أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - -التكامل الفني في العرض المسرحي - المفاهيم الجمالية في المسرح الروسي















المزيد.....

-التكامل الفني في العرض المسرحي - المفاهيم الجمالية في المسرح الروسي


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 4389 - 2014 / 3 / 10 - 22:50
المحور: الادب والفن
    


تنتمي هذه الدراسة إلى تلك المجموعة الكبيرة من المؤلفات المسرحية التي تعنى بالعرض المسرحي وكيفية عمل المخرج ، ذلك المؤلف (ألكسي بوبوف) وهو مخرج روسي معروف يمتلك العديد من التجارب المسرحية التي يشير إليها في هذا الكتاب ، مستفيدا من تجربته العملية لتكون نماذج تطبيقية لآراءه النظرية ، فضلا عن إفادته من تجارب أبرز المخرجين في روسيا إبتداءاً من (ستانسلافسكي ، دانشنكو، فاختانكوف ، شولوخوف .. وأخرين ) وتكمن اهمية كتاب (التكامل الفني في العرض المسرحي) في أن المؤلف لم يعمل على تناول تجارب المخرجين وآليات عمل كل منهم ، بل إتجه في صياغة أفكاره إلى تبني أبرز العناصر التي يعتمد العرض المسرحي عليها من أجل تحقيق التكامل الفني ، وعلى الرغم من أن هذه الدراسة تناولت الكثير من التفصيلات الضرورية للمشتغلين في حقل التجربة الاخراجية ، إلا أن المؤلف إختار الكشف عن أبرز المعوقات التي تصادف المخرج في عمله ، وتقديم الحلول الناجعة لها ، وبذلك يمكن أن نطلق تسمية (تجريبي) على هذا الكتاب ، بمعنى أن هذه الدراسة تتناول أبرز المعوقات التي تصادف المخرج في عمله وتقدم مقترحات يمكن للمخرج أن يكتشف من خلالها حلوله الخاصة التي قد تختلف عن طروحات المؤلف إلا انها في النهاية تكون خارجة من رحمها ، وفي إشارة ذكية من المترجم إلى خصوصية الاخراج عند بوبوف يقول (شريف شاكر ) " يتميز اسلوب الاخراج لدى بوبوف بالإهتمام الشديد بالانسان وما ينبثق عن هذا الأهتمام من إعتراف بأهمية الممثل الرئيسية في العرض المسرحي فالممثل في رأي بوبوف هو الذي يوصل المضمون الأصيل للمؤلف الدرامي وبدونه يفرغ كل شيء على خشبة المسرح" (1) .
ويعد الممثل في مسرح (بوبوف) عنصراً فاعلاً حتى أنه كان يعمل على نقل الأهتمام بالممثل إلى طلبته من المخرجين الشباب قائلاً لأحدهم " لقد إنطلقت في لوحاتك التحضيرية من المنصة والألواح الخشبية ، أما الإنسان – الممثل فقد نسيته.. في حين أن الإنسان هو الذي سوف يعطي صداه في هذا الوضع ، فإما أن ينسجم أو يدخل في تضاد معه ، لاوجود للعبقرية بعيداً عن حب الانسان " (2), فضلا عن ذلك فإن (بوبوف) كان معتمداً وعلى نحو واضح على إسلوب ستانسلافسكي ، وربما لايبدو ذلك إكتشافاً بما ان الكتاب يعتمد على دراسة تجارب المسرح الروسي فحسب ، وقد إعتبر (بوبوف) " أن المعاناة النفسية شرط حتمي في الفن ، (إن مدرستنا خاصة بنا ، إنها تقمص الممثل للشخصية على أساس المعاناة ) ثم يضيف (ويالها من مدرسة صعبة تتطلب إحتراقاً دائماً وتضلعاً بالتكنيك الأكثر صعوبة) "(3).
