت باقي مناطق العاصمة والمدن الأخرى مستباحة و مباحة للنهب والسرقة والفوضى ولعمليات سماها العراقيون بالحواسم حيث نهب العامة والرعاع والمجرمين المحترفين، المتاحف والمكتبات والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة، وهي حوادث كانت تحدث تحت أنظار القوات الأمريكية غير المبالية بحجة عدم تسلمهم تعليمات وأوامر لوقف هذا التدمير المعنوي والمادي والأخلاقي. وبعد ذلك بوقت قليل حدثت مأساة الفلوجة وفضيحة سجن أبو غريب. لم يتوقع الأمريكيون أنهم سيواجهون مجابهات مسلحة من قبل بعض العراقيين، خاصة من أعوان الرئيس المخلوع صدام حسين، وعند دخولهم لمدينة الفلوجة اصطدموا بوحدة عسكرية قوامها 1100 مقاتل مدربين بقيادة جنرال حرب سابق في جيش صدام حسين كانت في انتظارهم حيث أعدت لهم عدة كمائن وهجمات مفاجئة في شوارع وطرقات المدينة المتمردة مما اضطر القيادة العسكرية إلى تكثيف عملياتها العسكرية في الفلوجة حتى نهاية عام 2004 بغية اقتحامها وإسقاطها بعد جهد كبيرة وضحايا كثر من المدنيين والعسكريين. لقد أعطت أحداث الفلوجة المثال لحوالي 55 مدينة وقرية من مدن وقصبات ونواحي وأقضية العراق لا سيما في المنطقة الغربية لتعلن تمردها، وأغلبها كانت حواضن للبعث البائد ومناطق نفوذ موالية لنظام صدام حسين ، ويبدو أنه كان قد أعدها لتخوض حرب عصابات مدينية لإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية بين الأمريكيين والمدنيين العراقيين. لم يكن عدد القوات الأمريكية كافياً لإحكام السيطرة التامة على كافة أنحاء العراق المحتل. لقد وقع وزير الدفاع الأمريكي في خطأ حسابي قاتل عندما أساء تقدير الوسائل والإمكانيات العسكرية اللازمة وعدد الجنود الضروريين لاحتلال العراق، وكان قد قدر مع مستشاريه أن 115000 جندي كافين لإنجاز هذه المهمة وفرض النظام والهدوء في البلاد ولم يفكر بأية تعزيزات إضافية قد يحتاجها الجيش الأمريكي المحتل. الحماقة الأخرى التي ارتكبتها إدارة جورج دبليو بوش هي تعيين حاكم مدني هو بول بريمر لم يكن يتمتع بأي ذكاء أو موهبة قيادية تحسب له وكان يتصرف كصدام حسين صغير تجاه العراقيين وزعماءهم السياسيين الذين كان يعاملهم بنوع من الاحتقار والفوقية. وقام بلا أية دراسة أو تخطيط بحل الجيش العراقي النظامي وتسريح مئات الآلاف من العسكريين من مختلف الرتب العسكرية الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها عاطلين عن العمل وبلا أية موارد مالية للعيش حيث تجاوزت أعدادهم ربع مليون عسكري مع عوائلهم ومعهم أسلحتهم فما كان من عصابات صدام إلا أن احتوتهم ومولتهم بأموال صدام المهربة التي نهبها من البنك المركزي ليحولهم إلى خلايا نائمة رهن إشارته في أي وقت. أما أخطر ما قامت به أمريكا بعد احتلالها للعراق فهو فرض نظام المحاصصة وصيغة المكونات، أية لبننة العراق، التي على إثرها شعر المكون السني من الشعب العراقي أنه أقصي وسلبت منه السلطة لصالح المكونين الشيعي و الكردي. وبدلا من أسلوب المصالحة والتهدئة والتطمين لدول الجوار العراقي لوحت الولايات المتحدة الأمريكية بالتهديد العسكري فما كان من إيران وسورية الحليفتين إلا أن يفعلا ما بوسعهما لتقويض المشروع الأمريكي في العراق وتحويل أرض العراق إلى كابوس للأمريكيين من خلال تدريب وتهريب وتسريب وتسليح المسلحين والإرهابيين الذين كانوا يسمونهم بالمجاهدين وعناصر المقاومة، خاصة الإسلامويين والتكفيريين منهم من أتباع القاعدة ليحرقوا الأخضر واليابس في العراق بعملياتهم الإجرامية الإرهابية ضد المدنيين العزل وليس ضد القوات الأمريكية المحصنة والمحمية. ثم حاولت واشنطن اتباع منهج التسقيط وشراء الذمم وإفساد الزعماء السياسيين والنخبة وزعماء العشائر وقادة الميليشيات الخ مما أدى إلى ضياع هيبة الدولة وسطوتها وفقدانها للاحترام والطاعة فلم يعد أحد يخاف من شيء إسمه السلطة أو يهاب الحكومة الانتقالية. لا سيما وإن هذه الأخيرة لم تنجح في توفير الحد الأدنى للمواطن ألا وهو الأمن والعمل ولقمة العيش والنقل والعناية الصحية والتربية والتعليم السليمين، والأحقر من كل ذلك أنها حرمته من الكهرباء لسنوات مما شل الحياة الاقتصادية برمتها وزادت من معاناة المواطن خاصة في حر الصيف الحارق لسنوات عديدة.
