أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق , لا فرق














المزيد.....

استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق , لا فرق


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4432 - 2014 / 4 / 23 - 08:31
المحور: الادب والفن
    




استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق . لا فرق



• ...... وكما يخيّل ليّ باستمرا .. ..ودائما كنت ارى إلى العراق . شيخ منهك .. بلحية كثة نافره .. يرفل باسمال من جار عليه القدر ..كنت اراه على الدوام متسربلا بالجراح ... شيخ طاعن بالسنوات .. يمشي وحيدا متوكأ على شيخوخته .. او هكذا كانت ملامح العراق في مخيّلتي ..ولا ادري لماذا أخاله على هذه الهيئة الممعنة في البؤس والشجن ... وكلما استغرق عبر مخيّلتي في اجترار ملامح العراق , تثب إلى ذاكرتي ملامح احد بؤساء زقاقنا .. ذلك البائس المشلول التي حفرت الفاقه عميقا في روحه وبدنه وتركت آثارا قاسية من الانيميا مطبوعة على سحنته وعلى احد اطرافه السفلى الشبه مشلولة .. كان اسمه : والي الاعرج ..ونحن الصغار .. الصغار في كلّ شيء . ننعته ب ابو العجايز .. والحقيقة لا نعلم اوّل من اطلق تلك الكنه او اللقب او العلامة الرمزية .. التي لا تتطابق حتى في حدّها الادنى مع ميول وسلوك ذاك الوالي ..فهو شيخ وقور دمث . يميل للعزلة والصمت ..ويحترف الشحاذة كمصدر وحيد لإدامة الاستمرار في الحياة .. كان يقطن داخل بيت مشيّد من الطين وجريد النخيل يقع عند منتصف الزقاق .. لايعيل احدا سوى اخته : تسواهن . وهذا هو اسمها وعلامتها وقدرها وخرابها , لم تكن تلك التسواهن متزوجة ..كانا وحيدين . . موغلين في عزلتهما .. باب بيتهم المتصدع المصنوع من بقايا نفايات الجينكو . كان مغلقا طوال اليوم .. وكنا نحن الاطفال الاشقياء المتمرسين بالشيطنة والمشاكسة , نجد لذة لاتضاهى في قذف الباب بالحجارة . كنا نفعل ذلك كلما سنحت الفرصة لذلك .. ولا احد يزجرنا من اهل الدار ..او من العجوزين البائسين .. ولاندري كيف تسربت لاسمعنا ذات وقت ما .. معلومة , كنا نعدّها انذك اقرب ما تكون الى شيء مفعم برائحة السحر والدهشة , كانت المعلومة او الخبر تقول انّ والي الاعرج يكنز ذهبا ونقودا معدنية من فئة الدراهم في صفيحة او وعاء او علبة سمن فارغة .. من تلك العلب ذات الحجم الكبير .. اتذكّر حاولنا مرات عديدة السطو على ذلك الكنز المزعوم .. غير انّ سائر محاولاتنا بائت بالفشل ولم يحالفها النجاح في الاستحواذ على النقود .. حيث كنا نحن الشياطين كما ينعتنا الكبار .. نحلم جدا بتحسس بريق الدرهم الذي لم يدخل لجيوبنا الا في ايام العيد .. الآن وبعد مرور سنوات عديدة على اندثار ذلك المشهد ..وانطماره في احدى حفر النسيان بكامل كنزه وواليه وتلك الاخت العجوز العانس ..يبرز من جديد . ذلك الوالي الاعرج .. يلوح على مقربة مني .. ولكن بملامح مغايرة , اشد بؤسا وانهكا من والي .. لا ادري من اين تدفق هذا الوالي الجديد , المسمى : العراق .. او هكذا كان يطلق عليه .. ونحن الكبار في القحط والحرمان ننعته ببلاد السواد او الرافدين .. كم هو شديد الشبه بملامح والي .. اوكم هو والي شديد الشبه بالعراق او هكذا كان يخال ليَّ.. كان الاثنان يلتقيان في خواص متماثلة , يشتركان في سمات توحد ملامحهما .. فوالي كان كما العراق يكنز الذهب .. ولم يوظفه لضرورات التي تستوجبها طبيعة الحياة .. وكلاهما يرفلان بالحرمان والفاقه .. والي نتاج قدر اعمى ..والعراق كذلك .. والي تأريخ طويل من الشلل .. والتوغل بعيدا في مجرى من الحرمان .. تأريخ مشوّهة تؤرشفه الحجرات الطينية , المؤثثة بالرطوبة شتاءا .. والناضحة حرارة قاسية صيفا .. حجرات على مقربة من مناخ العراق ..والعراق هو الاخر تأريخ طويل من الخرابات المتعاقبة على مر الطواغيت .. العراق نتاج قدر جغرافي او صدفة ليس لها صلة بالتحليل او النظرة الميتافيزيقية التي تزعم انّ الاشياء نتاج ارادة مطلقة , غيبية .. والي .. نتاج جملة ظروف وعوامل تآزرت في تضافر عشوائي ..فانتجت في نهاية الامر قدر والي .. القدر الذي كان يتشكّل منه زمان ومكان والي .. فاكتسب والي رائحة المكان . الرائحة التي خضّبت روحه بنكهة الحجرات ورائحة الطين والرطوبة .... العراق مكان خصب لانتاج القحط والوجع ..العراق ذاكرة تؤرشف فقط .. تؤرشف لخراب الاوبئة والفيضانات والعوز والحروب .. العراق حاضنة لامثيل لها لانتاج الطاعون والسل والكوليرا .. والي ضحية المكان الذي اصطفاه القدر , المكان كان العراق ..ووالي تحدر من هذا المكان . فاتسم بكل محمولاته .. والي رحل من المهدِ الى القبرِ , وما بينهما فاصل طويل وطويل جدا من الحرمان والشقاء .. لكنه لم يغادر ذاكرتي , فبقي كأثر شاخص في ارض الحرمان .. اثر لا يزول الا بزوال واندثار الذاكرة ... فكلما يلوح ليّ طيفه الاعرج .. تلوح معه ملامح العراق ..اشعر بوشيجة حميمة تصل بين الاثنين ..



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انطباعات سينمائية : الشخصية الروائية في السينما
- الاصابع الملطخة بالدم البنفسجي
- التوابيت بوصفها صناديق بريد مستعجل
- سانتخب : الجنّة على الارض
- اصدقاء الفيس بوك : غابة من الاشباح
- كتّاب الفيس بوك : خارج نطاق الخدمة الورقية .. وصناعة النجوم
- تأملا ت في الموهبة والاسلوب
- تأملات في ظاهرة التكرار : النصوص انموذجا
- مخطوطة السيرة والحرب : ابو طويله .. / احلام الرماد والنساء
- مخطوطة : على مقربة من سلمى والحرب
- استذكارات في مقاطع _ 1 _ على تماس من تخوم السيرة والحرب
- حمى الاتخابات : صراع على المال والسلطة / بين العمامة والعمام ...
- تأملات : في الحدث الروائي / الفنان شادية مثال
- وراء كواليس الانتخابات
- تأملات مختزلة في الزمن والنسيان
- اخي الناخب , اختي الناخبة : حذار إنهم قادمون
- الاغلبية الصامتة سوف تجدّد صمتها في الانتخابات
- انتخابات الكهنة : البرابرة قادمون بقوّة
- لا تنتخبو العلماني ..........!!!! : دعوة للكراهية
- شرعنة اغتصاب الطفولة : قانون الدعارة المشرعن


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق , لا فرق