لقد إختار (بوبوف) الغوص في تلك التصنيفات التي قد تبدو مألوفة للقارئ والمعني بالفن المسرحي ، والعمل على تفكيك تلك العناصر التي تؤسس فن العرض المسرحي إبتداءا من الفكر الذي يتشكل في وعي المخرج وإنتهاءاً بالجمهور الذي هو مصدر الفاعلية الأساسي في الانتاج المسرحي ، وفي قراءته للمخرج فإنه لايغادر المنطقة الاكثر اهمية في المسرح الروسي إلا وهي تجربة (ستانسلافسكي) ومعه (دانشنكو) الذي يبدو ان التأريخ الفني قد ظلمه ، واضفى عليه صفة التابع للموهبة الكبيرة (ستانسلافسكي) .. وقد تكون هذه الفرضية مقتصرة على المسرح الناطق باللغة العربية فحسب ، ذلك أن هذا المسرح يعتمد على مايبوح به المترجمون ، لذلك فإن الأهمية ترتبط بما يصل إلينا من معارف وليس كما هي عليه ، لذلك فإن (بوبوف) يكشف في كتابه هذا عن إمكانيات (دانشنكو) الاخراجية ، لاسيما في تصنيفه الثلاثي الذي يؤكد فيه على أن " للمخرج وجوه ثلاث - المخرج المفسر ، وهو عندما يري المخرج الممثل كيفية اداء الدور ، لهذا يمكن أن نطلق عليه أسم المخرج – الممثل ، أو المخرج المربي ، و- المخرج – المرآة – العاكسة لسمات الممثل الشخصية ، و – المخرج المنظم – ينظم العرض المسرحي"(4).
ان الوجوه الثلاثة التي يؤطرها (دانشنكو) والتي يجب ان يكون المخرج منسجماً مع احدها او اكثر ، تجعلنا نتذكر طروحات المخرج الروسي (تفستناغوف) حول خصوصية المؤلف الدرامي الذي قسمه إلى ثلاث فئات، الاولى: وفيها من يكتب نصوصاً تعالج الظواهر والأحداث التأريخية الكبيرة وتصور حياة الشخصيات المشهورة، والثانية: وفيها من يكتب نصوصاً بهدف زيادة رصيد الشباك ورواج السوق وغالباً ماتخلو تلك النصوص من المعايير الفنية، والثالثة : وفيها من يكتب نصوصاً مفرطة في التعليمية أو مفرطة في التأدب النخبوي وهي نصوص خاسرة.
ويعطي (بوبوف) خصوصية لكل شكل من اشكال المخرج الثلاث التي قدمها (دانشنكو) والتي يؤكد فيها على علاقة المخرج بالممثل وفي إحدى العبارات التي يحب (دانشنكو) أن يذكرها دائما يقول "على المخرج أن يموت في الممثل"(5), الأمر الذي يجعل من الممثل في كثير من الأحيان نسخة عن المخرج ، وبالطبع فإن تلك الطريقة تمتلك عناصر إيجابية وأخرى سلبية ، كشفت عنها التجارب اللاحقة التي جاءت في عروض (ستانسلافسكي) الاندماجية .
وفي إشارة إلى المخرج الآخر ألا وهو (المخرج المرآة) ، فإن (بوبوف ) يقول " إن اهم مايجب أن يتمتع به المخرج – المرآة هو الإحساس بشخصية الممثل الذاتية ، كي يتابع بإستمرار مقدار إنعكاس خطة الكاتب والمخرج فيه، ولمعرفة مايلائمه منها وما لايلائمه ، وفي أي إتجاه ينزع إليه خياله الإبداعي، وإلى أي حد يمكن الاصرار على هذه او تلك من المهمات التمثيلية"(6) ، وعلى الرغم من اهمية هذا النوع من المخرجين في التعامل مع الممثل إلا انه في النهاية يقتص من حرية الممثل الابداعية في إكتشاف الشخصية ، ذلك ان المخرج يضع الممثل في إطار هلامي يقيد قدرته التي تتحدد بخيال المؤلف والمخرج ، ولا تخرج عنها.
اما النوع الثالث من الاخراج هو(المخرج المنظم) "و يدخل في إختصاص المخرج المنظم جميع عناصر العرض المسرحي ، وفي مقدمة هذه العناصر إبداع الممثل ، الذي يجب ان ينسجم مع بقية العناصر في كل واحد متكامل "(7) واعتقد ان هذا النوع من الاخراج هو الاكثر تفاعلا مع العرض المسرحي والذي يشمل منظومة متكاملة من العناصر التي يكون الممثل احدها وليس بمعزل عنها .
