أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - القصاصة _ قصة قصيرة














المزيد.....

القصاصة _ قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4373 - 2014 / 2 / 22 - 01:09
المحور: الادب والفن
    


كتبت رسالتها بيد ترتعش تخشى أن تقع في ما لا يحمد عقباه ووضعت قصاصة الورق بين الكتاب ,حاولت أن تخفي اضطرابها عن زميلاتها في العمل بإعادة ترتيب ماكياج الوجه , تناست أنه لا يجوز في العمل أعادة ذلك إلا في المكان المخصص,ارتكبت مرة أخرى لتفعل ما هو أكثر جرأة ,سحبت كرسي قديم من قرب الشباك لتجلس وتنظر من خلاله لما يحدث في ساحة المصنع الخارجي ,لعلها تلتقط أشارة منه وهو خارج إلى البيت,ما زالت يداها ترتعشان من الاضطراب وكأنها تسرق شيئا أمام أنظار الشرطة.
قد تكون في مرة أو أكثر وقعت في هذا الإحراج لكنها المرة الأولى التي لا تعرف كيف تعالج الأمر شدها ذهول وشتت قواها الفكرية وهي التي تعرف دوما بالحديدية قسوة وقع الكلمة التي سمعتها من رئيسها في العمل,عادتها لا تبكي فهي نادرا ما تسقط دموعها,قد لا تكون من النوادر في عالم النساء ولكها من النوادر في عالم الضعفاء أن تكون بهذه الجلادة وهي تقمع عن عمد كل المشاعر الطبيعية,ناقشتها مرة قالت لا .... أنا أبكي كثيرا ولكن لوحدي قد أكون أكثر النساء بكاء.
لا تعرف بالضبط ما الذي أطاح بصلابتها المعهودة وكيف فسرت الكلام هل هو مدح حسب ما تقرأه هي أم ذم أو إهانة,انا أيضا لم أعد أعرف ما في داخلها من تفسير... الارتباك الحاصل لم يكن لوحدها الجميع في القسم كان مرتبكا ووقف مذهولا لتلك العبارات التي جاءت كسلسلة من الطلقات النارية المتلاحقة ,أول الأمر فسرتها مدح بلا حدود ,ربما كانت كذلك لكن المدح لا يأت بهذا الارتباك.
عادت مرة أخرى إلى لوحتها الخشبية لمعاودة العمل والاستمرار أمسكت بالأقلام والمساطر تحاول أن توحي للجميع أن الأمر مضى وأنتهى لكنني ما زلت أراقب حركات قدمها وحذائها التي تضرب به بقوة على الأرض بحركات هستيرية علمت عندها أن الموضوع أكبر من كلمات وأن هناك في الأفق المخفي أسرار تحت الطاولة,أمسكت بسيجارتي وأخذت نفس عميق محاولا أن افكك عقدة الحدث وأعيد بناءه لعلي أقرأ جيدا.
هي في العمل معنا منذ سنين وقريبة الرجل وزميلته أيام الدراسة وقد تركت بصمتها الإدارية الممتازة منذ أن تسلمت أدارة القسم الفني بجدارة,تلتقي كثيرا بوالده هنا لم تشعرنا يوما أنها أكثر من عاملة معنا برغم أن الرجل العجوز حاول أن يمنحها امتياز إلا أنها أصرت أن تشق طريقها بما ينسجم مع علميتها وإرادتها المستقلة ,لا تتوانى بالدفاع عن حقوق العاملين بل لا يمكنها ان تقف موقف المحايد في أي قضية,تكثر من حديثها حول أن يستعيد الإنسان كل مكوناته التي منحتها الطبيعة له لا موجب أن يطالب فقط بل يسعى للذهاب حيث هي وينتزعها من فم الفئران كما تقول.
