أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوكت خزندار - بين ماضي واليوم 2















المزيد.....


بين ماضي واليوم 2


شوكت خزندار

الحوار المتمدن-العدد: 4315 - 2013 / 12 / 24 - 16:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    





بين ماضي واليوم ـ 2 ـ



شوكت خزندار
الحلقة الثانية
العمل السري في صفوف الحزب السري!
نبذة تاريخية عن العمل الشيوعي العراقي !

مدخل:
شيْ عن وعي وصلابة الشيوعي!
الشيوعيون ليسوا من طينة واحدة؟
عند محكمات "النعساني" كان يتم محاكمة أحد الشيوعيين وهو من الكادحين، خاطبه قاضي المحكمة قائلا، هل تعتقد أن محيسن أو جنجون سوف يكون رئيسا للوزراء في العراق مستخفاً بالطبقة العاملة والكادحين؟ فما كان من المتهم بالشيوعية أن يجيب القاضي بابتسامته الساخرة قائلاً، هل يعتقد سيادتكم أن كل شيوعي يطمح على أن يكون رئيسا للوزراء، فكم رئيس وزراء يكون لدينا في العراق ألف ألوف مشيراً إلى أعداد الشيوعيين!
ثم يخاطب المتهم: أتدري أن ثمن زوج من الحذاء في العراق (ربع دينار) وفي السوفيت ثمن الحذاء ما يساوي بالعملة العراقية (خمسة دنانير)؟
الشيوعي: نعم أعلم، ففي العراق نحنُ حفاة والمواطن السوفيتي يملك زوجين من الحذاء، زوج شتوي وزوج صيفي!
******
لم يكن الحزب الشيوعي مولعاً أو عاشقاً لممارسة العمل السري منذ انبثاقه في 31/آذار/1934 وفي ظروف العراق، في ظل النظام الملكي المعادي للشيوعية فكراً وتنظيماً.
جهاز الحزب الخاص كعمل وممارسة من ابتكار حزب البلاشفة تحديدأ من قبل لينين الخالد وقبل سنوات طويلة من الثورة الاشتراكية عام 1917، فكان للجهاز هدفاً مزدوجاً أولاً، الحيلولة دون الاختراق لصفوف الحزب من قبل ("أوخرانا" الأمن العام في عهد القيصر) والهدف الثاني، هو الاختراق لصفوف الامن العام القيصري، أختار هنا حالة نادرة وبارزة عن كيفية العمل السري من بين العديد من الحالات الاخرى، شخص لينين أحد الناشطين البلاشفة يتسم بالذكاء والإرادة الفولاذية للاندساس في الامن العام بهدف التعرف على خطط وتوجهات الامن العام تجاه حزب البلاشفة، والمرسل المندس، بعد أن ثبت أقدامه وكسب ثقة رؤساءه في جهاز الأمن كلف بمهمة التحقيق وانتزاع الاعترافات من البلاشفة المعتقلين، فكان يقوم بتعذيبهم بقسوة ما، يهدف إلى أن يتعرف على صلابة هذا العنصر أو ذاك من البلاشفة، فعندما يصل المعتقل إلى حالة الانهيار ويبدي استعداده والاعتراف الكامل عن رفاقه وتنظيمه، يقضي عليه بالضربة القاضية، فأنقذ البلاشفة من الكثير لحالات اليأس والضعف وحال دون التوسع في الضربات المتتالية التي كانت توجه للبلاشفة.

