أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - مصطفى مجدي الجمال - تثقيف خالٍ من الكهنوت والتسطيح















المزيد.....

تثقيف خالٍ من الكهنوت والتسطيح


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 07:45
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    



أهم ما تؤدي إليه أي انتفاضة ثورية أنها تقذف إلى "الشارع السياسي" بعشرات وربما مئات الألوف من المواطنين الذين لم تسبق لهم ممارسة العمل السياسي، وربما النقابي أو الاجتماعي أو الثقافي، من أي نوع.. ناهيك عن امتلاك ناصية المعرفة السياسية..

ومن الطبيعي جدًا، ومن الصحي جدًا، أن يكون معظم القادمين الجدد إلى الفضاء العام من الشباب، وفي الغالب من الطلاب وحديثي التخرج. وبالتأكيد لن تكون الموجة الجديدة مؤمنة من الانحرافات الصارخة والاختيارات الاستراتيجية الخاطئة، ما لم ينخرط في العمل السياسي شباب العمال والفلاحين والموظفين، لأن هذا يضمن- موضوعيًا- للعمل السياسي "الثوري" الوقوع في أقل قدر ممكن من النزعات الإرادية والتفضيلات المتعجلة، وبالأحرى الانسياق وراء قيادات مضللة أو غير واعية..

وفي الواقع أنه كلما نجحت الموجة الثورية في تحقيق إنجاز مدوٍ- ولو وقتيًا- كلما قلت فرص إدراك القادمين الجدد لحاجتهم إلى تمتين ثقافتهم السياسية، وبناء آرائهم ومواقفهم على معلومات ومنطلقات صحيحة، مع استفادة مرنة من الخبرات النضالية والنظرية لتجارب سابقة في البلد نفسه أو في التاريخ العالمي..

ومع تعرض الموجة الثورية لنكسات، سرعان ما ينقلب البعض من هؤلاء إلى السلبية أو العدمية.. بينما يميل بعض آخر إلى توجيه سهام الاتهام إلى الرفاق، في غير إدراك لأن الأهم ليس هو اصطياد الخاطئين وتجريسهم، وإنما إعادة تنظيم الصفوف بعد مراجعة الشعارات والتكتيكات، انطلاقًا من الاقتناع بأن لكل خيار سياسي جوانبه السلبية التي يجب الاستعداد جيدًا للتغلب عليها، وأن الهزائم محتملة على طريق طويل نحو انتصار استراتيجي..

من أهم ملامح الموجات الثورية الأخيرة في مصر غياب الرؤية الاستراتيجية للحركة، ناهيك عن الرؤية النظرية للثورة.. وأسباب ذلك عديدة، منها طبعًا الأزمة التي يمر بها الفكر الثوري منذ عقود، والإهمال المزري من جانب الأحزاب لمهام التثقيف وللعمل الفكري بأكمله، وتأثر الشباب الصاعد بمدارس فكرية غير ثورية مثل الليبرالية والأصولية والفوضوية وأيضًا "البرتقالية"!!.. وهو ما نجد نتائجه في اقتناع كثير من الشباب الثائر بتوليفة من الأفكار المتناقضة، مع سهولة التخلي عن فكرة أو موقف ما، وتبني النقيض، لمجرد مواجهة مصاعب في الطريق.

وكان من أهم المصاعب التي واجهت الأحزاب مع موجات الشباب المسيس حديثًا: غياب "اللغة الأيديولوجية" المشتركة، وربما نفور الشباب من أي أيديولوجية، وارتياحه لمنطق "التجربة والخطأ" وأن الحركة تولّد فكرها.. وفي الجانب المقابل لم تبذل الأحزاب جهودًا كافية لنفض غبار الجمود الأيديولوجي، كما فشلت بوجه عام في التحلي بروح التواضع والاستعداد للتعلم المشترك، وليس التلقين وترويج الإطلاقيات و"المسلمات"..

بعد تكرار الانتكاسات، وانكشاف زيف كثير من الوجوه التي وضعها الإعلام عنوةً وعمدًا على قمة الحركات الثورية، أدرك كثير من الشباب أهمية أن يتثقفوا.. وللأسف حاول بعضهم أن يبدو "هكذا"، فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور ماركس وجيفارا..الخ، وتصوروا أنه يمكن إضفاء القوة على الموقف السياسي المتخذ سلفًا، باجترار عبارات مجتزأة من سياقها لهذا المفكر أو ذاك..