أما أخطر ما فكرت به واشنطن أثناء وجودها العسكري في العراق فهو تحويل العراق إلى ساحة حرب على الإرهاب الدولي وجذب كافة الإرهابيين من جميع مناطق العالم إلى العراق للانقضاض عليهم مرة واحدة والى الأبد، كما كانوا يروجون، بيد أنهم حققوا الجزء الأول من المعادلة وفشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق الشطر الثاني وهكذا أبتلي العراق بجحافل تعد بالآلاف من المقاتلين التكفيريين المتمرسين بقتال المدن والعمليات الإرهابية ضد المدنيين، والذين تزايدت أعدادهم أكثر فأكثر منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عسكرياً. وبذلك يمكننا القول أن تنظيم داعش الإرهابي هو الابن الشرعي للمخطط الأميركي المحبوك منذ العام 2003 والقاضي بتفتيت المجتمعات وتقسيمها على أساس ديني وعرقي وطائفي وتجزيء دول المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة ومتقاتلة وتفكيك الجيوش باستثناء إسرائيل بالطبع التي يجب أن تبقى هي القوى والأفضل والأكثر أماناً واستقرارا وازدهاراً.
سبق للمستشرق البريطاني برنارد لويس أن أعرب عن أسفه لقيام بريطانياً بتأسيس دول لشعوب متخلفة ومتأخرة وغير ناضجة في منطقة الشرق الأوسط لأنها ستبقى تعيش في الماضي لقرون قادمة. ولقد أكد ذلك في تقرير قدمه لوزارة الدفاع الأمريكية سنة 1977 عن آفاق ومستقبل تطور العالمين العربي والإسلامي ونصح بالإسراع في احتلال منابع النفط .
لم تفكر أمريكا بصدق أن تؤسس ديموقراطية حقيقية في العراق بعد احتلاله على غرار ما فعلته في ألمانيا واليابان . ولم تسهم مساهمة فعالة وحقيقية في إعادة ترميم وإعمار البنية التحتية العراقية ولا تأمين وتطوير وتحديث قطاع الخدمات كالكهرباء والماء الصالح للشرب والطرق ووسائل النقل. كل ما تمكنت من تنفيذه فعلياً هو إخراج العراق من معادلة الصراع الشرق أوسطي ضد إسرائيل وجعله دولة فاشلة غير قادرة على الاعتماد على نفسها وتحتاج الآخرين في كل شيء تقريباً. وأخيراً توفير الظروف الموضوعية والنفسية والميدانية لكي يقبل المواطن العراقي فكرة التقسيم التي سبق أن أعدها نائب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن أي تفتيت العراق إلى ثلاث كيانات متصارعة شيعية وسنية وكردية.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات العسكرية الأمريكية في العراق لم تكن تعتقد وتؤمن في سنوات 2008 و 2009 بقدرة الجيش العراقي الوليد والكسيح في أن يؤدي مهمته لوحده في تأمين سيادة البلد والدفاع عن حدوده وبسط نفوذ الحكومة المركزية الاتحادية، وكانت تعلم أن هذا الجيش الوليد يحتاج لعقد آخر إضافي من الزمن للقيام بواجباته شرط توفير التدريب والتأهيل والتسليح اللازم له وهو الأمر الذي لم تنجزه سلطة الاحتلال ولن تقوم به في المستقبل المنظور تحت حجج وذرائع واهية. هذا مانوه إليه المستشار السياسي للبنتاغون ريك برينان عندما أشار إلى افتقاد العراق للغطاء الجوي وللدفاعات الجوية والرادارات الضرورية لحماية أجوائه وسماءه ولحماية نفسه