عن جهاز أمن الحزب :
من أهم وأبرز مهمات جهاز أمن الحزب، هو صيانة وحدة الحزب وكشف المندسين في صفوفه ومراقبة توجهات السلطة تجاه الحزب ثم اختراق أجهزة الدولة المخابراتية والأمنية هذا هو أهم واجبات الجهاز.
لقد مارس جهاز أمن الحزب النهج اللينيني عند النظام الملكي، فتمكن من إرسال عدد من المندسين إلى صفوف الامن العام والمخابرات العراقية ولكن بصورة محدودة.
بعد ثورة تموز 1958 توسع نشاط جهاز أمن الحزب فتغلغل في صفوف الامن العام والمخابرات العراقية وحتى في صفوف مخابرات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية وتمكن من إجهاض وكشف عدد من الخطط المعادية تجاه الحزب والثورة فكان الحزب ومن خلال الجهاز،في وقت مبكر، على علم ببعض التحركات والنوايا للراحل عبد السلام عارف ضد الثورة وعبد الكريم قاسم ولكن تلك المعلومات لم تكن كافية وموثقة فتجاهلها الحزب ولم يتم إيصالها لزعيم الثورة عبد الكريم قاسم.

لماذا تمرد الشواف!
كان عبد الوهاب الشواف، أحد الضباط الاحرار الاساسيين عند ثورة تموز عام 1958، فهمش دوره ولم يأخذ مكانه الطبيعي في ترتيب سلم المسئوليات القيادية بعد الثورة مباشرة، فعندما يشعر المرء بالغبن خاصة العسكر، يفقد توازنه ويتصرف بتصرفات غير مسئولة فيثور على زملائه تحديداً على زعيم الثورة، عبد الكريم قاسم، في التحليل النهائي لمجريات الأمور منذ انطلاقة الثورة كان ميل الزعيم هو الانفراد بكافة القرارات الاساسية في البلاد وتجير كل القرارات والانتصارات لشخصه، عند العودة إلى الوراء نرى:
1 ـ تعيين أو تشكيل(مجلس السيادة) فالمجلس كان مجرد الواجهة فلم يكن لهم الدور في المشاركة عند اتخاذ القرارات، لقد أنتشر حينذاك الكثير من التعليقات الشعبية، على سبيل المثال، هل هو مجلس السيادة أم هو مجلس الفاتحة فكانوا يقضون جلى اوقاتهم في شرب الشاي والقهوة وهم ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء ساعات الدوام
الرسمي.
2 ـ تهميش الدور التاريخي للحزب الشيوعي العراقي في التشكيلة الوزارية وما كان الزعيم ينظر إلى الحزب ودوره الريادي قبل الثورة ومنذ الساعات الأولى عند صبيحة 14 تموز وجماهيريته الواسعة، إلا ما يصب في خانة الزعيم ومن ثم استغلال الحزب كشماعة لكسب ود الاتحاد السوفيتي اقصى درجات الاستفادة فلا يستطيع أي منصف إنكار دور السوفيت في تثبيت أقدام الثورة منذ ساعاتها الأولى إن كان على الصعيد المحلي أو على الساحة الدولية.
3 ـ سوف أشير في هذه المادة إلى اخطائنا كحزب شيوعي ودور السوفيت لأهم المسألة وهي قضية الدولة والوطن وكيف زرع السوفيت بيننا وفي قمة القيادة من الذين وقفوا بقوة بوجه الراحل سلام عادل وتطلعاته في مسألة الدولة.

أخفق جهاز أمن الحزب في الموصل ولم يتغلغل في صفوف حامية الموصل والتعرف على نوايا وتحركات الراحل(عبد الوهاب الشواف) آمر حامية الموصل أي معقل الشواف لو كان الجهاز ناشطاً بما فيه الكفاية، عندها كان بالإمكان تزويد قيادة الحزب بالمعلومات الموثقة والشهود ثم إيصالها إلى الزعيم عبد الكريم قاسم فكان بالإمكان تفويت الفرصة على عبد الوهاب الشواف ثم إقالته من منصبه أو نقله إلى مكان آخر وإبعاده عن الضباط المتعاونين معه في وحدته العسكرية، لو أتخذ مثل هذه الاجراءات لما كان بإمكان آمر حامية الموصل القيام بمحاولته الانقلابية ومن ثم توفير الكثير من الدماء إن كانوا شيوعيون أم غيرهم، ناهيك عن نتائجها السياسية السلبية والتي انعكست على الحزب ومسيرته النضالية .

