أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - في علم الاجتماع القبلي (8)















المزيد.....

في علم الاجتماع القبلي (8)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4299 - 2013 / 12 / 8 - 18:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وديع العبيدي
في علم الاجتماع القبلي (8)
من البحر إلى النهرين.. تغريبة الماء
"ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلتهم في المعاش."- ابن خلدون
تنتهي أطراف الصحراء العربية شمالا داخل الحدود العراقية الدولية اليوم، يحدّها مجرى نهر الفرات الذي يمتدّ كذراع طويلة حاملا همّ العراق من قبل ظهور البشر. إلى الشرق من نهر الفرات تمتدّ بحيرة كبيرة، في تسميتها وأصل نشأتها اختلاف، باختلاف المرجعيات البحثية. فمن معتقد أنها بقايا من بحر النجف، ومن قائل أنها بقية منحسر من مياه طوفان قديم. ومنهم من يقول أن الامتداد الأصلي لعنق الخليج كان يمتد قديما قريبا من موقع سامراء (سرّ من رأى) الحالية شمالي بغداد. ثم حدثت تغيرات جيولوجية ومناخية كان من أثرها تراجع نسبي تدريجي في جسم المياه، حتى استقرت على ما هي عليه عبر عشرات القرون أو أكثر. ويدعم هذا الرأي التصوير التوبوغرافي لسطح الأراضي العراقية الآخذ في الانخفاض والتحدّر من المرتفعات الشمالشرقية نحو الجنوب. ويزداد معدل الانحدار من بعد بغداد بمعدل أكثر.
هذا الرأي يدعم ظهور أقدم المستوطنات جنوبي العراق على حافات المياه أو داخلها، على النمط المتعارف حتى اليوم باسم (الجبايش) التي تعتمد بناء بيوت اصطناعية طافية على سطح المياه بشكل دائمي، تأخذ معه صورة قرية مائية، ويجري التنقل فيما بينها بواسطة قوارب ضيقة نحيفة لا تسع لأكثر من شخص أو أثنين، تدعى [شختورة، شخيتيرة].
نمط الحياة المائية في الجبايش أكثر تعقيدا وغرابة من نمط البداوة الصحراوية القاحلة، ومصدر الغرابة في الحالتين، هو سرّ دافع الانسان لترك الأرض اليابسة المنبسطة الخضراء، والانعزال وراء الصحراء الجافة أو داخل الماء.
لكن المقارنة بين النمطين جديرة بالأهمية، وسرّ الجدارة، يتركز في طبيعة الخصائص الاجتماعية والنفسية لكل من الجماعتين. فجفاف الصحراء وقيظها الحارق منعكس في جفاف طبائع البدو وأخلاقهم القاسية الراجحة للعنف باستمرار. بينما تتسم سكان المياه بالنعومة والسلاسة والسلمية على طول الخط. ورغم اتفاق الجماعتين في ميول العزلة ونزعة الخوف والارتياب من الغريب والغير. فأن سلاسة سكان المياه ورطوبة نفوسهم سرعان ما تذيب الحواجز وتربط العرى، تلك التي تبقى عائقا يابسا عند البدو مهما حاول المرء اختراقها.
طبيعة البيئة ونمط الحياة والطعام والعلاقات لها اثر مباشر في أنماط العادات والسلوك على الصعيد المباشر، يضاف لذلك العوامل الداخلية المتعلقة بالنفس واللاوعي والغيب الديني. مما يترتب عليه وجود اختلافات فكرية ونفسية واجتماعية بين أتباع كل بيئة عن سواها.
ثمة اعتقاد متزايد منذ التسعينيات، بوجود صلة ما بين سكان الأهوار العراقية كامتداد وإرث متصل بالسكان السومريين القدماء، أقدم الجماعات السكانية في المنطقة والسابقين في تأسيس المستوطنات والمدنيات والدول الأولى في التاريخ في الألف الرابعة قبل الميلاد. وتنتشر قرى (قضاء) الجبايش بين محافظتي ذيقار (الناصرية) والبصرة حيث يلتقي مجري الفرات ودجلة عند القرنة مشكلين شطّ العرب الذي يصبّ في ثغر الخليج.
يعتبر توينبي أن السومريين سبقوا المصريين القدماء تاريخيا في الاستيطان والتحضر وبناء الدول والجيوش والفكر الديني، رغم أن ظهور الاثنين كان متقاربا في الزمن. ويرى أن فنون الهندسة والكتابة والفكر الديني انتقلت من جنوبي العراق إلى مصر، بينما يشيد كذلك بجانب الاستقرار والتنظيم عند المصريين مقابل قصر فترات الاستقرار في العراق.
ففي وقت شبه متقارب، بدأت جماعات سكانية تتسم بالتنظيم والتعاون والارادة القوية، في شطف الغرين في جنوبي نهر الفرات ومنطقة دلتا النيل، مؤسسين بذلك أقدم مدنيات زراعية على سطح الأرض. والأسئلة هنا تتركز حول عناصر الخبرة والتنظيم الاجتماعي وفنون القيادة وقوة الارادة والنفس الطويل في العمل. فبزل الغرين عملية شاقة ومتعبة وتحتاج إلى عمل متواصل ولمدة طويلة.