من أية اعتداءات أو هجمات جوية معادية. أما الخبير العسكري ميكائيل باربيرو فقد فكان قد تنبأ بما حدث مؤخرا في الموصل عندما قال قبل سنوات:" إذا تعرض الجيش العراقي الحالي لأي هجوم فإنه سيفر تاركاً وراءه معدات وأجهزة وأسلحة بملايين الدولارات فهو لا يصلح إلا لنصب نقاط سيطرة وتفتيش غير فعالة وروتينية ولن يكون قادراً على صد أي هجوم عسكري أو إرهابي مبني على معلومات إستخباراتية دقيقة وعلم مسبق بمخططات المجموعات الإرهابية المهاجمة وهي أمور ضرورية لمواجهة هجمات الجهاديين.
يمكننا القول أن الجيش العراقي في غالبيته العظمى عبارة عن أعدادا هائلة بلا عتاد ولا تأهيل كافي ويعاني من نقص حاد في عدد القوات الخاصة المؤهلة والأسلحة الحديثة الفعالة والغطاء الجوي الكافي والمتطور والحديث وهو غير قادر على ضبط الحدود ولاحتى المنشئات الحيوية للبلاد في الوقت الحاضر. الى جانب انتشار ظاهرة التسيب والغيابات والفساد لدى كبار الضباط وغياب الاستعدادات اللوجستيكية ومرونة الحركة والتنقل بسرعة، فهو يعتمد على المدنيين في تجهيزه بما يلزمه من عدة وغذاء وماء ومؤونة، والحال أن المدنيين لا يتحركون بنفس السرعة والفعالية والكفاءة وبنفس الدوافع التي لدى العسكريين العاملين خلف الخطوط. فالقطعات والوحدات المتواجدة على خطوط التماس، والتي تتلقى الضربات، باتت متعبة بل منهكة جداً ومصابة بالارهاق وهبوط المعنويات وهذا ما ظهر في معارك الانبار في الفلوجة والرمادي وتجلى بوضوح أكبر في أحداث الموصل وتكريت وديالى وكركوك الأخيرة حيث حقق بضعة أنفار من مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش وبدعم وتنسيق ومساعدة من عسكريين سابقين في الجيش العراقي من أنصار صدام حسين وأبناء العشائر المتمردة على السلطة المركزية، انتصارات ميدانية مدهشة وسيطروا على أراضي واسعة في شمال وغرب العراق سيصعب إزاحتهم عنها كما يقول الخبير العسكري الكولونيل غويا. ويعتقد العقيد غويا أن هذا التشخيص ينطبق أيضاً على قوات البيشمركة الكردية رغم تمرسها في القتال وامتلاكها لعقيدة قتالية نابعة من شعورها بالانتماء القومي ودفاعها عن قوميتها الكردية فجل ما تستطيع تحقيقه هو تحرير مدينة أو منطقة محدودة جغرافياً. وبالتالي فإن فرض السيطرة والأمن كلياً على الأراضي التي استولت عليها داعش لم يكن بمستطاع بغداد تحقيقه قبل إعلان النفير العام وفتح الباب أمام المتطوعين إثر فتوى السيد السيستاني بحيث أصبح العدد كبيرا لكنه ليس مزوداً بما يلزم لتأمين سيطرة كاملة ودائمة. فداعش يمكنها أن تلجأ إلى أسلوب الكر والفر وإنهاك وحدات الجيش المتمركزة في مواقع ثابتة . فالجيش العراقي بحاجة إلى عمليات استخباراتية دقيقة ودعم لوجستي وتخطيط ميداني وتنسيق عسكري عالي الدقة وغطاء جوي وأسلحة ثقيلة وخفيفة وصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى وطائرات هليكوبتر قتالية خاصة في الليل، فحتى الأمريكيين الذين زجوا بثلث قواتهم البرية ميدانياً لم ينجحوا في تأمين كافة الأراضي العراقية.