فضلا عن ذلك فإن (بوبوف) يقدم مفهومين يعتقد أنهما " يقضيان على إبداع الفنان، هما الطبيعية والشكلية، إن الفنان الطبيعي يصور مايطوف على السطح ، محررا نفسه من عبء التعمق في مادة الحياة(...) أما الفنان الشكلي فهو يتبع مبدأ الفن للفن منحرفاً عن مبادئ الواقعية الخلاقة بطرق ولأسباب مختلفة"(8) .
ينطلق (بوبوف) من مفهوم الواقعية التي تبناها (ستانسلافسكي) والتي سنلاحظ حضورها بشكل واضح في تضاعيف هذا الكتاب سواء بشكل مباشر او غير مباشر ، الأمر الذي يبدو فيه (بوبوف) منسجماً مع (الواقعية النفسية) دون غيرها من الاساليب الإخراجية ، وسوف نلاحظ على سبيل المثال لا الحصر عدم ورود أي إشارة إلى تجارب (مايرخولد) في الاخراج ، ويعود ذلك إلى تعارضه مع واقعية (ستانسلافسكي) ، ونزوحه نحو مفهوم مختلف في المسرح .
ومن هذا المنطلق فإن جميع الاراء التي يطلقها (بوبوف) تكون منسجمة مع طروحات (ستانسلافسكي) ، كما في الجزء المتعلق (بالهدف الاعلى وخط الفعل المتصل ) الذي إعتمد فيه على مقولات (ستانسلافسكي) حصراً بقوله : " أن المخرج الكبير يرى في الهدف الاعلى قدرة خاصة على إستقطاب مختلف القوى والاهداف والافعال في المسرحية، وان كل مالايرتبط بهذا الهدف الرئيسي هو زائد ومعيق للفعل الدرامي"(9).
وفي موضع آخر فإن (بوبوف) يعمد إلى طرح واحداً من الاسئلة التي طالما شغلت المعنيين بالعرض المسرحي " بماذا تختلف شاعرية المخرج عن شاعرية الكاتب المسرحي؟"(10) ونعتقد ان الاختلاف يكمن في آليات إشتغال كل منهما ذلك ان العناصر التي يعمل المؤلف عليها من اجل إنجاز فكرته إلى المتلقي أو القارئ تختلف عن تلك التي يعمل المخرج على توظيفها في العرض المسرحي .
أما (بوبوف) فإنه يقدم إجابة مغايرة " أن الاختلاف الجوهري يكمن في أن خيال الكاتب المسرحي الخالق للمسرحية إنما ينطلق من احداث وشخصيات الواقع نفسه ، اما خيال المخرج والممثل الابداعي فيلتهب عن إلتقاء إنطباعين أثنين ، المسرحية المقروءة من جهة ، والذكريات الإنفعالية المعاشة من جهة اخرى، إن الباعث لهذه الذكريات والمشاعر هو المسرحية التي نقرؤها ، بيد ان المخرج يرى عرضه المسرحي المقبل أيضاً كما يرى المؤلف مسرحيته من قبل ان تكتب"(11)، وبذلك فأن كل من المخرج والمؤلف يتوافقان في انهما يشاهدان المسرحية قبل ان تكتب او تقدم بوصفها عرضاً مسرحياً، إلا أن تلك الإجابة تقتصر على نوع محدد من انواع التعاطي مع النص الدرامي إلا وهو المحافظة على افكار المؤلف، ولم يعد المسرح يتكئ عليه ،حيث جاءت الرؤية الإخراجية لتكون بديلاً فكرياً وجمالياً عن أفكار المؤلف التي سطرها في النص الدرامي ، وإلا لماذا يبقى شكسبير حيا حتى اليوم ؟.
من جهة اخرى فإن (بوبوف) يشير إلى أهمية (الجو المسرحي ) الذي يصفه قائلاً " فالجو إذن مفهوم حركي وليس ساكناً إنه يتغير دائما تبعاً لتغيرات الظروف المقترحة والاحداث "(12)، مؤكداً على أن (الجو المسرحي) أرتبط على نحو أساس مع تجارب (مسرح موسكو الفني) الذي " هو خالق مفهوم الجو المسرحي دون منازع فالاخلاص للواقعية وحقيقة الحياة من جهة ، والسعي نحو أدب مسرحي حيوي من جهة ثانية ، هما اللذان دفعا مسرح موسكو الفني إلى تعميق وإغناء وسائل التعبير في المسرح"(13).