وعمومًا كانت كل هذه مؤشرات قوية على الاهتمام بالتثقيف. وبدأت بعض الأحزاب والجماعات والمثقفين في الاهتمام الفعلي بعقد دورات تثقيفية.. لكن غلب عليها الطابع التلقيني، أي يقف المحاضر ليلقن المستمعين أفكارًا يتعامل معها على أنها مقدسة وتامة الصنع ولا تقبل المحاججة.. مع استغلال معيب لعدم قدرة المستمع على مجاراة الملقن. بينما من الأفضل بالطبع أن يتم سؤال طالبي التثقيف عن الموضوعات والأسئلة التي تشغلهم، ثم يجري تكليفهم بالبحث في مراجع محددة ويأتون لمناقشة ما توصلوا إليه، مشفوعًا بآرائهم الخاصة في الموضوع..

المشكلة الثانية التي تواجه دورات التثقيف أن كثيرًا ممن يحضرونها يشعرون بابتعاد ما يستمعون له عن مجريات الصراع الناشب حاليًا في المجتمع، وأنهم إزاء رفاهية فكرية يخجلون منها.. ويخجلون أيضًا من الاعتراض عليها.. وقد يتصورون أن تقتصر عملية التثقيف على تقديم إجابات نظرية عن الأسئلة والمعضلات السياسية اللحظية.. لا أكثر من ذلك.. فهم في الحقيقة- ولهم بعض العذر- يتعاملون مع التثقيف تعاملاً براجماتيًا، وليس كتأصيل للوعي عامةً، وللوعي باللحظة بشكل خاص..

يرى البعض أنه لا بد من تثقيف الشباب بأصول "الأيديولوجية الماركسية" التي ينظرن إليها كمجموعة من الأفكار النظرية الجامدة، رغم أن ممارسة كهذه سرعان ما تصطدم بالتطبيقات المختلفة لهذه "الأيديولوجية" في سياقات زمنية ومكانية مختلفة.. وهكذا يدخل الشاب في متاهات ومساجلات نظرية لم يستعد لها جيدًا.. فينفر منها جميعًا أو يتعلق بأحدها تعلقًا مَرَضيًا ومُرضيًا له في الوقت نفسه.. دون التسلح بالعقلية النقدية المطلوبة..

وفي الحقيقة لدي ملاحظة شخصية أن البعض منا يستغل اعتناق الشباب للماركسية من منطلق عاطفي أو إعجابًا بمناضلين أو تجارب ما.. كي يُملي عليهم حالة من التبعية لحزب أو فرد يمارس عليهم ما أسميه "القهر الثقافي".. إذ إن معارفهم ليست مكتملة بعد للتعامل النقدي مع منطلقات نظرية معقدة، وتبدو مبهرة.

أما مشكلة المشاكل في التثقيف السياسي للشباب الثوري فترتبط بأولويات التثقيف.. وقد عرف اليسار المصري مدرستين رئيسيتين في هذا المجال.. فهناك المدرسة التي تميل إلى البدء بقوانين الفلسفة المادية الجدلية وتطور المجتمع...الخ. وهي مدرسة ربما كانت ناجحة في الأحزاب السرية التي كانت تنتقي أعضاءها بحذر شديد، وتشعر أن أمامها الوقت الكافي لصبهم في "قوالب" الماركسية.

وإذا كان من إنجازات هذه المدرسة أن أخرجت لنا نظريين متمكنين من الماركسية، وربما بلغاتها الأصلية، فإنها لم تنجح في جعل هذه المقاربة التثقيفية ناجحة في إخراج ثوريين قادرين على الربط بين النظرية والممارسة، وإدراك أن تيار المعرفة يسير في الاتجاهين معًا.. أي أن المعرفة تتوالد وتُنقح بالتفاعل مع الواقع الملموس ومع الممارسة النضالية فيه. وأسوأ ما في هذه الممارسة أنه كان باستطاعة القيادات الانتهازية استخدام "المقتطفات" من هذا الزعيم التاريخي أو ذاك، أو استخدام النظريات "المقدسة"، لتبرير الموقف وعكسه.

أما المدرسة الثانية فقد غلب عليها النزوع إلى التماهي مع الحركة الجماهيرية، وهذا بالطبع ليس خطئًا، ولكن الخطأ كان أن تقتصر محاضرات وكراسات التثقيف على القليل من القضايا السياسية المباشرة، دون اهتمام بالتأصيل النظري الذي أوصل إلى المواقف السياسية من القضايا المباشرة. وأسوأ ما في هذه المدرسة أنه كان باستطاعة القيادات الانتهازية تبرير مواقفها على أسس براجماتية فقط، ودون تأصيل نظري مطلوب، الأمر الذي يحول الأعضاء إلى مجرد أفراد عاديين من الجمهور ولا يختلف وعيهم اختلافًا نوعيًا عنه.

