أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير - عبدو أبو يامن - قضية سيد القمني، تضامن أم ضمانات؟















المزيد.....

قضية سيد القمني، تضامن أم ضمانات؟


عبدو أبو يامن

الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 12:26
المحور: حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
    


ليست قضية سيد القمني_ إن صحت_ إلا نقطة في بحر ما سبقها وما سيليها من مثل هذا النوع من القضايا؛ فعلى امتداد التاريخ الإسلامي كله ومما يقرب من ألف وأربعمائة عام كانت الحكاية التراجيدية تتكرر تقريبا بنفس السيناريو وذات الأبطال، إن كان ثمة أبطال، فكر مقابل كفر، وعقل مقابل سيف، تفتيش عن الضمائر ومخبآت الصدور، وكهنوت ديني يدعي أنه يتكلم باسم الله يقيم محاكمات ويحاكم أشخاصا و يكون في القضية هو الخصم والحكم، ويحاسب الناس قبل يوم الحساب، ويحكم عليهم، ويقذف بهم، بزعمه، في نار السعير، ويتعدى على حاكمية الله وقضاء الله وحكم الله الذي أجله إلى يوم الدينونة، إن شاء رحم عباده وإن شاء عذبهم.
وغبر التاريخ الإسلامي على هذا المنوال، لا يكاد يختلف جيل عن جيل، ولا قبيل عن قبيل، حتى بدايات ما يسمى بعصر النهضة العربية، وعلى وجه التحديد قبل ما يقرب من مائة عام، والحكاية ذات الحكاية إلا بفارق ضئيل وهو سلوك سلكه الناس في عصرهم الحاضر، وهو إعلان تضامنهم وتعاطفهم وضم صوتهم إلى صوت الضحية الذي أوذي في ماله أو نفسه، ومورست في حقه القوة فعلا أو تلويحا، يمارسها أحيانا المجتمع وأحيانا السلطة الحاكمة وأحيانا رجال الدين، أو من يتمسح بالدين، هذا الفعل فعل التضامن وإعلان ا لتعاطف شيء جميل وبادرة حسنة، لكنها لا تكفي، وهي من أضعف درجات الإيمان وبخاصة في مجتمعاتنا العربية، وهي سلوك سلبي، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يسمن ولا يغني من جوع. فالرأي العام العربي لا قيمة له، ولا تأثير له، وما يكون الرأي العام إن لم يكن تنديدا واحتجاجا وغضبا ورفضا وضغطا، على ممثلي الشعب في البرلمان وعلى الحكومة، ضغطا يثمر في النهاية أفعالا ملموسة على أرض الواقع. أما أسلوب التعاطف والتضامن الذي يمارس الآن في كل قضية من هذا النوع فأحب أن أسأل سؤالا واحدا بصدده، هل أدى مثل النوع من التصرف إلى ردع المعتدي أو إلى حل مشكلة أيا كانت صغيرة أم كبيرة؟ ومن كان لديه جواب فليتفضل وليخبرني مشكورا.
وماذا كان يصنع العرب في حياتهم المعاصرة والحديثة، من رأس الهرم حتى قاعدته، وماذا كانوا يحسنون إلا التنديد والشجب والاستنكار، كلهم يفعل ذلك صغيرهم وكبيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم؟
ندد ماشاء لك التنديد أن تندد وأشجب كما تحب فلسنا بمطيعين، ولسنا بمرتدعين، وماذا أنت فاعل؟ وماذا أنت صانع؟
هي يا صديقي انفعالات وقتية، وردود أفعال، وتشنجات عصبية، أشبه ما تكون بالمشروبات الغازية، أو فقاعات الصابون، تطفر فجأة وبسرعة ثم تخمد وتموت بنفس السرعة التي تكونت بها، ردود أفعال ليس لها رصيد في أرض الواقع، وليس لها أدوات ضغط عملية تمارس من خلالها فعلها.. الرأي العام العربي مغيب يا صديقي في بلاد العرب، وإن وجد فهو غير موحد لا في الوجهة ولا في الهدف، رأي متضارب وغير منظم؛ ولذلك انظر إلى حجم التنازلات المأساوية التي قدمها العرب خلال تاريخهم، تنازلات كبرى سياسية واقتصادية ، تنازلات على مستوى الأرض والسيادة والكرامة.