ويختلف (بوبوف) مع الطروحات التي كانت تتعارض مع مفهوم الجو المسرحي وخصوصيته في مسرح موسكو الفني ، مشيراً إلى ان " نقاد المسرح القدامى إستقبلوا مفهوم الجو المسرحي – هذا الفتح الجديد للمسرح الفني – على أنه مجرد (مزاج) والواقع ان هذا الكشف الجديد في مجال الوسائل التعبيرية المسرحية لم يتولد أبدا عند ستانسلافسكي و دانشنكو تبعاً لمتطلبات( الموضة) بل كان نتيجة دراسة معمقة لحقيقة الحياة ومحاولة إغناء لغة المسرح التعبيرية من خلال الأدب الواقعي وفن التصوير المعاصرين، كما ان إعتبار الجو المسرحي مفهوماً يعود فضل إكتشافه إلى أدب تشيخوف الدرامي فقط ، ليس أمراً شرعياً أبداً "(14).
بمعنى آخر فأن (بوبوف) يعمل على ربط جميع الاشتغالات التي تخلق تكاملية العرض المسرحي بتجارب (مسرح موسكو الفني) فحسب ، على الرغم من انه في مواضع اخرى يتقاطع مع طروحاته تلك ، " فالجو المسرحي إذن لم يكن ثمرة جهود واعية، وإنما نشأ بصورة عفوية نتيجة فعل درامي حيوي متبادل"(15) .
وتختلف وسائل تحقيق الجو المسرحي بحسب (بوبوف) الذي يؤكد خصوصية كل عرض في خلق جو مسرحي مغاير عن سابقه من العروض ، مفترضاً ان " لخلق الجو المسرحي لاتكفي معرفة عناصره التعبيرية فقط ، بل علينا أيضاً أن نبحث في كل عرض عن وسائل مختلفة لتجسيد الجو المسرحي من حيث إرتباطه بالعصر، وشخصية الكاتب، واخيرا من حيث إرتباطه بالمبادئ الفنية لهذا العرض"(16) ، وبذلك يكون للمؤلف دور فاعل في تشكيل الجو المسرحي ، ولكننا نعتقد ان المسألة لاتتعلق بشخصية الكاتب ، بقدر تعلقها ببنية النص ، فما هي علاقة شخصية الكاتب الذاتية بالنص ؟
يختلف (بوبوف) مع الدراسات النقدية التي تدعو إلى التجريد في المنظر ، ويعتقد ان المنظر ينبغي ان يكون معبراً عن فكرة المسرحية على نحو خاص ولا يترك عائماً على بحر من الافكار " كثيراً مايسود التجريد المسرحي عندنا مكان الواقع التاريخي الملموس للعرض ، فكل شيء مجرد أبتداء من الملابس والديكور وانتهاءا بالاداء التمثيلي، وهذه الظاهرة المعادية للتاريخ في الفن، كثيراً مايمجدها النقاد بنظريات جاهلة ويعتبرونها ظاهرة مسرحية شيقة "(17).
ويبدو أنه يشير بذلك إلى توجهات (مايرخولد ) التي أراد بها مغادرة (مسرح موسكو الفني)، ولم يدخر (بوبوف) جهداً في تبني أفكار (ستانسلافسكي) دون سواه من مخرجي المسرح الروسي ، كما هو الحال في تحديده للوسائل التي تسهم في صناعة المنظور ا في العرض المسرحي ، و هي " السرعة الإيقاعية ، والميزانسين ، والاضاءة ، والموسيقى، وتستخدم هذه الوسائل في توزيع المشاهد والاحداث الرئيسية والثانوية، وهذا مايخلق المنظور في تطوير الفعل الدرامي، والتآلف الهارموني الصحيح بين اجزاء العرض المسرحي "(18).