ففي وقت متأخر جداً (بضعة أيام) تيقن الحزب بالدلائل الثابتة على أن الشواف حقاً يريد القيام بحركته الانقلابية ضد الثورة وعبد الكريم قاسم، عند ذاك قرر الحزب القيام بمهرجان خطابي في مدينة الموصل، وهدف المهرجان هو إفهام الشواف على أن خططه ونواياه مكشوفة وإفهامه على انه فقد عنصر المفاجئة، وتوفر لدى الحزب معلومة موثقة أن قائد الفرقة الثانية(داوود الداغستاني) هو القائد الفعلي لتلك المحاولة الانقلابية.
عند ذاك صدرت التوجيهات الحزبية وذلك في تعبئة الجماهير والنقابات العمالية وعدد غير القليل من الكوادر الحزبية والقيادية من ضمنهم الراحل(حمزة سلمان) عضو اللجنة المركزية والراحل قائد المقاومة الشعبية(مهدي حميد) كنتُ حينذاك منخرط في العمل الجماهيري وعضو الهيئة الادارية لنقابة الخياطين ومسئول الفني والثقافي للنقابة، كلفت من قبل سلام عادل بالذهاب مع الجمهور البغدادي والعمالي إلى الموصل في رحلة عرفت "بقطار السلام" حدث ذلك قبل 24 ساعة من محاولة الشواف الانقلابية هناك في مدينة الموصل التقيت مع الراحلين(حمزة سلمان ومهدي حميد) كان حمزة سلمان يحمل رسالة من عضو المكتب السياسي الراحل (جمال الحيدري) تقول الرسالة: عند القيام بالحركة الانقلابية، أضربوهم بقوة من حديد لاتلين تجاه جمهور الانقلابيين .. عند الاجتماع الكامل للجنة المركزية انتقد حمزة سلمان بشدة داخل الاجتماع، فكان حمزة سلمان يحتفظ برسالة الحيدري فأظهرها أمام الاجتماع فعند الاحداث المؤسفة وكثرة الضحايا من كلى الطرفين توترت العلاقة بصورة غير مسبوقة خاصة لدى عبد الكريم قاسم تجاه الحزب ففي خطاب علني وصف الزعيم لما حدث في الموصل، بإعمال هولاكو..وتبين أن داوود الداغستاني يتسم بالذكاء والفطنة فبعد المهرجان الجماهيري والخطابات النارية تفهم قائد الفرقة الثانية الداغستاني الوضع بصورة جيدة فلم يتحرك لمساندة الشواف.