في هشية الغزو الأمريكي للعراق إنقسمت الأوساط السياسية والنخبة الثقافية الفرنسية إلى معسكرين، صديق وعدو لأمريكا بخصوص الموقف من العراق منذ الحرب سنة 2003 إلى اليوم ، ولقد جرت معارك كلامية وإعلامية بين المعسكرين بين مؤيد ومندد للمشروع الأمريكي في العراق إلا أن قلة قليلة منهم انتبهت الى أن مجموعة بوش في أمريكا والصقور في اليمين المسيحي الصهيوني الجديد لم تفكر في ما قد سيحصل بعد الحرب وكان هناك غياب تام للمشروع السياسي المتكامل لإدارة دولة مهمة ومعقدة كالعراق بعد وقف العمليات الحربية، وهو الأمر الذي قاد إلى ما نحن عليه اليوم من ضياع وتشرذم وانهيار، وبالتالي قاد جورج بوش، الذي لا يعرف من العالم والتاريخ شيئاً، بلده والعراق إلى كارثة حتمية. امتدت على طول عقد كامل ولا تزال تداعياتها الكارثية متتالية ومستمرة إلى يوم الناس هذا.
ففي عام 2014 لا يسعنا إلا أن نترجم تقدم داعش واختراقها السهل للخاصرة الغربية والشمالية للعراق على أنه نتيجة طبيعية للثغرات القاتلة التي تركها الأمريكيون في جسد الدولة العراقية المنهكة التي تركوها تحتضر وتغرق في مشاكلها وتناقضاتها الداخلية. فلو قيض لداعش دخول بغداد واقترابها من الأماكن المقدسة الشيعية في الكاظمية وسامراء والنجف وكربلاء وغيرها من الأماكن فإن ذلك سيكون بمثابة نقطة الانطلاق لحرب أهلية أهلية وطائفية مدمرة ودموية ستلتهم الأخضر واليابس وستحرق المنطقة برمتها نظراً لارتباطها بإيران وسوريا ولبنان والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة والجزء الشرقي الغني بالنفط من السعودية حيث يتواجد أبناء الشيعة الذين سيثورون للثأر والانتقام لما سيمس مقدساتهم وقبور أئمتهم المقدسين من دنس على يد التكفيريين الدواعش المحسوبين على أهل السنة والجماعة مما يعني أن الشرق الأوسط بكامله سيشتعل وسيترتب على ذلك أزمة طاقة مهولة وأزمة اقتصادية عالمية مدمرة ستنعكس سلباً على الجميع وعلى الأمن والاستقرار الدوليين.
تكتيك وإستراتيجية دولة الخلافة الداعشية:
يقول الخبير العسكري الفرنسي جون لوي دو فور أن لهجوم الجهاديين التكفيريين من مقاتلي داعش على العراق سيكون له انعكاسات مهولة حتى لو كان من الصعب التكهن بتداعياتها في الوقت الحاضر. فمستقبل الدولة العراقية التي أسسها المستعمر البريطاني سنة 1918 بات مهدداً بفعل التطورات العسكرية والميدانية التي تدور اليوم على أرض العراق. وأقل ما يمكن أن يحصل له من مآسي هو التقسيم إلى ثلاث دويلات: دولة كردستان المستقلة في الشمال ، والتي ستكون طعماً شهياً لأطماع تركية وإيرانية وربما سورية أيضاً، ناهيك عن صراعات داخلية كردية – كردية بين مختلف القوى المسلحة المتنافسة فيها على السلطة والنفوذ والمال والمناصب. وكيان شيعي في الوسط والجنوب، ستحاول إيران بطريقة أو بأخرى ، على نحو مباشر أو غير مباشر ضمه أو ابتلاعه. وفي الغرب وجزء من الوسط العراقي سيكون هناك كيان سني يمكن أن نسميه جهادستان تهيمن عليه داعش والقوى العشائرية المسلحة وبقايا البعث الصدامي سيكون غارقاً هو الآخر في حرب نفوذ دامية أيضاً للسيطرة عليه والاستفراد بحكمه. وستكون هناك حروب دائمة بين هذه الكيانات العراقية الثلاث، لأسباب ودوافع عديدة منها المال والحدود وغيرها، تحت صبغة الصراع بين العرب والكرد والفرس الذي يعود إلى آلاف السنين، وبين السنة والشيعة، ومن المحتمل أن تنزلق إليها كل دول الشرق الأوسط ومن خلفها من القوى العالمية، وستكون هناك محاولات ومغامرات محمومة للسيطرة على منابع النفط والثروات الطبيعية الأخرى. وستعمل الدول العظمى حتماً ما في وسعها للدفاع عن مصالحها الحيوية. إلا إذا اتفق الجميع على تحديد العدو المشترك لها جميعاً والمتمثل بدولة الخلافة الإسلامية، الافتراضية في الوقت الحاضر لأنها كلام على الورق فقط حالياً عدا بضعة مدن وقرى وقصبات متبعثرة هنا وهناك بين سوريا والعراق.