والمشكلة في أصلها أنها نقلت من ميدان إلى ميدان، نقلت من ساحة الفكر وسجال الأفكار إلى ساحة القضاء وكيل التهم. أضف إلى ذلك بشأن بعضها، أنها قضية سياسية أو فكرية ( دينت ) إذا صح التعبير، وألبست ثوب الكهنوت، فتسيس الدين وتديين الفكر، هو السمة الغالبة، وأحيانا يكون الأمر شخصيا بحتا وتصفية حسابات قديمة، وأحيانا يكون رد فعل، وأحيانا يكون فعلا ابتداء..
لا بد أن نأخذ في الحسبان، إن أردنا أن نعمل شيئا إيجابيا، كل هذه الأمور بعين الاعتبار، وإلا ظللنا على نفس المنوال نعيد ونكرر ذات الأسطوانة المشروخة في متواليات من الأفعال العبثية، وكأننا في ذلك نستدعي أسطورة ( سيزيف ) في الميثولوجيا اليونانية التي حكمت عليه الآلهة، حين غضبت عليه، بأن يدحرج الصخرة إلى قمة جبل الأوليمب حتى إذا وصل إلى القمة بعد جهد وعناء لا مزيد عليه عادت الآلهة فطوحت بها إلى آخر السفح، فعاود المسكين فعله العبثي الذي دائما يبتدئ ولا ينتهي أبدا!
هذه التضامن والتعاطفات وضم الصوت إلى الصوت، إذن ، لا تفيد فما هو الحل؟
أنا لست صانع حلول سحرية، وأنا لا أملك عصا موسى فأضرب بها فأحيل مآسي الأمة أفراحا وليالي ملاحا، كل ما في الأمر أني صاحب رأي، فلعل رأيي يفتح ولو كوة صغيرة في سبيل الحل.
وقبل أن أبدي رأيي أحب أن أناقش بعض الأمور. من هذه الأمور: هناك من ينادي أصحاب الرأي بالشجاعة الفكرية والصمود في وجه التهديدات، بل وحتى الاستشهاد في سبيل الفكر والرأي، والمنادي بهذا إنسان حالم، وعاطفي جدا، قد فارقته عقلانيته هذه المرة، فأن تستشهد ويكون لاستشهادك معنى وهدف يتحقق على صعيد الواقع هذا جميل ومثالي وتصرف نبيل، وهل قامت حضارة الإنسانية إلا بمثل هؤلاء من الشهداء، أم أنت تلقي بنفسك في التهلكة من غير ثمن فهذا هو الحمق بعينه، لماذا حمق؟ لأن الأمة العربية أكثر أمة على وجه الأرض قدمت من الشهداء، على مختلف دواعي الشهادة، فماذا تحقق، وماذا تغير؟ ثم إن المطالبة بأن يكون الإنسان مشروع شهادة هو ما يأخذه البعض على المقاومين والمناضلين عن أرضهم ومقدساتهم والدفاع عن حياتهم وأعراضهم، ويوصمون من جرائه بالإرهاب، فيا ترى ما الفرق بين الحالين؟
ثم إن الشهادة تكون معقولة ومبررة عندما تكون ظاهرة عامة وراءها المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه وطبقاته، مجتمع ناهض ثائر تقف في وجهه قوة ما، عدو خارجي، كهنوت ديني، سلطة سياسية، أما الشهادة في مجتمع تقليدي محافظ، وأحيانا يكون هو نفسه أحد مآسي الكتاب والمبدعين والمفكرين، فهذا ما لا أفهمه؟؟
ثم إن فعل الشهادة، فيما أعلم، على مدار التاريخ الإسلامي، شهداء الفكر تحديدا، كالحلاج وابن المقفع والسهروردي والجعد بن درهم وفرج فودة وحسين مروة وغسان كنفاني شهداء الفكر هؤلاء ذهبت دماؤهم هدرا، ضاعت في ثرى الأرض ولم تنبت لا قمحا ولا فلا ولا ريحانا، وإذا ذكرهم أحد ما فإنما هي تأبينات تقليدية، وكليشهات محفوظة، يؤتى بها إبراء للذمة، وإراحة للضمير ليس إلا، أما السير على خطاهم وإكمال المسيرة من بعدهم فهذا هو المعادلة الصعبة.
هذه أمة يا صديقي أعجزت الأولين والآخرين، وحيرت العقول، وتاهت في فهمها الأفكار وعميت البصائر والأبصار أيضا!!
فما الحل إذن؟؟