في عهد ستالين وما بعد الستالينية!
أن أخطر ما واجه الحزب هو الشبكة الاخطبوطية لجهاز أمن الحزب والمرتبطة بالسوفيت، كان للراحل سلام عادل، ميل قوي بأهمية وضرورة استلام السلطة السياسية وبما أن السكرتير العام هو على رأس جهاز أمن الحزب فكان بين نارين، نار القيادة السوفيتية من جهة ونار الكتلة الرباعية من جهة ثانية فهم أعضاء بارزين في المكتب السياسي عرفت تلك الكتلة الحزبية، بالعصابة الاربعة، وهم (عامر عبد الله وبهاء الدين نوري وزكي خيري ومحمد حسين أبو العيس) فكان السكرتير مضطراً ومرغماً ليمارس العمل السري في صفوف الحزب السري ليقي نفسه والحزب معاً فجهاز أمن الحزب لم يكن ذو هيكلية تنظيمية كالخلايا وللجان الحزبية، فكان لكل واحد من هؤلاء الاربعة يرتبطون بالسوفيت مباشرة وعلى الإنفراد، وان وجب التنسيق فيما بينهم أو مع عناصر أخرى في القيادة فلابد أن يتم مثل هذا التنسيق سوفيتياً، فتاريخ الصراعات الحزبية وفي قمة القيادة تعطينا الدليل بصورة جلية على ما أذهب إليه، فإقصاء الراحل (حميد عثمان) عام 1955 على انها قيادة يسارية متطرفة ومن ثم إقصاء التيار اليساري في الحزب عموماً أو تدجين أقطاب اليسار في قمة القيادة لقد عشتُ وواكبتُ تلك المرحلة التاريخية، عام 1957 عند انبثاق جبهة الاتحاد الوطني، عرف الراحل جمال الحيدري باليسار واليسارية المتطرفة، بعد اعتقال بهاء الدين نوري وبهاء كان في قمة اليسار واليسارية، والراحل الحيدري عام 1953 عندما كان في السجن تحول إلى القطب اليميني بامتياز وقاد الحركة الانشقاقية( راية الشغيلة) اليمينية وهو بين أسوار السجن، عندما تمكن الحزب بقيادة سلام عادل تم تهريبه من السجن فتخلى عن الحركة الانشقاقية وأنظم إلى اللجنة المركزية ثم المكتب السياسي، هذا ما أشير اليه باحتواء بعض اليساريين ولولا القيادة السوفيتية لما قفز إلى عضوية المكتب السياسي ومن ثم أصبح وأنظم إلى جهاز أمن السوفيتي سبق وأن وثقت العبارة التالية، اليسار واليمن ينبعان من مستنقع واحد وفق مفهوم لينين، لذا نرى من رسالة الحيدري عند انقلاب الشواف عاد إلى جذوره اليسارية، فيقول لحمزة سلمان ومهدي حميد، أضربوهم بقوة حديدية لا تلين عند حركة الشواف؟ هكذا عاد إلى يساريته المتطرفة فاليسار واحد ويتغيرون وفق الظروف والحاجة، سوف نرى عند سرد هذه الشخصيات كيف يتغير أدوارهم.

وتكررت مرة أخرى عند إقصاء التيار اليساري الجارف في الحزب عموماً على يد عزيز الحاج في 17/ايلول/1967 ..فالمتابع يتذكر موقف عزيز الحاج بعد ثورة تموز فهو كان يمين اليمين وفي براغ تحول بقدرة القادر إلى أقصى اليسار المتطرف والقيادة السوفيتية لا تهمها إن كان يساراً أو يمناً طالما هي تمسك الأمور بين يديها، في لقائي مع المسؤول السوفيتي وفي بغداد عند الحركة الانشقاقية (القيادة المركزية) طرحتُ عليه السؤال التالي: لماذا وقفتم حجر عثرة أمام الحزب في تسلم السلطة السياسية بعد ثورة تموز عام 1958؟
أجاب بوضوح تام، كان النهج السوفيتي هو إخراج العراق من التاج البريطاني فثورة تموز حققت ذلك أما أنتم كحزب وقيادة وقاعدة حزبية يساريون متطرفون! فهل هنالك جواب أكثر وضوحاً من ذلك؟

وأنقل هنا الحالة التالية: كان الراحل، سلمان الحصان ـ أبو سفيان ـ قائد كتيبة الدبابات لإطراف بغداد وعضو لجنة حزبية متقدمة شعر وتوصل إلى أن معالجة الوضع العام العراقي بصورة عامة لن يتم إلا عند إقصاء عبد الكريم قاسم واستلام السلطة السياسية لصالح حزبنا الشيوعي وإني هنا لا أتحدث فيما لو كان الراحل أبو سفيان محقاً في قناعته وصواب توجهه أم لا .. إنما أعكس تلك التجربة التاريخية كما عشت .. والراحل أبو سفيان أعتبر القيادة الحزبية متقاعسة ولم تحرك الساكن، فتوصل إلى القناعة أن الوضع في العراق لن يتم معالجته سوى القيام بحركة انقلابية وانتزاع السلطة السياسية وإقصاء عبد الكريم قاسم من دفة القيادة وكان يعمل ويتحرك بسرية تامة دون إبلاغ قيادة الحزب بتوجهاته، وإني أضن أن السكرتير العام كان يملك معلومة معينة بنية سلمان الحصان وحركته الانقلابية، في واقع الأمر كان الوضع في العراق معقد للغاية فالخلافات الحادة في قمة القيادة (المكتب السياسي) كانت واضحة للعيان، وعدد منهم يريدون إقصاء سلام عادل وإبداله بشخصية أخرى وبما أن السكرتير لا يستطيع أن يتحرك ويتوجه لاستلام السلطة السياسية دون الموافقة المسبقة من القيادة السوفيتية بالتالي كان يرى ليتحرك أبو سفيان لإنقاذ العراق والحزب معاً وإفهام القيادة السوفيتية على أن العسكر هم كانوا صاحب القرار وليس الحزب، فكانت المفاجئة : ـ