في الحقيقة لا أزعم أن لدي حلاً شافيًا سريعًا لهذه المشكلة. ولكن البداية عندي هي أن نحدد ما الذي نظن أنه ينقص الشباب.. أظن أن ما ينقصهم- كأولوية أولى- ليس الإلمام بالمادية الجدلية والتاريخية، أو القواعد الاستراتيجية التي صاغتها اللينينية والماوية والجيفارية والشيوعية الأوربية..الخ.. وإنما ما ينقصهم في هذه المرحلة الخاصة لبدء انخراطهم في الأحزاب والنشاط الثوري.. ما ينقصهم أولاً هو الثقافة السياسية العامة، من منظور تقدمي بالطبع..

أي ما قيمة أن أصب في رأس الشاب أفكارًا فلسفية تبدو له بالتأكيد أفكارًا مجردة، بينما معلوماته عن تاريخ وجغرافيا واقتصاد وسياسة وطبقات بلده شاحبة، وربما مغلوطة.. ناهيك عن معرفته بإمكانيات العمل الثوري في عالم تهيمن عليه الليبرالية الجديدة، وفي إقليم تعتصره الحروب والنزاعات الداخلية، وتهيمن عليه قوى إمبريالية وصهيونية ونفطية وجاهلية وعسكرية رجعية....الخ. ومن الثقافة السياسية الغائبة أو المغيبة: المعلومات الضرورية عن المجال النضالي النوعي لكل مجموعة من الأعضاء.

وفي رأيي أن هناك مراحل ضرورية في التثقيف يجب تحديدها أو "مرحلتها" حسب تقييمنا للمستوى الذي بلغه الأعضاء في كل مرحلة.. وكذلك نوعية كل جماعة، واحتياجاتها..

خلاصة القول إن هناك ثلاثة أفرع متكاملة من المعرفة المطلوبة.. هي المعرفة النظرية، والمعرفة السياسية والتنظيمية، والخبرات النضالية والنوعية. ولا مناص من أن تشتمل كل مرحلة من مراحل التثقيف على هذه الفروع الثلاثة. وفي كل الأحوال يجب إرشاد العضو إلى كتابات معينة عليه الاطلاع عليها قبل المجيء لمناقشتها، لا للاستماع إلى محاضرة عنها..

ولا تكتمل عندي الرؤية الآن إلا بالنسبة للمرحلة الأولى من التثقيف التي يجب أن تشتمل على:
- قواعد المنهج العلمي لفهم الظواهر الاجتماعية.
- الاشتراكية كضرورة تاريخية لتحرير الإنسان.
- قضايا الثورة المصرية الأربع: الديمقراطية، السيادة الوطنية، التنمية الاقتصادية المستقلة والإصلاحات الاجتماعية على طريق التغيير الثوري الجذري (الحد من الاستغلال الرأسمالي)، الثورة الثقافية.
- تاريخ الثورة المصرية في العصر الحديث.
- التركيب الطبقي للمجتمع المصري، ومدى ثورية كل طبقة.
- الآليات العامة الحاكمة للصراع الطبقي على الصعيد العالمي.
- تفاعل العمليات الثورية والرجعية في الإقليم.
- دروس الموجة الثورية الأخيرة.
- ضرورة الحزب وطبيعته وعلاقته بالجبهة وبرنامجه ولائحته التنظيمية.
- الاستراتيجية والتكتيكات الثورية.
- خبرات نضالية ونوعية.

الفكرة الحاكمة لطرحي هذا هو أن عملية التثقيف يجب أن تنطلق من الخاص إلى العام، ومن الملموس إلى المجرد.. وهذا هو الطريق الوحيد لتلافي عيوب المدرستين التاريخيتين في التثقيف.



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداعيات الذاكرة على هامش سقوط بغداد
- نداء شبه أخير
- اضحك مع نزع الملكية الفكرية
- الكاريزما من الانقلاب إلى الصندوق.. درس شافيز
- عن شعبوية شافيز وغموض السيسي
- من كتيبة المجهولين- اليساري بالسليقة
- مستقبل مغامرة السيسي
- لا تكرروا خطيئة التحالف مع الشاطر إخوان
- فريق رائع
- من غير لف ودوران
- دليلك إلى القيادي الشرير
- وحزب يساري جديد في مصر..
- ثورة من جديد ؟!
- وحدة اليسار المصري بين السراب والممكن
- حديث طريف.. وكله عِبَر
- مينا دانيال.. بطل من مصر
- مسألة السيسي بين الاستقالة أو الاغتيال
- كي لا تفشل الثورة المصرية
- مظاهرة الزيتون
- غابت البوصلة والطليعة فحضرت الكاريزما


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - مصطفى مجدي الجمال - تثقيف خالٍ من الكهنوت والتسطيح