أعرف أن لا انسجام بينهم وكثيرا ما دققت بنظراته لها كانت تميل إلى نوع من التودد وأحيانا نوع من الشماتة تقابلها دوما بضحكة عريضة تقول لا بأس الزمان بيننا,ما هذه الثقة الجبارة بنفسها من المؤكد أن لمسات الجمال التي تتمتع بها لا علاقة لها بتلك الصورة الأسطورية التي تمنحها لنفسها,لا يعتبرها الكثيرون مغرورة,أنا وحدي من يسعى دائما لأن يقترب منها ويتكلم بصراحة,تجيد كتابة الشعر والعزف على الكمان لديها قطتين جميلتين وتعيش مع أمها الطبيبة التي يعرف عنها أهل المدينة أنها ومنذ أن أعدم زوجها قبل ربع قرن لم تنفك من مراعاة الفقراء والمساكين وخاصة الأيتام والأرامل ,أحيانا تقضي كل أوقاتها خارج البيت مع المرضى أو لتعوض نقص الطبيبات بالمستشفى.
قرأت مره في كتيب صغير كانت تحمله معها وبالمناسبة ان الكتاب لا يفارقها أبدا منذ أن عرفتها قبل سنوات,قرأت أن فكرة تخليص الإنسان من شرور النفس عي فكرة خيالية ومن ثم هي احتيال على الطبيعة لأن الشر أصلا هو تخلي الإنسان عن جوهر ماهيته وبالتالي فهو ليس أصيل بقدر ما هو نتيجة إهمال في فهم أنفسنا,ناقشتها في مضنون الفكرة أيدته وبكل قوة أن الإنسان أصلا هو خير محض مثل المؤمن يكون كافرا عندما يتخلى عن جزء من إيمانه وليس بمعنى اعتناقه الكفر كمنهج,وقتها عرفت أن هذه الفتاة من بيئة لا يمكن أن تنتمي لهذا الرجل العجوز الذي يملك المصنع وله ولد أشبه بالعثة التي تأكل الجدران.
أعدت قراءة الكلمات التي أطلقها هذا الرجل الولد الذي لم يفرق بين الذكورة والرجولة مرات عديدة وكتبتها في ورقة أمامي لعلي أستخرج منها مغزى ما حدث,أظنها لو قيلت لي لأمكنني أن أفتخر بها وقد يكون غير عنده مدعاة للاعتزاز إلا هذه الملاك كيف فهمت أو تلقت الكلمة , ما أظن أن الأمر برئ كما يقولون في الأمر (إنه) ,أنا مسترسل بأفكاري ودخان سيجارتي شاركني التشتت والتيه حتى دخلت علينا العاملة ساعية البريد لتسلم كل منا بطاقة دعوة في غاية الأناقة,كانت البطاقات مغلفة وعليها وردة حمراء طبيعية,أستلمت بطاقتي كانت هناك واحدة مختلفة وردتها بيضاء حدسي نبئني أن هذه المختلفة ستكون نصيبها ,فعلا أستلمت البطاقة وأهدت الوردة مع مبلغ من المال اخرجته من حقيبتها وسلمته للساعية مع أمنية جميلة.
الآن فهمت سر الحكاية وكلمة (كم أنت عظيمة أيتها الملاك الخالد نصيبك السماء) كانت شفرة بينهما وإعلان نهاية أمله بها ,كثيرا ما سمعت أنه يرغب بالاقتران منها لكنها تصفه دوما أنه مختلف ولا يمكن أن يكون هناك حل لجمع النقيضين,كانت يراها مجرد أنثى وهو مجرد ذكر الحقيقة أنه أثبت اليوم أن جواز الملائكة بالبشر لا يمكن أن يتم مع أجمل الظروف ,((لا يمكن أن تنزل الملائكة لتكون شريكا للإنسان في عالم فان)) هذا ما قرأته يعد فترة في تلك القصاصة في ذلك اليوم المربك.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرؤية الاقتصادية
- الرؤية السياسية في مشروعي الانتخابي
- التاريخية والحتمية التاريخية
- الفكر العربي ومسؤولية العقل
- التصنم الفكري... مغايرة ومعايرة
- التداولية الفكرية وعلاقة الزمن بالواقع العقلي
- أغنية العشق الذي لا ينام
- مسيلم عطال بطال _ قصة قصيرة جدا
- تساؤلات
- مخمرون ولسنا سكارى
- حلم تحت أشعة الشمس الحارقة _ قصة قصيرة
- الجهاد
- عينيك وأنا
- ماذا نريد من الفلسفة. ج1
- نظرية العدل ومقومات المجتمع العادل
- فلسفة ما بعد الفلسفة ج1
- فلسفة ما بعد الفلسفة ج2
- تناقض الدين والتدين
- الدين والانتظام
- لكل إنسان عقل إذن لكل إنسان دين


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - القصاصة _ قصة قصيرة