أحد ضباط سلمان الحصان كان عضو في جهاز أمن الحزب فأتصل بعبد الرزاق الصافي وزوده بتفاصيل الحركة الانقلابية الذي كان ابو سفيان يريد القيام بها، عند ذاك كان الصافي في اللجنة الثقافية في الديوانية ورزاق كان ضمن جهاز أمن الحزب، فهو بدوره أبلغ عامر عبد الله بتفاصيل المعلومة ففي ساعات الفجر أقتحم عامر عرين عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع وتحدث مع الزعيم قائلاً، أحد ضباطنا الكبار تمرد على الحزب وينوي القيام بحركة انقلابية ضدكم .. فبعد ساعات النهار أعتقل أبو سفيان وأودع السجن هذه كانت معلوماتي الحزبية، أقصد جهاز أمن الحزب.

عام 1964 كنتُ في سجن الموقف العام في بغداد، كان سلمان الحصان وغضبان السعد في غرفة واحدة، والغرفة أصبحت مزار لسجناء الشيوعيين وإني زرتهم لأكثر من مرة داخل غرفتهم تحدث الراحل أبو سفيان بتفاصيل حركته وكيفية اعتقاله، ما سمعتُ منه كان متطابقاً تماماً لمعلوماتي الحزبية السابقة .

لذا أقول، أولم يكن السكرتير العام محقاً في ممارسة العمل السري داخل حزبه السري؟ أوليس الراحل عامر عبد الله احد الاعضاء البارزين في المكتب السياسي، والذي أبدى حرصاً لا نظير له لعبد الكريم قاسم والقيادة السوفيتية وليس لحزبه والعراق؟

التأمر على السكرتير مستمر !
في اجتماع الكامل للجنة المركزية الاعضاء والمرشحين في تموز عام 1959 أنبرى بهاء الدين نوري ووجه كلامه إلى المجتمعين قائلاً، أطلب من سلام عادل أن يقدم استقالته وأرشح هادي هاشم الأعظمي ليتولى مهمة السكرتير العام للحزب .. بالمناسبة، (هادي هاشم)هو الذي سلم سلام عادل إلى الحرس القومي في اليوم الرابع من الحركة الانقلابية في 8/شباط/1963 ولابد من أن أذكر المعلومة التالية:
في فترة حكم عبد الكريم قاسم كنتُ محجوز سياسي في سجن نقرة السلمان آنذاك لم أكن أعلم أي شيء عن كيفية اعتقال سلام عادل إلا بعد الخروج من السجن ففي أيام الجبهة والتحالف مع البعث عام 1974 كنتُ أزور محل الخياط، أبو ليث، في بغداد الجديدة فوجدتُ شخص طويل القامة عند ذاك قدمني صاحب المحل إلى ضيفه قائلاً أعرفك على الأخ أبو جلال وهو من رفاقك الشيوعيين ثم عرفني بالضيف فقال، أقدم لك الشيوعي السابق وهو الاستاذ(هاشم الاطرقجي) وهو من مدينة الموصل ثم أستمر هاشم في الكلام وقال، أسمع كثيراً عن أسم أبو جلال فواصل حديثه ويعلو قهقهة ضحكاته .. أبو جلال صاحب الضربة للحركة الانشقاقية، القيادة المركزية، هكذا تعارفنا، لاحقاً كنا نلتقي في نفس المحل وبعد أن توثق علاقاتنا معاً ففي احدى المرات تحدثنا عن الحركة الانقلابية عام 1963 فذكر وقال، كان بيتي وكر لسلام عادل في اليوم الثالث وبعد فشل المقاومة ضد الحرس القومي انهار هادي هاشم الأعظمي وسلم نفسه للحرس القومي وهادي هاشم كان الوحيد على علم بوكر سلام عادل، أي بيتي، وبعد فشل المقاومة في الكاظمية غادر السكرتير الوكر مسرعاً من باب الصيانة محتسباً قد يعترف هادي هاشم وأنتقل إلى بيت آخر تقع في النفس الشارع حتى يدبر مكاناً أكثر أمناً وفي منطقة أخرى.
يقول هاشم الاطرقجي، في اليوم الثاني، أي الرابع من انقلاب 1963 ، حضر هادي هاشم إلى بيتي برفقة الحرس القومي قائلاً لهم هنا يقيم سلام عادل ودخل الحرس البيت وفتشوا كل زوايا البيت وعندما يأسوا من إيجاد السكرتير جمعونا أنا والزوجة والأطفال وسحبوا أقسام الرشاشات قالوا إن لم تعرفنا على مكان سلام عادل نقتلكم جميعاً الان، يقول هاشم، بصراحة صرتُ في موقع قلق جداً على الاطفال والزوجة فمن باب الرئيسي أشرتُ إلى بيت الذي يقيم فيه السكرتير فاقتحم الحرس البيت ووجدوا سلام عادل فاعتقل.