أن الوسائل التي احالنا إليها (بوبوف) تكاد تنسجم مع المفهوم الحديث للسينوغرافيا ، على الرغم من أن المنظور إرتبط إبتداءاً بفن الرسم ، إلا أنه في المسرح إرتبط بالعديد من الوسائل التي تتشكل على نحو تركيبي في بناء العرض المسرحي ، كما يؤكد (ستانسلافسكي) " أن المنظور من وجهة نظر التكوين في الاخراج هو منظور الفعل المتطور ، أي الرؤية ليس من نقطة جامدة بل من نافذة أمامية لقطار سريع حيث تنفتح أمام العين كل المواضيع والابعاد الجديدة"(19).
يقدم (بوبوف ) واحداً من أهم الاقسام في هذا الكتاب ألا وهو القسم الذي جاء تحت عنوان (المشهد الشعبي) والذي يختلف مفهومه تماما عن مفهوم المسرح الشعبي ، ذلك أنه يرتبط بشكل خاص بألية الاشتغال والتعامل مع الادوار الثانوية (المجاميع ) حيث يشير المؤلف إلى بدايات هذا الفن بقوله "فن المشهد الشعبي حديث العهد في الاخراج ، ويرتبط كلياً بمبادئ المشهد الجماعي ، (...) وليس صدفة أن شاع في المسرح القديم مصطلح (ستاتيست) أي الممثل الثانوي دون كلام ، فالستاتيستيون هم الناس الذين كانوا يقومون بـ(الضجة) على خشبة المسرح ماقبل الثورة"(20) ، ومؤكدا على أن هذا الشكل المسرحي قد تطور مع فرقة مسرح موسكو الفني على الرغم من انه يذكر في موقع آخر ان المشهد الشعبي مقتبس من تجارب مسرح (الميننغن ) نسبة إلى الدوق (ساكس مايننغن) ، إلا انه يعتمد مرة أخرى على مقولات (ستانسلافسكي) الذي يقول" غالباً ما اتهم بإقتباس إعداد المشاهد الجماعية من الميننغيين ، وهذا خطأ ، فالميننغيون كانوا أقوياء في تنظيم المشاهد الجماعية من حيث الاسلوب الخارجي، والنظام الصارم الشكلي ، أن كل مافعلوه هو انهم طلبوا من مؤلفي السيناريو كتابة أدوار صغيرة لكل جندي وأرغموا ممثلي (الستايست) على حفظ هذا النص عن ظهر قلب لإعادته بصورة آلية في المشاهد الجماعية(...) إن ما أسعى إليه هو شيء آخر ، فانا أريد أن يبدع الممثل حياته المسرحية بنفسه بصرف النظر عن الدور ومكانته في المسرحية وذلك على اساس الدراسة الكاملة والعميقة للحياة المسرحية"(21).
وبذلك فإن المؤلف يكشف لنا عن نوعين من انواع الاشتغال على تأسيس المشاهد الجماعية ، احدهما مرتبط بطريقة المايننغن والاخر يرتبط بأسلوب ستانسلافسكي في الواقعية النفسية .
ومن جهة أخرى فأنه يؤكد على أن " صلاحيات المخرج في المشهد الشعبي غالباً ماتسبق صلاحيات الكاتب ، ذلك ان المخرج في أكثر الاحيان هو مؤلف المشهد وخالق نظام الافعال الدرامية المعقدة فيه "(22).
ولا تعتمد فكرة بناء المشهد الشعبي على رغبات المخرج وطموحاته الاخراجية بل على العكس فإنها ترتبط بأليات ضرورية لتحقيق هذا النوع من المشاهد التي يفترض بها ان تكون مترابطة مع باقي مشاهد العرض الاساسية فضلا عن ذلك فإنها ترتبط بمراحل تدريب الممثلين عن طريق "خلق قصة حياة شخصيات المشهد الشعبي من قبل الممثلين أنفسهم ، والتعرف على عملية الحصاد وتكنيكه ، إجراء الدراسات (التجريبية) لإيجاد وتحقيق خط الفعل وحالة الاحساس الجسماني عملياً ، وكذلك إستيعاب النص القليل الذي كان لدى البعض منهم "(23).
