التدويل كخاصية من خصائص الرأسمالية

محمد البلطي

الحوار المتمدن-العدد: 4463 - 2014 / 5 / 25 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هناك واقعة اساسية يعمل وحوش الربح على طمسها لمنع وحدة عبيدهم على قاعدتها لان في ذلك مقتلهم هي اتجاه راس المال نحو التدويل منذ تشكله كعلاقات انتاج اجتماعية .فما هو التدويل؟

نقصد بالتدويل بشكل بسيط التوسع العالمي لعلاقات الانتاجالرأسمالية انطلاقا من مراكز نشوؤها و تعمق ذلك التوسع بحيث يشمل أهم الأجزاءالمكونة للكوكب.و يعني ذلك أن العمليات الأساسية للانتاج و اعادة الانتاج والتراكم و تنظيم العمل و التسويق و التوزيع صارت تتم على الصعيد الدولي (117).وتدويل الانتاج هو الأساس الموضوعي لتدويل رأس المال(118).ان التدويل بصفة عامةيشير الى أن دورة الانتاج و اعادة الانتاج صارت تجري على صعيد دولي و ليس علىالصعيد القومي و انها صارت تنتقل باطراد من المستوى القومي الى الصعيد الدولي (119).وبالنسبة لــ "نيكوس بولانتزاس"تتمثل ملامح التدويل في :

-أ- نمو قواعد استغلال الرأسمال الخاص أو تجمع عدة رؤوسأموال في عدة أوطان أي اتساع المكان الذي يقوم فيه رأس المال كعلاقة اجتماعية.

-ب- نزعة رؤوس أموال مصدرها عدة بلدان مختلفة الى الاجتماعفي ظل ملكية اقتصادية وحيدة. ويلاحظ "بولانتزاس" " أن حالات رؤوسالأموال التي لا تملك قاعدة مهيمنة كعلاقات اجتماعية في بلد معين نادرة جدا"(120).

أما "شارل بتلهايم" فيلخص المسألة بقوله أن نمطالانتاج الرأسمالي محكوم باتجاهين لاعادة الانتاج. واحد على مستوى قومي و الآخرعلى مستوى عالمي و هذا الأخير ينحو باتجاه تفجير الأول .و هو ما يسمى باتجاه تدويلنمط النتاج الرأسمالي(121).و هو تقريبا نفس ما يذهب اليه "بولانتزاس" اذأن نمط النتاج الرأسمالي يتصف بالنسبة له في اعادة انتاجه الموسع بنزعةمزدوجة.اعادة انتاجه داخل تشكيلة اجتماعية يرسخ فيها قدمه و اقامة هيمنته و توسعهخارج هذه التشكلية. ويعمل شكلا هذه النزعة في وقت واحد. و هذه النزعة الموزدوجة تسمنمط النتاج الرأسمالي منذ بدايته لكنها تتخذ أهمية خاصة في مرحلة الامبريالية(122).وفي نفس الاطار يقول لنا فؤاد مورسي ان الرأسمالية كانت دائما تسعى لادماج العالمفي سوق رأسمالية عالمية واحدة(123).و هو ما يجعل توسيع السوق يشكل القانون المطلقلنمو الراسمالية(124

لقد كان الراسماية دائا نظاما عالميا مثلما يذهب الى ذلكسمير أمين (125).و هو يلتقي في ذلك مع "روزا لوكسمبورغ" التي تعتبر أنتوسع السوق و امتدادها عل الصعيد العالمي هما من طبيعة نمو الرأسمالية(126). ويجدذلك التوسع أساسه في التناقض الدائم بين الطاقة على الانتاج و الطاقة علىالاستهلاك الذي هو انعكاس للتناقض الجوهري لنمط الانتاج الرأسمالي يصار الى تجاوزهعن طريق تعميق السوق في الداخل و انتشارها في الخارج حسب سمير امين(127).لذلك يرى"ايمانويل فالرشتاين" أن الرأسمالية كانت منذ بدايتها مسألة اقتصادعالمي و ليست مسألة دولة-أمة.فرأس المال لم يسمح أبدا أن تكون تطلعاته محددةبواسطة الحدود القومية(128

اذا كان ذلك هو شأن الراسمالية "دائما" متى بدأذلك المسار بالفعل؟

يكمننا توزيعالاجابات على السؤال السابق بين حدين.الأول هو القرن 15 أما الثاني فهو النصفالأول من القرن العشرين.