إن هذا السيناريو الكارثي ليس غائباً عن أذهان استراتيجيي البيت الأبيض والكرملين ، وباريس ولندن وبرلين وبكين وطوكيو، وهم متفقون إنه لابد من دعم ومساعدة الجيش العراقي، بغض النظر عن الخلافات والمشاكل السياسية المتأججة في العراق، لدحر داعش بالتعاون والتنسيق مع الجيش السوري الذي يقاتلها داخل الأراضي السوري وخاصة في مناطق الحدود بين البلدين. لقد نجحت داعش في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية وخاصة على الصعيد الإعلامي والحرب النفسية، لكنها لم تحقق أية أهداف إستراتيجية بعد. ولولا تواطؤ وتعاون واحتضان بعض القوى المحلية العشائرية وضباط سابقين في الجيش الصدامي وتجاهل كردي متعمد ، لما تمكنت داعش من تحقيق هذا الاختراق السريع واحتلال ثالث كبرى مدن العراق حيث كانوا يتواجدون في داخلها على شكل خلايا وتشكيلات مسلحة تتمتع بالنفوذ وتمارس الابتزاز وتجمع الخاوات وتتحدى سلطة القوى الأمنية والعسكرية العراقية التي ينخرها الفساد ، وهي إذن متواجدة في المدينة منذ زمن بعيد ومعدة لمثل هذه الظروف وكان التخطيط يجري في عواصم عربية مجاورة للعراق، في الرياض وعمان وإسطنبول، لاستغلال حدوث انهيار متوقع ومنتظر، في الجيش السوري إذا ما تعرض لضربة أمريكية – إسرائيلية مشتركة، للتحرك في نفس الوقت لاحتلال أكبر قدر ممكن من المدن العراقية ومحاولة نسف العملية السياسية الجارية في العراق وتقويضها، وفرض الأمر الواقع وإعادة المكون السني للحكم بقوة النار والسلاح وبدعم إقليمي سني مكثف لإخضاع الشيعة والتساهل مع الأكراد في إقليمهم شبه المستقل، إن لم نقل منحهم حق الانفصال. هذا هو السيناريو الاستراتيجي لداعش الذي لم تتمكن من إنجازه كلياً. قوات داعش لاتثبت في مكان فهي تتحرك باستمرار وتتنقل ، والمقاتل ليس عنده سوى الصلاة والقتال والطاعة العمياء للأمير الذي بايعه ولا يعرف شيئاً عن تسلسل ومراتبية القيادات ومراكز القرار العليا في التنظيم ونظام القيادة فيه ولا عمليات التخطيط والأهداف الاستراتيجية التي تنوي داعش تحقيقها. ولذلك تفضل داعش استقدام متطوعين أجانب بدون ارتباطات عائلية ولا صداقات ولايتمسكون بشيء سوى الجهاد والرغبة في الاستشهاد حسب اعتقادهم. وهذا لايمنحهم مرونة عملياتية بالضرورة أو قدرة على مواجهة الهجمات الصاروخية والغارات الجوية.