ويعتقد توينبي أن العمل كان يجري على وجبات، تشارك فيها مجموعات عمالة بشرية كبيرة، مما يعكس حسن الادارة وقوة القيادة، ولا يخلو من عناصر الاهتمام والرعاية والتمويل للعمال وعوائلهم خلال مدة العمل الطويلة. أي ان المشرفين على العمل كانت لهم مصادر دخل كبيرة ومستمرة [رأسمال متراكم]، إلى جانب عناصر الخبرة والسياسة.
مثل هذا العمل المؤشر تاريخيا في الألف الرابعة قبل الميلاد، يقتضي تاريخا أكثر قدما لوجود السكان في تلك المناطق. وهي الفترة التي سمحت لهم بدراسة ظروف المكان وعناصر جدوى المشروع، ونوعية الخبرات اللازمة لانجاز مثل تلك المشاريع الصناعية الجبارة الأولى.
ان تأمل الخطوات الأولية والدراسات السابقة لبدء تنفيذ حفر قناة السويس مثلا [1859- 1869م]، يكشف مدى أهمية التخطيط والادارة والتمويل والتنظيم والقيادة في مشروع ضخم وغير عادي. رغم أن مشروع قناة السويس الحديث نسبيا مقارنة بالمشاريع الزراعية الأولى في الدلتا، انتهى إلى سحابة من الأزمات والاشكاليات التي غطت سماء مصر ودفعتها في نفق من الأزمات استمرت آثاره وانعكاساته حتى زمن قريب.
أنشأ السومريون مملكة واسعة امتدت شمالا مع مجرى النهرين، وجنوبا نحو الخليج. وعملت على تسويق منتجاتها الزراعية وغير الزراعية خارج حدودها، وكان لها مبادلات تجارية تصل إلى مصر وجنوبي الخليج، رافقها انتقال كثير من مظاهر الحضارة والعلوم والمكتشفات الحديثة مما تحقق على أرضها، كاكتشاف العجلة وشيّ الطين وتقدير الزمن وتقسيمات اليوم والعام وقاعدة الستين في الحساب ومقاييس الفلك والخطوط المسمارية التي انتشرت في أرجاء العالم القديم لمدة طويلة ترتبت عليها تطور اللغات وظهور الأبجدية وقاعدة المربع في البناء، إضافة لانشاء المعابد والزقورات والقصور وكثير من فنون الحياة وخصائصها المستمرة حتى اليوم بتغيير طفيف، انتهاء بوضع الدساتير وصياغة القوانين التي كانت تمهيدا لمسلة حمورابي (1790ق. م.) في العهد البابلي.
وفي الجانب الزراعي استخدم السومريون منظمات المياه وأنشأوا السدود في أعالي الفرات حسب تنقيبات الدكتور المهندس أحمد سوسة، الذي ساهم في بعثات تنقيبية في الأراضي العراقية والسعودية في النصف الأول من القرن المنصرم، جمع نتائجها في أربعة كتب قيّمة.
الوركاء.. أور.. أريدو.. الناصرية.. النصر.. نقاط حضرية وتاريخ عميق وعريق.. بينها وبين مركز نجد خط صحراوي مستقيم هو البادية.. لكنه يجمع طرفي نقيض من الحضارة والعمران المدني والمرجعيات الفكرية والدينية المتعارضة.
والغريب.. أن أول خط اتصال العرب بالعراق كان عبر هذه النقطة.. أولى المعارك وبوابات الاختراق. القادسية وذيقار ومعركة الجمل متقاربة من بعضها في علاقة البدو بقلب الحضارة-[صراع البداوة الحضارة حسب ابن خلدون]-، والذي تخلده حتى اليوم مراكز البطحاء وتلّ اللحم. لذلك نفر العرب من جغرافيا سومر وذيقار، لبناء معسكرات الجيش الجديد في طرف البصرة، من جهة (قضاء) الزبير من آثار الخلافات البدوية.
ما يقتضي التنويه.. ان سومر وحضارتها المؤسسة كانت في فجر التاريخ.. قبل آلاف السنين من الظهور البدوي المتأخر.. عقب السبات العراقي الحضاري منذ الغزو السكندري، غير بعيد من السبات الراهن منذ الغزو الأمريكي، وارتفاع رايات البدو.
Wadiobeadiblogspot.com



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في علم الاجتماع القبلي (7)
- في علم الاجتماع القبلي (6)
- في علم الاجتماع القبلي (5)
- في علم الاجتماع القبلي (4)
- في علم الاجتماع القبلي (3)
- في علم الاجتماع القبلي (2)
- في علم الاجتماع القبلي (1)
- مصر ونظرية الأمن القومي الستراتيجي
- أوراق شخصية (5)
- هل الدمقراطية كلمة عربية؟!..
- أوراق شخصية (4)
- الدين (و) الاستعمار
- أوراق شخصية (3)
- أوراق شخصية (2)
- مصر (و) أمريكا.. من يحتاج من؟..
- أوراق شخصية
- اسألوا الشعب ماذا يريد: اشتراكية.. أم دمقراطية – (5)
- اسألوا الشعب ماذا يريد: اشتراكية.. أم دمقراطية – (4)
- اسألوا الشعب ماذا يريد: اشتراكية.. أم دمقراطية – (3)
- اسألوا الشعب ماذا يريد: اشتراكية.. أم دمقراطية – (2)


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - في علم الاجتماع القبلي (8)