وقد إرتبط المشهد الشعبي على نحو خاص بمفهوم (الميزانسين ) او كما هو معروف بالتشكيل الحركي ، الذي يتكون بالتفاعل بين عناصر العرض على خشبة المسرح ، فضلاعن وجود الممثل الذي يلعب دورا بارزا في تشكيل (الميزانسين)، إلا ان ذلك لايمكن ان يتم " بوجود ممثلين سلبيين إذ لابد من وجود الممثل المتحفز الذي يستطيع القيام بالفعل الدرامي بصورة هادفة وموجهة "(24) ، ويشير (بوبوف) إلى وجود فهم خاطئ لمفهوم الميزانسين الذي يتم التعبير عنه "بإصطلاح الوصل الذي يولد إنطباعاً بأن وضع الميزانسين هو فرع خاص من عمل المخرج لايرتبط كثيراً بمجمل نشاطه "(25) وهذا بالتأكيد تعبير قاصر عن الميزانسين الذي يعد الوحدة الكلية التي تجمع عناصر العرض المسرحي خالقاً نوع من الهارموني بين تلك العناصر التي يحركها الممثل من خلال التفاعل معها .
ويثير المؤلف موضوعا حيوياً طالما كنا نعتقد انه مرتبط بالمخرج (مايرهولد ) إلا ان (بوبوف) يهشم ذلك الاعتقاد من خلال ربطه بتجربة ستانسلافسكي ، الذي "يطلق على السرعة الايقاعية الجاهزة والمشابهة بالنسبة للجميع أسم الشرطية، أي عندما يعيش كثرة من الناس ويقومون بالفعل الدرامي على خشبة المسرح في إيقاع واحد كصف من الجنود أو مثل راقصات (...) عند ذلك تكون سرعة إيقاعية شرطية، قوتها في حياة القطيع وفي التعود الميكانيكي العام "(26).
إلا أننا نعتقد ان مفهوم ستانسلافسكي مغاير لما جاء به (مايرخولد) عن الشرطية ، على الرغم من ارتباط احدهما بالاخر عن طريق الميكانيكيا ، إلا أن مايرخولد عمل على المزاوجة بينها وبين مفهوم أخر هو (الاسلبة ) التي تعد من خصائص اسلوبه الاخراجي .
وتجدر الإشارة إلى أن المكتبة المسرحية لم تزل بها حاجة إلى دراسات حديثة للظاهرة المسرحية ومايحدث فيها من متغيرات ، على مستويات متنوعة ، ذلك المسرح في العراق بات يدور في حلقة مفرغة من الدراسات التي تعد تلقي بظلالها على خشبات المسارح العالمية .



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية (إستيلاء) هيمنة ذكورية غائبة .. وحضور أنثوي مستلب !
- العرض المسرحي (فوبيا .. تكرار) .. مستقبلنا المخيف !
- -موت مواطن عنيد- .. تأريخ من الخوف
- ثنائية المعمار المكاني والإشتغال النصي في مسرحية( سفر .. طاس ...
- مسرحية -مراحيل- ... العودة إلى الكهف في أنظمة -الربيع العربي ...
- -أنا الحكاية- في مقبرة جماعية
- الحداثة ومابعد الحداثة .. تناقضات من التمثيل إلى العرض
- جماليات الرقص الدرامي في -بيت برناردا ألبا-
- مفهوم التشاركية في -مسرح المخرجين-
- -المسرح والتقنيات - التقنيات الرقمية وفرضيات الهيمنة على الم ...
- مجتمعات ومسارح
- تحولات البنية الفكرية في مسرح الربيع العربي
- مسرحية - عزف نسائي - بين التطرف الديني .. والانهيار الاخلاقي ...
- فاعلية التأريخ في منظومة -الربيع- المتأخر
- المركز العراقي للمسرح - قراءة تأملية في (مهرجان بغداد المسرح ...
- مسرحية (فلم أبيض وأسود) .. صورة رمادية للوجع
- أيها الخراب .. -جئتُ لأراك-
- إشكالية توظيف الرمز في مسرحية -مطر صيف-
- القصدية وإشكالية تأويل العلامة في (حروب) إبراهيم حنون
- المقولات التي تفقد معناها في العرض المسرحي


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - -التكامل الفني في العرض المسرحي - المفاهيم الجمالية في المسرح الروسي