هم يستغلون مناطق الضعف والثغرات في تحصينات الجيش النظامي العراقي خاصة تلك التي يعاني فيها الجنود من انخفاض أو هبوط المعنويات والخوف من الموت والتعذيب والتمثيل بجثثهم، ليهاجمونها بأسلوب الكر والفر والتقدم والانسحاب ويحدثون أكبر قدر من الصدى والفوضى الإعلامية وممارسة أقسى أنواع البطش والعنف والقسوة لتخويف أعدائهم. ويختارون المناطق التي يوجد لديهم فيها حاضنة اجتماعية أو تأييد سكاني متذمر من السلطة المركزية وهم في غالبيتهم من المكون السني .
كانت الخطوة التالية لداعش بعد احتلال الموصل وتكريت والفلوجة وأجزاء من ديالى واقترابهم من سامراء، هي تطويق العاصمة بغداد من عدة جهات تمهيدا لدخولها وبث الرعب بين سكانها وقتل قادتها وزعمائها السياسيين والعسكريين، والاستعانة بالخلايا الإرهابية النائمة في العاصمة، والتي كانت مهمتها سابقاً تقتصر على الاغتيالات و تنفيذ التفجيرات والعمليات الانتحارية بالسيارات المفخخة، وهذا ما انتبه إليه بوضوح المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني مما دفعه لإعلان الجهاد الكفائي ودعوة كل من يستطيع حمل السلاح للتطوع دفاعاً عن الأماكن المقدسة وعن الشيعة ضد الهجمة التكفيرية الداعشية. لكن داعش أعادت حساباتها ودرست المخاطر التي ستتعرض لها وما يمكنها أن تحققه ميدانياً والخسائر التي ستتكبدها فقررت كأي لاعب جيوستراتيجي أن تعيد النظر في هذه الخطوة وتتوقف عند حدود المناطق التي احتلتها لتعلن دولة الخلافة بانتظار وصول التعزيزات العربية والأجنبية السنية من العالم الإسلامي المترامي الأطراف، كالباكستان والشيشان وأفغانستان والخليج واليمن وغيرها فيما بعد..
لاننسى أن داعش تواجه عسكريا جبهة النصرة في سوريا، وهي الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي بقيادة أيمن الظواهري الذي خلف أسامة بن لادن بعد مصرع هذا الخير على يد القوات الأمريكية، وكتائب الجيش الحر المنشقة عن الجيش النظامي السوري، وسرايا الجبهة الإسلامية، والميليشيات الكردية السورية إلى جانب قوات النظام السوري وقوات حزب الله في سوريا التي تتلقى مساعدات مهمة من إيران، لذلك فإن هجومها في العراق سيبقى محدوداً نظرا لمحدودية إمكانياتها وأعدادها، لكنها كانت مستعدة لاقتناص الفرصة التي هيئتها لها بعض العناصر البعثية والعشائرية المتمردة على حكومة السيد نوري المالكي في الأنبار والموصل لتخطو هذه الخطوة الجريئة.
كان الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 وتفجر أحداث الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، قد اضعف أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة وهما القوة العسكرية النظامية السورية والقوة العسكرية النظامية العراقية التي حلتها قوات الاحتلال واستبدلتها بتشكيلات عسكرية ضعيفة وغير مدربة ولا مسلحة كما ينبغي، فاستغلت العناصر الجهادية التكفيرية من أمثال داعش والقاعدة هذه الظروف لتتسلل إلى النسيج المجتمعي للدولتين واختراق المنظمة الأمنية والعسكرية المتهاوية في البلدين.