في رأيي المتواضع، إنه لا بد من إيجاد ضمانات كافية، فهذه مسألة حياة أو موت، ضمانات قانونية، بالدرجة الأولى، بحماية حرية الفكر وحماية المفكرين هذا كخطوة أولى، حتى يعرف المجتمع قيم الاختلاف والحوار ويتمرس عليها، ثم فتح باب الحرية على مصراعيه، لكل أطياف المفكرين، وعلى مختلف توجهاتهم ومشاربهم، وفتح باب الحوار لكل صاحب رأي وعدم الحجر على أية فئة أو طائفة ولندع الآراء تتصارع في ساحة الحوار، ولندع الأفكار تستحصد تحت لهيب العقول ونار الجدل، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولا يعيش إلا ما يستحق العيش، وليأخذ الناس من الأفكار ما يؤمنون بصوابه، وليعتنقوا من الآراء ما يقتنعون بصدقه، فذلك أجدر بهم، لأنهم فعلوا ما فعلوا عن رضا وطواعية، ولأنهم حققوا إنسانيتهم بفتح باب الحرية لهم ليختاروا ما يختاروا، وعلى ذلك الاختيار سيحاسبون حين يحاسبون، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر، جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد، وليحققوا حكمة الأمانة التي تبرأت منها الجبال وأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.
أما أن يجري الحوار في مجتمع ليس به ضمانات كافية لكافة التهديدات المتلبسة بلبوس الدين، والتي ترفع سيف التكفير فوق رأس كل مخالف، وهو لا حول له ولا قوة إلا سنان قلمه، فهذا هو العبث بعينه.
أما أن يجري الحوار في مجتمع يقف فيه أحد الخصوم ولا يرى في خصمه إلا أنه غر وسفيه لم يجد من يربيه كما حدث في قصة قتل الحلاج المتصوف الإسلامي الشهير إذ يقول له خصمه وجلاده معا( علي بن عيسى الوزير) حين ناظره فوجده صفرا من العلوم!! : (( تعلمك لطهورك وفرضك، أجدى عليك من رسائل أنت لا تدري ما تقول فيها؛ كم تكتب إلى الناس: تبارك ذو النور الشعشعاني الذي يلمع بعد شعشعته! ما أحوجك إلى أدب!! )) فهذا ليس حوارا يجري بين خصمين متكافئين وإنما يجري بين عبد وسيده، وأب وابنه، إذ يملي السيد على العبد ما يجب عليه فعله، ويملي الأب على الابن أمره ونهيه، فهذا من العبث أيضا.
ثم هذا التكفيري المتكلم باسم الله جل في علاه، وتعالى في سماه، الرحمن الرحيم، التواب الغفور، أليس يزعم أنه على حق، أليس يزعم أن ما يقوله لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، أليس يثق بما يؤمن به؛ فما الخوف إذن من الحوار الإنساني، وما الخوف من هذا الأسلوب الحضاري الذي اتخذه الإنسان بعد أن جرب كل أنواع السبل وكل ألوان الحلول فلم تزده إلا ضعفا وتشرذما وضياعا وتقطيعا لأوصال الأمة، ولم يجن من ورائها إلا الدم الحرام يسفكه، والضمائر المستترة يدعي معرفة مخبآتها، والنوايا الخافية يزعم علم مقاصدها، فجار على نفسه، وجار على أخيه، وجار على ربه في حكمه وقضائه، وجار عليه في تدبيره شؤون خلقه؟؟
وإلى لقاء.



#عبدو_أبو_يامن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يريد هؤلاء؟ ( الليبراليون الجدد ) 2
- ماذا يريد هؤلاء ( الصحوة الإسلامية )؟؟ 1
- تحرير المرأة أم تحرير الرجل أم تحريرهما معا؟؟
- جنة بوش أم جنة ابن لادن؟
- فنارات على دروب التقدم 2
- فنارات على دروب التقدم
- إسلاميات
- تعرية الذات العربية
- باسم الشعب نبدأ


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- حملة دولية للنشر والتعميم :أوقفوا التسوية الجزئية لقضية الاي ... / أحمد سليمان
- ائتلاف السلم والحرية : يستعد لمحاججة النظام الليبي عبر وثيقة ... / أحمد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير - عبدو أبو يامن - قضية سيد القمني، تضامن أم ضمانات؟