في علاقة بالحد الأول يقول لنا سمير أمين أن مسيرة التدويلالكونية قد بدأت منذ خمسة قرون باكتشاف أمريكا(129).و هو نفسه يستشهدب"أوليفيي كوكوس" الذي يرد تكون السوق العالمية الى القرن 16(130).هذاالتاريخ يحصل بصدده اجماع بين كل من سمير أمين و "امانويل فالرشتاين" و"جيوفاني أريقي"و "أندريه غندر فرانك".و موضع ذلك الاجماع هو" وجود شيء يمكن أن نطلق عليه اسم اقتصاد رأسمالي عالمي منذ القرن السادسعشر"(131)و يؤكد "فالرشتاين" بشكل لا لبس فيه أن "الاقتصادالعالمي قائم منذ ما لا يقل عن خمسمئة عام"(132).هذا التحديد يوافق عليه"مالكولم ويترز"(133) معتبرا عمل "فالرشتاين" أهم عملسوسيولوجي نظر الى العالم كنسق اقتصادي واحد.فوحدة التحليل الأولى بالنسبة له هيالنسق-العالمي الذي بدأ يتشكل منذ القرن 16(134).و قد تشكل ذلك النسق الاقتصاديالعالمي الواحد بالنسبة لـ " ويترز" بين 1600 و 1870 و هو تقريبا نفس مايذهب اليه "أنطوني قيدنز" (135).و بالنسبة لـ "هارلد نويبرت"" في النصف الثاني من القرن الثامن عشر و عندما لم تكن العملية الاستعماريةقد أشرفت بعد على الانتهاء و لكنها دخلت مرحلة جديدة(اكتسب) النظام الاستعماريالرأسمالي شكله الشمولي العالمي "(136).و في "نهاية القرن الثامن عشركان لكل من اسبانيا و البرتغال و المقاطعات المتحدة و فرنسا و بريطانيا العظمىامبراطوريات شاسعة وراء البحار و شبكات تجارة عالمية" حسب "شارلزتلي"(137). و بصفة عامة و مثلما يذهب الى ذلك رضا قويعة(138) كان يجب انتظارالقرن 18 حتى يأخذ النظام الرأسمالي شكله الأكثر اكتمالا.اذ أن شراسته و هيمنته لمتبقيا داخليتين بل انتشرتا في العالم كله.وفي علاقة بأنقلترا و مستشهدا ب "بستيا" الذي يقول في علاقة بالقرنين 18و 19 أن أنقلترا قد فتحت كل مونئها ,لقد كان لها 50 مستعمرةو لم يعد لها الا واحدة: هي العالم.