كان بروز إيران كواجهة متقدمة للمكون الشيعي داخل العالم الإسلامي قد هيأ الأجواء للمزيد من التحشيد والتعبئة والشحن الطائفي السني بالمقابل لتجنيد مقاتلين وميليشيات سنية جهادية داخل العالم الإسلامي وداخل الأقليات الإسلامية المتواجدة في المهاجر والمنتشرة في جميع أحاء العالم تقريباً خاصة في العالم الغربي. وبالرغم من الدعم المالي والتأييد السياسي والتسليحي من قبل جهات عديدة من بينها السعودية وقطر وتركيا، كان على داعش ومثيلاتها أن تواجه قوتين كبيرتين هما الجيش السوري والجيش العراقي رغم مايعانيه الجيشان من خلل وضعف في التسليح والتدريب والتعداد. لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في ديسمبر 2011 . إن الصراع المتأزم بين بعض الجهات من المكون السني والحكومة العراقية قد فتح الطريق لتسلل الإرهابيين الداعشيين والذي سيدفع بإيران إلى تكثيف جهودها لمواجهة هذا الموقف الجديد في العراق وسوريا في آن واحد والتركيز على حماية المقدسات الشيعية التي تهددها داعش التكفيرية بالهدم والتدنيس. من المؤكد أن داعش ستعمل على تعزيز وتكريس سلطاتها في المناطق التي احتلتها في سوريا والعراق والتي أعلنت فيها دولة الخلافة الإسلامية مؤخراً. وهي تعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة وغير مستعدة لإرسال قواتها إلى هناك لإخراجها منها ولا تواجه سوى منغصات الضربات والغارات الجوية وبعض العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الخاصة في كلا الجيشين العراقي والسوري والتي يمكن لداعش تحملها وصدها بطريقة أو بأخرى وهي غير كافية لإجلائها من مناطق نفوذها الحالية التي تهيمن عليها بوسائل الرعب والترهيب والإكراه والبطش والتنكيل وبأعلى درجات العنف والقسوة . لقد اختارت داعش هذه المنطقة للبقاء وإعلان دولة الخلافة لأنها تعرف أن السلطة السورية والسلطة العراقية والسلطة الكردية في كردستان العراق لايمكنها فرض قوانينها وحكمها في منطقة سنية متمردة عليهم و لا ترغب بحكمهم لشعورها بالتهميش، فهم يفضلون داعش على المالكي وبشار الأسد ومسعود برزاني، كما ورد على لسنان العديد من زعمائهم . ومن المؤكد أن داعش تنتظر الفرصة المواتية لشن هجمات قاتلة ونهائية على كل من دمشق وبغداد إن آجلاً أم عاجلاً، ويتم ذلك على مرآى ومسمع الولايات المتحدة الأمريكية التي تتردد حتى في تنفيذ ضربات جوية بطائرات بدون طيار ضد داعش وقادتها المتغطرسين الذين يهددون الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي والمحلي.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ومضات من وراء الحدود
- رحلة في أعماق الكون المرئي من المنبع إلى المصب
- مقابلة مع د. إسماعيل قمندار
- الحياة ظاهرة كونية وليست أرضية فقط ؟
- الشرق الأوسط في إعصار لعبة الأمم
- حكايات الكوانتا الغرائبية
- الموجود والمفقود في الكون المرئي
- التشققات الكونية
- مفردات الكون المرئي الجوهرية: الصدفة أم الضرورة، الشواش والع ...
- التشيع والدولة: رجال الدين أمام اختبار الحداثة
- دردشة في باريس بين جواد بشارة و الباحث الفرنسي المتخصص بالإس ...
- المليشيات المتشددة في سوريا: الدروس العراقية والليبية
- قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام ر ...
- المحطات الخفية في رحلة الكون المرئي
- الجولة ما قبل الأخيرة لمباراة العلم ضد الدين:
- حرب المخابرات سترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد
- لبشر وكائنات السماء الأخرى في الكون المرئي : معضلة الاعتراف ...
- مهمة التلسكوب الفضائي بلانك تلقي ضوءاً جديداً على صيرورة الو ...
- برهان شاوي بعيون باريسية
- رؤية بانورامية موجزة لتطور النظريات الكونية من بداية القرن ا ...


المزيد.....




- طائرة شحن من طراز بوينغ تهبط بدون عجلات أمامية في اسطنبول.. ...
- يساهم في الأمن الغذائي.. لماذا أنشأت السعودية وحدة مختصة للا ...
- الإمارات تعلن وفاة الشيخ هزاع بن سلطان آل نهيان
- داخلية العراق توضح سبب قتل أب لعائلته بالكامل 12 فردا ثم انت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن بدء عملية في حي الزيتون وسط غزة (فيديو ...
- روبرت كينيدي: دودة طفيلية أكلت جزءا من دماغي
- وفاة شيخ إماراتي من آل نهيان
- انطلاق العرض العسكري.. روسيا تحيي الذكرى الـ79 للنصر على الن ...
- إسرائيل تستهدف أحد الأبنية في ريف دمشق الليلة الماضية
- السلطات السعودية تعلن عقوبة من يضبط دون تصريح للحج


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