تصور ايها القارئ الكريم بهاء الدين نوري يطلب من السكرتير تقديم استقالته ويرشح هادي هاشم الأعظمي فماذا كان يكون لو تولى هادي هاشم القيادة من سلام عادل ويظهر من على شاشات التلفزيون البعثي ويدلي باعترافاته المشينة عن الحزب ورفاق الحزب، أقول ماذا يكون وضع الشيوعيين النفسي والأدبي والسياسي؟ والراحل سلام عادل في قصر النهاية يعذب ويقطع جسده الطاهر ولم يتفوه بكلمة واحدة وهو مجهول القبر ..لا يا أخي بهاء الدين نوري، انك أردت في تلك الظروف السياسية المعقدة بعد أحداث الموصل ومسيرة الأول من أيار عام 1959 تمزيق الحزب مرة أخرى أوليس من حق الشيوعيين أن يسألوك، هل تلقيت الأوامر أو التوجيهات من السوفيت أم ماذا؟ وبهذه المناسبة أعود إلى اليسار، كان بهاء الدين نوري سكرتير الحزب منذ أوائل 1950 حتى ربيع عام 1953 أي عندما أعتقل عند قيادته كما أشرت كان يسارياً متطرفاً وبعد ثورة تموز 1958 تحول إلى أقصى يمين اليمن؟ وأصبح عضواً ناشطاً لجهاز أمن السوفيت! والأخ بهاء هو صاحب القول ولمرتين متتاليتين، يوم محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم ومقابل وزارة الدفاع، خاطبه الكادر الشيوعي والصحفي المعروف محمد ملا كريم قائلاً، هذه الليلة الفرصة متاحة ليستلم الحزب السلطة السياسية؟
فكان جواب العزيز بهاء: روح روح يا سلطة يا بطيخ! وفي كُردستان عام 1981 كرر قوله مرة أخرى!

بعد تجربتي العملية لعقود من الزمن مع جهاز أمن الحزب وثقتُ في(سفر ومحطات) تحت العنوان (شيء عن جهاز أمن الحزب، فالجهاز يراقب الكل كالشبح) من السكرتير العام وأعضاء المكتب السياسي حتى آخر خلية من خلايا الحزب وأشرتُ إلى الاسماء الصريحة من الذين كانوا على رأس الجهاز بعد انقلاب الدموي في 8/شباط/1963 وهم كما واكبت تباعاًَ، الاعزاء (آرا خاجادور، وأبو حسان، وآخرهم عبد الرزاق الصافي) حتى انسحابي من الحزب في أوائل آذار عام 1983 وفي دمشق تحديداً.. سوف أشير إلى ما تعرض له الراحل سلام عادل من قبل الجهاز بعد ثورة تموز عام 1958.