و يعتبر القرن 19و النصف الأول من القرن العشرين مرحلة اكتمال التوسع العالمي للرأسمالية.فقد" كان القرن التاسع عشر هو أوان تعميق التكامل و التوسع الذي لم يسبق له نظيرللتجارة و التدفقات الاستثمارية و هجرة الناس .و قد تم توفير وجه من وجوه الادارةالعاليمة من خلال ممارسة السيطرة عن طريق الامبراطوريات و لاسيما الامبراطوريةالبريطانية (139).و هو مايؤكد علية فؤاد مرسي حيث انطلقت الرأسمالية بالنسبة لهتجوب العالم كله منذ القرن التاسع عشر بفضل ثورتين .ثورة الصناعة وثورة و المواصلات(140). وفي علاقة بالقرن التاسع عشر ذاته يعتبر "جيوفاني أريقي" أناتجاهات و أحداث الفترة 1848-1896 تتوافق مع توقعات البيان الشيوعي .فانتشارممارسة التجارة الحرة و ثورة الواصلات التي انطلقت طول العشرين عاما أو ربع القرنالى ثلث 1848 جعلت رأسملية السوق حقيقة عالمية أكثر من أي وقت مضى.فقد اشتدتالمنافسة على السوق العاليمة وتوسعت الصناعة بسرعة طوال معظم نصف القرناللاحق"(141).أما بالنسبة لـ"توقعات" البيان الشيوعي "لقد انتجت الصناعة الكبيرة السوقالعالمية...و أعطت السوق العاليمة هذه التجارة و الملاحة و الاتصالات بين البلدانتطورا هائلا لا يمكن تقديره و هو ما عاد تأثيره على توسع الصناعة التي أدت بدورها بالقدرنفسه الى توسع التجارة و الملاحة و السكك الحديدية. كما أن البورجوازية توسعتبالدرجة ذاتها...و أدخلت البورجوازية عبر استغلالها للسوق الدولية كلا من الانتاجو الاستهلاك في كافة بلدان العالم في اطار السياسة العاليمة , أي أنها قامت...بنسفالأسس الوطنية للصناعة" (142).لكن و في الواقع و حسب سمير أمين لا يمكنالحديث عن نظام رأسمالي عالمي قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر .أي في حدود انفتاحالصين عن طريق حرب الأفيون(1840).و انفتاح الامبراطورية العثمانية في نفس التاريختقريبا و السيطرة على الهند بعد سحق انتفاضة السيباي(1837)و بعد غزو افريقيا جنوبالصحراء (بعد مؤتمر برلين 1875).فهذه كلها جعلت الكرة الأرضية حقلا لفعل قانونالقيمة المعولمة .لذلك يعتبر سمير أمين أن تكون السوق العاليمة و الصراع من أجلالحصول على المواد الأولية و المنافسة من أجل الاحتكار الاستعماري كلها حصلت قبلالربع الأخير من القرن 19(143).فقد تم غزو العالم بين 1880و 1900(144)و تحولتالسوق الى سوق عالمية (145).لذلك عندما تحولت الرأسمالية في نهاية القرن التاسععشر الى رأسمالية احتكارية تجمع بين الصناعة و المال أصبح لتصدير رأس المالالأولوية على تصدير السلع و أدمج حسب فؤاد مرسي اقتصاد المستعمرات و أشباهالمستعمرات. و هو الوضع الذي صارت اليه بلدان آسيا و افريقيا و أمريكا اللاتينية ,التي تخصصت في الخامات,أدمج بالكامل في الاقتصاد الرأسمالي العالمي(146).فـ"هستيريا التنافس حول المستعمرات التي استبدت بالدول الرأسماليةالأقوى...أفضت كما هو معروف في مغيب القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين الىاقتسام العالم و لأول مرة في التاريخ بين أقطاب النظام الرأسمالي العالمي" وذلك حسب الهادي التيمومي (147

لقد اندمجتالخصائص الأساسية للنظام الرأسمالي العالمي بالنسبة لـ " بركلوت" بين1870 و 1914 و ذلك من خلال ثلاثة مجالات.يتمثل الأول في نمو شبكات النقل والاتصالات التي ربطت فيما بينها مختلف أجزاء العالم و خاصة من خلال السكة الحديدةو السفن و التلغراف.أما المجال الثاني الذي وحد العالم فيتمثل في النمو السريعللتجارة مع ما يرافقه من تبعية و خاصة بين البلدان الصناعية الغربية و باقيالعالم.و يتمثل المجال الثالث في تدفقات كبيرة لرأس المال خاصة في شكل استثماراتمباشرة عن طريق الشركات الآوروبية في المناطق غير المصنعة(148).هذا المجال الثالثهو الذي يؤكد عليه رضا قويعة .اذ يعيد تدويل رأس المال المالي الي نهاية القرن 19 و بداية القرن العشرين (149).ويتأكد بالنسبة له الطابع العالمي للنظام الرأسمالي من خلال تدويل الأزمة كذلك(150).حيثأن الآزمات المختلفة لنهاية القرن التاسععشر تقدم عددا من الخصائص الجديدة.فلأول مرة أصبحت الأزمة أزمة فائض انتاج.و هيأزمة تجد لا اصولها في كل بلد على حدة فقط بل في الخارج كذلك .ان الأمر يتعلق بأزمةعاليمة.