عند وبعد الاحداث الدامية في مدينة الموصل في آذار 1959 وصف الزعيم بما حدث هناك "بإعمال هولاكو" .. ثم جاءت المسيرة المليونية في 1/ايار/1959 فالمسيرة بدأت من الصباح الباكر واستمرت حتى فجر اليوم الثاني، كانت في المسيرة موكب من الضباط أصحاب الرتب الكبيرة وضباط الرتب الادنى وموكب من ضباط الشرطة بمختلف الرتب والكل تهتف(حزب شيوعي في الحكم مطلب عظيمي) مما أرهب الزعيم ووسع شقة الخلاف بين الحزب والحكومة.

في مقالي السابق تحت العنوان، (يا ترى هل هو كابوس أم ماذا) تطرقت إلى أن عملنا الحزبي والذي كان عملاً أمنياً في الاساس وفي هذه المادة أود الاشارة إلى:
من أجل الحفاظ على الذات والحزب كان الشيوعيين يتمتعون بالوعي الامني العالي ويتفوقون على الاجهزة الامنية عند الانظمة العراقية المتعاقبة، والدولة التي كانت تملك الاجهزة القمعية كالشرطة ودوائر الأمن ووكلائهم كان من بينهم من هُم يؤدون واجباتهم الوظيفية ليس إلا وأعداداً كبيرة منهم كانوا يمارسون الاعمال الادارية في دوائرهم فكانوا يفتقرون إلى الوعي الأمني العالي بخلاف الشيوعيين .. ففي تجربتي كما للكثير من الرفاق الذين سبقوني عند الحفاظ على الاوكار الحزبية ودور الطباعة الحزبية لم يتم كشف أو مداهمة الاوكار الحزبية الخاصة سوى حالات نادرة كنتيجة الاهمال أو التراخي لأساليب الصيانة أو الاعتراف فبودي أن أشير إلى الحالات البارزة، منذ عامي 1965/1966 حتى خروجنا من الوكر في أواخر عام 1966 كان الوكر خاص لاجتماعات المكتب السياسي والإقامة لعدد منهم ولأول مرة عقدت اللجنة المركزية اجماعها الكامل، الاعضاء والمرشحين في وكرنا القيادي الاجتماع الذي كرس لإقرار والموافقة على قرار المكتب السياسي والخاص بعودة عزيز الحاج إلى الوطن فكان ضمن الاجتماع (كاظم الصفار) وبعد الاجتماع ذهب(الصفار) إلى الوكر الخاص بجهاز الطبع لمنطقة بغداد وعند دخوله الوكر وجد كميناً أمنياً فأعتقل .. كان قد أعتقل(أنيس كاشف الغطاء) في الشارع فلم يصمد واعترف على بيته وسلم جهاز الطبع هكذا اعتقل كاظم الصفار.

في حالة ثانية عندما أعتقل أحد العاملين في مطبعة جبهة الاتحاد الوطني قبل ثورة تموز 1958 وهو من البعثيين .. فأعتقل الراحل(حمزة سلمان) يوم 13/تموز 1958 .
وفي حالة ثالثة عندما كبس وكر الطباعة الحزبية والمسئول عن الوكر كان(سليم إسماعيل ـ أبو عواطف) فأعتقل والواشي كان أحد المندسين في صفوف الحزب، عند ذاك كان بهاء الدين نوري سكرتير الحزب وكالة قبل عودة عزيز محمد إلى الوطن.

هنا أعود إلى عنوان هذه الحلقة (العمل السري داخل حزب سري؟).
منذ بدايات من عام 1959 برزت شلل وبطانات وتكتلات عدة في قمة قيادة الحزب(المكتب السياسي) أخطرها كما نوهت أعلاه عرف حزبياً بالعصابة الأربعة وهم : عامر عبدالله وزكي خيري وبهاء الدين نوري ومحمد حسين ابو العيس جميعهم أعضاء في المكتب السياسي.
بهاء الدين نوري وفي مذكراته حاول انكار عضويته في جهاز أمن السوفيتي وحتى اللحظة أي أبعاد نفسه والسوفيت معاً أن مقترحه بإقصاء سلام عادل ويقدم هادي هاشم كبديل لسلام عادل فالهدف كان تدمير الحزب مرة واحدة منذ عام 1959 وكان يعلم جيداً بأن مقترحه لن ينال موافقة قيادة الحزب وفعلاً فشل .. هذا كان أهداف ومرامي إقصاء سلام عادل ..ولكن السكرتير العام تمكن بحنكته وتجربته السياسية والتنظيمية أن يوجه ضربته المميتة وتمكن من اتخاذ القرار الحاسم وذلك في طرد وإقصاء كل من:
عامرعبد الله وزكي خيري وبهاء الدين نوري ومحمد حسين أبو العيس وكلهم هم من أفراد الجهاز السوفيتي .
سلام عادل الذي أستلم بطاقة عضويته الحزبية عند قيادة الراحل "فهد" عام 1943. عُرف سلام عادل بقوة المنطق والحجة واللغة الرصينة وصاحب شخصية قوية وكارزمة نادرة سلام عادل كان يسحر محادثيه إن كان مع رفاقه في الحزب أو مع الحلفاء، في الوقت نفسه كان يتمتع بالمرح والنكات بودي هنا التطرق إلى حالة طريفة جداً، كان السكرتير في ضيافة أحد رفاق الكُرد فتناول أكل الباجة المطبوخة على طريقة السليمانية .. بعد أشهر معدودة أشتهى أكل الباجة، فخاطف رفيقه الكوردي قائلاً له، لضرورات الحزبية نقلناك إلى مكان آخر وحدد له المكان والزمان مع شارة الاتصال .. ورفيقه أجاب، يا رفيق فأنا مركزي والكل يعرفني فلماذا هذا الاجراء؟ أجاب السكرتير، قد يأتي شخص لا تعرفه وافترقا .. في اليوم المحدد والمكان كان ساحة الميدان فظهر السكرتير أمام رفيقه وأحتضنه وهو يضحك قائلا : يالله رفيق أشتري رأس غنم والكراعين مع الكرشة ونذهب إلى البيت ثم نتناول الباجة مع الكيبايات المحشوة.



#شوكت_خزندار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين أمس واليوم!
- يا ترى هل هو كابوس أم ماذا؟
- بمناسبة عيد المرأة العالمي 8 – آذار 2013
- أوقفوا النهج الأهريماني! (*)
- أعتز كوني مزقتُ الستار عن وجه التاريخ المغيب بل المزيف ..!
- مع الأستاذ د.حسان عاكف -عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الع ...
- من جرّب المجرّب حلت به الندامة ..!
- الانفصال أم الاستقلال ..!
- دردشة أخوية مع الأخ عادل حبه ..!
- صناعة الرجل مهنة قديمة ، قدم ظهور الدولة على مرّ التاريخ الب ...
- رسالة مفتوحة إلى أخونا السيد مسعود البارزاني رئيس الإقليم .. ...
- ..! الجريمة أنواع
- حول الديمقراطية والاستقلال..!
- عبدالرزاق الصافي وزيرا متقاعدا ضمن فاتورة التصافي ,,!
- الموقف عن مجزرة بشت آشان 1/ آيار 1983 ..!
- الموسيقى إيقاع الروح ولغة الشعوب قاطبة ..!
- الجهل عدو الإنسان ..!
- سردشت الشهيد ، ليس شهيد كل العراقيين .. انما شهيد لكل أصحاب ...
- الأول من أيار .. هل يحق للعمال أن يحلموا!
- الأول من أيار .. ذكريات وشجون !


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوكت خزندار - بين ماضي واليوم 2