وفي عام 1914كانت الدول الأوروبية تتحكم سياسيا بحوالي 84 بالمائة من أراضي العالم (151).و هوما سوف يجعل لاحقا الأزمة التي انفجرت في أكتوبر 1929 بسبب انهيار بورصة نيويوركتمتد بشكل سريع الى كل العالم (152).ممادفع "ذي اكونوميست" سنة 1930 الى كتابة " ان المعضلة العظمى التيتواجه جيلنا تكمن في أن نجاحاتنا في المجال الاقتصادي تتفوق على نجاحاتنا فيالمجال السياسي على نحو جعل الاقتصاد و السياسة لا يسيران بخطوة واحدة .فاقتصادياأصبح العالم يتحرك كما لو كان وحدة واحدةشاملة..."(153

هذه"الوحدة الواحدة الشاملة" التيأصبح يمثلها الاقتصاد الرأسمالي العالمي هي التي دفعت فؤاد مرسي (154) الىاعتبار أن الجانب الأكثر اثارة في تطور ما بعد الحرب العالمية الثانية هوالطابع الكوني المتزاد للاقتصاد العالمي في مجالات التجارة و الانتاج و التدفقاتالمالية و الهجرة .فقد تغيرت بالنسبةله الرأسمالية العاليمة بعد الحربالثانية تغيرات جذرية و أصبحت قادرةبكفاءة مذهلة على التكيف و أصبحت متخطيةلاطار القوميات نحو العالمية(155

و يعتبر واضعوا تقرير لجنة " ادارة شئون المجتمع العالمي"(156) أن الطابع الدوليللاقتصاد العالمي تحقق خلال النصف الأول من القرن العشرين و تعمق انطلاقا من 1945.حيث تمت عولمة الانتاج و التجارة و الاستثمار بواسطة الشركات المعددةالجنسية.فالتكامل الاقتصادي العالمي يرجع الفضل في الوصول اليه ,جزئيا,بالنسبةلواضعي ذلك التقرير الى النظام و الاستقرار النسبي لادارة الشؤون الاقتصاديةللعالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية(157

و لا يختلف عن ذلك ما يذهب اليه "كريستيان ميللي"من خلال اعادته لصيرورة العولمة الى مابعد الحرب العالمية الثانية من خلال تحريرالتجارة العالمية (158

في سنة 1969 يعتبر سمير أمين " أن الرأسمالية أصبحت منظومة عالمية وليس تجاور رأسماليات وطنية" (159)و ما هو أهم من ذلك "أن التحكير المتعاظم للاقتصاد العالمي يتجلى ...في حقلالتحركات الدولية لرؤوس الأموال عبر تقوية إتجاهين متعارضين معا: اتجاه الاستثمارالمباشر (الشكل الطبيعي للاستثمار الخارجي لدى الشركات ) و اتجاه الاستثمار في المحفظة المالية ( الشكل الطبيعي في توظيف سيولات الاحتكارات توظيفا مضاربا)"(160).

نسجل من خلال كلما سبق ذكره , في علاقة بالتأريخ للطابع العالمي للرأسمالية, أي تدويل علاقات الانتاج الرأسمالية، أن كل مناستشهدنا بهم يؤكدون على ذلك الطابع . واناختلفوا بصدد تعيين زمان تأكد ذلك الطابعالعالمي للرأسملية . أن هيمنة الرأسمالية عالميا واقعة تأكدت مع نهاية القرن 19 و بدايةالقرن 20 على أقل تقدير .أي مع انتقال الرأسمالية من المرحلة التنافسية الىالمرحلة الاحتكارية وتلك الوحدة من اهم ما يسعى وحوش الربح وبكل الطرق والوسائل الى اخفاءه لمنع عبيدهم من الوحدة على قادة تلك الوحدة لان في ذلك مقتلهم.

#محمد_البلطي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات